مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والأربعون - (من أول أكتوبر سنة 1999 إلى آخر سبتمبر سنة 2000) - صـ 619

(65)
جلسة 11 من مارس سنة 2000

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد مجدي محمد خليل هارون - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين: عويس عبد الوهاب عويس ومحمد أبو الوفا عبد المتعال وأسامة محمود عبد العزيز محرم وعبد المنعم أحمد عامر - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 143 لسنة 43 قضائية عليا

مجلس الدولة - أعضاؤه - تشكيل الدائرة المختصة بالفصل في طلباتهم - مدى جواز اشتراك أحد المستشارين الأحدث من الطاعن في إصدار الحكم.
القول بعدم جواز أن يشترك في إصدار الحكم السادة المستشارون الأحدث من الطاعن في ترتيب الأقدمية لا يستند إلى حكم في قانون مجلس الدولة أو في قانون المرافعات أو غيره، كما أنه يسمح بأن يكون شرط المصلحة في الدعوى قائماً على المصلحة المحتملة أي الاحتمالية، بينما يشترط القانون في المصلحة أن تكون شخصية مباشرة يقرها القانون - لئن كان قانون المرافعات أجاز أن تكون المصلحة محتملة في الدعوى على سبيل الاستثناء، فقد أوجب أن يكون شرط الاعتداد بالمصلحة الاحتمالية هو الاحتياط لرفع ضرر محدق بالاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه - القول بعدم صلاحية من شارك في إصدار الحكم من السادة المستشارين لأنه أحدث في الترتيب من الطاعن، ومن ثم له مصلحة في إخراجه من خدمة المجلس، هو من قبيل إقامة الطلبات على المصلحة الاحتمالية، إذ تخلو هذه الاعتبارات من معنى المصلحة الشخصية المباشرة تماماً وهي تتعلق بوقائع غير قائمة في الواقع الحالي، ويحتمل أن تتحقق في المستقبل أولاً تتحقق - ليس في ذلك كله احتياط لرفع ضرر محقق جسيم أو قريب الوقوع، وليس فيه استيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه - يضاف إلى ذلك أن الأخذ بهذا النظر يؤدي إلى نتائج غير مقبولة ذلك أن تخصيص الأسبق في ترتيب الأقدمية للقضاء في منازعات أعضاء المجلس يؤدي إلى أن لا يجد نواب رئيس مجلس الدولة المتقدمون في ترتيب الأقدمية من يفصل في منازعاتهم مع المجلس أو من يؤاخذهم على الخروج عن واجبات الوظيفة - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 12/ 10/ 1996 أودع الأستاذ/ ........ المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 143 لسنة 43 ق. ع (دعوى بطلان أصلية) في الحكم الصادر من هذه المحكمة بجلسة 13/ 1/ 1996 في الطعن رقم 1471 لسنة 38 ق. ع المقام من الطاعن ضد السيد المستشار رئيس مجلس الدولة بصفته والذي قضى بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وطلب المدعي - للأسباب الواردة بالتقرير - الحكم ببطلان الحكم المطعون فيه والفصل مجدداً في هذا الطعن من هيئة مغايرة.
وحددت جلسة 25/ 9/ 1999 لنظر الدعوى وجرى تداولها بالجلسات على الوجه المبين بمحاضرها.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت في ختامه الحكم برفض الدعوى، وبجلسة 27/ 11/ 1999 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 5/ 2/ 2000 وفيها تقرر مد أجل النطق به لجلسة اليوم لإتمام المداولة حيث صدر هذا الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن المدعي يهدف بدعوى البطلان الماثلة بطلان الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) بجلسة 13/ 1/ 1996 في الطعن رقم 1471 لسنة 38 ق. عليا والمتقدم بيان منطوقه وذلك على سند من القول بخروج الحكم عن إطار المنازعة حيث تضمن انعدام ترقية المدعي إلى وظيفة وكيل مجلس الدولة مع أن جهة الإدارة لم تزعم ذلك ولم تسحب قرار الترقية بل اعترفت به واحترمته حتى بعد انتهاء خدمة المدعي، كما أنه لا يجوز أن يضار الطاعن بطعنه، وبيان ذلك أن الحكم ذهب إلى أن قرار ترقية المدعي إلى هذه الوظيفة ورد على غير محل مع أن هذا القرار لم يكن محل منازعة من أي من طرفي الخصومة وهو ما يمثل إهداراً للعدالة ومخالفة جسيمة لمبدأ جوهري وهو عدم جواز أن يضار الطاعن بطعنه.
