مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1993 إلى أخر فبراير سنة 1994) - صـ 299

(26)
جلسة 28 من نوفمبر سنة 1993

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي فؤاد الخادم - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: محمد معروف محمد، والسيد محمد السيد الطحان، وادوارد غالب سيفين، وأحمد عبد العزيز أبو العزم - المستشارين.

الطعن رقم 1890 لسنة 32 القضائية

( أ ) اختصاص - ما يدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - المنازعات الإدارية. (دستور).
المادة 10 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 - أضحى مجلس الدولة بموجب الدستور والقانون المنفذ له صاحب الولاية العامة بنظر المنازعات الإدارية بحسبانه القاضي الطبيعي والمؤهل في هذا النوع من المنازعات وقاضي القانون العام - أفصحت البنود (أولاً) حتى (ثالث عشر) من المادة 10 عن منازعات إدارية معينة ألمحت إليها بصريح النص على سبيل المثال واستوت منازعات إدارية بنص القانون لا يقبل خلف على كنهها أو تكييفها غير أنها لا تستوي وحدها كل المنازعات الإدارية التي ينبسط اختصاص مجلس الدولة شاملاً لها - اختصاص مجلس الدولة بسائر المنازعات الإدارية مما لا يدخل في عداد البنود المذكورة - تطبيق.
(ب) اختصاص - ما يدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - العمل المادي التنفيذي.
مجال التمييز بين القرار الإداري الذي يكون مستهدفاً بدعوى الإلغاء وبين العمل المادي التنفيذي الذي يدخل في عداد المنازعات الإدارية - قرار إداري - تعريفه - قد يكون القرار الإداري ضمنياً أو سلبياً عندما ترفض الجهة الإدارية أو تمتنع عن اتخاذ إجراء كان من الواجب عليها اتخاذه بحكم القانون - يتعين لقيام القرار السلبي أن يكون ثمة إلزام على الجهة الإدارية اتخاذ قرار معين - لا يكون من القرارات الإدارية النهائية التي يختص مجلس الدولة بنظرها الأعمال المادية التي لا يقصد بها تحقيق آثار قانونية وإن رتب عليها القانون آثاراً معينة - أساس ذلك: أن هذه الآثار يكون مصدرها إرادة المشرع مباشرة لا إرادة الإدارة - مثال - عدم تنفيذ جهة الإدارة لمقتضى نصوص القرار الجمهوري رقم 128 لسنة 1960 ليس قراراً إدارياً سلبياً بالمعنى الفني الدقيق بل هو عمل تنفيذي مادي تقاعست جهة الإدارة عن اتخاذه - لا يستوجب ذلك القضاء بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري - أساس ذلك: أن حقيقة الطلبات في ضوء تكييف المحكمة لها هو طلب إلزام جهة الإدارة بتسليم المدعي أمواله نفاذاً للقرار الجمهوري المشار إليه وهو ما يدخل في عداد المنازعات الإدارية التي يختص بها مجلس الدولة - تطبيق.
(جـ) محكمة الثورة - العفو عن بعض العقوبات - نطاقه.
