مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1959 إلى آخر مايو سنة 1959) - صـ 1328

(117)
جلسة 30 من مايو سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

القضية رقم 721 لسنة 4 القضائية

دعوى. دعوى بطلب إلغاء قرار إداري معين - سبق صدور أحكام بإلغاء القرار المطعون فيه ذاته - صيرورة الدعوى بذلك غير ذات موضوع وانتهاء الخصومة فيها - إلزام الإدارة مع ذلك بالمصروفات - أساس ما سبق.
متى كان الثابت أن القرار المطعون فيه الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1951 بالترقيات إلى الدرجة الخامسة قد حكم بإلغائه من محكمة القضاء الإداري في دعاوى عديدة سابقة، وأصبح القرار المذكور معدوماً قانوناً هو وما ترتب عليه من آثار نتيجة لأحكام الإلغاء، وقد نفذت الإدارة مقتضى هذه الأحكام، فأصدرت قرارها بإلغاء القرار المذكور والقرارات اللاحقة المترتبة عليه واعتبارها كأن لم تكن وإعادة الحالة ما كانت عليه، وأجرت الترقيات على أساس المبادئ التي رسمتها أحكام القضاء الإداري الصادر بالإلغاء - متى كان الثابت هو ما تقدم، فإن دعوى المدعي بالطعن في القرار ذاته تكون قد أصبحت - والحالة هذه - غير ذات موضوع، وأصبحت الخصومة بشأنه منتهية، ما دام قد حكم بإلغائه بتلك الأحكام، وتنفيذ ذلك فعلاً، وأعيدت الحالة إلى ما كانت عليه قبل صدوره، وصدر قرار بالترقيات على أساس المبادئ التي رسمتها تلك الأحكام؛ ومن ثم يتعين، والحالة هذه، الحكم باعتبار الخصومة منتهية بالنسبة له، ولكن مع إلزام الإدارة بمصروفات الدعوى، ما دام المدعي كان على حق عند رفعها، وغاية الأمر أنه تحقق مطلوبه، وهو إلغاء القرار المطعون فيه بتلك الأحكام الأخرى، وذلك خلال نظر الدعوى. والمدعي وشأنه في الطعن في الترقيات التي أجرتها الوزارة بعد ذلك إن كان له وجه حق.


إجراءات الطعن

في 13 من يوليه سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") بجلسة 15 من مايو سنة 1958 في الدعوى رقم 137 لسنة 12 القضائية المقامة من صالح حلمي أيوب حنا ضد وزارة المالية والاقتصاد (مصلحة الضرائب)، القاضي: "(أولاً) برفض الدفعين بعدم قبول الدعوى، وبسقوط الحق في المطالبة بالفروق المالية. (ثانياً) باعتبار أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة راجعة إلى التاريخ المحدد في القرار المطعون فيه الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1951، وبما يترتب على ذلك من آثار، وبإلغاء القرار المطعون فيه الصادر في 31 من مارس سنة 1956 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة، وبما يترتب على ذلك من آثار، وبرفض ما عدا ذلك من طلبات، وبإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه، "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم قبول الدعوى لانتفاء مصلحة رافعها، مع إلزامه بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى الجهة الإدارية في 10 من أغسطس سنة 1958، وإلى المطعون عليه في 11 منه، عين لنظر الطعن جلسة 21 من مارس سنة 1959، ثم أرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتارية المحكمة في 2 من نوفمبر سنة 1957 طلب فيها إلغاء القرار الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1951، فيما تضمنه من تخطيه في الترقية للدرجة الخامسة الفنية، ومع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلغاء القرار الصادر في 27 من مارس سنة 1956 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة الفنية، واحتياطياً إلغاء القرار الصادر في 31 من مارس سنة 1956 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية للدرجة الرابعة الفنية، ومن باب الاحتياط الكلي إلغاء القرار الصادر في 25 من أبريل سنة 1956 و11 من يوليه سنة 1956 و27 من مارس سنة 1957 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية للدرجة المذكورة، مع ما يترتب على ذلك من أثار مالية وغيرها، مع إلزام الوزارة بالمصروفات. وقد أجابت الوزارة على الدعوى بقولها إن المدعي قد تظلم إدارياً في 12 من يوليه سنة 1957 ولم يفصل في التظلم بعد، وتدفع بعد قبول دعوى إلغاء القرار الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1951 لتقديمه بعد الميعاد؛ لأن هذا القرار نشر ووزع على الإدارات المختلفة، ومنها الإدارة التي يعمل فيها المدعي، في 30 من ديسمبر سنة 1951، كما أنه نشر بالجريدة الرسمية عقب صدوره، مما يجعل قوله بعدم علمه به إلا أخيراً بطريق المصادفة يجافي الحقيقة، أما فيما يتعلق بطلب إلغاء قرارات الترقية للدرجة الرابعة الفنية الصادر في 27 و31 من مارس سنة 1956 و25 من أبريل سنة 1956 و11 من يوليه سنة 1956 فقد دفعت الوزارة أيضاً بعد قبول الدعوى شكلاً لتقديمها بعد الميعاد. وقالت في ذلك إن هذه القرارات سبق أن نشرت بالنشرة الشهرية للمصلحة، ووزعت على جميع فروعها ومن بينها الجهة التي يعمل بها المدعي، وذلك في 30 من مايو سنة 1956 بالنسبة للقرارين الصادرين في 27 و31 من مارس سنة 1956، وفي 3 من يوليه سنة 1956 بالنسبة للقرار الصادر في 25 من أبريل سنة 1956، و27 من أغسطس سنة 1956 بالنسبة للقرار الصادر في 11 من يوليه سنة 1956، كما دفعت الوزارة بسقوط الحق في المطالبة بالفروق المالية بالتقادم استناداً إلى القانون المدني، باعتبار أن المرتبات بطبيعتها من الحقوق التي تتقادم بمضي خمس سنوات، وأن المنازعة في أصل استحقاق المرتب لا تمنع من سريان مدة التقادم. وبجلسة 15 من مايو سنة 1958 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها "برفض الدفعين بعدم قبول الدعوى، وبسقوط الحق في المطالبة بالفروق المالية، وباعتبار أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة راجعة إلى التاريخ المحدد في القرار المطعون فيه الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1951، وبما يترتب على ذلك من آثار، وبإلغاء القرار المطعون فيه الصادر في 31 من مارس سنة 1956 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة، وبما يترتب على ذلك من آثار، وبرفض ما عدا ذلك من طلبات، وبإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة إلى الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً على أنه "لم يثبت من أوراق الدعوى أن القرار المطعون فيه قد نشر بالصورة التي استقر عليها قضاء هذه المحكمة وفق ما تقضي به المادة 12 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة، كما أنه لم يقم دليل من الدعوى على أن المدعي قد علم بالقرار المطعون فيه علماً يقينياً نافياً للجهالة؛ بحيث يبدأ من تاريخه سريان ميعاد رفع الدعوى. وبناء على ذلك يكون المعمول عليه في العلم إنما هو إقرار المدعي حسبما بان في مفردات هذه القضية؛ ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول غير صائب، متعيناً رفضه". وبالنسبة للموضوع على أنه "في مجال الترقية بالاختيار لا بد من المفاضلة بين درجات الكافية على وجه دقيق جامع، وأن المدعي سابق على السيد/ توفيق السيد مصطفى ومن يلونه في أقدمية الدرجة الخامسة الفنية، وأن صحائف ملف خدمته قد برئت مما يشينها وشهدت بكفايته، وقد حصل في تقريره السري عن السنوات من 1948 حتى أكتوبر سنة 1951 على درجات ما بين "جيد" و"جيد جداً" و"ممتاز"، وأوصى رئيسه المباشر بترقيته لكفايته، بينما أن بعض المرقين بالقرار المطعون فيه لا يصلحون للترقية بالاحتيار؛ لقلة مستواهم كفاية، كما أن السيد/ يحيى مصطفى غنام أحد المطعون عليهم ويلي المدعي في ترتيب الأقدمية لم تقدم عنه تقارير سرية، مما يعيب اختياره. وتأسيساً على ذلك فإن القرار المطعون فيه، وقد تخطى المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة بالاختيار، يكون قد صدر مخالفاً للقانون مشوباً باعتساف السلطة، متعيناً إلغاؤه. وإذ رقى المدعي إلى هذه الدرجة بالقرار الصادر في 29 من مارس سنة 1953 فإن مصلحته غدت مقصورة على إرجاع أقدميته في هذه الدرجة إلى تاريخ صدور القرار المطعون فيه الصادر في 17/ 12/ 1951، وما يترتب على ذلك من آثار. بالنسبة للقرار الصادر في 31 من مارس سنة 1956 فإن هذا القرار قد تضمن الترقية إلى الدرجة الرابعة بالأقدمية وبالاختيار، وإذ أرجعت أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة إلى 17/ 12/ 1951، فإن المدعي يسبق السيد/ أسعد محمد حمزة ومن يلونه في الأقدمية، وهم الذين سبق أن تخطوا المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة ورقوا بالقرار المطعون فيه، وهذا إلى ما ثبت من أن المدعي يسبق بعض المرقين اختياراً في الأقدمية ويفوقهم كفاية؛ إذ أن أكثر المرقين كفاية قد حصل على 180 درجة في التقريرين السريين عن عامي 1954 و1955 بينما حصل المدعي على 183 درجة. وعلى هذا المقتضى فإن القرار المطعون فيه، إذ تخطى المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة سواء في نسبة الأقدمية أو في نسبة الاختيار، قد صدر مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة، مع ما يترتب على ذلك من آثار".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن مصلحة الضرائب أصدرت قراراً في 29 من مايو سنة 1958 نصت المادة الأولى منه على إلغاء القرار في 17 من ديسمبر سنة 1951 فيما تضمنه من ترقية بعض الموظفين بالاختيار إلى الدرجة الخامسة الفنية وما تلاه من قرارات مترتبة عليه، سواء في الدرجة الخامسة أو الدرجة الرابعة، ثم أجرت الترقيات من جديد على مقتضى المبادئ القانونية التي رسمتها الأحكام. وثابت أن الدرجات الخامسة الفنية التي شغلت بالقرار الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1951، قد استغرقت من يسبقون المدعي في ترتيب الأقدمية في الدرجة السادسة؛ بحيث انعدمت - مصلحته في الطعن في ذات القرار، لعدم حصول تخط بالنسبة له، وكذلك الحال بالنسبة لقرار الترقية إلى الدرجة الرابعة الصادر في 31 من مارس سنة 1956.
ومن حيث إنه يبين من مساق الوقائع على النحو السالف بيانه أن القرار المطعون فيه الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1951 بالترقيات إلى الدرجة الخامسة قد حكم بإلغائه من محكمة القضاء الإداري في الدعاوى العديدة المشار إليها آنفاً، وأصبح القرار المذكور معدوماً قانوناً هو وما ترتب عليه من آثار نتيجة لأحكام الإلغاء. وقد نفذت الإدارة مقتضى هذه الأحكام فأصدرت قرارها بإلغاء القرار المذكور والقرارات اللاحقة المترتبة عليه واعتبارها كأن لم تكن وإعادة الحالة إلى ما كانت عليه، وأجرت الترقيات على أساس المبادئ التي رسمتها أحكام القضاء الإداري الصادر بالإلغاء؛ فتكون دعوى المدعي بالطعن في القرار الصادر بالترقية إلى الدرجة الخامسة وما ترتب عليه قد أصبحت - والحالة هذه - غير ذات موضوع، وأصبحت الخصومة بشأنه منتهية، ما دام قد حكم بإلغائه بتلك الأحكام، وتنفيذ ذلك فعلاً وأعيدت الحالة إلى ما كانت عليه قبل صدوره، وصدر القرار بالترقيات على أساس المبادئ التي رسمتها تلك الأحكام؛ فيتعين - والحالة هذه - الحكم باعتبار الخصومة منتهية بالنسبة له، ولكن مع إلزام الإدارة بمصروفات الدعوى، ما دام المدعي كان على حق عند رفعها، وغاية الأمر أنه تحقق مطلوبه، وهو إلغاء القرار المطعون فيه بتلك الأحكام الأخرى، وذلك خلال نظر هذه الدعوى. والمدعي وشأنه في الطعن في الترقيات التي أجرتها الوزارة بعد ذلك إن كان له وجه حق.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وباعتبار الخصومة منتهية، وألزمت الحكومة بالمصروفات.