كما يستند المدعي في طلبه بطلان الحكم إلى أنه يتضمن تحدياً للمبادئ المستقرة في قضاء كل من المحكمة الإدارية العليا ومحكمة النقض بخصوص قرينة الاستقالة الحكمية وحاصل تلك المبادئ أن هذه القرينة لا تؤتي أثرها بقوة القانون وإنما تتوقف على إرادة جهة الإدارة حسبما تترخص فيه فلها أن تعتبر العامل مستقيلاً ولها أن تتخذ ضده الإجراءات التأديبية وفي هذه الحالة لا يجوز اعتباره مستقيلاً، وفي حالة المدعي فقد تمت ترقيته إلى وظيفة وكيل مجلس الدولة أثناء النظر في تجديد إعارته أي أن الجهة الإدارية أعملت الرخصة المخولة لصالحها في شأن قرينة الاستقالة الضمنية ولم تعتبره مستقيلاً وإنما تغاضت عنها وقامت بترقيته، ومن ثم يكون الحكم قد خالف قضاء المحكمة الإدارية العليا من أن قرار جهة الإدارة باعتبار الموظف مستقيلاً بعد أن أفصحت عن تنازلها عن قرينة الاستقالة الحكمية قرار معدوم.
ويضيف المدعي وجهاً آخر من أوجه البطلان وهو أنه ما كان يجوز أن يشترك في إصدار هذا الحكم السادة المستشارون الأحدث من الطاعن في ترتيب الأقدمية في التاريخ الذي اعتبرت فيه خدمته منتهية إذ من المستقر عليه ألا يشترك في إصدار الحكم من قد تتأثر مراكزهم القانونية بهذا الحكم في حالة صدوره لصالح المدعي (الطاعن) وخلص المدعي إلى طلباته سالفة البيان.
ومن حيث إن واقعات هذا النزاع حسبما أبانت الأوراق تخلص في أنه بتاريخ 2/ 5/ 1992 أقام المدعي الطعن رقم 1471 لسنة 38 ق. الصادر فيه الحكم محل هذه الدعوى طالباً الحكم بإلغاء القرارين الصادرين بإنهاء خدمته وبتخطيه في الترقية إلى درجة نائب رئيس مجلس الدولة لمخالفتهما لأحكام القانون.
وقال شرحاً لدعواه ما حاصله أنه بتاريخ 23/ 5/ 1991 انتهت مدة إعارته إلى المملكة العربية السعودية التي كانت قد اتخذت إجراءات تجديدها، غير أنه فوجئ بتخطيه في الترقية إلى درجة نائب رئيس مجلس الدولة فاستعلم عن الأسباب حيث فوجئ بأن خدمته قد انتهت اعتباراً من 23/ 5/ 1991 تاريخ انتهاء إعارته، وأضاف يقول أن المستقر عليه أن اعتبار القاضي مستقيلاً للانقطاع عن العمل هو رخصة لجهة الإدارة إن شاءت أعملتها وإن شاءت أهملتها، ومتى أفصحت عن نيتها في النزول عنها فلا يجوز لها العودة والتمسك بها والحال أن مجلس الدولة قد تنازل عن التمسك بهذه الرخصة حيث أحال طلب تجديد إعارته إلى مجلس الوزراء لاتخاذ اللازم ووجه إليه الدعوة لحضور الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة بتاريخ 22/ 9/ 1991 والتي انعقدت للنظر في ترقية المرشحين لوظائف نواب الرئيس والوكلاء وقد وافقت الجمعية العمومية بجلستها سالفة الذكر على ترقيته وكيلاً لمجلس الدولة كذلك فإن المجلس بعث إليه بكتابه المؤرخ 21/ 10/ 1991 لاستيفاء استمارة التأمين والمعاشات الخاصة به وذلك بعد إنشاء نظام الحاسب الآلي باعتباره من المستشارين العاملين، كما وجه إليه الدعوى لحضور الجمعية العمومية بجلستها المنعقدة في 3/ 11/ 1991 وتلك التي انعقدت بتاريخ 7/ 12/ 1991 وهذه الدعوات جميعها وجهت بمقتضى كتب صادرة عن المستشار رئيس مجلس الدولة.
