مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والأربعون - (من أول أكتوبر سنة 1999 إلى آخر سبتمبر سنة 2000) - صـ 139

(15)
جلسة 31 من أكتوبر سنة 1999

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين: جودة عبد المقصود فرحات وسعيد أحمد محمد حسين برغش وسامي أحمد محمد الصباغ وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 5234 لسنة 42 قضائية عليا

حرية التنقل - القيود الواردة عليها - حق الزوج في منع زوجته من السفر - أساسه وحدوده.
المادتان 11 و12 من القانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر - قرار وزير الداخلية رقم 67 لسنة 1959 بتنفيذ بعض أحكام القانون المذكور - قرار وزير الداخلية رقم 3837 لسنة 1966.
يجب تفسير ما تضمنته النصوص التشريعية من أحكام في شأن استخراج جواز سفر للزوجة أو سحبه أو إدراجها على قوائم الممنوعين من السفر في إطار ما تضمنه الدستور والقانون من مبادئ وما قررته الشريعة الإسلامية من أحكام - تناولت الشريعة الإسلامية حقوق كل من الزوجين فأوجبت على الزوج الإنفاق مقابل حقه على الزوجة في الاحتباس بأن تلزم بيته وتبقى إلى جوار أولاده - وتتفرغ لأسرتها ورعاية شئونها - لم تحرم الشريعة عمل المرأة ما دام مشروعاً لا يمس عفافها ولا يتعارض وواجباتها تجاه أسرتها – ما دام الزوج قد وافق على عمل زوجته وقبل بالاحتباس غير الكامل بناء على اتفاق الطرفين، فلا يجوز له التحلل من هذا القبول بطلب سحب جواز سفر زوجته - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 13/ 7/ 1996 أودع الأستاذ/ ....... المحامي وكيلاً عن الطاعن - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 5234 لسنة 42 ق، في الحكم الصادر في الدعوى رقم 2479 لسنة 50 ق بجلسة 14/ 5/ 1996 والقاضي برفض الدفعين بعدم قبول الدعوى شكلاً وبقبولها شكلاً وبوقف تنفيذ القرارين المطعون فيهما وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام المطعون ضدها الأولى المصروفات وتم إعلان تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.
تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 7/ 12/ 1998، وبجلسة 21/ 6/ 1999 قررت إحالته إلى هذه المحكمة والتي نظرته بجلساتها حتى قررت إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم، وبها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه المقررة.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن المطعون ضدها أقامت دعوى أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة أودعت صحيفتها بتاريخ 3/ 6/ 1995 طلبت فيها الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء قرار جوازات مطار القاهرة بسحب جواز سفرها رقم 208273 لسنة 1988 والتصريح للمدعية باستخراج جواز آخر لانتهاء مدة الجواز، وقالت شرحاً للدعوى أنها تعمل مضيفة جوية بشركة مصر للطيران وقد تزوجت عام 1984 من المدعى عليه الثاني وأنجبت منه طفلين، وقد دبت الخلافات الزوجية بينهما واشتدت حدتها فقام الزوج بتاريخ 26/ 11/ 1994 بإبلاغ جوازات المطار لسحب جواز سفرها وتم سحب الجواز المشار إليه وحرمت بناء على ذلك من القيام بعملها على متن الطائرات مما أصابها بأضرار بالغة لأنها لا تتقاضى منذ ذلك الحين سوى رابتها الأساسي الذي لا يتجاوز مائة وخمسون جنيهاً وهو مبلغ لا يكفي للإنفاق على نفسها وأولادها.
وبجلسة 8/ 11/ 1995 حكمت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإدارية حيث قيدت لديها بالرقم المشار إليه.
