مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والأربعون - (من أول أكتوبر سنة 1999 إلى آخر سبتمبر سنة 2000) - صـ 293

(32)
جلسة 19 من ديسمبر سنة 1999

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ رائد جعفر النفراوي - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين: د. محمد عبد البديع عسران وعبد الباري محمد شكري وسمير إبراهيم البسيوني - وأحمد عبد الحليم أحمد صقر - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1756 لسنة 43 قضائية عليا

( أ ) توجيه وتنظيم أعمال البناء - ترخيص البناء - مدى جواز سحب أو تعديل رخصة البناء عند تعارضها مع خط التنظيم بعد تعديله - التفرقة بين مدلول الترخيص والرخصة.
المواد أرقام 4، 13، 15، 16 من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء.
إن جواز سحب رخصة البناء يقترن بتعارضها مع خط التنظيم بعد تعديله - سحب التراخيص أو تعديلها أو إلغاؤها بصفة عامة قد يصدق على مدلول الترخيص باستعمال المال العام أو ممارسة نشاط معين - إذا كانت هناك تنظيمات قانونية خاصة تعالج أوضاعاً يترتب عليها آثار دائمة كالإنشاءات أو الأبنية بحيث لا يجوز القيام بها إلا بعد الإذن بذلك طبقاً لنظام قانوني معين ينفرد وحده بتحديد متى يجوز السحب أو الإلغاء قبل القيام بالعمل محل الإذن يسمى بالرخصة - متى تم العمل المرخص به لم يرد عليه سحب أو إلغاء، وإنما يمكن أن يتم الأثر المترتب على ذلك استناداً إلى أنظمة قانونية أخرى، كما هو الحال في الأثر المترتب على تعديل خطوط التنظيم، فإذا كان العمل قد تم فلا يجوز ذلك، وإنما تقع قيود من القانون على المبنى المتعارض مع خط التنظيم - بذلك يغدو مدلول كل من الترخيص والرخصة مختلفاً عن الآخر إذ لكل منهما أحكامه الخاصة - تطبيق.
(ب) قرار إداري - سحب القرار - التفرقة بين القرار الباطل والقرار المنعدم - تحصن القرار الباطل بمضي المدة القانونية - عدم تحصن القرار المنعدم أو الصادر بناء على غش.
القرارات الإدارية التي تولد حقاً أو مركزاً شخصياً للأفراد لا يجوز سحبها في أي وقت متى صدرت سليمة - القرارات الفردية غير المشروعة يجب على جهة الإدارة أن تسحبها التزاماً منها بحكم القانون وتصويباً للأوضاع المخالفة لها - دواعي المصلحة العامة تقتضي أنه إذا صدر قرار معيب من شأنه أن يولد حقاً أن يستقر هذا القرار بعد فترة معينة من الزمن بحيث يسري عليه ما يسري على القرار الصحيح - حددت هذه الفترة بستين يوماً من تاريخ نشر القرار أو إعلانه قياساً على مدة الطعن القضائي - إذا انقضت هذه المدة اكتسب القرار حصانة تعصمه من أي إلغاء أو تعديل ويصبح حينئذ لصاحب الشأن حق مكتسب فيما تضمنه القرار - الإخلال بهذا الحق بقرار لاحق يعد أمراً مخالفاً للقانون يعيب القرار الأخير ويبطله - توجد بعض الاستثناءات من ميعاد الستين يوماً تتمثل أولاً: فيما إذا كان القرار المعيب معدوماً أي لحقت به مخالفة جسيمة للقانون تجرده من صفته كتصرف قانوني وتنزل به إلى حد غصب السلطة، وتنحدر به إلى مجرد فعل مادي منعدم الأثر لا تلحقه أي حصانة - ثانياً: فيما لو حصل أحد الأفراد على قرار إداري نتيجة غش أو تدليس من جانبه، إذ أن الغش أو التدليس يعيب الإرادة ويفسد الرضا، والقرار الصادر من جهة الإدارة نتيجة هذا الغش أو التدليس يكون غير جدير بالحماية - في مثل هذه الأحوال الاستثنائية يجوز سحب القرار دون التقيد بميعاد الستين يوماً - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 5/ 2/ 1997 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 1756 لسنة 43 ق. ع في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية في الدعوى رقم 3390 لسنة 46 ق بجلسة 9/ 12/ 1996 والقاضي في منطوقه بإلغاء القرارين رقمي 925، 63 لسنة 1992 فيما تضمنه الأول من سحب ترخيص البناء رقم 176 لسنة 1991 وذلك بالنسبة لما قام المدعي بتنفيذه من أعمال وما تضمنه الثاني من إزالة هذه الأعمال على ما هو موضح بأسباب هذا الحكم مع ما يترتب على ذلك من آثار ورفض ما عدا ذلك من طلبات وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعنون في ختام تقرير الطعن بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين الفصل في موضوع الطعن وبقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً:
أولاً: ببطلان الحكم المطعون فيه في شقه الخاص بإلغاء القرار رقم 925 لسنة 1992 بسحب ترخيص البناء رقم 176 لما قام المطعون ضده بتنفيذه من أعمال.