قرار رئيس الجمهورية رقم 128 لسنة 1960 بالعفو عن بعض العقوبات المحكوم بها من محكمة الثورة ومحكمة الغدر وعن كافة الآثار والعقوبات التبعية المترتبة عليها - ينصرف نطاق قرار رئيس الجمهورية رقم 128 لسنة 1960 إلى ما بقى من العقوبات المحكوم بها والتي لم يستكمل تنفيذها وإلي كافة الآثار والعقوبات التبعية المترتبة على العقوبات المحكوم بها - هذه العقوبات جميعها لها مسمياتها الخاصة بها وإن سميت بالمسميات الواردة في قانون العقوبات - الآثار في هذا الصدد تختلف عن العقوبات التبعية وتنصرف إلى كافة ما يترتب على الحكم ولو لم يصدق عليه وصف العقوبات التبعية - أساس ذلك: حرص قرار العفو على النص عليها جنباً إلى جنب مع العقوبات التبعية - نتيجة ذلك: عقوبة المصادرة المحكوم بها وقد ترتب عليها أيلولة الأموال المصادرة إلى الدولة فإن قرار العفو وقد انصب على هذه الآثار يستتبع رد تلك الأموال لإزالة هذا الأثر نزولاً على أحكام القرار - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 24 من إبريل سنة 1986 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعنين بصفاتهم قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1890 لسنة 32 ق. ع في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" بجلسة 25/ 2/ 1986 في الدعويين رقمي 1566، 1948 لسنة 31 ق والقاضي أولاً: في الدعوى رقم 1566 لسنة 31 ق بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي المطعون عليه فيما تضمنه من عدم تسليم المدعيين أموال مورثهما السابق مصادرتها وما يترتب على ذلك من آثار وبتعويض المدعيين مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت عن الأضرار المادية التي أصابتهما من جراء هذا القرار وألزمت الجهة الإدارية المصروفات. ثانياً: في الدعوى رقم 1948 لسنة 31 ق بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي المطعون عليه فيما تضمنه من عدم تسليم المدعية أموالها المصادرة من مجوهرات وغيرها التي امتد إليها حكم محكمة الثورة بالتبعية لزوجها المرحوم/ ............ المحكوم عليه بهذه العقوبة من المحكمة المذكورة وبعدم جواز نظر الدعوى في خصوص طلب إلغاء حكم محكمة الثورة فيما تضمنه من مصادرة أموال المدعية وألزمت طرفي الخصومة المصروفات مناصفة.
وطلب الطاعنون - بصفاتهم - لما ورد بتقرير الطعن من أسباب - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً: بعدم قبول الدعويين رقمي 1566، 1948 لسنة 31 ق لانتفاء القرار الإداري الجائز الطعن عليه، واحتياطياً: برفض الدعويين مع رفض طلب التعويض وإلزام المطعون ضدهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقد أعلن المطعون ضدهما بالطعن على الوجه المبين بالأوراق.
قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 6 من يناير سنة 1992، وبجلسة 28 من سبتمبر سنة 1992 تقرر إحالة الطعن إلى هذه المحكمة والتي نظرته بجلسة 18 من أكتوبر سنة 1992 وبالجلسات التالية على النحو المبين بمحاضر الجلسات إلى أن قررت بجلسة 17 من أكتوبر سنة 1993 إصدار الحكم بجلسة اليوم 28/ 11/ 1993 وبها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
من حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بموجب صحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 25/ 6/ 1977 أقامت المدعيتان (المطعون ضدهما) الدعوى رقم 1566 لسنة 31 ق بطلب الحكم بإلغاء القرار السلبي بامتناع الإدارة عن تسليم أموال المرحوم/ ......... وزوجته وابنته وما يترتب على ذلك من آثار وبإلزام الإدارة بأن تدفع لهما مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت نظير الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بهما من جراء القرار المذكور وإلزام الإدارة المصروفات.