وبجلسة 13/ 1/ 1996 قضت المحكمة الإدارية العليا في الطعن بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً وأقامت قضاءها على أساس أن عضو مجلس الدولة يعتبر مستقيلاً بحكم القانون إذا انقطع عن العمل لمدة ثلاثين يوماً متصلة بدون إذن، وهو ما يستتبع اعتبار القرار الصادر من رئيس مجلس الدولة بإنهاء خدمة العضو في هذه الحال محض قرار تنفيذي كاشف عن مركز قانوني نشأ من قبل على مقتضى القانون، فإذا كان الثابت أن الطاعن رخص له في إعارة للعمل بالمملكة العربية السعودية ظلت تتجدد لسبع سنوات متصلة انتهت في 23/ 5/ 1991 ولم يعد إلى عمله أثر انتهاء إعارته وجاوزت مدة انقطاعه ثلاثين يوماً متصلة ومن ثم فإنه يعتبر مستقيلاً بصريح نص الفقرة الأولى من المادة 98 من قانون مجلس الدولة مما يتعين معه إنهاء خدمته اعتباراً من اليوم التالي لانتهاء إعارته وهو ما صدر به القرار المطعون فيه صحيحاً مطابقاً للقانون.
ويقوم الطعن على أساس أن الحكم المطعون فيه صدر مشوباً ببطلان في الإجراءات وبطلان في إصدار الحكم وإخلال بالعدالة على النحو السالف بيانه.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية العليا تختص بالفصل في طلب إلغاء الحكم الصادر منها إذا ما شابه عيب جسيم يسمح بإقامة دعوى البطلان الأصلية ولا يكون ذلك إلا إن كان الحكم المطعون فيه يمثل إهداراً للعدالة ويفقد الحكم فيها وظيفته وتنتفي عنه صفة الحكم القضائي كأن يصدر عن مستشار قام به سبب من أسباب عدم الصلاحية أو يقترن الحكم بعيب جسيم تقوم به دعوى البطلان الأصلية ولا ريب أن الطعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بدعوى البطلان الأصلية هو استثناء ينطوي على مساس بحجية الحكم المطعون فيه وبذلك يقف هذا الاستثناء عند الحالات التي تنطوي على عيب جوهري جسيم يصم الحكم ويفقده صفته كحكم قضائي له حجيته بوصفه قد صدر من المحكمة الإدارية العليا وهي أعلى محكمة طعن في القضاء الإداري.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق ومن صحيفة دعوى البطلان الأصلية أن الأسباب التي ساقها المدعي للطعن على الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثانية - في الطعن رقم (1471 لسنة 38 ق. ع) لا تتضمن الطعن على الحكم المشار إليه بأي سبب من الأسباب التي تصل بالحكم المطعون فيه إلى درجة إهدار العدالة أو وصمه بعيب جسيم يفقد معه صفته ووظيفته بل إنها لا تعدو أن تكون أسباباً موضوعية للطعن على هذا الحكم بعد أن انتهت المحكمة الإدارية العليا إلى القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى للأسباب التي قام عليها هذا الحكم بما لا يشوب هذا القضاء بأي عيب ينحدر به إلى درجة البطلان.
ولا ينال من ذلك ما أورده المدعي بأسباب طعنه على هذا الحكم من أنه خرج عن إطار المنازعة حيث تضمن ترقية المدعي إلى وظيفة وكيل مجلس الدولة مع أن جهة الإدارة لم تزعم ذلك ولم تشجب قرار الترقية وهو ما يمثل إهداراً للعدالة ومخالفة من الحكم المطعون فيه لمبدأ جوهري وهو عدم جواز أن يضار الطاعن بطعنه فهذا القول من المدعي مردود بأن ما تضمنه الحكم من أن قرار ترقية المدعي ورد على غير محل كان في معرض الرد على استناد الطاعن على هذا القرار كدليل على موافقة المجلس ضمنياً على تجديد إعارته للعام الثامن ولم يترتب على ذلك من أثر مباشر فيما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من قضاء ولم يترتب عليه إضرار بالطاعن في هذا الخصوص.
