مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1993 إلى أخر فبراير سنة 1994) - صـ 669

(66)
جلسة 16 من يناير سنة 1994

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي فؤاد الخادم - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: محمد معروف محمد، وجودة فرحات، وعادل محمود فرغلي، وعبد القادر النشار - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 163 لسنة 39 القضائية

( أ ) اختصاص - ما يدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية - (إدارة محلية) (أعمال سيادة) (انتخابات) (قرار إداري) (مجالس شعبية) (منازعة إدارية).
القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسة - القانون رقم 43 لسنة 1979 بشأن الإدارة المحلية - قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً يتمخض عن إرادة ملزمة مصدرها القانون رقم 73 لسنة 1956 والقانون رقم 43 لسنة 1979 - لا يعتبر قرار رئيس الجمهورية في هذه الحالة من أعمال السيادة لأن العبرة دائماً هي بطبيعة العمل ذاته - أساس ذلك: المقصود بأعمال السيادة هي تلك الأعمال التي تصدر عن السلطة السياسية العليا في الدولة بوصفها سلطة حكم مستهدفة تحقيق مصلحة الجماعة السياسية وتنظيم علاقة الدولة بغيرها من الدول وتأمين سلامتها في الداخل والخارج وعلاقة الحكومة بالبرلمان - أعمال السيادة التي تنأى عن رقابة القضاء الإداري تختلف عن القرارات الصادرة من السلطة التنفيذية باعتبارها سلطة إدارة تتولى الإشراف على المصالح والمرفق العامة - نتيجة ذلك: المنازعة في قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية تدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - تطبيق.
(ب) دعوى - الصفة والمصلحة في الدعوى - صفة المواطن في الطعون الانتخابية. (انتخابات) المادة 62 من دستور سنة 1971 - المادة الأولى - القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية - لكل مواطن حق الترشيح والانتخاب لأعضاء المجالس الشعبية المحلية - صفة المواطن تكفي لتوفر شرطي الصفة والمصلحة في الدعوى المقامة طعناً على قرار رئيس الجمهورية ووزير الداخلية بدعوة المواطنين لانتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية - تطبيق.
(جـ) دعوى - الحكم في الدعوى - أثر حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص في القانون - (دستور) - (محكمة دستورية عليا).
قضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص المادة الخامسة مكرراً من القانون رقم 38 لسنة 1972 بشأن مجلس الشعب - حجية حكم المحكمة الدستورية تقتصر على النص المقضي بعدم دستوريته فقط ولا تتعداه إلى غيره من نصوص وردت في قوانين أخرى لم يقض فيها بعدم الدستورية - إذا وجد تماثل بين النص المقضي بعدم دستوريته ونص مماثل في قانون آخر فإن ذلك يكفي لتقدير جدية الدفع بعدم الدستورية ووقف الفصل في طلب الإلغاء وإحالة الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 1/ 11/ 1992 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 163 لسنة 39 ق عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" بجلسة 20/ 10/ 1992 في الدعوى رقم 8821 لسنة 46 ق، والذي قضى برفض الدفع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر طلب وقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 337 لسنة 1992 المطعون فيه وباختصاصها وبقبول الدعوى شكلاً، وبقبول تدخل السيد/ ...... خصماً منضماً للمدعين في طلباتهم، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرارين المطعون فيهما وإلزام المدعين والمتدخل مصروفات هذا الشق من الدعوى، وبوقف الفصل في طلب الإلغاء وأمرت بإحالة الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية المادة 75 مكرر من القرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 بنظام الإدارة المحلية معدلة بالقانون رقم 145 لسنة 1988 وطلب الطاعنون - للأسباب الواردة بتقرير طعنهم - الأمر بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من قضاء بإحالة الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا وبإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أولاً: بصفة أصلية بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى. وثانياً: وبصفة احتياطية: بعدم قبول الدعوى بشقيها لرفعها من غير ذي صفة ولانتفاء القرار الإداري. ثالثاً: ومن باب الاحتياط الكلي بإلغاء الحكم فيما تضمنه من إحالة الدعوى للمحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة 75 مكرر من قانون الإدارة المحلية ورفض الدعوى برمتها. مع إلزام المطعون ضدهم جميعاً المصروفات والأتعاب عن درجتي التقاضي.
