مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والأربعون - (من أول أكتوبر سنة 1999 إلى آخر سبتمبر سنة 2000) - صـ 131

(14)
جلسة 31 من أكتوبر سنة 1999

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين: جودة عبد المقصود فرحات وسعيد أحمد محمد حسين برغش وسامي أحمد محمد الصباغ وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 4913 لسنة 42 قضائية عليا

قوات مسلحة - تجنيد - إصابة المجند أثناء الخدمة - التعويض عنها - أساسه.
مصدر التزام جهة الإدارة في مواجهة المجند المصاب بسبب الخدمة هو نصوص قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975 - لا وجه للقول بمسئولية جهة الإدارة عن ذات الحالة استناداً إلى مصدر آخر من مصادر الالتزام وهو العمل غير المشروع ما لم تكن إصابة المجند بسبب الخدمة قد نتجت عن تصرف أو عمل ينطوي على نوع من الخطأ ينحدر إلى مستوى الخطأ العمدي أو الخطأ الجسيم - في هذه الحالة يستحق المصاب تعويضاً - أساس ذلك: أن المستحقات التي قدرها القانون للمصاب بسبب الخدمة روعي فيها ظروف ومخاطر الخدمة العسكرية التي يتعرض لها المجند دون خطأ جسيم من جانب الإدارة أي خطأ المرفق في الأحوال واحتمالات الممارسة العادية لنشاطه - في حالة الخطأ الجسيم من جانب الإدارة يختلف الأمر إذ لا يكفي ما قرره القانون ويكون الخطأ الجسيم أو العمدي مقتضياً لتعويض مكمل لما قرره القانون للمجند المصاب من حقوق وتأمينات - مثال للخطأ الجسيم: عدم تطهير أرض معسكر الجنود وحول مخزن ذخيرة من الألغام - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 23/ 6/ 1996 أودع الأستاذ/ ........ المحامي نيابة عن الأستاذ/ ........ المحامي - بصفته وكيلاً عن الطاعن - قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد برقم 4913 لسنة 42 ق، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بجلسة 23/ 4/ 1996 في الدعوى رقم 693 لسنة 46 ق، المقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهم - بطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يؤدوا له معاشاً شهرياً ثابتاً يزاد طبقاً للقانون مقداره مائة جنيه من تاريخ الإصابة مع تعويضه بمبلغ خمسين ألف جنيه تعويضاً له عما أصابه من أضرار أثناء الخدمة وبسببها - والقاضي بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع باستحقاق المدعي معاشاً شهرياً اعتباراً من تاريخ انتهاء خدمته العسكرية، واستحقاقه مبلغ التأمين وكذلك مبلغ التأمين الإضافي وفقاً لأحكام القانون رقم 90 لسنة 1975، على الوجه المبين بالأسباب، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بالتقرير - الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من عدم أحقيته في التعويض الإجمالي البالغ مقداره خمسون ألف جنيه، والقضاء مجدداً بإلزام المطعون ضدهم بأن يدفعوا له متضامنين مبلغ خمسين ألف جنيه.
وتم إعلان تقرير الطعن.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب التعويض، وإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدي للطاعن التعويض الذي تقدره المحكمة لجبر الأضرار التي أصابته.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 7/ 12/ 1998، وتدول بالجلسات على النحو المبين بالمحاضر، حيث قدم الطاعن مذكرة صمم فيها على طلباته، وقررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الأولى - موضوع" لنظره بجلسة 30/ 5/ 1999.
وتم نظر الطعن بالجلسة المحددة، وما تلاها من جلسات، إلى أن قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، حيث صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى كافة أوضاعه الشكلية، فمن ثم يتعين قبوله شكلاً.
ومن حيث إنه بالنسبة للموضوع، فإن وقائعه تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن كان قد أقام الدعوى رقم 693 لسنة 46 ق، بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بتاريخ 27/ 10/ 1991، بطلب الحكم بإلزام المدعى عليهم متضامنين بأن يؤدوا له معاشاً شهرياً ثابتاً مقداره مائة جنيه تزاد طبقاً للقانون من تاريخ الإصابة، مع تعويضه بمبلغ إجمالي مقداره خمسون ألف جنيه تعويضاً له عما أصابه أثناء الخدمة وبسببها.
وذكر المدعي - شرحاً لدعواه - أنه جند بخدمة القوات المسلحة، وفي صباح يوم 27/ 11/ 1988 كلف بخدمة نهارية على مخزن الذخيرة بالكتيبة الملحق بها. وأثناء قيامه بالحراسة تعلقت قدمه بأحد الأسلاك الشائكة حال كونه ببندقيته فسقط على يده اليسرى التي ارتطمت بأحد الألغام المغروسة بالأرض. فانفجر اللغم، وترتب على ذلك بتر أصابع يده اليسرى وإصابة عينه اليسرى بجسم غريب، فضلاً عن شظايا بأماكن متفرقة من جسمه، وثبت ذلك بالمحضر رقم 211 - شرق إصابات - 1989، وقيد برقم 93/ 1989 إداري قيادة الجيش الثاني الميداني قسم س 4 نيابات رقم 10.
