مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1993 إلى أخر فبراير سنة 1994) – صـ 467

(44)
جلسة 25 من ديسمبر سنة 1993

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعت - نائب رئيس مجلس الدولة, وعضوية السادة الأساتذة: د. أحمد مدحت حسن, وأبو بكر محمد رضوان, وغبريال جاد عبد الملاك, وسعيد أحمد برغش - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 461، 462 لسنة 35 القضائية

( أ ) أملاك الدولة - أراضي طرح النهر بمحافظتي القاهرة والجيزة - طبيعتها القانونية.
اعتباراً من 11/ 2/ 1986 تعتبر أراضي طرح النهر والجزر بمحافظتي القاهرة والجيزة ضمن الحيازة القانونية لقطاع التنمية الزراعية بوزارة الزراعة وتخصص لإقامة صوب للزراعة المحمية وذلك فيما عدا الأراضي المؤجرة لإقامة مشاتل الزينة بموافقة وزير الزراعة - أساس ذلك: قرار وزير الزراعة رقم 155 لسنة 1986 - تطبيق.
(ب) أملاك الدولة الخاصة - أراضي طرح النهر - كيفية التصرف فيها.
المادة الأولى من قرار وزير الزراعة رقم 646 لسنة 1986 بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية للقانون رقم 100 لسنة 1964 بتنظيم تأجير العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها.
يكون بيع أملاك الدولة الخاصة عن طريق الإعلان حتى بالنسبة لواضعي اليد ذوي الأولوية في تأجير أراضي وضع يدهم - ليست هناك وسيلة أخرى للتصرف في أملاك الدولة الخاصة ومنها أراضي طرح النهر - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 21/ 1/ 1989 أودع الأستاذ/ ...........
المحامي - بصفته وكيلاً عن الطاعن - قلم كتاب المحكمة تقريري طعن قيدا بجدولها برقمي 461، 462 لسنة 35 ق، في الحكمين الصادرين من المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بجلسة 23/ 11/ 1988 في الدعويين رقمي 126، 127 لسنة 29 ق المقامتين من النيابة الإدارية ضد الطاعن، والقاضي كل منهما بمجازاته بعقوبة اللوم.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقريري الطعن - الحكم بإلغاء الحكمين المطعون فيهما، وبراءته مما نسب إليه.
وقد تم إعلان تقريري الطعن إلى النيابة الإدارية بتاريخ 24/ 1/ 1989.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرين بالرأي القانوني في الطعنين ارتأت فيهما الحكم بقبولها شكلاً ورفضهما موضوعاً.
وقد تحدد لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون جلسة 12/ 5/ 1993, وتم التأجيل لجلسة 9/ 6/ 1993، وفيها تقرر ضم الطعن رقم 462 لسنة 35 ق إلى الطعن رقم 461 لسنة 35 ق ليصدر فيهما حكم واحد، كما قدمت النيابة الإدارية مذكرتين طلبت فيهما رفض الطعنين وبجلسة 14/ 7/ 1993 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة" وحددت لنظرهما جلسة 28/ 8/ 1993.
وقد تم نظر الطعنين بالجلسة المحددة، وتدوولاً بالجلسات على النحو المبين بالمحاضر، حيث قدم الحاضر عن الطاعن حافظة طويت على مستند واحد, وبجلسة 23/ 10/ 1993، قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 4/ 12/ 1993 مع مذكرات في ثلاثة أسابيع.
وفي هذا الأجل قدم الطاعن مذكرة صمم فيها على طلباته.
وقد صدر الحكم بجلسة اليوم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الحكم المطعون فيه قد صدر بجلسة 23/ 11/ 1988، وأن تقريري الطعن فيه المقيدين برقمي 461، 462 لسنة 35 ق - قد أودعا قلم كتاب المحكمة بتاريخ 21/ 1/ 1989 فمن ثم يكون الطعنان قد قدما بمراعاة المواعيد القانونية المقررة.
ومن حيث إن الطعنين قد استوفيا - فضلاً عما تقدم - بقية أوضاعهما الشكلية، فمن ثم يتعين قبولها شكلاً.
