مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1993 إلى أخر فبراير سنة 1994) - صـ 691

(68)
جلسة 18 من يناير سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ حنا ناشد مينا حنا - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: فاروق علي عبد القادر، وعلي فكرى حسن صالح، وعبد السميع عبد الحميد بريك، ومحمد إبراهيم قشطة - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 886 لسنة 30 قضائية

( أ ) عقود إدارية - تنفيذها - الاتفاق على شرط التحكيم - طبيعته وآثاره.
التحكيم هو اتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة - الاتفاق على التحكيم ليس معناه النزول عن حق الالتجاء إلى القضاء - أساس ذلك: أن حق التقاضي حق من الحقوق المقدسة التي تتعلق بالنظام العام - الاتفاق على التحكيم معناه أن إرادة المحتكم تقتصر على إحلال المحكم محل المحكمة في نظر النزاع - إذا لم ينفذ عقد التحكيم لأي سبب من الأسباب عادت سلطة الحكم إلى المحكمة - من المبادئ الأساسية في العقود ومنها عقد التحكيم أنه ينبغي أن تتطابق إرادة الخصوم في شأن المنازعات الخاضعة للتحكيم - يقتصر التحكيم على ما اتفق بصدده من منازعات - إذا حصل على الاتفاق في عقد على عرض جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذه أو تفسيره على محكمين فإن هذا يشمل المنازعات التي تقع بين المتعاقدين بشأن التنفيذ أو التفسير - سواء وقت قيام العقد أو بعد انتهائه - الاتفاق على التحكيم لا ينزع الاختصاص من المحكمة وإنما يمنعها من سماع الدعوى طالما بقى شروط التحكيم قائماً - تطبيق.
(ب) عقد إداري - المنازعة في تفسيره - طبيعتها - الاختصاص بنظرها.
المنازعة في تفسير عقد إداري تدخل في ولاية القضاء الكامل دون ولاية الإلغاء ولا يرد عليها وقف التنفيذ المتعلق بالقرارات الإدارية - يجوز الاتفاق على شرط التحكيم في هذه المنازعة طبقاً لنص المادة (501) من قانون المرافعات المدنية والتجارية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 1/ 2/ 1984 أودع الأستاذ/ ........ بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير قيد برقم 886 لسنة30 ق ع ضد السيد/ محافظ القاهرة بصفته في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - (دائرة العقود والتعويضات) في الدعوى رقم 923 لسنة 30 ق بجلسة 4/ 12/ 1983 والقاضي بعدم قبول الدعوى بشقيها العاجل والموضوعي مع إلزام المدعي مصروفاتها.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه أصلياً: بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض جميع الدفوع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وبإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام جهة الإدارة المصروفات. واحتياطياً: بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدفع بعدم قبول الدعوى المبنى على شرط التحكيم وبقبولها وبإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها مجدداً من دائرة أخرى مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
وقد تم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه - للأسباب المبينة به - الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن المصروفات.
وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على ما هو مبين بمحاضر جلساتها، وبجلسة 19/ 12/ 1990 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الثالثة - وقد نظرت هذه المحكمة الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات حيث استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات وملاحظات الطرفين، وبجلسة 9/ 11/ 1993 قررت إصدار الحكم في الطعن بجلسة 18/ 1/ 1994.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 16/ 3/ 1967 أقام المدعي (الطاعن) الدعوى رقم 923 لسنة 30 ق أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود والتعويضات) طالباً في ختام عريضتها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار محافظ القاهرة رقم 37 لسنة 1967 بتاريخ 29/ 2/ 1976 فيما تضمنه من قيام المحافظة بجرد واستلام موجودات ومصانع أنشطة الشركة المدعية (علاوة على مصنع شبرا) مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المحافظة المصروفات.
وقال المدعي بياناً لذلك أنه بتاريخ 8/ 8/ 1945 تم الاتفاق بين الحكومة المصرية وبين شركة أسمدة الشرق (شركة مساهمة لبنانية) على أن تقوم الحكومة المصرية بتسليم الشركة المذكورة دون غيرها وبغير مقابل كل ما تجمعه من قمامة مدينة القاهرة وضواحيها على أن تنشئ الشركة على حسابها مصنعاً لتحويل القمامة إلى سماد عضوي بالطريقة العلمية التي تمسي (بيجانوبيكو) وأن تكون إقامة المصنع على الأرض التي تخصصها الحكومة لهذا الغرض والمبينة الحدود والمعالم بالخريطة المرافقة للعقد.
