مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1959 إلى آخر مايو سنة 1959) - صـ 1315

(115)
جلسة 23 من مايو سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

القضية رقم 817 لسنة 4 القضائية

موظف - فصله من الخدمة - قيام القرار الصادر بذلك على سبب مؤداه أن الموظف ممن يعتنقون مبادئ هدامة - بطلان القرار متى تبين أن ما نسب إلى المدعي كان سابقاً على تعيينه، أي وقت أن كان لا يزال طالباً، وأنه رجع عن ذلك بدليل ترخيص الوزارة له بعد فصله بالتدريس في مدارس حرة.
إذا تبين من الأوراق أن ما نسب إلى المدعي من اعتناقه المبادئ الهدامة وكان سبباً لفصله من الخدمة إنما كان قبل تعيينه، أي وقت أن كان طالباً بكلية الآداب، وكان المدعي قد أنكر اعتناقه مثل هذه المبادئ، وتبين كذلك إنه ليس ثمت دليل على ما تزعمه الإدارة حياله من اتهام له خطورته، فإنه مهما يكن من الأمر في هذا الشأن، فقد ظهر من الأوراق أن وزارة الداخلية قد أصدرت ترخيصاً للمدعي بالاشتغال بوظيفة مدرس بمدرسة "دي لاسال الفرير بالظاهر"؛ وبذلك فإنه أياً كانت الحقيقة في شأن سلوك المدعي في الماضي قبل تعيينه، فيظهر أنه استقام في هذا السلوك، ولم تعد الوزارة تعتبره سادراً فيما نسب إليه اعتناقه للمبادئ الهدامة، وإلا لما رخصت له بعد فصله من الخدمة في الاشتغال بوظيفة التدريس في المدرسة المشار إليه، وهى قائمة داخل البلاد وتنظيم الناشئة من مصريين وغيرهم؛ ومن ثم يكون الحكم قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها بإلغاء القرار الصادر بفصله.