ومن حيث إنه بالنسبة للطعن رقم 461 لسنة 35 ق - فإن وقائعه تخلص - حسبما يبين من الأوراق في أن النيابة الإدارية كانت قد أقامت الدعوى رقم 126 لسنة 29 ق بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا، منطوية على تقرير باتهام الطاعن أنه خلال شهر نوفمبر 1986 بدائرة وزارة الزراعة، بوصفه وكيل أول وزارة الزراعة، لم يؤد عمله بدقة، وخالف الأحكام المالية، وخرج على مقتضى الواجب بأن أمر بتخصيص وتأجير بعض أراضي طرح النهر والجزر بمحافظتي القاهرة والجيزة لبعض العاملين بقطاع التنمية الزراعية بالمخالفة للقرار الوزاري الصادر بتخصيصها لقطاع التنمية الزراعية لتنفيذ المشروع القومي لصوب الزراعة المحمية.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمة الطاعن طبقاً للمواد الواردة بتقرير الاتهام.
وبجلسة 23/ 11/ 1988 قضت المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بمجازاة الطاعن بعقوبة اللوم. وأقامت المحكمة قضاءها على أساس ما ثبت لها من أن الطاعن قد أجر بالفعل جزءاً من أراضي طرح النهر والجزر بالقاهرة والمخصصة لإقامة المشروع القومي لصوب الزراعة المحمية لبعض العاملين بقطاع التنمية الزراعية باعتبارهم من واضعي اليد عليها، على الرغم من علمه بأن الأراضي المؤجرة في حيازة قطاع التنمية الزراعية الذي يرأسه، وعلمه أيضاً بأنه سبق تطهير تلك الأراضي من التعديات عليها، كما أن الطاعن لم ينكر وقائع التأجير مبرراً إياها بأنها كانت بناء على تعليمات شفهية من وزير الزراعة.
ونعى تقرير الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون على أساس أن المحكمة قد أدانت الطاعن بفهم خاطئ لمستهدف المشروع القومي للصوب وإجراءات تشغيله، إذ المشروع لا يستهدف أن يحتفظ قطاع التنمية الزراعية بأرض المشروع لنفسه, وإنما المقرر أن تقام الصوب على تلك الأرض ثم توزع على خريجي كلية الزراعة، وأن ما قام به الطاعن من إجراءات تأجير بعض تلك الأراضي لبعض العاملين بقطاع التنمية الزراعية من خريجي كلية الزراعة باعتبارهم رواداً لشباب الخريجين لا يمثل مخالفة لأهداف المشروع ولا ضوابط توزيعه، وأن التوزيع لم يتم على أساس وضع اليد، وأن ما دون باستمارات هؤلاء العاملين من أنهم واضعو يد، ليس إلا إتباعاً للمألوف من الأمر في استئجار أراضي الدولة وتملكها، وأن ما قام به الطاعن قد تم بتكليف شفهي من الوزير واستجابة لتعليماته لأغراض حزبية, هذا فضلاً عن أن ما قام به الطاعن بشأن التأجير للعاملين بقطاع التنمية الإدارية كان رهيناً بتركهم الوظيفة، وأنه لم ينشئ لهم حقاً، إذ لم تترتب أية آثار لما قام به عند عدول الوزارة عن القيام بالمشروع.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق - وبغير منازعة من الطاعن - أنه قد وافق بالفعل على تأجير بعض أراضي طرح النهر بمحافظتي القاهرة والجيزة والمخصصة لتنفيذ المشروع القومي لصوب الزراعة المحمية لبعض العاملين بقطاع التنمية الزراعية. وأنه ثابت في استمارات طلب التخصيص والتأجير المقدمة منهم أن سند طلبهم هو وضع يدهم على تلك الأراضي.
ومن حيث إن الطاعن لم ينكر قيامه بالتأجير لمن قام بالتأجير لهم من العاملين بقطاع التنمية الزراعية باعتبارهم أولى وباعتبارهم رواداً في مجال الزراعة، كما أن ذلك قد تم بموافقة شفهية من وزير الزراعة وبعد استشارة المستشار/ .......... المستشار القانوني لوزير الزراعة.
ومن حيث إنه بتاريخ 11/ 1/ 1986 صدر قرار وزير الزراعة رقم 155 لسنة 1986 ونص في مادته الأولى على إزالة التعديات الواقعة على أراضي طرح النهر والجزر بمحافظتي القاهرة والجيزة كما نص في مادته الثانية على أن تخصص هذه الأراضي للمشروع القومي لإقامة صوب بلاستيك لإنتاج الخضر والفاكهة ونباتات الزينة الذي يقيمه قطاع التنمية الزراعية بوزارة الزراعة, ويستثني من هذا التخصيص المساحات المؤجرة من هذه الأراضي المخصصة لإقامة مشاتل الزينة بموافقة الوزير.