وذكرت المدعيتان شرحاً لدعواهما أنه بتاريخ 6/ 2/ 1960 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 128 لسنة 1960 بالعفو عن باقي العقوبات المحكوم بها من محكمة الثورة ومن محكمة الغدر وعن كافة الآثار والعقوبات التبعية المترتبة عليها وكان اسم المرحوم/ .......... من بين الأسماء التي شملها العفو، وقد نص القرار على أن يعمل به من تاريخ صدوره غير أن الإدارة امتنعت عن إصدار قرار بتسليم أموال المرحوم/ ........ وأموال زوجته السابق مصادرتها كعقوبة تكميلية للعقوبة التي كان محكوماً بها ضده، وأن أمر تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 128 لسنة 1960 بالعفو عن باقي العقوبات قد عرض على الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بجلستها المنعقدة بتاريخ 2/ 7/ 1975 فانتهت إلى أن قرار العفو وفقاً لصريح نصه ينصرف إلى ما بقى من العقوبات المحكوم بها من محكمة الثورة التي لم يستكمل تنفيذها وكذلك إلى كافة الآثار والعقوبات التبعية المترتبة على العقوبات المحكوم بها جميعاً وأن عقوبة المصادرة بوصفها إحدى العقوبات المحكوم بها على هؤلاء قد ترتب عليها أيلولة الأموال المصادرة إلى الدولة. وقد ظلت هذه العقوبات منتجة لآثارها فيما يتعلق بالملكية إلى تاريخ صدور قرار العفو المشار إليه ومن مقتضى تنفيذ هذا القرار هو رد ما بقى من أموال العفو عنهم التي آلت إلى الدولة بمقتضى حكم المصادرة وكذلك ما استحق من ريع وثمار من تاريخ قرار العفو.
وأضافت المدعيتان أنهما في يونيه سنة 1974 تقدمتا إلى مدير الأموال المستردة بطلب معاملتهما أسوة بالسيد/ ........ رئيس مجلس الوزراء الأسبق وتسليمهما أموالهما السابق مصادرتها وكذلك أموال مورثهما، كما سبق أن تقدمتا في 19/ 10/ 1971 بطلب إلى رئيس الجمهورية ولرئيس مجلس الوزراء في هذا الخصوص، إلا أن الإدارة امتنعت عن التسليم بالرغم من التزامها قانوناً بذلك وهو ما يشكل قرار إداري سلبي مخالفاً للقانون ويحق لهما طلب إلغائه كما أن هذا القرار قد الحق بهما وبمورثهما الذي توفى في مارس سنة 1964 أضراراً أدبية تمثلت في الإساءة إليهما رغم العفو عن العقوبة المحكوم بها وأضرار مادية تمثلت في حرمانهما من تسلم أموالهما وأموال مورثهما للانتفاع بها ومن تسلم غلاتها كما تمثلت كذلك في تصرف الإدارة بالبيع في بعض تلك الأموال دون وجه حق وبأثمان بخسة ومن ثم فإنه يحق لهما أن يطلبا الحكم بإلزام المدعى عليه (وزير المالية بصفته) أن يدفع لهما مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت نظير الأضرار المشار إليها.
وبصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 10/ 9/ 1977 أقامت المدعية........... الدعوى رقم 1948 لسنة 31 ق طالبة فيها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن تسليمها المجوهرات المصادرة تنفيذاً لحكم محكمة الثورة الصادر في 19/ 10/ 1953 وفي الموضوع أصلياً: الحكم بإلغاء القرار الصادر من محكمة الثورة بمصادرة أموالها واحتياطياً: الحكم بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تسليمها أموالها المصادرة وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المدعى عليهم بالمصاريف شاملة أتعاب المحاماة. وذكرت المدعية شرحاً لدعواها أن المرحوم زوجها كان يعمل مستشاراً صحفياً للقصر الملكي منذ سنة 1946 وحتى قيام الثورة سنة 1952 ثم أدين من محكمة الثورة وصادرت أملاكه وأملاك زوجته (المدعية) والتي وردت على سبيل الحصر من عقارات وأسهم وسندات ومجوهرات رغم أن هذه المصادرة بالنسبة للزوجة ليس لها أي سند حيث لم ينسب لها أية تهمة أو اتهام. وقد استقر الفقه والقضاء على تجريد محكمة الثورة من وصف المحكمة واعتبرت أحكامها مجرد قرارات إدارية، وأنه قد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 128 لسنة 1960 بالعفو عن باقي العقوبات المحكوم بها من محكمة الثورة وعن كافة العقوبات التبعية المترتبة عليها وشمل هذا العفو زوجها ومورثها المرحوم........ إلا أن الجهة الإدارية امتنعت عن رد أموالها التي صودرت وخاصة المجوهرات والمثبتة في السجلات الرسمية الأمر الذي حدا إلى إقامة دعواها بطلباتها سالفة الذكر.