وقضى الاتفاق بأن تلتزم الشركة خلال سنة من إقرار البرلمان لهذا الالتزام باتخاذ - الإجراءات اللازمة لإنشاء شركة مساهمة مصرية تنتقل إليها وحدها ملكية جميع المصانع والمنشآت الخاصة بهذه العملية كما تنتقل إليها جميع حقوق والتزامات شركة أسمدة الشرق، كما نص الاتفاق في المادة (12) منه على أن مدة الالتزام الناشئ عن هذا الاتفاق ثلاثون سنة تبدأ من تاريخ إقراره من البرلمان، ونصت المادة (15) على أنه عند نهاية مدة الالتزام تؤول للحكومة مباني المصنع وآلاته ومخازنه وكافة الأدوات والأجهزة والمهمات اللازمة لتشغيله وإدارته على النحو المبين بالمادة المذكورة. وبتاريخ 28/ 3/ 1946 صدر القانون رقم 25 لسنة 1946 بمنح التزام تحويل قمامة مدينة القاهرة وضواحيها إلى سماد عضوي بالطريقة المشار إليها إلى شركة الشرق وطبقاً للاتفاق سالف الذكر، وبتاريخ 24/ 1/ 1949 صدر مرسوم ملكي بتأسيس شركة الأسمدة العضوية (شركة مساهمة مصرية) التي باشرت تنفيذ الالتزام، وجمعت إلى جانب ذلك - وطبقاً للمادة الثانية من نظامها - نشاطات أخرى مثل عملية شراء مخلفات المذابح العمومية والفرعية بالقاهرة وضواحيها لتحويلها إلى أسمدة عضوية وغيرها كالألبومين وعلف الدواجن وغيره، وأقامت الشركة لذلك عدة مصانع في بعض عواصم المحافظات وأكبر هذه المصانع يوجد في مصر القديمة الذي أنشئ عام 1973. وبتاريخ 17/ 1/ 1976 قررت الجمعية العمومية غير العادية للشركة مد أجل الشركة لمدة 25 عاماً، إلا أن الشركة فوجئت بقرار محافظ القاهرة المطعون فيه والمخالف للقانون لأن مقتضى إنهاء الالتزام الممنوح للشركة أيلولة المصنع وآلاته ومخازنه وكافة الأدوات والأجهزة والمهمات اللازمة لتشغيله إلى الحكومة (المادة 15 من الاتفاق) وهذا المصنع هو مصنع شبرا الخاص بتحويل قمامة القاهرة وضواحيها إلى سماد، وهذا المصنع فقط دون غيره من المصانع هو الذي يؤول إلى الحكومة إذ ينبغي عدم الخلط بين الشركة كشخص اعتباري له نشاطاته المتعددة وبين المصنع القائم على تنفيذ الالتزام فإنهاء الالتزام يترتب عليه أيلولة هذا المصنع فقط إلى الحكومة دون أن يترتب عليه انقضاء الشركة وهذا ما تؤكده المادة 16 من الاتفاق التي أشارت إلى اشتراك الحكومة في إدارة المصنع اشتراكاً فعلياً في السنوات الثلاث الأخيرة من مدة العقد. ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد خالف الواقع والقانون فيما انطوى عليه من الاستيلاء على موجودات الشركة وانتهى المدعي في عريضة دعواه إلى طلب وقف تنفيذه وإلغائه على النحو الموضح تفصيلاً بالعريضة.
ونظرت محكمة القضاء الإداري الشق العاجل من الدعوى على ما هو مبين بمحاضر جلساتها وبجلسة 21/ 11/ 1976 أصدرت حكمها في طلب وقف التنفيذ بعدم قبوله مع إلزام المدعي بصفته بمصروفاته وأحالت الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها موضوعاً وإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها. وقد أقامت الشركة الطعن رقم 605 لسنة 23 ق ع في الحكم المتقدم والذي قضت فيه المحكمة الإدارية العليا بجلسة 26/ 1/ 80 بإلغائه وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وذلك لصدور الحكم المشار إليه في الدعوى قبل أن تقوم هيئة مفوضي الدولة بتحضيرها وتهيئتها للمرافعة وإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها. وعليه أعيدت - الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرها الذي انتهت فيه إلى طلب الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى بشقيها العاجل والموضوعي واحتياطياً بندب خبير للقيام بالمأمورية المحددة بالتقرير. ونظرت المحكمة الدعوى على ما هو مبين بمحاضر الجلسات حيث أودع كل من الطرفين مستنداته ومذكرات دفاعه. وبجلسة 4/ 12/ 1983 أصدرت حكمها المطعون فيه بهذا الطعن.