ثانياً: برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات والأتعاب عن درجتي التقاضي.
وقد جرى إعلان الطعن للمطعون ضده على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن انتهت للأسباب الواردة به إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام الدائرة الخامسة فحص بالمحكمة الإدارية العليا جلسة 27/ 4/ 1999 وبجلسة 11/ 5/ 1999 قررت المحكمة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الخامسة وحددت لنظره جلسة 15/ 8/ 1999 وتدول نظر الطعن بالدائرة الخامسة موضوع على النحو الثابت بالمحاضر إلى أن قررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة 19/ 12/ 1999 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن أقيم في خلال الميعاد المقرر له قانوناً، وإذ استوفى أوضاعه القانونية الأخرى الأمر الذي يتعين معه القضاء بقبوله شكلاً.
ومن حيث إن وقائع النزاع تخلص حسبما يبين من الأوراق، في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 3390/ 46 ق. أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية طالباً في ختامها الحكم:
أولاً: بقبول الدعوى شكلاً.
ثانياً: وفي الموضوع 1- بصفة مستعجلة وقف تنفيذ قرار الإيقاف رقم 181/ 1992 وقرار سحب الترخيص رقم 176/ 1991 الصادر برقم 925 بتاريخ 7/ 5/ 1992، وقرار الإزالة رقم 63/ 1992 - الصادرين من الإدارة الهندسية بحي المنتزه. 2- وفي الموضوع بإلغاء تلك القرارات وما يترتب عليها من آثار مع إلزام الجهة الإدارية بالمصاريف.
وقال المطعون ضده شرحاً لدعواه: إنه يمتلك كامل أرض وبناء العقار رقم 19 الكائن بتقاطع شارعي 36، 31 وحالياً شارع الشيخ محمد البشير الشندي بسيدي بشر بحري قسم المنتزه بمحافظة الإسكندرية وهو عبارة عن دور أرضي شقتين وثلاثة أدوار علوية بكل دور شقة والأدوار العلوية مقامة على جزء من مساحة الدور الأرضي دون كامل المساحة حيث تشغل التعلية مساحة إحدى شقتي الدور الأرضي دون تعلية على الشقة الأخرى وقد حصل على الترخيص رقم 176 لسنة 1991 باستكمال الدور الأول العلوي والثاني والثالث والرابع وتعلية الخامس والسادس علوي وقام بناء على ذلك باستكمال أعمال بناء الدور الأول والثاني والثالث علوي دون أن يشوب تلك الأعمال أية شائبة إلا أنه فوجئ بصدور قرار من الإدارة الهندسية بحي المنتزه قيد تحت رقم 181 لسنة 1992 بإيقاف أعمال البناء الجارية بمعرفته نفاذاً للترخيص السابق بحجة أن الترخيص قد صدر بطريق الخطأ بالبناء على جزء من ضوائع التنظيم، ثم صدر بتاريخ 7/ 5/ 1992 القرار رقم 925/ 1992 بسحب الترخيص سالف الذكر ثم تلاه القرار رقم 63/ 1992 بإزالة التعدي على خط التنظيم، ونعى المدعي على القرارات سالفة الذكر مخالفتها للقانون وصدورها مشوبة بعيب التعسف في استعمال السلطة والانحراف بها.