وبجلسة 25/ 2/ 1986 صدر الحكم المطعون فيه السالف بيان منطوقه، وقد أقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للدعوى رقم 1566 لسنة 31 ق. على أنه بتاريخ 2/ 6/ 1960 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 128 لسنة 1960 متضمناً النص في مادته الأولى على أن يعفى عن باقي العقوبات المحكوم بها من محكمة الثورة ومحكمة الغدر وعن كافة الآثار والعقوبات التبعية المترتبة عليها بالنسبة للأشخاص المبينة أسماؤهم بالكشوف المرافقة. وقد ورد اسم مورث المدعيتين ضمن تلك الكشوف وقد سبق أن حكمت محكمة الثورة بجلستها المنعقدة بتاريخ 18/ 10/ 1953 بمعاقبة مورث المدعيتين بالأشغال الشاقة المؤبدة وبرد ما استولى عليه هو وزوجته من أموال الشعب إلى الشعب وذلك بمصادرة كل ما زاد من أملاكهما وأموالهما عما كانا يمتلكانه في 27 مايو سنة 1946 وقد وافق مجلس قيادة الثورة في ذات التاريخ على الحكم، ومن ثم فإنه من المتعين على جهة الإدارة تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 128 لسنة 1960 على مقتضى ما يرتبه من أحكام بمراعاة الضوابط التي يلزم إتباعها في تنفيذه وذلك برد الأموال المصادرة لمورث المدعيتين بمقتضى هذا الحكم وتسليمها لهما، وإذا لم تقدم جهة الإدارة الدليل الثبوتي على قيامها بتسليم المدعيتين أموال مورثهما السابق مصادرتها تنفيذاً لذلك الحكم ولم تكشف أوراق الدعوى ومستنداتها عن قيام الإدارة بإجراء إتمام هذا التسليم كما لم تدحض من جانبها بدليل معتبر ادعاء المدعيتين بأنهما لم يتسلما أموال مورثهما المصادرة فمن ثم يشكل مسلك الإدارة والحالة هذه قراراً إدارياً سلبياً بالامتناع عن رد وتسليم المدعيتين الأموال المصادرة لمورثهما تنفيذاً لقرار رئيس الجمهورية سالف الذكر وما يقضي به في هذا الخصوص مما ينطوي على مخالفة لأحكام ذلك القرار ويصم قرارها السلبي بالامتناع عن إجراء هذا التسليم بعيب مخالفة القانون مما يبطله ويجعله خلقياً بالإلغاء، وأضافت المحكمة - بالنسبة لطلب التعويض - أنه لا مراء في قيام ركن الخطأ في جانب الإدارة وقد ثبت عدم مشروعية القرار المطعون فيه حسبما سلف بيانه - كما أن ركن الضرر قائم أيضاً بالمدعيتين لما سببه هذا القرار من حرمانهما من الانتفاع بأموالهما دون تسليم غلاتها في الوقت المناسب بعد صدور قرار العفو عن مورثهما مما يتحقق معه بالنسبة لهما الضرر المادي اللاحق بهما من جراء القرار الطعين وهذا الضرر المادي يكفي في حد ذاته للقضاء لهما بتعويض مؤقت قدره قرش صاغ واحد.