وقد شيدت المحكمة قضاءها - بعد استعراض بنود الاتفاق المعقود بين الحكومة المصرية وشركة أسمدة الشرق المؤرخ 8/ 8/ 1945 - على أساس أن النزاع يتبلور في تفسير نصوص عقد الالتزام الأصلي وأيلولة المنشآت التي أقامتها الشركة كلها أو بعضها إلى الحكومة بالتطبيق لنص البند الخامس والبند الخامس عشر من هذه النصوص حيث تذهب جهة الإدارة إلى أن نشاط الشركة الخاص بمخلفات المجازر هو نشاط مكمل للعقد الأصلي بينما يذهب المدعي بصفته إلى أن عقد شراء مخلفات المجازر ليس مكملاً لعقد الالتزام الأصلي بل هو مختلف عنه من حيث طبيعته وأن نشاط الشركة بالنسبة لمخلفات المجازر يعتبر مغايراً لموضوع الالتزام ومن ثم فعند انتهاء مدة الالتزام لا يؤول إلى الحكومة إلا مصنع شبرا الخاص بتحويل القمامة إلى سماد عضوي. واستطردت المحكمة أنه لما كان هذا النزاع يدور حول تفسير نصوص عقد الالتزام الأصلي وهو يعتبر نشاط الشركة المتعلق بمخلفات المجازر مكملاً له من عدمه فإنه لما كان البند (21) من العقد يقضي بإنشاء لجنة تحكيم إذا قام بين الحكومة والشركة خلاف بسبب تفسير أو تنفيذ هذا العقد لتفصل في النزاع ويكون حكم اللجنة نهائياً وملزماً للطرفين. وأنه لما كان الاتفاق على التحكيم لا ينزع الاختصاص من المحكمة وإنما يمنعها من سماع الدعوى ما دام شرط التحكيم قائماً والخصم يتنازل على الالتجاء إلى القضاء لحماية حقه وبالتالي يكون الدفع بالاعتداد بشرط التحكيم من قبيل الدفوع بعدم قبول الدعوى لأن الخصم ينكر به سلطة خصمه في الالتجاء إلى القضاء للذود عن هذا الحق. وأوضحت المحكمة أن مدار المنازعة رهن في جوهره بمدى حقوق طرفيها عند نهاية مدة الالتزام سواء بالنسبة إلى عقد الالتزام الأصلي أو التكميلي والمنازعة في شقيها لا تجاوز حقيقة العقد الإداري ولا تخرج عن دائرته ومن ثم تدخل ولاية القضاء الكامل دون ولاية الإلغاء ولا يرد عليها وقف التنفيذ المتعلق بالقرارات الإدارية.. ومن ثم يجوز فيها شرط التحكيم عملاً بالمادة 501 من قانون المرافعات التي استبعدت من التحكيم فقط المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، وانتهت المحكمة إلى قضائها سالف الذكر بعد أن عقبت على كل ما أثير من دفاع ودفوع.
وإذا لم يصادف هذا الحكم قبولاً لدي الشركة المدعية فمن ثم أقامت طعنها الماثل على سند من القول أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله للأسباب التالية:
أولاً - أن القرار فيه يخرج عن نطاق العقد سواء من حيث التنفيذ أو التفسير ومن ثم لا يطبق شرط التحكيم، ذلك أن القرار المطعون فيه انطوى على الاستيلاء على جميع أنشطة الشركة ودفاترها ومقرها وأثاثها ومصانعها، كما أن المحافظة شكلت لجنة لجرد ممتلكات الشركة ومتابعة إجراءات تصفيتها، وشرط التحكيم يقتصر إعماله عند الخلاف على التفسير أو التنفيذ دون التأميم، وإذ اعتد الحكم المطعون فيه بشرط التحكيم فإنه يكون قد خالف القانون.
ثانياً - أن جميع تصرفات المحافظة قامت على أن الشركة قد انتهت وانتهى وجودها القانوني أثر القرار المطعون فيه كيف يعتد بشرط التحكيم الذي لا يعمل به إذا أنكر أحد طرفي العقد وجود الآخر، الأمر الذي يكون معه اعتداد الحكم المطعون فيه بشرط التحكيم قد خالف القانون.