إجراءات الطعن

في 2 من أغسطس سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 9 من يوليه سنة 1958 في الدعوى رقم 834 لسنة 10 ق المقامة من عبد المنعم محمد بيومي ضد وزارة التربية والتعليم، القاضي "بإلغاء القرار الصادر من مجلس الوزراء الصادر في 24 من أغسطس سنة 1955 بفصل الطالب من وظيفته، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى الجهة الإدارية في 12 من أغسطس سنة 1958، وإلى الخصم في 11 منه، وعين لنظر الطعن جلسة 28 من مارس سنة 1958 ثم أرجئ النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من مجلس الوزراء في 24 من أغسطس سنة 1955 بفصله من وظيفته، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام وزارة التربية والتعليم بمصروفات الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه إنه عين في 23 من أكتوبر سنة 1954 مدرساً للتربية وعلم النفس بمعهد المعلمين يبنى سويف بعد حصوله على ليسانس الآداب عام 1953 ودبلوم معهد التربية عام 1954، وتسلم عمله في 2 من نوفمبر سنة 1954، وقام بأعباء وظيفته بهمة ونشاط، وكان موضع تقدير السيد ناظر المدرسة والسادة المفتشين، كما أنه مارس أوجهاً مختلفة من النشاط الاجتماعي والرياضي، فاشترك في أسبوع شباب الجامعات، كما انتدب لحضور معسكر التدريب التمهيدي للحرس الوطني، وحضر حلقة الدراسات التدريبية الخاصة بمشروع الوسائل التعليمية للهيئة المصرية الأمريكية المشتركة للتعليم، كما اختير عضواً باللجنة العليا لتنظيم متحف الثروة، ورغم ذلك فقد وصله خطاب في 6 من سبتمبر سنة 1955 بما يفيد أن مجلس الوزارة وافق بجلسة 24 من أغسطس سنة 1955 على مذكرة وزارة التربية والتعليم بفصله من الخدمة دون إسناد ذلك إلى سبب معين. وقد أدت تحرياته الخاصة إلى أن سبب فصله يرجع إلى أن وزارة التربية والتعليم قد جرت على أن تستقر من المباحث العامة عن سلوك كل موظف جديد، وقد جاء تقريرها بما يفيد أن له ميولاً هدامة، وأنه سبق اعتقاله عام 1953، وأنه ليس أي نشاط سياسي يذكر منذ بدء تعيينه. وقد فند المدعي هذه الأسباب بأنه وإن كان حقيقة قد اعتقل في 11 من يناير سنة 1953 حتى أفرج عنه في 21 من فبراير سنة 1953، إلا أن ذلك لم يكن نتيجة كونه من العناصر الهدامة، بل نتيجة توجيه من بعض طلبة الإخوان المسلمين في ذلك الحين، وأنه ما لبث بعد ذلك أن انتظم في دراسته؛ ومن ثم فإن اعتقاله خلال هذه المدة لم يكن لأمر يعيب سلوكه أو يجعله مواطناً غير صالح، فضلاً عن أن كثيراً من زملائه الذين اعتقلوا قد عينوا في وظائف الحكومة ولم يفصل أحد منهم من وظيفته بعد ذلك، كما نفى المدعي كونه من العناصر الهدامة، وذكر أنه قد تظلم من هذا القرار بخطاب موصى عليه في 6 من أكتوبر سنة 1955. وقد أجابت وزارة التربية والتعليم على هذه الدعوى بأن إدارة المباحث العامة بوزارة الداخلية لم توافق على تعيين المدعي؛ لأنه سبق اعتقاله في 9 من فبراير سنة 1945 بمناسبة حوادث الشغب التي حدثت بالمعاهد آنئذ، وأفرج عنه في 13 من فبراير سنة 1945، وأنه معروف بميوله للشيوعية أثناء دراسته بالجامعة، وأنه كان يشترك مع الطلبة الشيوعيين في المؤتمرات التي كانوا يعقدونها بالجامعة، واعتقل في 11 من يناير سنة 1953 عندما كان طالباً بكلية الآداب لميوله للشيوعية. وأنه لما كانت وظيفة المدرس مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالثقافة العامة وتهيئة النشء وتهذيبهم؛ فمن ثم يجب أن يتحلى المربي بالصفات الحميدة والأخلاق القويمة، وأنه استناداً إلى المادة 107 فقرة سادسة من القانون رقم 210 لسنة 1951 وبناء على المذكرة المرفوعة من وزارة التربية والتعليم، أصدر مجلس الوزراء قراره بفصل المدعي. وبجلسة 9 من يوليه سنة 1958 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها بإلغاء القرار الصادر من مجلس الوزراء في 24 من أغسطس سنة 1955 بفصل الطالب من وظيفته، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت قضاءها على أن القرار المطعون فيه لم ترد به الأسباب التي بني عليها، كما أن ملف خدمة المدعي لم تظهر منه ولا من المذكرة التي رفعتها الوزارة إلى مجلس الوزراء أسباب الفصل، وأنه فيما يتعلق بما ذهبت إليه الوزارة من سبق اعتقال المدعي واعتناقه مبادئ معينة فإن الوزارة لم تقدم ما يدل على صحتها، هذا فضلاً عن كونها سابقة على التحاقه بخدمة الوزارة، وكان في وسعها سحب القرار الصادر بتعيينه في خلال المدة القانونية. ثم يمضي الحكم إلى أنه وإن كانت الإدارة تتمتع بسلطة عدم تسبيب قراراتها إلا أن ذلك لا يعفيها من ضرورة قيام قرارها على سبب صحيح، وأن من سلطة المحكمة البحث عن الأسباب الحقيقية للقرار لتستبين مدى صحتها، ووسيلتها في ذلك الرجوع إلى ملف الخدمة وكافة ما يضم ملف الدعوى من أوراق، وأنها لم تجد في هذه الأوراق سبباً معقولاً يصلح أساساً لقرار الفصل.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن القرار الإداري غير المسبب في الحالات التي لا يوجب القانون فيها التسبيب يحمل على الصحة ويفترض فيه قيامه على سبب صحيح حتى يثبت العكس، كما أن ملف خدمة الموظف وإن كان هو المرجع الرئيسي فيما يتعلق بحياته في الوظيفة إلا أنه ليس المصدر الوحيد الذي يجب الاقتصار عليه وحده في كل ما يتعلق بالموظف من بيانات ومعلومات قد يكون لها أثرها في هذا الشأن، وقد تغيب هذه البيانات عن واضعي التقارير السنوية، وقد لا يحتويها الملف، ولكنها لا تغيب عن ذوي الشأن ممن بيدهم زمام الأمر يستقونها، سواء بأنفسهم بمصادرهم الخاصة، أو بالأجهزة الرسمية المخصصة لاستجماع هذه البيانات والمعلومات وتحريها واستقرارها. وإذ ذهب الحكم غير هذا المذهب يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه.
ومن حيث إنه تبين من الأوراق أن ما نسب إلى المدعي من اعتناقه المبادئ الهدامة إنما كان قبل تعيينه، أي وقت أن كان طالباً، وقد أنكر المدعي اعتناقه مثل هذه المبادئ، وأنه ليس ثمت دليل على ما تزعمه الإدارة حياله من اتهام له خطورته. ومهما يكن من الأمر في هذا الشأن فإنه ظاهر من الأوراق وبوجه خاص من الترخيص الصادر للمدعي من وزارة الداخلية في 10 من نوفمبر سنة 1957 بالاشتغال بوظيفة مدرس بمدرسة "دي لاسال الفرير بالظاهر" من أول أكتوبر سنة 1957 إلى نهاية سبتمبر سنة 1958، إنه أياً كانت الحقيقة في شأن سلوك المدعي في الماضي قبل تعيينه، فيظهر أنه استقام في هذا السلوك، ولم تعد الوزارة تعتبره سادراً فيما نسب إليه اعتناقه للمبادئ الهدامة، وإلا لما رخصت له في الاشتغال بوظيفة التدريس في المدرسة المشار إليها، وهى قائمة داخل البلاد وتنظيم الناشئة من مصريين وغيرهم؛ ومن ثم يكون الحكم قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها، ويتعين لذلك تأييده، ورفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.