وقد عينت جلسة 2/ 11/ 1992 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة حيث نظرتها بهذه الجلسة والجلسات التالية على النحو الثابت بالمحاضر، وبجلسة 5/ 7/ 1993 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة فنظرته بجلسة 26/ 9/ 1993 وبالجلسة التالية في 24/ 11/ 1993 قررت إصدار الحكم في الطعن بجلسة 16/ 1/ 1994، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 20/ 9/ 1992 أقام المطعون ضدهم من الأولى إلى السادس الدعوى رقم 8821 لسنة 46 ق ضد الطاعنين طلبوا في ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 337 لسنة 1992 فيما تضمنه من دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية في يوم 3/ 11/ 1992 والإعادة في يوم 10/ 11/ 1992 مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت المدعى عليهم المصروفات، وذلك على سند من القول بأن رئيس الجمهورية أصدر القرار الجمهوري رقم 337 لسنة 1992 لدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية على أن تجرى الانتخابات يوم الثلاثاء الموافق 3/ 11/ 1992، والإعادة يوم الثلاثاء الموافق 10/ 11/ 1992 وذلك بالتطبيق لأحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 وقانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 والقوانين المعدلة له، ولما كانت المادة 75 مكرراً من القانون الأخير تنص على أن تجرى الانتخابات للمجالس الشعبية المحلية عن طريق الجمع بين نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردي، وأن المحكمة الدستورية العليا قد قضت بجلستها المعقودة في 19/ 5/ 1990 في القضية رقم 37 لسنة 9 ق "دستورية" بعدم دستورية نظام الانتخاب بالقائمة الحزبية ونظام الانتخاب الفردي الذي نصت عليه المادة 75 مكرراً سالفة الذكر وذلك بمناسبة انتخابات مجلس الشعب السابق على أساس أن هذا النظام ينطوي على إخلال بحق المواطنين غير المنتخبين للأحزاب السياسية في الترشيح على قدم المساواة أو على أساس حق تكافؤ الفرص مع باقي المرشحين من باقي الأحزاب السياسية، وهو ما أدى إلى التمييز بين الفئتين من المرشحين في المعاملة القانونية وفي الفرص المتاحة للفوز بالعضوية تمييزاً قائماً على أساس اختلاف الآراء السياسية مما يشكل مخالفة للمواد 8، 40، 62 من الدستور، وأن حكم المحكمة الدستورية العليا قد قطع في أسبابه المرتبطة بمنطوقه بعدم دستورية نظام الانتخاب بالقائمة الحزبية والنظام الفردي، وهو حكم له حجيته المطلقة التي تسري على الكافة، وأن مقتضى ذلك عدم دستورية كل نص أياً كان موضعه من القانون يخالف ذلك المبدأ الذي أرسته المحكمة الدستورية العليا في حكمها سالف الذكر وبالتالي يكون نص المادة (75) مكرراً من قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 فيما تضمنه من إجراء الانتخاب بالجمع بين القائمة الحزبية والانتخاب الفردي غير دستوري ويكون قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين للإدلاء بأصواتهم على أساسه باطلاً.
وبجلسة 20/ 10/ 1992 حكمت المحكمة برفض الدفع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر طلبي وقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 337 لسنة 1992 المطعون فيه وباختصاصها، وبقبول الدعوى شكلاً وبقبول تدخل السيد/ ........ خصماً منضماً للمدعين في طلباتهم، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرارين المطعون فيهما وإلزام المدعين والمتدخل مصروفات هذا الشق من الدعوى، وبوقف الفصل في طلب الإلغاء وأمرت بإحالة الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية المادة (75) مكرراً من القرار بقانون رقم (43) لسنة 1979 بنظام الإدارة المحلية معدلة بالقانون رقم 145 لسنة 1988.