ومفاد هذا النص إنه اعتباراً من 11/ 2/ 1986 تعتبر أراضي طرح النهر والجزر بمحافظتي القاهرة والجيزة ضمن الحيازة القانونية لقطاع التنمية الزراعية بوزارة الزراعة ومخصصة لإقامة صوب للزراعة المحمية، وذلك فيما عدا الأراضي المؤجرة لإقامة مشاتل الزينة بموافقة وزير الزراعة.
ومن حيث إنه بتاريخ 13/ 8/ 1986 صدر قرار وزير الزراعة رقم 759 لسنة 1986 متضمناً تحديد مساحة أراضي طرح النهر الواقعة بمنطقتي أثر النبي ودار السلام على كورنيش النيل بالمعادي مع تخصيصها لإقامة صوب عليها, وإزالة التعديات الواقعة عليها.
ومن حيث إن قرار وزير الزراعة رقم 646 لسنة 1986 بتاريخ 13/ 7/ 1986 بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية للقانون رقم 100 لسنة 1964 بتنظيم تأجير العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها قد نص في مادته الأولى - ثالثاً - على أن "تكون أولوية التأجير....... طبقاً للترتيب الآتي: 1 - واضعو اليد على الأرض محل الإيجار بشرط أن يكونوا قائمين على زراعتها فعلاً قبل طلب التأجير هم أو ورثتهم، وذلك من واقع قوائم أو كشوف الحصر للمساحة السنوية. 2 - .......... كما نصت الفقرة الرابعة على أن "تعلن الإدارة العامة لأملاك الدولة الخاصة عن الأراضي المعروضة للإيجار بطريق اللصق في مقار مجالس المدن والقرى ومقار العمد والجمعيات التعاونية الزراعية الواقعة تلك الأراضي في زمامها، ويعلن واضعو اليد على تلك الأراضي بالطريق الإداري....".
ومفاد هذا النص أن بيع أملاك الدولة الخاصة يتم عن طريق الإعلان حتى بالنسبة لواضعي اليد ذوي الأولوية في تأجير أراضي وضع يدهم، وأنه ليست هناك وسيلة أخرى للتصرفات في أملاك الدولة الخاصة ومنها أراضي طرح النهر.
ومن حيث إن الثابت من الاطلاع على الطلبات المقدمة من بعض العاملين بقطاع التنمية الزراعية لاستئجار بعض أراضي طرح النهر بناحية جزيرة الذهب بالجيزة وبناحية أثر النبي ودار السلام بالقاهرة، أنها تستند إلى وضع يدهم على تلك الأراضي, وأنه مؤشر عليها بالموافقة استناداً إلى استيفائهم لشروط القرار الوزاري رقم 646 لسنة 1986، أي باعتبارهم واضعي يد، وأن غالبية هذه الطلبات مؤشر عليها بالموافقة خلال شهري أكتوبر ونوفمبر سنة 1986.
ومن حيث إنه متى كان الثابت أن بعض الأراضي التي وافق الطاعن على تأجيرها لبعض العاملين بقطاع التنمية الزراعية خلال شهري أكتوبر ونوفمبر سنة 1986 هي من الأراضي الصادر بتخصيصها لقطاع التنمية الزراعية لتنفيذ المشروع القومي للصوب قرار وزير الزراعة رقم 759 بتاريخ 13/ 8/ 1986, في تاريخ لم يكن قرار وزير الزراعة بالتخصيص قد جف مداده بعد, وهو وكيل أول الوزارة المشرف على قطاع التنمية الزراعية والذي يعلم - أو المفروض أنه يعلم - أن تلك الأراضي وضع يد القطاع الذي رأسه وليست وضع يد أولئك العاملين ممن وافق على التأجير لهم، فمن ثم فإن موافقة الطاعن على تأجير تلك الأراضي لمن تم التأجير لهم لا يمكن أن تتم إلا مجاملة ومحاباة لهؤلاء العاملين على حساب الصالح العام، أو غفلة شديدة في مجال اليقظة والحذر، وكلاهما يمثل ذنباً إدارياً جسيماً، يستوجب أخذ مرتكبه بجزاء رادع.