ثالثاً - أن شرط التحكيم لا يعمل به إذ أن القرار المطعون فيه قد صدر من جهة غير مختصة طبقاً لعقد الالتزام، ذلك أن القانون 25 لسنة 1946 قد قضى بأن يؤذن لوزير الزراعة في منح التزام تحويل القمامة، وأن الوزير المذكور هو الذي وقع على عقد الالتزام، ويؤكد ذلك أنه بعد صدور القرار المطعون فيه وبعد رفع الدعوى أصدر وزير الزراعة القرار رقم 291 في 1/ 4/ 1976 بأن تتولى محافظة القاهرة إدارة النشاط الذي كان محلاً للالتزام وهو ما يعني أنه حتى رفع الدعوى كانت الجهة المختصة هي وزارة الزراعة، وأنه لما كان القرار المطعون فيه قد صدر من محافظ القاهرة فإنه يكون قد صدر من غير مختص ومن ثم لا يسري شرط التحكيم وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك فإنه يكون قد خالف القانون.
رابعاً - أنه لما كان قانون المرافعات (القديم والجديد) يستلزم أن يكون عدد المحكمين وتراً، وإنه لما كان العقد يجعل التحكيم لاثنين فإذا اختلفا انضم إليهما ثالث، فإن شرط التحكيم يكون باطلاً لأنه يجعل التحكيم في بعض الفروض لاثنين، ولا يلجأ إلى الثالث إلا عند الخلاف وإذا ذهب الحكم إلى غير ذلك فإنه يكون مخالفاً للقانون.
خامساً - أن هيئة التحكيم ممنوعة من أن تنظر المنازعة الخاصة بالكيان القانوني للشركة لأن مهمتها مقصورة على نظر الخلاف حول تفسير العقد أو تنفيذه، ومن ثم لا يجوز إطلاق السلطة لهيئة التحكيم لنظر ما تثيره الشركة الطاعنة من عيوب شابت القرار الطعين، وهو الأمر الذي خالفه الحكم المطعون فيه.
سادساً - لقد خلا عقد الالتزام من الاتفاق على أشخاص المحكمين الممثلين للطرفين على خلاف المادة 502/ 3 من قانون المرافعات مما يجعل شرط التحكيم باطلاً بطلاناً مطلقاً لافتقار عقد التحكيم إلى محله على النحو المبين تفصيلاً بتقرير الطعن.
سابعاً - بطلان شرط التحكيم بالنسبة للمسائل التي لا يجوز الصلح فيها طبقاً للمادة (501) من قانون المرافعات وأيضاً بطلانه بالنسبة لدعوى الإلغاء التي هي من النظام ولا يجوز النزول عنها تحت ستار شرط التحكيم، فالالتزام أبرم عام 1946 ونص فيه على شرط التحكيم ولم يكن قد أنشئ مجلس الدولة، ومن العسير أن يحمل النص أكثر مما يحتمل، فشرط التحكيم يعني استبعاد القضاء العادي دون القضاء الإداري الذي لم يكن قد أنشئ بعد وإذ قضى الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون، وأنه لكل ما تقدم ينتهي الطاعن إلى طلباته سالفة الذكر.
ومن حيث إن الطعن الماثل يقوم على أساس أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله حينما اعتد بشرط التحكيم الوارد في البند (21) من عقد الالتزام والذي ما كان يجوز للمحكمة أن تأخذ به في هذا النزاع للأسباب الموضحة بتقرير الطعن.
ومن حيث إن المادة (818) من قانون المرافعات القديم والذي تم الاتفاق في ظله كانت تنص على أنه "يجوز للمتعاقدين أن يشترطوا بصفة عامة عرض ما قد ينشأ بنهم، من النزاع في تنفيذ عقد معين على محكمين، ويجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين بمشارطة تحكيم خاصة".
كما نصت المادة (501) من قانون المرافعات الحالي رقم 13 لسنة 1968 على أنه "يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين بوثيقة تحكيم خاصة، كما يجوز الاتفاق على التحكيم في جميع المنازعات التي تنشأ من تنفيذ عقد معين ولا يثبت التحكيم إلا بالكتابة، ويجب أن يحدد موضوع النزاع في وثيقة التحكيم أو أثناء المرافعة ولو كان المحكمون مفوضين بالصلح وإلا كان التحكيم باطلاً. ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح..... إلخ".