وشيدت المحكمة قضاءها بالنسبة لرفض الدفع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر طلبي وقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 337 لسنة 1992 فيما تضمنه من دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية يوم 3/ 11/ 1992 بوصفه من أعمال السيادة، على أساس أن الثابت من استعراض نصوص المادة (11) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 والمادتين 162، 163 من الدستور والمواد 1، 3، 12، 86 من قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 والمعدل بالقانونين رقمي 50 لسنة 1981، 145 لسنة 1988 والمادة 22 من القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية المعدلة بالقانونين رقمي 4 لسنة 1958، 23 لسنة 1973 وما تضمنته من أحكام، فإنه وقد أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 337 لسنة 1992 إعمالاً لسلطته المنصوص عليها في القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية، ووفقاً لأحكام قانون نظام الإدارة المحلية آنف الذكر - بتحديد يوم الثالث من نوفمبر سنة 1992 موعداً لإجراء انتخابات عامة على مستوى الجمهورية لانتخاب أعضاء المجالس الشعبية وهي بمثابة تشكيلات مكملة لبنيان وحدات الإدارة المحلية، ومن ثم فإن هذا القرار يعد عملاً من أعمال الإدارة صادراً من السلطة التنفيذية باعتبارها سلطة إدارة ويخضع بهذه المثابة لرقابة القضاء ويكون الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً في غير محله متعين الرفض.
وشيدت المحكمة قضاءها بالنسبة لرفض الدفع بعدم قبول الدعوى بالنسبة لطلبي وقف تنفيذ وإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 5206 لسنة 1992 بتحديد المستندات اللازم تقديمها مع طلب الترشيح لعضوية المجالس الشعبية المحلية لانتفاء القرار الإداري، على أساس أن القرار المطعون فيه بشأن تحديد المستندات اللازم تقديمها مع طلب الترشيح لعضوية المجالس الشعبية المحلية والتي رأت الجهة الإدارية كفايتها للتحقق من توافر الشروط المنصوص عليها في قانون نظام الإدارة المحلية في طالبي الترشيح، مما تتحدد بموجبها مراكزهم القانونية في ضوء أحكام القانون فتتوافر بذلك في القرار المطعون فيه مقومات القرار الإداري الذي يجوز مخاصمته قضائياً ويكون الدفع بعدم قبول الدعوى بالنسبة لطالبي وقف تنفيذ وإلغاء هذا القرار لانتفاء القرار الإداري غير قائم على سند صحيح من القانون متعيناً رفضه.
كما شيدت المحكمة قضاءها بالنسبة لرفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفضها من غير ذي صفة أو مصلحة على أساس أن المدعين بصفتهم مواطنين قرار لهم الدستور حق الانتخاب والترشيح لهم صفة ومصلحة في الطعن على قرار رئيس الجمهورية ووزير الداخلية الصادرين بدعوتهم لانتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية أو تقديم طلبات الترشيح لعضويتها وفقاً لنصوص قانونية ينعون عليها بالعوار ومخالفة أحكام الدستور لما تضمنته تلك النصوص من قيود على حريتهم في اختيار ممثليهم في المجالس الشعبية المحلية وإفراغ حقهم في الانتخاب والترشيح من مضمونه الدستوري، الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة ومصلحة.
كما شيدت قضاءها بالنسبة لقبول الدفع بعدم دستورية المادة (75) مكرراً من القرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 بشأن نظام الإدارة المحلية المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 1988 لمخالفتها لأحكام الدستور على أساس أنه يتوافر له - بحسب الظاهر - من أسباب الجدية ما ينأى به عن أن يكون محض دفع كيدي، وهو ما لا يتأتى معه حجب المدعين عن قاضيهم الطبيعي بتمكينهم من اللجوء بدفعهم إلى المحكمة الدستورية العليا التي أسند إليها دون غيرها أمانة الفصل في دستورية القوانين واللوائح وخلصت المحكمة إلى حكمها المشار إليه.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله للأسباب الآتية:
1 - القرار الجمهوري المطعون فيه يعد عملاً من أعمال السيادة، لأن دعوة الناخبين هو في حقيقته وبحسب تكييفه القانوني الصحيح يجاوز العمل الإداري بالمفهوم العام للنشاط السياسي للحكومة، وذلك لأنها تمارس فيه سلطتها بوصفها سلطة حكم وليس جهاز إدارة وبالتالي تنحسر عنه ولاية القضاء مطلقاً.