وقد تدول نظر الشق العاجل من الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 18/ 3/ 1993 قضت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ قرار الإزالة المطعون فيه فيما تضمنه من إزالة الدورين الأول والثاني علوي من العقار المملوك للمدعي مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية مصروفات الطلب المستعجل وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني مسبباً في الموضوع. وبجلسة 9/ 12/ 1996 قضت المحكمة بإلغاء القرارين رقمي 125، 63 لسنة 1992 فيما تضمنه الأول من سحب ترخيص البناء رقم 176/ 1992 وذلك بالنسبة لما قام المدعي بتنفيذه من أعمال وما تضمنه الثاني من إزالة هذه الأعمال على ما هو موضح بأسباب هذا الحكم مع ما يترتب على ذلك من آثار ورفض ما عدا ذلك من طلبات وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
وقد شيدت المحكمة قضاءها على أنه ولئن كان الثابت من الأوراق أن المخالفة التي شابت قرار الترخيص وهي التصريح بالبناء على جزء من ضوائع التنظيم هي من المخالفات الجسيمة التي تعدم هذا القرار إلا أنه بالنظر إلى أن المدعي قام بالفعل بتنفيذ أعمال استكمال الدورين الأول والثاني علوي - وإقامة حوائط الدور المخالف وذلك اعتماداً على الترخيص رقم 176/ 1991 المشار إليه ولم يثبت صدور غش أو تدليس من جانبه كان سبباً في إصدار قرار الترخيص ومن ثم يكون المدعي قد اكتسب مركزاً قانونياً لا يجوز المساس به بالنسبة لما تم تنفيذه من أعمال بناء على تحصن القرار الصادر بالترخيص خاصة وأنه يتعلق بأعمال البناء التي لا يرد عليها السحب والإلغاء إذا كان العمل المرخص به قد تم فعلاً طبقاً لما قضت به المحكمة الإدارية العليا أما بالنسبة للأعمال التي لم تنفذ بعد وهي استكمال الدور الثالث علوي والرابع وتعلية الدورين الخامس والسادس فإن المدعي لم ينشأ له مركز قانوني ذاتي بالنسبة لها يمتنع معه على جهة الإدارة المساس به، بل إن استمرار الترخيص بها ينطوي على مخالفة جسيمة تعدم القرار الأمر الذي يضحى معه قرار سحب الترخيص صحيحاً بالنسبة لهذه الأعمال في حين أنه مخالف للقانون بالنسبة للأعمال التي تم تنفيذها بالفعل مما يتعين معه القضاء بإلغاء هذا القرار إلغاء جزئياً فيما تضمنه من سحب ترخيص البناء الممنوح للمدعي بالنسبة لما قام بتنفيذه من أعمال استناداً إلى هذا الترخيص مع ما يترتب على ذلك من آثار وفيما يتعلق بطلب إلغاء قرار الإزالة رقم 63/ 1992 فإن مؤدى ما تقدم هو صحة الأعمال التي قام بتنفيذها قبل صدور قرار الإيقاف ومن ثم فلا يكون ثمة مبرر قانوني لإزالتها مما يفقد معه قرار الإزالة كافة الأسانيد ومنها ركن السبب وعلى ذلك يتعين القضاء بإلغائه أيضاً مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وإذ لم يرتض الطاعنون هذا القضاء فقد أقاموا طعنهم الماثل استناداً إلى الأسباب الآتية:
أولاً: بطلان الحكم فيما قضى به من إلغاء القرار رقم 925/ 1992 الصادر بسحب ترخيص البناء وذلك استناداً إلى أن تقرير مفوض الدولة في الشق الموضوعي من الدعوى لم يتعرض لطلبات المدعي الخاصة بإلغاء القرار سالف الذكر وذلك طبقاً لما استقرت عليه مبادئ المحكمة الإدارية العليا في هذا الشأن.
ثانياً: مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وفهمه إذ إنه من المستقر عليه أنه بصدور قرار اعتماد خطوط التنظيم تترتب عليه قيود قانونية على حق مالكي الأجزاء البارزة على تلك الخطوط تتمثل في منعهم من إجراء أية أعمال بناء أو تعلية في تلك الأجزاء، ويجوز للجهة الإدارية التي منحت الترخيص أن تصدر قرارات بتعديل تلك التراخيص بما يتفق وخطوط التنظيم الجديدة سواء أكان المرخص له قد شرع في البناء أو لم يشرع فيه. ولما كان الترخيص في الحالة الماثلة قد صدر بالمخالفة لخطوط التنظيم المعتمدة فقط تداركت جهة الإدارة ذلك وأصدرت قرارها بسحب الترخيص وقامت بإزالة الأعمال التي تمت بالمخالفة لذلك فإنها تكون قد أصابت صحيح حكم القانون خاصة أن المخالفة المتعلقة بها لا يجوز التجاوز عنها الأمر الذي يغدو معه قرار منح الترخيص منعدماً ويجوز سحبه في أي وقت.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن، فإنه من المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه طبقاً لأحكام المواد 26، 27، 28 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تختص هيئة مفوضي الدولة بتحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة وتقديم تقرير بالرأي القانوني فيها مسبباً، وأن الدعوى لا تتصل بالمحكمة المخصصة لنظرها إلا بعد استيفاء هذه المراحل التي تضطلع بها هيئة مفوضي الدولة وأن عملها على هذا النحو جزء لازم وضروري للفصل في موضوع الدعوى الإدارية، ومن ثم فإنه يعتبر إجراء جوهرياً يترتب على تخلفه بطلان الحكم الصادر دون استيفائه وبالتالي فإن صدور الحكم في الدعوى دون أن تقدم هيئة مفوضي الدولة تقريرها المسبب بالرأي القانوني في موضوع الدعوى يترتب عليه بطلان ذلك الحكم "الطعن رقم 2096 لسنة 30 ق. ع جلسة 20/ 12/ 1987".