وبجلسة 14/ 5/ 1996 صدر الحكم المطعون فيه، وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة لركن الجدية في طلب وقف التنفيذ على أن الالتزام بالحصول على موافقة الزوج لاستخراج جواز سفر أو تجديده للزوجة وحق الزوج في إلغاء موافقته طبقاً لقرار وزير الداخلية رقم 63 لسنة 1959 بتنفيذ بعض أحكام القانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر - هذا الحق يسري كأصل عام في حق كل زوجة مصرية وأساس ذلك أن الزوجة المصرية تلتزم قانوناً بالدخول في طاعة زوجها وتتبعه من حيث الإقامة ولا تتحلل من هذه الالتزامات إلا بالطلاق.
ومتى كان الثابت من الأوراق أن محكمة القاهرة الكلية للأحوال الشخصية أصدرت بجلسة 29/ 10/ 1995 حكماً بتطليق المدعية من زوجها طلقة بائنة ومن ثم فإن المدعية تتحلل من الالتزام بالحصول على موافقة الزوج قبل استخراج جواز السفر أو تجديده ويرد لها جواز سفرها الذي سحب منها عند قيام علاقة الزوجية.
ومن حيث إنه لا يغير من ذلك أن يثبت أن المدعي قد استأنف حكم التطليق المشار إليه ذلك أن هذا الحكم وإن كان لا يتمتع بقوة الأمر المقضي قبل استغلاق باب الطعن فيه إلا أن من شأنه توقف الحياة المشتركة للزوجين من حيث المساكنة والمعايشة ويسقط واجب الرعاية والحقوق الأدبية بينهما ويفقد الزوج ولايته فتستطيع أن تحدد موطنها ومسكنها حينما تريد استقلالاً عن منزل الزوجية ولا تلتزم بالدخول في طاعة زوجها فلا يعمل في شأنها بالتالي الالتزام بالحصول على موافقة زوجها قبل الحصول على جواز السفر أو تجديده، وإذا كانت جهة الإدارة قد خالفت هذا النظر وامتنعت بعد حكم التطليق عن رد جواز السفر الذي سحبته إلى المدعية كما امتنعت عن تجديد هذا الجواز إلا بموافقة الزوج فإن قرارها في هذا الشأن يكون بحسب الظاهر غير مشروع مما يرجح معه إلغاؤه ويتوافر بذلك ركن الجدية المتطلب لوقف التنفيذ، كما يتوافر ركن الاستعجال لتعلق المستقبل الوظيفي للمدعية بالقرار المطعون فيه.
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون كما شابه الفساد في الاستدلال ذلك أن الحكم المطعون فيه قد استند في أسبابه إلى حكم محكمة القاهرة للأحوال الشخصية بتطليق المطعون ضدها الأولى من زوجها طلقة بائنة ومن ثم فإنها تتحلل من الالتزام بالحصول على موافقة الزوج قبل استخراج جواز السفر أو تجديده، وأنه لا يغير من هذا النظر أن يثبت أن المدعي قد استأنف حكم التطليق وهذا الاتجاه مخالف لصريح نصوص القانون لأنه يترتب على الاستئناف إيقاف التنفيذ إلا في حالات معينة ليس من بينها الحالة التي نحن بصددها، كما أن الاستئناف يعيد الدعوى إلى الحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف، ويكون الحكم المطعون فيه إذ استند في أسبابه إلى أن الزوجة بعد الحكم تتحلل من عقد النكاح يكون بذلك قد خالف صحيح أحكام القانون، كما استند الحكم المطعون في قضائه بأن الزوج قد قام بالإبلاغ عن الزوجة لسحب جواز سفرها وحقيقة الأمر أن جواز السفر الخاص بالزوجة قد انتهى في 18/ 1/ 1995 وأن رغبة الزوج في عدم تجديد الجواز كان سببه رعاية ولديها الصغيرين.