2 - يشترط لقبول دعوى الإلغاء أن يكون رافعها في حالة خاصة بالنسبة إلى القرار المطعون فيه من شأنها أن تجعله مؤثراً تأثيراً مباشراً في مصلحة شخصية له، والمدعون ليسوا أصحاب مصلحة شخصية مباشرة في رفع الدعوى ومن ثم تكون دعواهم غير مقبولة لانتفاء الصفة.
3 - لا ينطبق على قرار وزير الداخلية رقم 5206 لسنة 1992 وصف القرار الإداري الذي يجوز الطعن فيه، لأنه صدر تنفيذاً لأحكام المادتين 75، 76 من قانون الإدارة المحلية اللتين حددتا الشروط اللازم توافرها فيمن يرشح لعضوية المجالس الشعبية المحلية، ولا يكون القرار المذكور هو الذي تحددت به المراكز القانونية للمرشحين، وإن جاز اعتباره عملاً تنفيذياً لا يصلح أن يكون موضوعاً لدعوى الإلغاء.
4 - خالف الحكم المطعون فيه القانون، حين قضى بقبول الدفع بعدم دستورية المادة (75) مكرراً من قانون الإدارة المحلية لسبق قضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادة الخامسة مكرراً من قانون مجلس الشعب فيما تضمنه من انتخاب أعضاء مجلس الشعب على أساس من نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردي لأن الأحكام الصادرة بعدم دستورية نص معين تقتصر على النص المقضي بعدم دستوريته ولا تتعداه إلى ما سواه من نصوص أخرى مما لا يجوز معه القول بعدم دستورية نص المادة 75 مكرر من قانون الإدارة المحلية، ويتعين الحكم بإلغاء الحكم فيما تضمنه من إحالة الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة المذكورة.
ومن حيث إنه عن السبب الأول من أسباب الطعن، والذي يقوم على أن قرار رئيس الجمهورية المطعون فيه يعتبر من أعمال السيادة، فإن من المستقر عليه فقهاً وقضاء أن المقصود بأعمال السيادة هي تلك الأعمال التي تصدر عن السلطة السياسية العليا في الدولة بوصفها سلطة حكم مستهدفة تحقيق مصلحة الجماعة السياسية وتنظيم علاقة الدولة بغيرها من الدول وتأمين سلامتها في الداخل والخارج وعلاقة الحكومة بالبرلمان وهي تختلف عن القرارات الصادرة من السلطة التنفيذية باعتبارها سلطة إدارة تتولى الإشراف على المصالح والمرافق العامة، ولما كان قرار رئيس الجمهورية رقم 337 لسنة 1992 بدعوة الناخبين لانتخاب المجالس الشعبية المحلية، لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً يتمخض عن إرادة ملزمة مصدرها نصوص القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية، ووفقاً لأحكام قانون نظام الإدارة المحلية الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانونين رقمي 50 لسنة 1981، 145 لسنة 1988 ويراد بالإفصاح عنها إحداث مركز قانوني معين يعتبر في ذاته ممكناً وجائزاً قانوناً والباعث عليه انتفاء مصلحة عامة مثلما هو الشأن في القرارات الإدارية جميعها، ولا يعتبر أنه من أعمال السيادة لأن العبرة دائماً هي بطبيعة العمل ذاته، وحيث إن الدستور إذ نص في المادة (172) منه على اختصاص مجلس الدولة كهيئة قضائية مستقلة بالفصل في المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية فإن ولاية المجلس في هذا الشأن هي ولاية عامة وأنه أضحى قاضي القانون العام بالنسبة إليها، وأن المسائل التي تدخل في ولايته لم تعد محددة حصراً وبذلك فإن الحكم المطعون فيه، وقد قضى برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الطعن في قرار رئيس الجمهورية رقم 337 لسنة 1992 بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية يكون قد صدر متفقاً مع صحيح حكم القانون ويصبح النعي عليه في غير محله.