وبالنسبة للدعوى رقم 1948 لسنة 31 ق فقد أقامت المحكمة قضاءها على أنه ترتيبًا على مقتضى تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 128 لسنة 1960 فقد غدا من حق المدعية (........ أرملة المرحوم...........) المحكوم ضدها من محكمة الثورة بمصادرة أموالها بالتبعية له أن ترد إليها أموالها المصادرة من مجوهرات وخلافه، وإذ أقرت جهة الإدارة على ما يبين من الأوراق أن مجوهرات المدعية المصادرة محفوظة بوزارة الثقافة حيث سلمت إلى هذه الوزارة ضمن مجوهرات أسرة محمد على ولم يتم التصرف فيها بالبيع فمن ثم وجب أن ترد إلى المدعية تلك المجوهرات بحسب حقيقة وصفها ونوعها التي تم جردها عليه تنفيذاً لحكم المصادرة أي بالحالة التي كانت عليها في الواقع وحقيقة الأمر عند مصادرتها دون أدنى استبدال أو تغيير فيها حتى يكون تسليم تلك المجوهرات إلى صاحبتها تسليماً حقيقياً لا صورياً، وإذ كان البادي من تقصي أوراق الدعوى وما قدم فيها من مستندات أن الجهة الإدارية لم ترد بعض مجوهرات المدعية بحسب المواصفات التي كانت عليها عند مصادرتها وهو ما حدا بالمدعية إلى الامتناع عن تسلمها بمقولة أنها استبدلت بغيرها أثناء مدة المصادرة فمن ثم ينطوي هذا المسلك من جانب الإدارة على عدم تنفيذها لقرار رئيس الجمهورية سالف الذكر في حق المدعية التنفيذ الصحيح الذي يتفق ومقتضى أحكامه التي رتبها ويتفق في ذات الوقت مع الغرض الذي رمى هذا القرار إلى تحقيقه من وراء العفو عن العقوبات وما يؤدي بحسب الواقع والقانون بالنسبة للمدعية من ترتيب التزام قانوني لصالحها قبل الإدارة مؤداه وجوب تسليم تلك المجوهرات إليها بوضعها الحقيقي التي كانت عليه عند مصادرتها، ولا مراء في أن عدم تسليم مجوهرات المدعية بالصورة التي يجب أن تتم عليها يشكل قبل الإدارة قراراً سلبياً بالامتناع عن تسليم المدعية تلك المجوهرات بالمخالفة لصحيح حكم قرار رئيس الجمهورية السالف البيان الأمر الذي يصم القرار بعدم المشروعية لمخالفة حكم القانون على نحو يعيبه فيبطله ويجعله خليقاً بالإلغاء.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وذلك للأسباب الآتية:
أن ما صدر عن جهة الإدارة لا يعد قراراً إدارياً أصلاً سلباً كان أو إيجاباً يمكن أن توجه إليه دعوى الإلغاء بل أنه وبحسب تكييفه القانوني الصحيح يعد عملاً تنفيذياً للقرار الجمهوري رقم 128 لسنة 1960 وأن القول بوجود قرار سلبي بالامتناع أمر لا يؤدي إليه واقع ولا يسنده قانون ويكون قضاء الحكم المطعون فيه بقبول الدعوى والحال كذلك قد أخطأ مما يستوجب إلغاؤه والحكم بعدم قبول الدعويين لانتفاء القرار الإداري الجائز الطعن عليه.
2 - أن القرار الجمهوري المشار إليه وقد صدر بالعفو عن العقوبات الصادرة من محكمة الثورة بالنسبة لمورث المطعون ضدهما فإن دور جهة الإدارة ينحصر في اتخاذ الإجراءات التنفيذية لهذا القرار، وجهة الإدارة بسبيلها لتنفيذ ذلك القرار وقامت بالفعل باتخاذ الإجراءات اللازمة لتسليم الأموال المصادرة للمطعون ضدهما وإن استغرقت هذه الإجراءات وقتاً طويلاً فمرد ذلك إلى صعوبات كثيرة لا يد لجهة الإدارة فيها ترجع إلى تعدد التصرفات والقوانين الخاصة بالإصلاح الزراعي عن الأراضي الخاضعة لها، ولاختلاف الرأي بخصوص القواعد المتبعة في رد هذه الأموال وضرورة إثبات صفة المسترد وصلته بالمحكوم عليه إلى غير ذلك من معوقات.