ومن حيث إن التحكيم طبقاً لما استقر عليه الفقه والقضاء هو اتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة، والمحتكم باتفاقه على التحكيم - لا ينزل عن حماية القانون، ولا ينزل عن حقه في الالتجاء إلى القضاء وإلا فإن المشرع لا يعتد بهذا النزول ولا يقره، إذ الحق في الالتجاء إلى القضاء هو من الحقوق المقدسة التي تتعلق بالنظام العام، وإنما المحتكم باتفاقه على التحكيم يمنح المحكم سلطة الحكم في النزاع بدلاً من المحكمة المختصة أصلاً بنظره، أي إن إدارة المحتكم في عقد التحكيم تقتصر على مجرد إحلال المحكم محل المحكمة في نظر النزاع، بحيث إذا لم ينفذ عقد التحكيم لأي سبب من الأسباب عادت سلطة الحكم إلى المحكمة.
ومن حيث إنه من المبادئ الأساسية في العقود - ومنها عقد التحكيم - أنه ينبغي أن تتطابق إدارة الخصوم في شأن المنازعات الخاضعة للتحكيم، ومن ثم فإن التحكيم يقتصر على ما اتفق بصدده من منازعات، وعلى ذلك فإنه إذا حصل الاتفاق في عقد على عرض جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذه أو تفسيره على محكمين فإن هذا يشمل كل المنازعات التي تقع بين المتعاقدين - بشأن التنفيذ أو التفسير - سواء وقت قيام العقد أو بعد انتهائه.
ومن حيث إنه على ضوء ما تقدم وقد تضمن الاتفاق المبرم بين الحكومة المصرية وشركة أسمدة الشرق المؤرخ 8/ 8/ 1945 - في المادة (12) منه على أن "مدة الالتزام الناشئ عن هذا الاتفاق ثلاثون سنة تبدأ من تاريخ إقراره من البرلمان" كما نصت المادة (15) من الاتفاق المذكور على أنه "عند نهاية مدة الالتزام تؤول للحكومة مباني المصنع وآلاته ومخازنه وكافة الأدوات والأجهزة والمهمات اللازمة لتشغيله وأدواته بمراعاة الشروط الآتية: 1 - ...... 2 - .......
ونصت المادة (21) من الاتفاق على أنه "إذا قام خلاف بين الحكومة والشركة بسبب تفسير أو تنفيذ هذا العقد فيكون الفصل في النزاع للجنة التحكيم مكونة من عضوين الأول تختاره الحكومة والثاني تختاره الشركة فإن لم يتفق الحكمان يكون رئيس لجنة قضايا الحكومة أو من يختاره حكماً ثالثاً للفصل في هذا الخلاف ويكون حكم اللجنة نهائياً وملزماً للطرفين".
ومن حيث إنه بذات تاريخ إبرام الاتفاق المشار إليه (8/ 8/ 1945) أبرم اتفاق بين الحكومة وذات الشركة على أن تشتري الشركة مخلفات المذابح العمومية والفرعية بمدينة القاهرة وضواحيها لتحويلها إلى سماد عضوي وغيره كالألبومين والفحم الحيواني وغيره، وقد ارتبط هذا الاتفاق بالاتفاق الأصلي الخاص بتحويل قمامة القاهرة وضواحيها إلى سماد عضوي، واعتبر الاتفاق الخاص بتحويل القمامة هو الاتفاق الأصلي، والاتفاق الخاص بتحويل مخلفات المذابح العمومية والفرعية إلى سماد عضوي هو الاتفاق التبعي أو الفرعي أو التكميلي للاتفاق الأصلي حسبما يستفاد من نصوص الاتفاق الخاص بمخلفات المذابح حيث إنه مرتبط به من حيث تحديد مدينة القاهرة وضواحيها ومن حيث مدة سريانه ومن حيث نفاذه أصلاً حيث إن هذا النفاذ معلق على نفاذ الاتفاق الأصلي وذلك كله حسبما هو موضح بالبندين ثانياً وثالثاً من الاتفاق المشار إليه.