ومن حيث إنه بالنسبة للوجه الثاني من أوجه الطعن والذي يتعلق بالدفع المبدى بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة أو مصلحة، فإنه طبقاً لنص المادة 162 من الدستور والتي تنص على أن "للمواطن حق الانتخاب والترشيح، وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون، ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني" وطبقاً لنص المادة الأولى من القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية معدلة بالقانون رقم 76 لسنة 1976، والقرار بقانون رقم 202 لسنة 1990، فإنه على كل مصري ومصرية يبلغ ثماني عشرة ميلادية أن يباشر بنفسه الحقوق السياسية الآتية: أولاً:......... ثانياً: انتخاب أعضاء كل من 1 - ........ 2 - ....... 3 - المجالس الشعبية المحلية، ولما كان المدعين قد أقاموا دعواهم بصفتهم مواطنين قرر لهم الدستور حق الترشيح والانتخاب، طعناً على قرار رئيس الجمهورية ووزير الداخلية بدعوتهم لانتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية أو تقديم طلبات الترشيح لعضويتها وفقاً لنصوص قانونية ينعون عليها بالعوار ومخالفة أحكام الدستور، فإنهم بلا شك أصحاب صفة ومصلح في الدعوى، وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة ومصلحة فإنه يكون قد صدر صحيحاً لا مطعن عليه.
ومن حيث إنه بالنسبة للوجه الثالث من أوجه الطعن والذي يتعلق بانتفاء وصف القرار الإداري عن قرار وزير الداخلية رقم 5206 لسنة 1992 لأنه صدر تنفيذاً لأحكام المادتين 75، 76 من قانون الإدارة المحلية، فإن ذلك مردود عليه بأن قرار وزير الداخلية المذكور قد بين المستندات الواجب تقديمها وفق طلب الترشيح لعضوية المجالس الشعبية المحلية، والتي بموجبها يمكن التحقق من توافر الشروط التي تطلبها قانون الإدارة المحلية في طالبي الترشيح، وبذلك تتوافر في القرار المطعون فيه مقومات القرار الإداري الذي يجوز مخاصمته قضائياً، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر فإنه يكون قد صدر متفقاً مع صحيح حكم القانون، ويصبح النعي عليه في غير محله.
ومن حيث إنه عن الوجه الرابع والأخير من أوجه الطعن والذي يتعلق بعدم دستورية المادة (75) مكرراً من قانون الإدارة المحلية، فإنه ولئن كان قضاء المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 37 لسنة 9 ق دستورية بعدم دستورية نص المادة الخامسة مكرراً من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986 تقتصر حجيته على النص المقضي بعدم دستوريته فقط، ولا تتعداه إلى غيره من نصوص وردت في قوانين أخرى لم يقض فيها بعدم الدستورية إلا أن التماثل القائم بين الحالة المذكورة والحالة موضوع هذا الطعن، يدل في حد ذاته على جدية الدفع بعدم دستورية نص المادة (75) مكرراً من قانون الإدارة المحلية وذلك بحسب الظاهر من الأوراق ولا يسوغ حجب المطعون ضدهم عن قاضيهم الطبيعي وتمكينهم من اللجوء بدفعهم إلى المحكمة الدستورية العليا التي تختص دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بوقف الفصل في طلب الإلغاء وإحالة الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية المادة (75) مكرراً من القرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 بنظام الإدارة المحلية معدلة بالقانون رقم 145 لسنة 1988 فإنه يكون قد صدر متفقاً مع صحيح حكم القانون، ويصبح النعي عليه في غير محله.
ومن حيث إنه بالبناء على كل ما تقدم، فإن أسباب الطعن جميعها على الحكم المطعون فيه لا تقوم على سند صحيح من القانون، ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق فيما انتهى إليه، مما يتعين معه الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعنين المصروفات عملاً بنص المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.