3 - أن امتناع الإدارة غير قائم في حقها ومن ثم لا يوجد خطأ في جانبها الأمر الذي ينهار معه الركن الأول من أركان المسئولية بالتعويض، كما أنه عن ركن الضرر فالأصل أن يتحمل الناس بغية أعمال الإدارة المشروعة مهما بلغ الضرر المترتب عليها من جسامة فلا يستوجب التعويض، وتبعاً لذلك يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض طلب التعويض.
ومن حيث إنه عن وجه الطعن الذي ساقته الجهة الطاعنة بأن ما صدر عن جهة الإدارة لا يعد قراراً إدارياً أصلاً سلباً كان أو إيجاباً يمكن أن توجه إليه دعوى الإلغاء - بل يعد عملاً تنفيذاً للقرار الجمهوري رقم 128 لسنة 1960 ويكون قضاء الحكم المطعون فيه بقبول الدعوى والحال كذلك قد أخطأ مما يستوجب إلغاؤه والحكم بعدم قبول الدعويين لانتفاء القرار الإداري الجائز الطعن عليه وطبقاً لصريح نص المادة 172 من الدستور والمادة العاشرة بجميع فقراتها وخاصة الفقرة (14) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 فإن مجلس الدولة أضحى بما عقد له من الاختصاص بموجب الدستور وصحيح القانون المنفذ له صاحب الولاية العامة بنظر سائر المنازعات الإدارية بحسبانه القاضي الطبيعي والمؤهل في هذا النوع من المنازعات وقاضي القانون العام في هذا الشأن، ولئن كانت المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة المشار إليه قد أفصحت في البنود (أولاً) حتى (ثالث عشر) عن منازعات إدارية معينة ألمحت إليها بصريح النص، فلا يعدو الأمر أن تكون هذه المنازعات قد وردت على سبيل المثال واستوت منازعات إدارية بنص القانون لا يقبل خلف على كنهها أو تكييفها، بيد أنها لا تستوي وحدها كل المنازعات الإدارية التي ينبسط اختصاص مجلس الدولة شاملاً لها جميعاً طبقاً لصريح نص البند (رابع عشر) من قانون المجلس والمادة 172 من الدستور.
ومن حيث إنه في مقام التمييز بين القرار الإداري الذي يكون مستهدفاً بدعوى الإلغاء وبين العمل المادي التنفيذي الذي يدخل في عداد المنازعات الإدارية التي يختص بنظرها مجلس الدولة فإن المحكمة تكرر ما استقر عليه القضاء بأن القرار الإداري هو إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد أحداث أثر قانوني معين متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً، وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة، وقد يكون القرار بهذا التعريف ضمنياً أو سلبياً وذلك عندما ترفض الجهة الإدارية أو تمتنع عن اتخاذ إجراء كان من الواجب عليها اتخاذه بحكم القانون بمعنى أنه يتعين لقيام القرار السلبي أن يكون ثمة إلزام على الجهة الإدارية باتخاذ قرار معين وأن تقصد إلى تحقيق آثار قانونية ومن ثم لا يكون من القرارات الإدارية النهائية التي يختص مجلس الدولة بنظرها الأعمال المادية التي لا يقصد بها تحقيق آثار قانونية وإن رتب عليها القانون آثاراً معينة لأن الآثار يكون مصدرها إرادة المشرع مباشرة لا إرادة الإدارة ومن ثم فإن عدم تنفيذ جهة الإدارة لمقتضى نصوص القرار الجمهوري رقم 128 لسنة 1960 ليس قراراً إدارياً سلبياً بالمعنى الفني الدقيق بل هو عمل تنفيذي مادي تقاعست جهة الإدارة عن اتخاذه على أن ذلك لا يستوجب القضاء بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري - لأن حقيقة الطلبات في الدعويين في ضوء من حقيقة التكييف السابق والذي تستقل به المحكمة - هو طلب المدعيتين إلزام جهة الإدارة بتسليمها أموالها نفاذاً للقرار الجمهوري آنف البيان وهو ما يدخل في عداد لمنازعات الإدارية التي يختص بها مجلس الدولة ومن ثم يتعين الالتفات عن هذا الوجه من الطعن.
