مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1993 إلى أخر فبراير سنة 1994) - صـ 381

(35)
جلسة 12 من ديسمبر سنة 1993

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي فؤاد الخادم - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: محمد معروف محمد، وجوده فرحات، وعبد القادر النشار، وادوارد غالب سيفين - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1825 لسنة 33 القضائية

( أ ) اختصاص - ما يخرج عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - قرار الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان بزيادة قيمة شراء الوحدات السكنية. (منازعة إدارية).
لا يختص مجلس الدولة بالمنازعة في تحديد ثمن الوحدات السكنية - أساس ذلك: أن الدولة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة لها أن تجرى بعض التصرفات القانونية متجردة من قواعد السلطة العامة وفي إطار أحكام القانون الخاص - تسري على هذه التصرفات القوانين والأحكام التي تطبق على أشخاص القانون الخاص - أثر ذلك: اختصاص القضاء العادي بنظر المنازعات الناشئة عن تلك التصرفات لأنها لا تعتبر من قبيل المنازعات الإدارية التي يختص بها القضاء الإداري - تطبيق.
(ب) منازعة إدارية - طبيعتها - المنازعة لا تعتبر إدارية لمجرد أن أحد طرفي النزاع جهة إدارية - يتعين أن تكون طبيعة المنازعة ذاتها إدارية في ضوء السلطات والاختصاصات المخولة للجهة الإدارية بوصفها كذلك في القوانين واللوائح المنظمة لها - إذا كان التصرف يدور في فلك وإطار القوانين العادية التي يخضع لها أشخاص القانون الخاص فلا يجوز أن توصف المنازعة الناشئة عن هذا التصرف بأنها منازعة إدارية بل تعتبر منازعة مدنية ولو كان أحد طرفيها جهة إدارية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 19/ 4/ 1987 أودع الأستاذ/ ..........
المحامي نيابة عن الأستاذ/ ........... المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الماثل طعناً في الحكم المشار إليه والذي قضى برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعين بالمصروفات - وطلب الطاعنون للأسباب المبينة في تقرير الطعن الأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بصفة عاجلة، ثم الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وتم إعلان الطعن على الوجه المبين قانوناً، وأودعت هيئة المفوضين تقريراً بالرأي القانوني انتهى إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) جلسة 1/ 10/ 1990 ثم تقرر جلسة 7/ 12/ 1992 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) حيث جرى تداوله بالجلسات إلى أن تقرر بجلسة 24/ 10/ 1993 إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانوناً.
وحيث إن الطعن قدم خلال الميعاد القانوني واستوفى سائر أوضاعه الشكلية، ومن ثم فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
وحيث إنه عن موضوع الطعن، فإن وقائع النزاع تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 2796 لسنة 40 ق أمام محكمة القضاء الإداري بتاريخ 22/ 3/ 1986 طالبين الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان بزيادة قيمة الثمن المتفق عليه لشراء الوحدات السكنية وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات.
وقال المدعون شرحاً للدعوى أنه بتاريخ 19/ 7/ 1981 تم الإعلان عن حجز مساكن لشباب الإسماعيلية المتزوجين حديثاً بتكاليف تساوي (4300 - 5500 جنيه) بقسط شهري 15 جنيهاً للوحدة المكونة من غرفتين وصالة (6200 - 7100 جنيه) بقسط شهري 21 جنيهاً للوحدة المكونة من ثلاث غرف وصالة، على أن تزيد هذه الأسعار للمرحلة الثالثة من المشروع بنسبة 15%، وأنهم تقدموا للحجز بالمرحلة الثالثة طبقاً للشروط المعلن عنها.
واستطرد المدعون بأنه تم إصدار القرار رقم 15 لسنة 1981 من وزير الإسكان بتكليف شركة مصر لأعمال الأسمنت المسلح بتنفيذ المرحلة الثالثة من المشروع بنظام الإسكان الجاهز وتم التعاقد بين هيئة تعاونيات البناء والشركة المذكورة على أساس أن يتم التنفيذ وفقاً لآخر أسعار تم التعاقد عليها أو آخر مناقصة أجريت بالمحافظة بحيث لا تتجاوز تكلفة الأعمال 15% زيادة عن أقل أسعار تم التعامل بها خلال الثلاثة أشهر الأخيرة وألا تتجاوز مدة التنفيذ 18 شهراً، وكان تاريخ التعاقد 12/ 12/ 1981.