ولا يغنى الطاعن ما تذرع به دفاعاً عن نفسه من أن ما تم قد تم بتوجيهات سيادة وزير الزراعة، إذ أنه على الرغم مما تشئ به ظروف الأحداث من أن الوزير كان عالماً بالضرورة بما يتم، إلا أن ذلك لا يشفع في دفع المسئولية عنه طالما لم يصدر الوزير قراراً بتعديل قراره الأول المتضمن الإيجار إذ كان أولى به أن يرعى الله فيما ناطه الله من أمانة رعاية أموال الشعب، لا أن يرعى وزيره فيما يناط به من أمانة الحزب الوطني.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم، فإنه لا تثريب على الحكم الطعين فيما قضى به من مجازاة الطاعن باللوم، ويكون طعنه الماثل قد استند إلى غير سند صحيح, ومن ثم يكون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إنه بالنسبة للطعن رقم 462 لسنة 35 ق, فإن وقائعه تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن النيابة الإدارية كانت قد أقامت الدعوى رقم 127 لسنة 29، بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بتاريخ 4/ 7/ 1987، منطوية على تقرير باتهام الطاعن بأنه خلال الفترة من 28/ 8/ 1986 حتى 16/ 11/ 1986 بدائرة وزارة الزراعة, وبوصفه رئيس قطاع التنمية الزراعية بوزارة الزراعة والمشرف العام على الإدارة العامة لأملاك الدولة الخاصة بدرجة وكيل أول وزارة، لم يؤد العمل المنوط به بأمانة, ولم يحافظ على ممتلكات الجهة التي يعمل بها، وخالف القانون واللوائح والتعليمات الصادرة إليه، وذلك بأن أصدر تعليماته إلى المختص بإدارة أملاك الجيزة بربط مساحات من أراضي طرح النهر بناحية دار السلام بدائرة قسم المعادي بأسماء كل من......... و......... و......... باعتبارهم واضعي اليد عليها خلافاً للحقيقة والواقع كما وافق على الطلبات المقدمة من الأشخاص سالفي الذكر لتأجير المساحات التي تم ربطها بأسمائهم - دون أن يكون مختصاً بذلك - وبالمخالفة لقراري وزير الزراعة رقمي 155، 579 لسنة 1986 بتخصيص هذه المساحات لقطاع التنمية الزراعية لإقامة صوب بلاستيك عليها لإنتاج الخضر والفاكهة ونباتات الزينة.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمة الطاعن طبقاً للمواد الواردة بتقرير الاتهام.
وبجلسة 23/ 11/ 1988 قضت المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بمجازاة الطاعن بعقوبة اللوم. وأقامت المحكمة قضاءها على أساس صحة ما نسب إلى الطاعن من واقع شهادة الشهود والتأشيرات الواردة على طلبات التأجير، ومن صورة الاستمارة رقم 31 حصر أموال ناحية دار السلام لعام 1986.
ونعى تقرير الطعن على الحكم الطعين مخالفة القانون على أساس أن الحكم قد انتزع المخالفتين المنسوبتين للطاعن من أوراق وأقوال لا تؤدي إلى ثبوتها، إذ أدان الطاعن بمخالفة إصدار تعليمات إلى المختص بإدارة أملاك الجيزة بربط مساحات من أراضي طرح النهر بناحية دار السلام بدائرة قسم المعادي بأسماء بعض الأشخاص باعتبارهم واضعي اليد عليها خلافاً للحقيقة على أساس شهادة كل من......... و......... وهما المسئولان عن عملية الربط الخاطئ, ويهمهما تبرئة نفسيهما بإلقاء المسئولية على الطاعن، كما أدين الطاعن بالحكم الطعين بالتأجير لغير مستحقين لمجرد تأشيرة على طلبات التأجير بالاعتماد والموافقة, وحال أن هذه الموافقة قد صدرت منه باعتباره رئيساً لقطاع التنمية الزراعية لا بوصفه مشرفاً عاماً على أملاك الدولة، إذ أن تأشيرته لا تعني سوى أن هذه الأرض غير صالحة لإقامة صوب زراعية، وأنه قد تم عرض الطلبات عليه لهذا السبب وحده، باعتبار أن تأجير ما يقل عن عشرة أفدنة يدخل في اختصاص مدير عام الأملاك بالمحافظة ولا يحتاج لموافقته هذا فضلاً عن أن التأجير قد تم لكبار القوم ممن يتصلون بصلة قرابة أو صداقة بسيادة رئيس الجمهورية وحرمه، وأنه لا يهمه مجاملة مثل هؤلاء سوى وزير الزراعة تقرباً وزلفى.