ومن حيث إنه عن الموضوع فقد صدر بتاريخ 2 من يونيه سنة 1960 قرار رئيس الجمهورية رقم 128 لسنة 1960 متضمناً النص في المادة الأولى على أن "يعفى من باقي العقوبات المحكوم بها من محكمة الثورة ومحكمة الغدر وعن كافة الآثار والعقوبات التبعية المترتبة عليها بالنسبة للأشخاص المبينة أسماؤهم بالكشوف المرافقة" وقد ورد اسم مورث المطعون ضدهما ضمن تلك الكشوف وقد سبق أن حكمت محكمة الثورة بجلستها المنعقدة بتاريخ 18/ 10/ 1953 بمعاقبة مورث المطعون ضدهما بالأشغال الشاقة المؤبدة وبرد ما استولى عليه هو وزوجته من أموال الشعب إلى الشعب وذلك بمصادرة كل ما زاد من أملاكها وأموالها عما كانا يمتلكانه في 27 من مايو سنة 1946 وقد وافق مجلس قيادة الثورة في ذات التاريخ على الحكم.
ومن حيث إن نطاق العفو كما حدده قرار رئيس الجمهورية رقم 128 لسنة 1960 ووفقاً لصريح نصه ينصرف إلى ما بقى من العقوبات المحكوم بها من محكمة الثورة والتي لم يستكمل تنفيذها وكذلك إلى كافة الآثار والعقوبات التبعية المترتبة على العقوبات المحكوم بها وهي جميعها عقوبات لها مسمياتها الخاصة وإن سميت بالمسميات الواردة في قانون العقوبات، وأن الآثار في هذا الصدد تختلف عن العقوبات التبعية وتنصرف إلى كافة ما يترتب على الحكم ولو لم يصدق عليه وصف العقوبات التبعية وإلا لما حرص قرار العفو على النص على الآثار - جنباً إلى جنب مع العقوبات التبعية وعقوبة المصادرة المحكوم بها على هؤلاء ومن بينهم مورث المطعون ضدهما قد ترتب عليها أيلولة الأموال المصادرة إلى الدولة وقد ظلت هذه العقوبة منتجة لآثارها فيما يتعلق بالملكية إلى تاريخ صدور قرار العفو المشار إليه ومن ثم فإن العفو وقد انصب على هذه الآثار يستتبع رد أموالهم إزالة لهذا الأثر نزولاً على أحكام ذلك القرار.