ومن حيث إن المادة 11 من القانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر تنص على أنه "يجوز بقرار من وزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها رفض منح جواز السفر أو تجديده كما يجوز له سحب الجواز بعد إعطائه، وتنص المادة 16 من هذا القانون على أنه "...... ولوزير الداخلية إصدار القرارات اللازمة لتنفيذه" وإعمالاً للنص الأخير أصدر وزير الداخلية القرار رقم 67 لسنة 1959 بتنفيذ بعض أحكام القانون رقم 97 لسنة 1959 سالف الذكر، ونص في المادة 2 منه على أنه "لا يجوز منح الزوجة جواز سفر أو إضافتها إلى جواز سفر الزوج إلا بموافقة كتابية منه" كما نصت المادة 3 من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996 على أنه "يكون منح الزوجة جواز سفر أو تجديده بعد موافقة زوجها على سفرها إلى الخارج، كما يجب تقديم موافقة الممثل القانوني لغير كامل الأهلية على استخراج جواز السفر أو تجديده، وفي الحالتين تعتبر الموافقة على استخراج جواز سفر أو تجديده تصريحاً بالسفر طوال مدة صلاحية الجواز، ولا يكون إلغاء الموافقة إلا بقرار من الزوج أو الممثل القانوني بعد التحقق من شخصيته وصحة صدور الإقرار منه أمام الموظف المختص بمصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية وفروعها أو أمام القنصليات المصرية بالخارج ويجب وصول هذا الإقرار إلى المصلحة المذكورة أو فروعها بوقت مناسب."
ومن حيث إن لهذه المحكمة قضاء سابقاً بأن تفسير قرارات وزير الداخلية السالف الإشارة إليها وأعمال ما تتضمنه من أحكام في شأن استخراج جواز سفر للزوجة أو سحبه أو إدراجها على قوائم الممنوعين من السفر، يتعين أن يكون في إطار ما تضمنه الدستور والقانون من مبادئ وما تقرره أحكام الشريعة الإسلامية من أحكام، وإذ تناولت الشريعة الغراء وبالتفصيل حقوق كل من الزوج والزوجة تجاه الآخر فأوجبت على الزوج الإنفاق على زوجته مقابل حقه عليها في الاحتباس بأن تلتزم بيته وأن تبقى إلى جوار أولاده وتتفرغ لأسرتها ورعاية شئونها، إلا أن الشريعة الإسلامية لم تحرم عمل المرأة في ذاته، ما دام العمل مشروعاً لا يمس عفاف المرأة ولا يتعارض مع طبيعتها وقيامها بواجباتها تجاه أسرتها، وأجازت للزوج صراحة أو ضمناً قبوله صورة من الاحتباس يرتضيها - وإن لم يكن كاملاً – ما دام قد ارتأى في ذلك ما يحقق مقاصد النكاح، فإذا ما رخص لها بالعمل وكان عملها مشروعاً فإن نصيبها في هذا العمل يكون حقاً مكفولاً لها لا يجوز للزوج الرجوع فيه أو الارتداد عنه ما دام أن مباشرة الزوجة لعملها لم يتسم بالإساءة في استعمال حقها أو انطوى على انحراف منها عن الأغراض التي تبتغى منه، أو كان منافياً لمصلحة الأسرة، وهو ما قرره المشرع في القانون رقم 100 لسنة 1985 الذي نص على أن يستبدل بنص المادة 1 من القانون رقم 25 لسنة 1920 الخاص بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية النص الآتي:
"..... ولا يعتبر سبباً لسقوط نفقة الزوجة خروجها من مسكن الزوجية دون إذن زوجها في الأحوال التي يباح فيها ذلك بحكم الشرع مما ورد به نص أو جرى به عرف أو قضت به ضرورة ولا خروجها للعمل المشروع ما لم يظهر أن استعمالها لهذا الحق المشروط مشوب بإساءة استعمال الحق أو مناف لمصلحة الأسرة وطلب منها الزوج الامتناع عنه.".
