مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1959 إلى آخر مايو سنة 1959) - صـ 1309

(114)
جلسة 23 من مايو سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف المستشارين.

القضية رقم 587 لسنة 4 القضائية

قرار إداري - سحبه - جواز سحب قرار فصل الموظف سواء أكان صحيحاً أو غير صحيح - أساس ذلك.
إن قرار الفصل سواء اعتبر صحيحاً أو غير صحيح فسحبه جائز على أي الحالين؛ لأنه إذا اعتبر مخالفاً للقانون فلا جدال في جواز سحبه؛ إذ السحب يكون مقصوداً به مفاداة الإلغاء القضائي؛ ولأنه إذا اعتبر مطابقاً للقانون فالسحب هنا جائز استثناء؛ إذ ولو أن الأصل أن السحب لا يتم إعمالاً لسلطة تقديرية، إلا أنه من الجائز إعادة النظر في قرارات فصل الموظفين وسحبها لاعتبارات تتعلق بالعدالة؛ لأن المفروض أن تنقطع صلة الموظف بالوظيفة بمجرد فصله، وأنه يجب لإعادته إلى الخدمة صدور قرار جديد بالتعيين، ولكن قد يحدث خلال فترة الفصل أن تتغير شروط الصلاحية التعيين، وقد يغدو أمر التعيين مستحيلاً أو قد يؤثر الفصل تأثيراً سيئاً في مدة خدمة الموظف أو في أقدميته، ومن جهة أخرى قد تتغير الجهة التي تختص بالتعيين فتصبح غير تلك التي فصلت الموظف، وقد لا يكون لديها الاستعداد لإصلاح الأذى الذي أصاب الموظف بفصله، أو غير ذلك من اعتبارات العدالة التي توجب علاج هذه النتائج الضارة.