ومن حيث إنه تأسيساً على ذلك فإن مقتضى تنفيذ قرار العفو هو رد ما بقى من أموال المعفو عنهم ومنهم مورث المطعون ضدهما التي آلت إلى الدولة بمقتضى حكم المصادرة وكذلك ما استحق من ريع وثمار من تاريخ صدور قرار العفو ومنها ما تحصل من أجرة العقارات ولو كان المستأجر هو المالك نفسه مخصوماً منها المصروفات التي أنفقت في تحصيلها وذلك بمراعاة أحكام التقادم بالتطبيق للمادتين 187، 375/ 2 من القانون المدني بحسب الأحوال. أما فيما يتعلق بالأموال التي تصرفت فيها الدولة للغير تصرفاً ناقلاً للملكية فإنه يتعين بالنسبة لها التفرقة بين حالتين الأولى: تتناول ما تم التصرف فيه قبل صدور قرار العفو وهذا التصرف وهو صادر من مالك لا يجوز الرجوع فيه ويقتصر حق العفو على استرداد صافي المقابل الذي حصلت عليه الدولة فعلاً لقاء التصرف دون الريع والثمار باعتبار أن الدولة في هذه الحالة في حكم الحائز حسن النية، والثانية: تتعلق بالتصرفات بعد قرار العفو وهذه التصرفات لا تسري في حق المالك الذي ارتفع أثر المصادرة عن ملكه بالعفو ما لم يتعطل حقه في استرداد هذه الأموال وثمارها أو ريعها طبقاً لقواعد الحيازة بشروطها المنصوص عليها في القانون المدني وفي هذه الحالة يترتب له حق قبل الدولة في الحصول على تعويض بقدر القيمة السوقية لها في تاريخ البيع وكذلك الأمر بالنسبة لاستحقاق مقابل الثمار المتولدة عنها ومن المعلوم أن رد تلك الأموال عيناً أو التعويض عنها في جميع الأحوال إنما يكون في حدود ما تقضي به قوانين الإصلاح الزراعي وقانون مصادرة أموال أسرة محمد علي وقانون تصفية الأوضاع الناشئة عن الحراسة بالنسبة لما يكون منهم قد خضع لأي من هذه القوانين وأن ما تصرفت فيه الدولة من أراضي زراعية عن طريق توزيعها على صغار الفلاحين استناداً لقانون الإصلاح الزراعي ينتج أثره في صدد نقل الملكية بمجرد اعتماده من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك حسبما تقدم جميعه فقد بات من المتعين على جهة الإدارة تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 128 لسنة 1960 المشار إليه على مقتضى ما يرتبه من أحكام بمراعاة الضوابط التي يلزم إتباعها في تنفيذه، حسبما سلف بيانه وذلك بالتزام جهة الإدارة برد الأموال المصادرة لمورث المطعون ضدهما بمقتضى الحكم الصادر ضده من محكمة الثورة في هذا الخصوص وتسليمها لهما وكذا تلتزم الإدارة برد الأموال بما فيها المجوهرات وخلافه الخاصة بالسيدة/ ........ التي تمت مصادرتها بحكم محكمة الثورة بالتبعية لزوجها. وإذ لم تقدم جهة الإدارة دليلاً على قيامها بتسليم المطعون ضدهما أموالهما السابق مصادرتها فقد ورد قولها مرسلاً في الطعن - بأنها بسبيلها لتنفيذ القرار الجمهوري واتخذت الإجراءات اللازمة لتسليم الأموال ويغدو عسيراً على الفهم ومجافياً لما يتعين أن تتصف به الإدارة من القدوة في تنفيذ التشريعات فلا يتصور أن تظل الإدارة قرابة الثلاثين عاماً بصدد اتخاذ الإجراءات للتنفيذ، كما لم تقدم ثمة دليل يبين الصعوبات التي صادفتها والإجراءات التي أتبعت للتنفيذ وهو ما يصم مسلكها بعيب مخالفة القانون مما يبطله.
ومن حيث إنه عن التعويض بمبلغ قرش صاغ واحد فالمادة 163 من القانون المدني تنص على أن كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض، ولما كان امتناع جهة الإدارة عن تنفيذ مقتضى القرار الجمهوري رقم 128 لسنة 1960 سالف البيان وعدم تسليم المطعون ضدهما أموالهما يشكل ركن الخطأ في جانب جهة الإدارة، كما أصابها الضرر المادي من جراء حرمانهما من الانتفاع بأموالهما ومن تسلم غلاتها فور صدور قرار العفو رقم 128 لسنة 1960 وقامت علاقة السببية بين الخطأ والضرر مما يستوجب تعويضيهما - حسب طلباتهما - بمبلغ قرش صاغ واحد.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى ذات النتيجة السابقة ومن ثم يكون الطعن عليه على غير أساس جديراً بالرفض مع إلزام الجهة الإدارية مصروفات الطعن عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.