ومن حيث إن الثابت من الاطلاع على ملف الدعوى رقم 3390/ 46 ق أن هيئة مفوضي الدولة أودعت تقريرها في الشق الموضوعي في الدعوى في شهر يونيو عام 1995، وأنه ولئن كان هذا التقرير لم يتعرض بالبحث لموضوع إلغاء القرار رقم 925/ 1992 بسحب ترخيص البناء رقم 176 لسنة 1991 إلا أن ذلك لا يمكن اعتباره سبباً من أسباب بطلان الحكم المطعون فيه، إذ أن أحكام المحكمة الإدارية العليا مستقرة في مبادئها على أن إصدار الحكم في الدعوى دون إيداع تقرير هيئة مفوضي الدولة في موضوعها هو الذي يؤدي فقط إلى بطلان الحكم، أما وجود بعض القصور في هذا التقرير أو عدم تعرضه لبعض الطلبات فإن ذلك لا يؤدي بأي حال من الأحوال إلى بطلان الحكم الصادر في الدعوى ما دامت المحكمة قد تنبهت لهذا القصور ونوهت لجميع عناصر الدعوى وطلبات المدعين فيها على النحو المبين بمنطوق الحكم وأسبابه ومن ثم يغدو النعي على هذا الحكم بالبطلان لهذا السبب غير قائم على أساس سليم من القانون واجب الرفض.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني من أوجه الطعن، فإن المادة الرابعة من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء الصادر بالقانون رقم 106 لسنة 1976 وتعديلاته تنص على أن "لا يجوز إنشاء مبان أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعديلها أو تدعيمها أو هدمها....... إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم.....".
كما تنص المادة 13 من القانون المشار إليه على أن "يصدر باعتماد خطوط التنظيم للشوارع قرار من المحافظ بعد موافقة المجلس المختص.... ويحظر من وقت صدور القرار المشار إليه في الفقرة السابقة إجراء أعمال البناء أو التعلية في الأجزاء البارزة عن خطوط التنظيم... وإذا صدر قرار بتعديل خطوط التنظيم جاز للمجلس المحلي المختص بقرار بسبب إلغاء التراخيص السابق منحها أو تعديلها بما يتفق مع خط التنظيم الجديد سواء كان المرخص له قد شرع في القيام بأعمال البناء المرخص بها أو لم يشرع وذلك بشرط تعويضه تعويضاً عادلاً.
وتنص المادة 15 من القانون سالف الذكر على أن "توقف الأعمال المخالفة بالطريق الإداري ويصدر بالوقف قرار مسبب من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم يتضمن بياناً بهذه الأعمال....".
وتنص المادة 16 من ذات القانون على أن "يصدر المحافظ المختص أو من ينيبه بعد أخذ رأي لجنة تشكل بقرار منه...... قراراً مسبباً بإزالة أو تصحيح الأعمال التي تم وقفها وذلك خلال خمسة عشر يوماً على الأكثر من تاريخ إعلان قرار وقف الأعمال المنصوص عليه في المادة السابقة.....".
ومن حيث إن من المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن جواز سحب رخصة البناء يقترن بتعارضها مع خط التنظيم بعد تعديله طبقاً للفقرة الأخيرة من المادة 13 من القانون رقم 106 لسنة 1976 سالف الذكر، أما القول بجواز سحب التراخيص أو تعديلها أو إلغائها بصفة عامة فإن هذا القول قد يصدق على مدلول الترخيص باستعمال المال العام أو ممارسة نشاط معين، أما إذا كانت هناك تنظيمات قانونية خاصة تعالج أوضاعاً يترتب عليها آثار دائمة كالإنشاءات أو الأبنية بحيث لا يجوز القيام بها إلا بعد الإذن بذلك طبقاً لنظام قانوني معين ينفرد وحده بتحديد متى يجوز السحب أو الإلغاء قبل القيام بالعمل محل الإذن والذي يسمى بالرخصة، وإنه متى تم العمل المرخص به لم يرد عليه سحب أو إلغاء وإنما يمكن أن يتم الأثر المترتب على ذلك استناداً إلى أنظمة قانونية أخرى كما هو الحل في الأثر المترتب على تعديل خطوط التنظيم طبقاً لنص المادة 13 من القانون رقم 106 لسنة 1976 المشار إليه، فإذا كان العمل قد تم فلا يجوز ذلك وإنما تقع قيود من القانون على المبنى المتعارض مع الخطوط المعدلة وبذلك يغدو مدلول كل من الترخيص والرخصة مختلفاً عن الآخر إذ لكل منهما أحكامه الخاصة به، "حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 272 لسنة 27 ق جلسة 14/ 2/ 1987".