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق ومما سبق إيراده بأسباب الحكم في الطعن رقم 461 لسنة 35 ق, أن أراضي طرح النهر بمحافظتي القاهرة والجيزة - جزيرة الذهب وأثر النبي ودار السلام - قد خصصت لإقامة مشروع قومي للصوب الزراعية عليها بمعرفة قطاع التنمية الزراعية بوزارة الزراعة، كما تقرر إزالة التعدي عليها لهذا السبب، وأن ذلك قد تقرر بمقتضى قراري وزير الزراعة رقمي 155 بتاريخ 11/ 2/ 1986، 759 بتاريخ 13/ 8/ 1986, وأنه قد تمت بالفعل إزالة وضع اليد على تلك المساحات, وتم تسليمها لقطاع التنمية الزراعية رئاسة الطاعن.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن قد أشر بعبارة "يعتمد وأوافق" على طلبات تأجير بعض أراضي طرح النهر بناحية دار السلام التابعة لقسم المعادي، المقدمة من كل من السيد/ ......... نجل وزير الثقافة الأسبق والسيد/ ......... نجل اللواء/ ...... مدير سلاح الشرطة العسكرية والسيدة/ .......... زوجة اللواء/ ......... وأن هذه الموافقة قد تمت بتاريخ 16/ 11/ 1986 بعد قرابة شهرين ونصف من إزالة وضع اليد عليها وتسليمها لقطاع التنمية الزراعية رئاسة الطاعن لتنفيذ المشروع القومي للصوب الزراعية، بما يقطع بعلمه يقيناً بأنه لا وضع يد لهؤلاء الذين تقدموا لاستئجارها بوصفهم واضعي اليد عليها، فمن ثم فإنه ما كان يجوز له الموافقة على تأجير تلك الأراضي لهم، حتى بغرض استبعادها من مشروع إقامة الصوب الزراعية لعدم صلاحيتها, باعتبار أن تأجيرها في هذه الحالة لا يتم إلا بإعلان طبقاً لقرار وزير الزراعة رقم 646 لسنة 1986 بتاريخ 13/ 7/ 1986.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم, وكان الثابت من كتاب مفتش الأملاك إلى مدير منطقة أملاك الجيزة المؤرخ في 30/ 9/ 1986 أن طلبات التأجير سالفة الذكر قد قدمت فور إزالة التعدي عليها وتسليمها لقطاع التنمية الزراعية, وأن حصرها بأسماء هؤلاء قد تم بإيعاذ من الطاعن, وأن الأراضي المطلوب تأجيرها كانت من أراضي الصوب, فمن ثم فإن المحكمة تطمئن إلى ما ورد بهذا الكتاب, إذ أنه محرر في تاريخ لم تكن وقائع الموضوع محل تحقيق أو مساءلة, بما يؤكد صحة المخالفتين المنسوبتين للطاعن بتقرير الاتهام, بما يستوجب مساءلته ومجازاته عنهما.
ومن حيث إنه على الرغم مما تقدم، فإن الثابت من الأوراق أن المخالفات المنسوبة للطاعن بكل من الدعويين رقمي 126، 127 لسنة 29 ق, والمطعون على الحكمين الصادرين فيهما بالطعن رقم 461 لسنة 35 ق والطعن الماثل أبلغت للنيابة الإدارية في وقت واحد، بما كان يتعين معه إجراء تحقيق واحد بشأن تلك المخالفات لارتباطها ارتباطاً لا يستساغ تجزئته، فإن هذه المحكمة تقديراً منها لما تم من إفراغ تحقيق لتلك المخالفات، وتقديم الطاعن منهما في دعويين، ترى أن في مجازاته باللوم في الدعوى رقم 126 لسنة 29 ق, ما يستوجب تخفيف العقوبة المقضي بها في الدعوى رقم 127 لسنة 29 ق - المطعون في الحكم الصادر فيها بالطعن الماثل - من اللوم إلى التنبيه.
ومن حيث إن الحكم الطعين قد قضى بمجازاة الطاعن باللوم، بغير مراعاة للظروف التي تمت بها إجراءات التحقيق وبغير مراعاة سبق مجازاته عن مخالفات من نفس النوع تمت تجزئتها دون مقتضى، فإن الجزاء الموقع على الطاعن باللوم يكون مشوباً بالغلو الذي يخرجه من دائرة المشروعية بما يتعين معه تخفيض الجزاء إلى ما يدخله دائرة المشروعية، وهو ما تقدره المحكمة بعقوبة التنبيه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:
أولاً: بقبول الطعن رقم 461 لسنة 35 ق شكلاً ورفضه موضوعاً.
ثانياً: بقبول الطعن رقم 462 لسنة 35 ق شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ومجازاة الطاعن بعقوبة التنبيه.