وأضاف المدعون أنه بتاريخ 11/ 6/ 1981 قررت الهيئة العامة لتعاونيات البناء محاسبتهم وغيرهم من الحاجزين على أساس زيادة ثمن الوحدات السكنية للشقق غرفتين وصالة عشرة آلاف جنيه بزيادة قدرها 3060 جنيهاً والشقق ثلاث غرف وصالة اثنا عشر ألف جنيه بزيادة 3672 جنيهاً، وهو ما يخالف القرار الوزاري رقم 15 لسنة 1981 الذي حدد أسعار تنفيذ المشروع حيث يكون ثمن المتر للوحدة غرفتين وصالة 78 جنيهاً وثمن المتر للوحدة ثلاث غرف وصالة 68 جنيهاً ولا تزيد هذه الأسعار بأكثر من 15% حسب قرار التكليف، كما يخالف قرار الجهاز المركزي للتعمير رقم 53 لسنة 1983 بتشكيل لجنة لتحديد أسعار العملية على أن تسترشد بأسعار آخر مناقصات أجريت وألا تتجاوز التكلفة 15% زيادة على أقل الأسعار التي تم التعامل بها في المحافظة قبل صدور قرار التكليف، ويخالف أيضاً نصوص العقد المبرم بين الهيئة وشركة مصر لأعمال الأسمنت المسلح بتاريخ 12/ 12/ 1981.
وردت الهيئة العامة لتعاونيات البناء على الدعوى بمذكرة أوضحت فيها أنه نتيجة للظروف الطارئة التي واجهت الشركة المنفذة للمشروع والتي تأكدت للجنة المشكلة وفقاً للقرار رقم 15 لسنة 1981، فقد قامت الهيئة، وفي حدود وكالتها عن محافظة الإسماعيلية في تنفيذ العملية بقبول تعديل أسعار التنفيذ التي انتهت إليها اللجنة المذكورة، فأصبحت تكلفة المتر من الوحدة ثلاث غرف وصالة (118.156 جنيهاً) وثمن المتر غرفتين وصالة 119.203 جنيهاً) وذكرت الهيئة بأن هذه المشروعات ليس الغرض منها الكسب حتى يمكن الاحتجاج في مواجهتها بتحمل المخاطر في الكسب والخسارة وإنما الهدف منها المساهمة في حل أزمة الإسكان.
وبجلسة 19/ 2/ 1987 قضت المحكمة برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المدعين المصروفات واستندت المحكمة في حكمها إلى أن الظاهر من الأوراق أن الزيادة في قيمة تكلفة المتر المسطح من وحدات المشروع تجد أساسها في الظروف والمقومات التي حالت بين الشركة المنفذة وبين التنفيذ في الميعاد المحدد والتي تتمثل في تغيير موقع المشروع أكثر من مرة، وعدم وجود مرافق أو دراسة للصرف الصحي في الموقع وعدم تمكين الهيئة من تحديد منسوب الصفر المعماري للوحدات، وترتب على ذلك تغيير موعد البدء الفعلي للعملية إلى 8/ 11/ 1982 وامتداد مدة التنفيذ لثمانية عشر شهراً، مما تولد عنه حق الشركة المنفذة في طلب زيادة الأسعار، وبعد دراسة الطلب من اللجنة المشكلة بالقرار رقم 15 لسنة 1981 تقرر زيادة أسعار التنفيذ على النحو الذي سبق بيانه، الأمر الذي ترتب عليه زيادة في ثمن الوحدات السكنية، وبذلك يكون القرار المطعون فيه قد قام على أسبابه المستخلصة من الأوراق والتي لم يقدم المدعون ما ينفيها أو يفيد التعسف في إصداره أو الغلو فيه مما يستفاد منه انتفاء ركن الجدية في الطعن على القرار المذكور، ومن ثم لا يتحقق معه مناط الحكم بوقف تنفيذه دون حاجة لبحث ركن الاستعجال لعدم جدواه.