إجراءات الطعن

في 26 من مايو سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم بجلسة 27 من مارس سنة 1958 في الدعوى رقم 2527 لسنة 2 ق المرفوعة من فهمي يس محمد ضد وزارة التربية والتعليم، القاضي "باعتبار مدة خدمة المدعي السابقة على فصله سنة 1943 ومدة خدمته الحالية متصلة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، ومع إلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 5 من يوليه سنة 1958، وللمدعي في 26 منه، وعين لنظر جلسة 4 من أبريل سنة 1959، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، ثم أرجات النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي قدم تظلماً إلى اللجنة القضائية لوزارة التربية والتعليم قيد برقم 2527 لسنة 2 القضائية، قال فيه إنه عين في 23 من نوفمبر سنة 1926 رئيساً لإحدى المدارس الإلزامية، وفي 8 من يوليه سنة 1943 قدمت ضده شكوى مجهولة بأنه يتقاضى علاوة غلاء معيشة بدون وجه حق؛ إذ كانت إحدى كريماته غضبى ثم طلقت وأصبحت مقيمة معه، فأدرجها بإقرار الحالة الاجتماعية، ففصلته الوزارة لهذا السبب. ولما تبينت الوزارة أنه قد ظلم أعادته إلى نفس عمله وبمرتبه الذي كان يتقاضاه وكانت مدة الفصل 57 يوماً فقط، ولما طالب بضم مدة خدمته السابقة أفهم بأن إعادته تعتبر تعييناً جديداً، ولما كان هذا القول يخالف المنشورات المالية فقد قدم تظلمه طالباً ضم مدة خدمته السابقة وهى حوالي 17 سنة إلى مدة خدمته الحالية. وقد ردت الوزارة على التظلم بأن المدعي التحق بالخدمة في 22 من نوفمبر سنة 1926، ثم فصل اعتباراً من 8 من يوليه سنة 1943 لتقديمه بيانات غير صحيحة عن أولاده ترتب عليها صرف إعانة غلاء زيادة عن المقرر بالتعليمات، ثم قررت وزارة الداخلية إعادته إلى عمله بماهيته ودرجته التي كان عليها قبل الفصل اعتباراً من 5 من سبتمبر سنة 1943، على ألا تعتبر مدة فصله ضمن مدة خدمته الحالية، وقد نقل المذكور إلى وزارة التربية والتعليم بناء على القانون رقم 108 لسنة 1951 اعتباراً من أول مارس سنة 1951. وبجلسة 27 من مارس سنة 1958 حكمت المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم التي أحيل إليها التظلم "باعتبار مدة خدمة المدعي السابقة على فصله سنة 1943 ومدة خدمته الحالية متصلة". وقد أقامت المحكمة قضاءها على أن "الملف يتضمن خطاب السيد وكيل وزارة الداخلية في 8 من سبتمبر سنة 1943 إلى السيد رئيس مجلس مديرية بني سويف - حيث كان يعمل المدعي - يتضمن أن السيد الوزير وافق في 4 من سبتمبر سنة 1943 على إعادة المدعي إلى وظيفته بصفة استثنائية اكتفاء بفصله من الخدمة من 8 من يوليه سنة 1943 وإعادته إلى العمل بماهيته ودرجته، وصرف الماهية المستحقة إليه من 5 من سبتمبر سنة 1943، على ألا تعتبر مدة فصله ضمن مدة خدمته"، ثم عقب المحكمة على ذلك بأن "السيد الوزير كان من سلطته عدم إعادة المدعي إلى الخدمة أصلاً أو إعادته إليها واعتبار ذلك بمثابة تعيين جديد، أو إعادته إلى الخدمة في صورة سحب القرار فصله؛ بحيث ينعدم أثر هذا القرار - فيما عدا استحقاق المرتب - خلال مدة الفصل"، وأن "المحكمة ترى في خطاب السيد وكيل الوزارة المنوه عنه أن قرار السيد الوزير في شأن المدعي بمثابة سحب لقرار فصله من الخدمة؛ وبذلك تعتبر مدة خدمته السابقة على الفصل وكذلك مدة فصله ضمن مدة خدمته، ولا يمنع من ذلك عدم استحقاقه للمرتب عن مدة الفصل"، وأنه "لذلك يتعين الحكم باعتبار مدة خدمة المدعي السابقة على فصله سنة 1943، ومدة خدمته الحالية متصلة".