ومن حيث إنه بعد انتهاء مدة الالتزام قامت الحكومة (بمقتضى قرار محافظ القاهرة رقم 37 لسنة 1976) بجرد واستلام موجودات الشركة الطاعنة استناداً إلى نص المادة (15) من الاتفاق سالفة الذكر، وتذهب الجهة الإدارية في ذلك إلى أن نشاط الشركة المتعلق بمخلفات المذابح إنما هو نشاط مكمل للعقد الأصلي نشأ باتفاق الطرفين باعتبار أن التخلص من القمامة أضيفت إليه تعهد الحكومة بتسليم الشركة مخلفات المذابح لتحويلها إلى سماد عضوي وأن المصانع التي أنشئت لهذا الغرض رخص بها للشركة على أن تؤول للحكومة شأنها شأن المصانع التي أنشئت لتحويل القمامة إلى سماد عضوي. بينما تذهب الشركة الطاعنة إلى أن عقد شراء مخلفات المجازر ليس عقداً مكملاً لعقد الالتزام الأصلي بل هو مختلف عنه، ومن ثم لا يؤول إلى الحكومة عند انتهاء مدة الالتزام إلا مصنع شبرا الخاص بتحويل القمامة إلى سماد عضوي.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الخلاف بين الطرفين يتبلور في تفسير نصوص عقد الاتفاق المبرم بينهما وبيان ما إذا كانت تؤول إلى الحكومة جميع موجودات الشركة أم يقتصر ذلك فقط على مصنع شبرا الخاص بتحويل قمامة القاهرة وضواحيها إلى سماد عضوي أي أن جوهر النزاع يتعلق ببيان حقوق كل من الطرفين عند نهاية مدة الالتزام سواء بالنسبة لنشاط الشركة المتعلق بتحويل القمامة إلى سماد عضوي أو المتعلق بتحويل مخلفات المذابح العمومية إلى سماد عضوي، أي أن المنازعة محل الطعن الماثل لا تجاوز في حقيقتها نطاق تفسير العقد الإداري ولا تخرج عن دائرته ومن ثم تدخل في ولاية القضاء الكامل دون ولاية الإلغاء ولا يرد عليها وقف التنفيذ المتعلق بالقرارات الإدارية ومن ثم يجوز فيها شرط التحكيم طبقاً لنص المادة (501) من قانون المرافعات خاصة وإن هذا الشرط قد تضمنه الاتفاق المعقود في أغسطس سنة 1945 قبل إنشاء مجلس الدولة.
ومن ثم يتعين العمل بمقتضاه وطبقاً للمادة (21) من عقد الاتفاق والسالف ذكرها.
ومن حيث إنه وقد سلف البيان أن الاتفاق على التحكيم لا ينزع الاختصاص من المحكمة وإنما يمنعها من سماع الدعوى طالما بقى شرط التحكيم قائماً، فمن ثم - وتأسيساً على ما تقدم - كله يكون ما خلص إليه الحكم المطعون فيه من القضاء بعد قبول الدعوى بشقيها العاجل والموضوعي مع إلزام الطاعن المصروفات قد صادف صحيح حكم القانون ويكون الطعن عليه غير قائم على أساس سليم من الواقع أو القانون حرى بالرفض. ولا ينال من هذا القضاء ما ذهب الطاعن في طعنه من بطلان شرط التحكيم باعتبار القرار المطعون فيه يخرج عن نطاق العقد، وأن دعوى الإلغاء متعلقة بالنظام العام ولا يجوز الصلح فيها، وأن القرار مشوب بعيب عدم الاختصاص، وأن القرار يتعلق بكيان الشركة ووجودها فإن كل ذلك مردود بما سلف بيانه من أن المنازعة محل الطعن الماثل لا تجاوز في حقيقتها نطاق تفسير العقد المبرم بين الطرفين. أما ما أثاره الطاعن بشأن بطلان شرط التحكيم لخلوه من تعيين أشخاص المحكمين ولأن عددهم ليس وتراً فذلك ما تكفل الحكم المطعون فيه بالرد عليه، وعلى نحو ما ورد بحق في الحكم المذكور، الأمر الذي يتعين معه القول بأنه أصاب الحق فيما تضمنه من رد على ما أثاره الطاعن وأن ما انتهى إليه في هذا الشأن محمولاً على أسبابه التي فصلها تأخذ به هذه المحكمة للرد على خلو الاتفاق من تعيين أشخاص المحكمين وأن عددهم ليس وتراً.
ومن حيث إنه على مقتضى ما سلف كله وقد أصاب الحكم المطعون فيه وجه الحق في قضائه وصادف صحيح حكم القانون فمن ثم يكون الطعن عليه في غير محله متعيناً القضاء برفضه مع إلزام الطاعن المصروفات عملاً بالمادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.