وأضاف المدعي أنه على الرغم من إصابته الجسيمة بعينه ويده حال كونه سائقاً قد حدثت نتيجة خطأ قيادات وحدته العسكرية المسئولة عن تطهير أماكن معسكرات الجند من الألغام، وهو خطأ جسيم ترتب عليه إنهاء خدمته العسكرية لعدم اللياقة الطبية، فإن القوات المسلحة لم تسلمه سوى شيكاً بمبلغ خمسة وسبعون جنيهاً تعويضاً عن إصابته ومكافأة لنهاية الخدمة، وانتظر طويلاً أن تمنح له القوات المسلحة حقوقه التأمينية مع تعويضه، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث.
وبجلسة 23/ 4/ 1996 قضت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة باستحقاق المدعي معاشاً شهرياً اعتباراً من تاريخ انتهاء خدمته العسكرية واستحقاقه مبلغ التأمين وكذلك مبلغ التأمين الإضافي وفقاً لأحكام القانون رقم 90 لسنة 1975. وأقامت المحكمة قضاءها على أساس ثبوت انتهاء خدمة المدعي لعدم اللياقة الطبية لإصابته بعجز جزئي أثناء الخدمة وبسببها، وأن الحقوق التأمينية المقررة بالقانون رقم 90 لسنة 1975 تمنح للمصابين من الجنود أثناء الخدمة وبسببها، وأنه لا يشترط لاستحقاقها ثبوت خطأ في جانب الإدارة، وأنه لم يثبت وقوع خطأ في جانب الإدارة يوجب تعويض المدعي.
ونعى تقرير الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون على أساس أن خطأ جهة الإدارة ثابت بمحضر الواقعة ويتمثل في عدم تطهير معسكر الوحدة التي يخدم بها الطاعن، وأن الضرر الذي أصاب الطاعن يتمثل في بتر أصابع يده اليسرى وإصابة عينه اليسرى، وأن علاقة السببية قائمة بين الخطأ والضرر.
ومن حيث إن هذه المحكمة قد ذهبت في قضاء سابق إلى ما مفاده أنه لما كان مصدر التزام جهة الإدارة تجاه المجند المصاب بسبب الخدمة هو نصوص قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975، فإن مقتضى ذلك أن المشرع قد حدد التزامات جهة الإدارة في هذه الحالة بموجب القانون مباشرة، ومن ثم فإنه لا يكون هناك وجه للقول بمسئولية جهة الإدارة عن ذات الحالة استناداً إلى مصدر آخر من مصادر الالتزام هو العمل غير المشروع، ما لم تكن إصابة المجند بسبب الخدمة قد نتجت عن تصرف أو عمل ينطوي على نوع من أنواع خطأ الإدارة ينحدر إلى مستوى الخطأ العمدي أو الخطأ الجسيم، لأن الاستحقاق الذي قدره القانون للمصاب بسبب الخدمة إنما قدره بمراعاة ظروف ومخاطر الخدمة العسكرية التي يمكن أن يتعرض لها المجند بلا خطأ جسيم من جانب جهة الإدارة، وهو خطأ المرفق الممكن وقوعه في الأحوال واحتمالات الممارسة العادية لنشاطه، دون ظروف ومخاطر الخدمة التي تشكل الخطأ العمدي أو الجسيم، إذ في هذه الحالة الأخيرة لا يكون التعويض وغيره من الحقوق التي قدرها المشرع وقررها كافية لتغطية الضرر الذي أصاب المجند، وإنما يكون العمد أو الخطأ الجسيم مقتضياً لتعويض مكمل لحجم الضرر الذي رتبه الخطأ الجسيم من جهة الإدارة إلى جانب ما قرره القانون للمجند المصاب من حقوق وتأمينات.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه صباح يوم 27/ 11/ 1988 وأثناء قيام الطاعن المجند بالكتيبة 204 باللواء 82 مد وسط بحراسة مخزن الذخيرة بالكتيبة انفجر به لغم أرضي أدى إلى تهتك وبتر أصابع يده اليسرى وجسم غريب بمقلة عينه اليسرى، وأنهيت خدمته العسكرية - تبعاً لذلك - لعدم اللياقة الطبية للإصابة أثناء الخدمة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن اللغم الذي انفجر في المجند الطاعن لم يكن في منطقة ألغام محظور عليه الدخول فيها، وإنما كان في مكان بالكتيبة غير محظور على أفرادها أن يتواجدوا به، كما لم تنكر الجهة الإدارية قيامها بتطهير منطقة الحادث من ألغام بعد وقوعه، فمن ثم فإن مسلك الإدارة في عدم تطهير أرض معسكر للجنود وحول مخزن ذخيرة مما عساه أن يؤذي أفراد المعسكر أو يفجر المخزن يمثل تفريطاً جسيماً فيما يستوجب العناية، وإفراطاً في الإهمال والخطأ.
ومن حيث إنه لما تقدم، وكان الثابت أن هذا الخطأ الجسيم من جانب الإدارة هو الذي تسبب في بتر أصابع اليد اليسرى للطاعن وإصابة عينه اليسرى، فمن ثم فقد حق على الجهة الإدارية تعويضه عما أصابه في نفسه وبدنه، وبمراعاة ما قرره بمحاضر التحقيق العسكرية - ولم تنكره الإدارة - من أنه كان يعمل سائقاً، وهو ما تقدره المحكمة بعشرين ألف جنيه.
ومن حيث إن الحكم الطعين قد ذهب خلافاً لما تقدم، فإنه يكون قد خالف القانون فيما قضى به من رفض طلب التعويض، بما يتعين معه القضاء بإلغائه في هذا الخصوص، وبإلزام الجهة الإدارية أن تؤدي للطاعن تعويضاً مقداره عشرون ألف جنيه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيما قضى به من رفض طلب التعويض وبإلزام الجهة الإدارية أن تؤدي للطاعن تعويضاً مقداره عشرون ألف جنيه والمصروفات.