وإذا كانت موافقة الزوج ورضاؤه بعمل زوجته وقبوله بالاحتباس غير الكامل هو أمر مرده إلى اتفاق الزوجين وقبولهما له ولا يجوز التحلل من قبوله هذا - الصريح أو الضمني - أو معاودته الاعتراض على عمل زوجته ما دام أن العمل مشروع ولا يتعارض مع مصلحة الأسرة وكيانها وما دام أن الزوج قد قبل ولم يعترض على عمل زوجته صراحة أو ضمنياً وعالمٌ بمقتضيات هذا العمل وطبيعته ومستلزماته فلا يجوز له التحلل من هذا القبول فقد روي عن رسول الله r قوله: "المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً" كما ورد في الحديث الشريف "مقاطع الحقوق عند الشروط، وأحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج".
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضدها الأولى قد تزوجت الطاعن سنة 1984 وهي تعمل كمضيفة جوية بشركة مصر للطيران وقد استمرت في عملها منذ زواجها دون معارضة من زوجها حتى بعد إنجابها ابنتها شاهنده (8 سنوات) وشهاب (ثلاث سنوات) بل إن الثابت أن جواز سفرها رقم 208273 الذي تم سحبه من قبل وزارة الداخلية استخرج عام 1988 أثناء زواجها وظل هذا الزواج حتى تطليقها بحكم محكمة القاهرة الكلية للأحوال الشخصية بجلسة 29/ 10/ 1995، ومن ثم لا يجوز للزوج بعد زواجه عالماً بطبيعة عمل زوجته ومقتضيات هذا العمل وبعد تأكد هذا القبول لمسلكه المقر للزوجة بالحق في العمل أكثر من عشر سنوات أن يسعى لمنع الزوجة من أداء العمل بمقولة أن مصلحة الأسرة تتطلب ذلك، ذلك أن الباعث الحقيقي على ما يبدو من ظاهر الأوراق - لطلب الطاعن سحب جواز سفر زوجته مرده ما شجر بينهما من خلاف وصل إلى ساحة القضاء مما يدل على أن هذا المسعى من الزوج - وهو قد تنازل عن حقه ابتداء في الاحتباس الكامل وقبل بعمل زوجته عالماً بطبيعته - لم يكن في حقيقة مبعثه صالح الأسرة أو ظروف طارئة استجدت خاصة وأن الطاعن لم يقم الدليل على إساءة استعمال زوجته لحقها في العمل مما يجعل من القرار المطعون فيه بالامتناع عن رد جواز السفر لها والامتناع عن تجديده غير قائم على سببه المبرر له شرعاً وقانوناً.
ومن حيث إنه عما أثاره الطاعن عن قيامه بالطعن بالاستئناف على الحكم الصادر بتطليقها بجلسة 29/ 10/ 1995 وأن الاستئناف يوقف تنفيذ الحكم المشار إليه ويعيد الدعوى إلى الحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم - فإن الحكم الابتدائي وإن لم يكن نهائياً بالطعن عليه بالاستئناف، فإن الحكم الابتدائي بالتطليق يرتب وفقاً للراجح من آراء الفقهاء وقف الحياة المشتركة للزوجين فلا يجوز للزوج طلب الزوجة في الطاعة كما لا يجوز له مساكنتها أو الاستمتاع أو الاختلاء بها ومن ثم فإنه مع سقوط تلك الآثار وتوقف الحياة الزوجية بما تقتضيه من مساكنة واحتباس ورعاية، فإن حق الطاعن في الموافقة على استخراج أو منح المطعون ضدها الأولى جواز سفر أو رد جواز السفر إليها وتجديده - وهو حق نزل عنه ابتداء كما سلف الذكر - يكون فاقداً لكل سند أو مبرر له.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد أخذ بالنظر السالف بيانه فإنه يكون متفقاً وأحكام القانون ويكون الطعن عليه على غير أساس جديراً بالرفض.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بالمصروفات عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.


[(1)] القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية نص في مادته الأولى على اختصاص قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية دون غيره بإصدار أمر على عريضة في مسائل الأحوال الشخصية الآتية: ....... 5 - المنازعات حول السفر إلى الخارج بعد سماع أقوال ذوي الشأن - وقد نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية العدد (4) مكرراً في 29/ 1/ 2000 وعمل به بعد شهر من اليوم التالي لتاريخ نشره.