كما لا ينال من هذا القضاء ما ينعاه الطاعن على الحكم مثار المنازعة من أنه ما كان يجوز أن يشترك في إصدار هذا الحكم السادة المستشارون الأحدث من الطاعن في ترتيب الأقدمية ذلك أنه فضلاً عن أن هذا القول جاء مرسلاً من الطاعن دون تحديد لترتيب هذه الأقدمية فهو مردود لأنه لا يستند إلى حكم في قانون مجلس الدولة أو في قانون المرافعات أو غيره، كما أنه يسمح بأن يكون شرط المصلحة في الدعوى قائماً على المصلحة المحتملة - أي الاحتمالية - بينما حكم القانون أن يشترط في المصلحة أن تكون مصلحة شخصية مباشرة يقرها القانون، ولئن كان قانون المرافعات قد أجاز أن تكون المصلحة محتملة في الدعوى على سبيل الاستثناء من الأصل الذي يوجب أن تكون المصلحة فيها شخصية ومباشرة فقد أوجب القانون أن يكون شرط الاعتداد بالمصلحة الاحتمالية هو الاحتياط لرفع ضرر محدق بالاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه، إلا أن الطاعن يستند إلى المصلحة الاحتمالية في هذا الطعن كأساس لطلباته ذلك أن عدم صلاحية من شارك في إصدار الحكم من السادة المستشارين لأنه الأحدث في ترتيب الأقدمية من الطاعن ومن ثم له مصلحة في إخراج الطاعن من خدمة المجلس هو من قبيل إقامة طلبات الطاعن على أساس المصلحة الاحتمالية، إذ تخلو هذه الاعتبارات من معنى المصلحة الشخصية المباشرة تماماً وهي تتعلق بوقائع غير قائمة في الواقع الحالي، ويحتمل أن تتحقق في المستقبل أو لا تتحقق، وليس في ذلك كله احتياط لرفع ضرر محقق جسيم أو قريب الوقوع، وليس في ذلك كله استيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه، ويضاف إلى ذلك أن الأخذ بهذا النظر يؤدي إلى نتائج غير مقبولة ذلك أن تخصيص الأسبق في ترتيب الأقدمية للقضاء في منازعات أعضاء المجلس يؤدي إلى أن لا يجد نواب رئيس مجلس الدولة المتقدمون في ترتيب الأقدمية من يفصل في منازعاتهم مع المجلس أو من يؤاخذهم عند الخروج على واجبات الوظيفة إن نسب إلى أحدهم خروج على واجبات ومقتضيات الوظيفة لأنه لا يوجد أحد يسبقهم في ترتيب الأقدمية من أعضاء المجلس ذلك أنه لا يصح التسليم بأنهم خارج المساءلة أو منازعتهم مع المجلس ليس لها قضاه للفصل فيها، ومن ناحية أخرى فإنه لا وجه للمقارنة بين الطاعن وبين من كان أحدث منه في ترتيب الأقدمية لأن الطاعن كان منذ صدور قرار إنهاء خدمته بتاريخ........ خارج المجلس بينما كان الآخر داخل المجلس ولم يجمعهما كشف أقدمية واحد من ذلك التاريخ (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3415 لسنة 32 ق. ع).
وحاصل ما تقدم أن ما أقام المدعى عليه دعواه من أسباب لا تعدو أن تكون أسباباً موضوعية لا يتأتى أن تعرض بعد أن أغلق باب الطعن على حكم المحكمة الإدارية العليا أو أسباباً تتعلق بالإجراءات وقد سبق عرضها وتنفيذها جميعاً ومن ثم تكون دعوى البطلان الأصلية الماثلة في غير محلها بالنسبة لجميع أسبابها المتعلقة بالإجراءات وبالموضوع على حد سواء الأمر الذي يتعين معه الحكم بعدم قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه مع إلزام الطاعن (المدعي) المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات.