مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1993 إلى أخر فبراير سنة 1994) - صـ 373

(34)
جلسة 11 من ديسمبر سنة 1993

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعت - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: رأفت محمد يوسف، وأبو بكر محمد رضوان، محمد أبو الوفا عبد المتعال، وغبريال جاد عبد الملاك - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 3903 لسنة 38 القضائية

جامعات - أعضاء هيئات التدريس - واجب الأمانة العلمية. (تأديب).
واجب الأمانة العلمية ينصب على العلم ذاته بأن ينسب إلى أهله وذلك في أية صورة يخرج فيها هذا العلم وبأي طريقة ينشر ويبلغ بها سواء في صورة مرجع أو رسالة علمية لنيل درجة علمية أو مذكرات لطلبة العلم أو لغيرهم - عدم مراعاة هذا الالتزام يمثل إخلالاً جسيماً بواجبات عضو هيئة التدريس بالجامعة - لا ينفي المسئولية عنه حصوله على موافقة كتابية من المؤلف ما دامت الموافقة لاحقة للمخالفة - لا وجه لإعمال قاعدة أن الموافقة اللاحقة لها نفس أثر الترخيص السابق - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 3/ 9/ 1992 أودع الأستاذ/ ..........
المحامي الوكيل عن الطاعن بالتوكيل رقم 3924 لسنة 1992 الجيزة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد برقم 3903/ 38 ق في الحكم الصادر من مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة عين شمس بجلسة 11/ 7/ 1992 والقاضي بمجازاة الطاعن بعقوبة اللوم مع تأخير التعيين في الوظيفة الأعلى لمدة سنة واحدة.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة في تقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه والحكم ببراءة الطاعن مما نسب إليه.
وقد أعلن الطعن إلى الجامعة في 16/ 9/ 1992.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرر مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة عين شمس المطعون عليه والقضاء مجدداً بمجازاة الطاعن بعقوبة اللوم.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 13/ 1/ 1993 وتداول بجلساتها وبجلسة 12/ 5/ 1993 قدمت الجامعة مذكرة بدفاعها كما قدم الطاعن مذكرة بدفاعه وبجلسة 9/ 6/ 1993 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة. ونظر الطعن أمام المحكمة بجلسة 17/ 7/ 1993 وتداول بجلساتها وبجلسة 30/ 10/ 1993 قدمت الجمعة مذكرة وبتلك الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 11/ 12/ 1993 وفي هذه الجلسة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن السيد الأستاذ الدكتور/ رئيس جامعة عين شمس أصدر القرار رقم 362 في 29/ 1/ 1992 بإحالة السيد الدكتور/ ....... المدرس بكلية التربية إلى مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة عين شمس لمحاكمته تأديبياً عما هو منسوب إليه من قيامه بتدريس كتاب مقرر على طلاب الصف الأول الثانوي لطلاب الفرقة الأولى بكلية التربية وعدم الأمانة العلمية بأن نسب إلى نفسه على غير الحقيقة مؤلفاً ليس من تأليفه مما يعد سرقة علمية فضلاً عن كونه إخلالاً جسيماً بواجبات وظيفته كعضو هيئة تدريس بالجامعة.
وبجلسة 11/ 7/ 1992 أصدر مجلس تأديب أعضاء هيئة تدريس جامعة عين شمس الحكم المطعون فيه وأقام قضاءه على أن الثابت من الاطلاع على كتاب "الأضواء في اللغة العربية" للصف الأول الثانوي طبعة 1982 أنه بدءاً في الصفحة الرابعة منه بـ "العصر الجاهلي" وانتهت هذه الصفحة بكلمة "خذام" وبدأت الصفحة الخامسة بجملة "هذه هي البيئة" وكانت آخر كلمات تلك الصفحة "وعدن" وهو ذات ما بدأ به كتاب الدكتور العربي "في الأدب العربي عصوره ونصوصه وخصائصه من الجاهلية إلى بني العباس "في الصفحة السادسة والسابعة والتي بدأت أيضاً وانتهت بذات الكلمات المشار إليها في كتاب الأضواء وظلت الصفحات على هذا النسق تماماً في الكتاب محل الاتهام من ص 6 إلى ص 98 حيث تطابقه هذه الصفحات مع تلك الواردة في كتاب الأضواء على النحو المبين تفصيلاً بملف التحقيق فيما يتعلق بالتعريف بالشاعر، وجو النص والأفكار الأساسية وهو ما يوضح في غير لبس أو غموض أن المحال عمد فعلاً إلى تصوير ما يزيد عن ثمانين صفحة من صفحات كتاب الأضواء واضعاً إياها في كتاب أسماه "في الأدب العربي........" ناسباً لنفسه كل ما جاء في الكتاب المشار إليه حال كون ذلك الكتاب إن هو إلا صفحات تم تصويرها بالكامل من كتاب آخر لمؤلفين آخرين بذلوا من جهدهم وأعطوا من فكرهم وخبرتهم وضمنوا ذلك كله "كتاب الأضواء" لكي يفيدوا به طلاب الفرقة الأولى الثانوية وكان ذلك عام 1982 الأمر الذي يوضح أن ما قام به المحال أمر جد خطير لأنه بالغ الدلالة على عدم الأمانة العلمية التي يجب أن يتوخاها كل من يشغل بالبحث العلمي خاصة في الجامعة منارة العلم وموطن العلماء وبذلك يكون المحال قد أخل بواجبات وظيفته كعضو هيئة تدريس بالجامعة ولا ينال من ذلك ما تذرع به المحال من أن النصوص المقتبسة هي من صميم المنهج الدراسي ذلك أن المحال تجوز الاقتباس إلى النقل الصريح والمباشر وليس من ناحية النصوص فقط ولكن إلى ناحية شرح المفردات والتعليق عليها وحتى الأسئلة الواردة على كل نص من النصوص التي قام بنقلها كما لا وجه لما ساقه من أن ثمة موافقة كتابية من مؤلفي كتاب الأضواء على تصوير عدد 90 صفحة ذلك أن موافقة المؤلفين جاءت مشروطة بأن تتم الإشارة في الكتاب إلى أن الأضواء من المراجع ثم إن هذه الموافقة كانت في 15/ 11/ 1991 حال كون طباعة كتاب المحال تمت في أكتوبر1991. وانتهى مجلس التأديب إلى أن المحال قد أخل إخلالاً جسيماً بمقتضيات الأمانة العلمية الواجب توافرها فيمن ينتسب إلى هيئة التدريس بالجامعة إلا أن المجلس وهو يقدر العقوبة الواجب توقيعها يأخذ في حسبانه درجة ووظيفة المحال وأن الأوراق خلت مما يفيد ارتكابه أية مخالفات طيلة حياته الوظيفية.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن القرار المطعون فيه جاء مخالفاً للقانون وذلك للأسباب الآتية:
أولاً - أن الطاعن قد اسند إليه تدريس منهج دراسي يتعلق بالنصوص الأدبية في اللغة العربية وهذه النصوص لا يقوم المدرس بابتكارها أو وضعها من عنده وإنما يقوم باختيارها ثم يتولى تدريس هذه النصوص المختارة والتي يستقيها من أي مصدر دون قيد عليه في الاختيار بأن يتناولها بالشرح والتحليل والتعليق وتفسير ما غمض من ألفاظها وعباراتها وبيان ما تحتويه من صور بلاغية فإذا كان الطاعن قد اختار بعض النصوص من كتاب الأضواء وضمها إلى باقي النصوص التي أختارها من مصادر أخرى ثم تناول هذه وتلك بالشرح والتعليق وأخرجه للطلبة كمذكرات فلا يقال عنه أنه قام بتدريس كتاب آخر مقرر على سنة دراسية في مرحلة معينة. كما لا يصح مؤاخذة الطاعن بأنه لم يشر في مؤلفه إلى كتاب "الأضواء" كمرجع وأنه نسب الكتاب لنفسه لأن الكتاب محل المساءلة ليس كتاباً علمياً بالمعنى الأكاديمي وليس رسالة علمية وإنما هو مجرد مذكرات طلابية لا يكون مقدمها في حاجة للإشارة إلى مراجع علمية يكون قد رجع إليها أو اقتبس منها ومصداق ذلك ما قدمه الأستاذ الدكتور/ ...... رئيس القسم الحالي من مذكرات للطلبة بعنوان "اللغة العربية دراسات في قواعدها وآدابها" تضمنت 33 صفحة منقولة بالحرف الواحد من كتاب "شرح المعلقات السبع" تأليف......... لم يشر إلى هذا المرجع وكان على نفس المنهج الرئيس الحالي الدكتور........ الذي أصدر مذكرات للطلبة تحت اسم "نصوص وتراجم من الأدب الحديث" ولم يشر إلى أنه مراجع ولم يؤخذ عليها إغفال هذه الإشارة. وبالتالي فالقرار المطعون فيه قد أخطأ إذ حاسب الطاعن عن واقعة درج وقوعها من غيره.
ثانياً - أن القرار المطعون فيه قد خالف الثابت من الأوراق إذ يبين بمقارنة كتاب الطاعن بما جاء بكتاب الأضواء أن الأسئلة التي وضعها الطاعن تختلف عما ورد بكتاب الأضواء ودليل ذلك الأسئلة التي وضعها الطاعن على نصوص: خطبة قس بن ساعدة وقصة كرم للحطيئة وتأييد وإشادة بالدين الجديد لحسان بن ثابت والغزل الصريح لعمر بن أبى ربيعة والغزل العفيف لجميل بن معمر وخطبة الرسول صلى الله عليه وسلم والرسائل الخاصة لعبد الحميد الكاتب تختلف عن الأسئلة الواردة عن تلك النصوص في كتاب الأضواء. كما أن الطاعن أضاف نصوصاً أخرى تزيد عن كتاب الأضواء وقد أضاف الطاعن شروحاً وتعليقات من عنده في النصوص النثرية.
ثالثاً - أن الطاعن إذا كان قد استعان أو استرشد بكتاب الأضواء فقد كان ذلك بعد استئذان مؤلفي الكتاب المشار إليه فأذنوا له ثم قام بعد ما أثير حول كتابه - بتعديل عنوانه بما يفيد أنه اختيار الدكتور......... وليس من تأليفه كما عدل العبارات التي وردت في تقديم الكتاب التي تفيد التأليف إلى ما يفيد الاختيار وكما أنه حصل على موافقة كتابية من مؤلفي كتاب الأضواء وقدمها إلى المجلس وأما قول القرار الطعين أن هذه الموافقة جاءت لاحقة لإصدار الكتاب فمردوه عليه بأن الأجازة اللاحقة للفعل تحدث ذات أثر التصريح السابق.
رابعاً - أن العقوبة الموقعة قد اتسمت بالقسوة البالغة والتي يسبقها عقوبات أخف من العقوبة التي وقعها المجلس في قراراه.
ومن حيث إن الثابت من الاطلاع على كتاب الطاعن محل المسائلة وكتاب الأضواء في اللغة العربية للصف الأول الثانوي طبعة 1982 أن الطاعن نقل نقلاً حرفياً ثمانين صفحة من كتاب الأضواء وأدرجها ضمن كتابه "في الأدب العربي عصوره ونصوصه وخصائصه من الجاهلية إلى بني العباس" ونسبها لنفسه دون أي إشارة إلى كتاب الأضواء وقد وردت هذه الصفحات في كتاب الطاعن وفي كتاب الأضواء كالأتي:

في كتاب الطاعن   في كتاب الأضواء
من ص 7 - 16   من ص 4 - 15
من ص 17 - 24   من ص 76 - 83
من ص 25 - 28   من ص 98 - 100
من ص 38 - 42   من ص 121 - 126
من ص 43 - 44   من ص 127 - 128
من ص 45 - 46   آخر 128 - 129
من ص 47 - 58   من ص 131 - 142
من ص 59 - 72   من ص 191 - 204
من ص 73 - 77   من ص 210 - 213
من ص 78 - 82   من ص 214 - 218
من ص 83 - 90   من ص 226 - 223
من ص 91 - 98   من ص 259 - 266

ولما كان الثابت من الاطلاع على هذه الصفحات الواردة بكتاب الطاعن أنها مطابقة تماماً للصفحات المنقولة منها في كتاب الأضواء بالحرف الواحد ولم يقتصر الأمر على اقتباس النصوص الشعرية والنثرية فقط بل شمل النقل كامل هذه الصفحات من المفردات والشرح والصور البلاغية والتعبير والتعليق وجو النص وأثر البيئة في النص والأفكار الأساسية والتعريف بالشاعر أو قائل النص والأسئلة وبالتالي فالطاعن قد طبع هذه الصفحات الثمانين وأدرجها بكتابه سالف الإشارة إليه وهو يمثل إخلالاً جسيماً بواجبات ومقتضيات وظيفته كعضو هيئة تدريس بالجامعة ويتنافى مع الأمانة العلمية التي يجب أن تكون رائد كل باحث في العلم في جميع مجالاته وفي شتى دوره على الأخص بالجامعة الأمر الذي يستوجب مساءلته تأديبياً ومن ثم فإن القرار المطعون فيه الصادر بمجازاة الطاعن عن هذا الذي ثبت يقيناً في حقه قد قام على سببه المبرر ومتفقاً وحكم القانون.
ولا يغير من مسئولية الطاعن أو ينفي عنه الإخلال بواجبات وظيفته ما ذهب إليه الطعن من أن الكتاب محل المساءلة ليس مرجعاً علمياً أو رسالة علمية بل هو مجرد مذكرات طلابية لا يلزم الإشارة فيها إلى مراجع يكون قد رجع إليها أو اقتبس منها ذلك أن واجب الأمانة العلمية هو أهم ما يقوم عليه العلم وهو بهذا ينصب على العلم ذاته بأن ما ينسب هذا العلم إلى أهله وذلك في أي صورة يخرج فيها هذا العلم وبأي طريقة ينشر ويبلغ بها سواء كان في صورة مرجع أو رسالة علمية لنيل درجة علمية أو مذكرات لطلبة العلم أو لغيرهم وبالتالي كان على الطاعن وقد نقل هذه الصفحات الثمانين نقلاً حرفياً كاملاً من كتاب الأضواء أن يشير في كتابه إلى ذلك. كما لا حجة في قول الطاعن أن غيره وهم رئيساً القسم السابق والحالي قد نقلا من مصادر نقلاً حرفياً ولم يشيرا إليها ولم يؤخذ عليهما هذا الإغفال ذلك أنه وإن كانت العدالة تقتضي مساءلة كل مخطئ إلا أن الخطأ لا يبرر الخطأ. أما القول بأن الأسئلة التي وضعها الطاعن على النصوص التي أشار إليها في الطعن تختلف عن الأسئلة الواردة على تلك النصوص في كتاب الأضواء فهو غير صحيح إذ يبين من الاطلاع على الكتابين أن الأسئلة التي وضعها الطاعن على هذه النصوص هي ذاتها الواردة في كتاب الأضواء دون اختلاف.
ومن حيث إنه لا ينال مما تقدم احتجاج الطاعن بأنه قد حصل على موافقة كتابية من مؤلفي كتاب الأضواء لاحقة على إصداره كتابه محل المساءلة وأن هذه الموافقة اللاحقة لها نفس أثر الترخيص السابق طبقاً لقاعدة الأجازة اللاحقة كالإذن السابق ذلك أن هذه الموافقة لا تنفي ما وقع فعلاً من الطاعن قبل صدورها من إخلال بواجبات وظيفته فيما أقدم عليه من نقل تلك الصفحات من كتاب الأضواء ونسبها إليه وتقتصر أثر هذه الموافقة على حق مؤلفي الكتاب المشار إليه أما في مجال الوظيفة فإن المخالفة التأديبية قد وقعت فعلاً وليس من شأن تلك الموافقة اللاحقة أن تجعل مسلك الطاعن سليماً من الناحية الوظيفية لأن العبرة في هذا الصدد بوقت وقوع الفعل المنسوب إلى الموظف ولم يكن سلوك الطاعن سليماً وقت أن قام بنقل صفحات من كتاب الأضواء المشار إليه دون إشارة إلى ذلك.
ومن حيث إن المخالفة الثابتة في حق الطاعن إنما تمثل إخلالاً جسيماً منه بواجبات وظيفته ومن ثم فإن الجزاء الموقع يكون متناسباً مع هذه المخالفة ولم يشبه أو يخرجه عن نطاق المشروعية ويكون القرار المطعون فيه قد قام على أسباب تبرره ومتفقاً وحكم القانون مما يتعين معه رفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.