ولما كان من المستقر عليه أيضاً أن القرارات الإدارية التي تولد حقاً أو مركزاً شخصياً للأفراد لا يجوز سحبها في أي وقت متى صدرت سليمة أما القرارات الفردية غير المشروعة فالقاعدة فيها عكس ذلك إذ يجب على جهة الإدارة أن تسحبها التزاماً منها بحكم القانون وتصويباً للأوضاع المخالفة له إلا أن دواعي المصلحة العامة تقتضي أنه إذا صدر قرار معين من شأنه أن يولد حقاً أن يستقر هذا القرار بعد فترة معينة من الزمن بحيث يسري عليه ما يسري على القرار الصحيح وقد حددت هذه الفترة بستين يوماً من تاريخ نشر القرار أو إعلانه قياساً على مدة الطعن القضائي بحيث إذا انقضت هذه الفترة اكتسب القرار حصانة تعصمه من أي إلغاء أو تعديل ويصبح حينئذ لصاحب الشأن حق مكتسب فيما تضمنه القرار وطال إخلال بهذا الحق بقرار لاحق يعد أمراً مخالفاً للقانون يعيب القرار الأخير ويبطله، بيد أنه توجد بعد الاستثناءات من ميعاد الستين يوماً تتمثل أولاً فيما إذا كان القرار المعيب معدوماً أي لحقت به مخالفة جسيمة للقانون تجرده من صفته كتصرف قانوني وتنزل به إلى حد غصب السلطة وتنحدر به إلى مجرد فعل مادي منعدم الأثر قانوناً فلا تلحقه حصانة، وثانياً: فيما لو حصل أحد الأفراد على قرار إداري نتيجة غش أو تدليس من جانبه إذ إن الغش يعيب الإدارة ويفسد الرضاء والقرار الذي يصدر من جهة الإدارة نتيجة هذا الغش أو التدليس يكون غير جدير بالحماية وأنه في مثل هذه الأحوال الاستثنائية يجوز سحب القرار دون التقيد بميعاد الستين يوماً.
"حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 444 لسنة 36 ق. ع جلسة 17/ 12/ 1989".
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده كان قد حصل على رخصة البناء رقم 176 لسنة 1991 بتاريخ 13/ 6/ 1991 لاستكمال الأدوار من الأول وحتى الرابع وتعلية الدورين الخامس والسادس بالعقار المملوك له وبعد قيام المطعون ضده باستكمال بناء الأدوار من الأول وحتى الثالث أصدرت جهة الإدارة القرار رقم 181 لسنة 1992 بإيقاف الأعمال استناداً إلى أن الرخصة قد صدرت بطريق الخطر بالبناء على ضوائع التنظيم وكان ذلك بتاريخ 23/ 4/ 1992، ثم صدر قرار بسحب الترخيص فيما تضمنه من تجاوز خط التنظيم ثم صدر قرار الإزالة رقم 63 لسنة 1992، وكان الثابت مما تقدم أن قرار الترخيص كان قد تحصن بعد أكثر من ستين يوماً على تاريخ علم المطعون ضده به قبل أن تتخذ جهة الإدارة قرارها بسحبه لمخالفته للقانون وهي مخالفة لا تعدم القرار المطعون فيه وتجرده من أركانه، كما لم يثبت من الأوراق أن المدعي قد لجأ إلى أية أساليب احتيالية للحصول على هذا القرار، ومن ثم يكون المطعون ضده قد اكتسب مركزاً قانوناً يتعلق بما أقامه من مبان قبل صدور قرار سحب الترخيص ولا يجوز لجهة الإدارة المساس به تحت أي مبرر، وبالتالي يغدو قرار سحب الترخيص فيما يتعلق بهذه الأعمال، وقرار الإزالة الصادر بناء عليه فاقدين لأساسهما القانوني.
وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى إلغائهما لهذا السبب فإنه يكون قد أصاب صحيح حكم القانون مما يغدو معه الطعن على هذا الحكم فاقداً لأساسه القانوني على النحو الذي يتعين معه الحكم برفض الطعن.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بنص المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.