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه لا يمكن اعتبار القرار الصادر من رئيس مجلس بلدي بني سويف بإعادة المدعي إلى عمله اعتباراً من 5 من سبتمبر سنة 1943 سحباً لقرار فصله من الخدمة؛ ذلك أن عبارات القرار تنبئ بما لا يدع مجالاً للشك أن إعادة المدعي إلى العمل إنما وقعت بصفة استثنائية، وعلى ألا تعتبر مدة الفصل ضمن مدة خدمته؛ ومن ثم لا يمكن مسايرة الحكم المطعون فيه فيما ذهب إليه من أن ما جاء بكتاب وكيل وزارة الداخلية يعتبر بمثابة سحب لقرار فصل المدعي من الخدمة، طالما قد أفصح هذا الكتاب صراحة بأن تعيين المدعي قد جاء على سبيل الاستثناء وبدون حساب مدة الفصل ضمن مدة الخدمة. ولما كان قرار فصل المدعي قد قام أساساً على ما نسب إليه من تقديم بيانات غير صحيحة عن عدد أولاده ترتب عليه صرف إعانة غلاء له زيادة عن المقرر بالتعليمات؛ ومن ثم فإن هذا القرار ولا ريب قرار يصطبغ بصفة التأديب وفي مجاله؛ ومن ثم يحول بطبيعته دون ضم مدة خدمته السابقة إلى مدة خدمته الحالية طبقاً لما تقضي به، بصفة عامة، شروط وقواعد ضم مدة الخدمة السابقة. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أنه على إثر ما نسب إليه من تقديمه بيانات غير صحيحة عن عدد أولاده ترتب عليها صرف إعانة غلاء له زيادة عن المقرر بالتعليمات قرر السيد وزير الداخلية فصل المدعي من الخدمة اعتباراً من 8 من يوليه سنة 1943، وقد تقدم المدعي في 17 من يوليه سنة 1943 بمظلمة يلتمس فيها النظر في أمر إعادته نظراً إلى أنه يعول أسرة كبيرة، وفي 8 من سبتمبر سنة 1943 أرسل السيد وكيل وزارة الداخلية إلى السيد رئيس مجلس مديرية بني سويف خطاباً جاء به ما يأتي: "... نتشرف بإخبار عزتكم أن الشيخ فهمي يس قدم إلتماساًً لإعادته للخدمة وتخفيف عقوبته؛ بدعوى أن ما حصل منه وترتب عليه فصله كان بسبب جهله بالتعليمات. وقد عرض التماسه على صاحب المعالي الوزير وتفصيل معاليه - من باب الرأفة بهذا الشيخ وبمن يعولهم - فوافق في 4 من سبتمبر سنة 1943 على إعادته إلى وظيفته بصفة استثنائية اكتفاء بفصله من الخدمة من 8 من يوليه سنة 1943، فنرجو التفصيل بإعادة - الشيخ فهمي يس إلى عمله بماهيته ودرجته وصرف الماهية المستحقة إليه من 5 من سبتمبر سنة 1943، على ألا تعتبر مدة فصله ضمن مدة خدمته".
ومن حيث إنه ظاهر مما تقدم أن الوزارة قد سحبت قرار فصل المدعي من الخدمة خلال الستين يوماً المحددة لتقديم طلب الإلغاء، واكتفت في شأنه لظروفه الخاصة بعدم اعتبار مدة فصله ضمن مدة خدمته، وسواء اعتبر قرار الفصل صحيحاً أو غير صحيح فسحبه جائز على أي الحالين؛ لأنه إذا اعتبر مخالفاً للقانون فلا جدال في جواز سحبه؛ إذ السحب يكون مقصوداً به مفاده الإلغاء القضائي؛ ولأنه إذا اعتبر مطابقاً للقانون فالسحب هنا جائز استثناء؛ إذ ولو أن الأصل أن السحب لا يتم إعمالاً لسلطة تقديرية إلا أنهم أجازوا إعادة النظر في قرارات فصل الموظفين وسحبها لاعتبارات تتعلق بالعدالة؛ لأن المفروض أن تنقطع صلة الموظف بالوظيفة بمجرد فصله، وأنه يجب لإعادته إلى الخدمة صدور قرار جديد بالتعيين، ولكن قد يحدث خلال فترة الفصل أن تتغير شروط الصلاحية للتعيين، وقد يغدو أمر التعيين مستحيلاً أو قد يؤثر الفصل تأثيراً سيئاً في مدة خدمة الموظف أو في أقدميته، ومن جهة أخرى قد تتغير الجهة التي تختص بالتعيين فتصبح غير تلك التي فصلت الموظف، وقد لا يكون لديها الاستعداد لإصلاح الأذى الذي أصاب الموظف بفصله، أو غير ذلك من اعتبارات العدالة التي توجب علاج هذه النتائج الضارة، وعلى هذا اطرد، قضاء مجلس الدولة الفرنسي.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك، وكان قرار السحب الصادر في 4 من سبتمبر سنة 1943 هو قرار صحيح، فإن من مقتضاه اعتبار القرار المسحوب في خصوص فصل المدعي كأن لم يكن؛ ومن ثم يتعين ضم مدة خدمته السابقة على تاريخ فصله في 8 من يوليه سنة 1943 إلى مدة خدمته الحالية، وذلك فيما عدا مدة الفصل ذاتها التي قضى قرار السحب بعدم حسابها ضمن مدة خدمته.
ومن حيث إنه لذلك، يكون الطعن قد قام على غير أساس سليم من القانون، ويتعين رفضه، والقضاء بضم مدة خدمة المدعي السابقة إلى مدة خدمته الحالية على التفصيل المتقدم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.