وحيث إن الطعن في الحكم المشار إليه يقوم على الأسباب التالية:
أولاً: استند الحكم المطعون فيه إلى أن اللجنة المشكلة طبقاً للقرار الوزاري رقم 15 لسنة 1981 قد قبلت تعديل الأسعار على ضوء الظروف الطارئة، علماً بأن هذه اللجان لم تشكل إلا بعد رفع الدعوى وأن اللجان التي شكلت قبل ذلك لم تقرر رفع الأسعار.
ثانياً: ذكرت الهيئة أنها قامت بتنفيذ المشروع في حدود وكالتها عن محافظة الإسماعيلية، وبذلك تكون المحافظة قد أخطأت في تسليم الهيئة أرضاً يضع الجيش يده عليها وتكون المسئولية تضامنية بين الوكيل والموكل وموجبة للتعويض لصالح المنتفعين ويكفيهم التأخير في تسليم الوحدات السكنية إليهم.
ثالثاً: أن الثابت من قرار محافظة الإسماعيلية رقم 677 لسنة 1981 أنه تم تسليم الأرض خالية من المواقع الصناعية والطبيعية بتاريخ 15/ 10/ 1981، وهذه الأرض امتداد للأرض التي أقيمت عليها المرحلة الرابعة من المشروع.
ومن حيث إنه من المقرر أن الدفع بعدم الاختصاص الولائي من الأمور المتعلقة بالنظام العام وأنه يجوز إبداؤه في أية مرحلة من مراحل الدعوى، كما يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها.
كما أنه من المستقر عليه أن الدولة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة لها أن تجرى بعض التصرفات القانونية متجردة من قواعد السلطة العامة وفي إطار أحكام القانون الخاص، وفي هذه الحالة تسري على هذه التصرفات القوانين والأحكام التي تطبق على أشخاص القانون الخاص، كما يختص القضاء العادي بنظر المنازعات الناشئة عن هذه التصرفات، لأنها لا تعتبر من قبيل المنازعات الإدارية التي يختص بها القضاء الإداري، ذلك أن المنازعات لا تعتبر إدارية لمجرد أن أحد طرفي النزاع جهة إدارية بل يتعين أن تكون طبيعة المنازعة ذاتها إدارية في ضوء السلطات والاختصاصات المخولة للجهة الإدارية بوصفها كذلك في القوانين واللوائح المنظمة لها، أما إن كان التصرف يدور في فلك وإطار القوانين العادية التي يخضع لها أشخاص القانون الخاص، فلا يجوز أن توصف المنازعة الناشئة من هذا التصرف بأنها منازعة إدارية، وإنما تعتبر هذه المنازعة منازعة مدنية ولو كان أحد طرفيها جهة إدارية.
وحيث إنه بتطبيق ما سلف على واقعة النزاع ولما كان مثار الطعن الماثل يتمثل في الخلاف الناشئ بين المتنازعين على تحديد ثمن الوحدات السكنية المحجوزة بأسماء الطاعنين، وأن حقيقة التكليف القانوني لهذا النزاع أنه لا يخرج عن أن يكون نزاعاً مدنياً بحتاً يتعلق بأحد عناصر العقد الذي يحكم هذه العلاقة سواء كان وعداً بالبيع أو عقد بيع ناجز وهذا العنصر هو ثمن الوحدات السكنية، وأن القانون الواجب التطبيق على هذا النزاع هو الأحكام المنصوص عليها في القانون المدني في هذا الخصوص وأن القضاء المدني هو جهة القضاء المختصة بالفصل في هذا النزاع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى بغير ذلك وفصل في النزاع على الوجه الذي سبق بيانه، فإنه يكون أخطأ في تطبيق القانون، مما يتعين معه الحكم بإلغائه والحكم بعدم اختصاص القضاء الإداري ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى محكمة الإسماعيلية الابتدائية للاختصاص بنظرها في جلسة تحدد بمعرفتها مع إبقاء الفصل في المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص القضاء الإداري ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى محكمة الإسماعيلية الابتدائية للاختصاص بنظرها في جلسة تحدد بمعرفتها، مع إبقاء الفصل في المصروفات.