مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1993 إلى أخر فبراير سنة 1994) - صـ 949

(92)
جلسة 22 من فبراير سنة 1994

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا حنا - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: فاروق علي عبد القادر، وعلي فكري حسن صالح، وعبد السميع عبد الحميد بريك، ومحمد إبراهيم قشطه - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 825 لسنة 35 القضائية

دعوى - الحكم فيها - الحكم بوقف الدعوى - حجيته - أثره.
المادة (129) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
الحكم بوقف الدعوى إعمالاً لنص المادة (129) من قانون المرافعات هو حكم قطعي لأنه يفصل ويقطع في طريقة سير الدعوى ويقرر عدم صلاحيتها للحكم فيها بالحالة التي هي عليها - يكتسب الحكم بوقف الدعوى حجية الشيء المحكوم به - لا يجوز للمحكمة في دعوى أخرى منظورة أمامها تتفق في أشخاصها وموضوعها وسببها مع الدعوى التي قضت بإيقافها حتى يتم الفصل في المسألة الأولية - لا يجوز للمحكمة أن تقضي في الدعوى الأخرى قبل أن يتم الفصل في المسألة الأولية التي تم الوقف لحين الفصل فيها - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 18/ 2/ 1989 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 825 لسنة 35 ق ع في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) في الدعوى رقم 720 لسنة 38 ق بجلسة 20/ 12/ 1988 والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من وقف التعامل مع المدعي وعدم صرف أية مستحقات له وسحب قيمة خطابات الضمان البنكية المقدمة منه مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بصفة مستعجلة والحكم أصلياً بعدم جواز نظر الدعوى السابقة الفصل فيها بالحكم الصادر بتاريخ 1/ 12/ 1985 في الدعوى رقم 3855 لسنة 37 ق، واحتياطياً برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي في الحالتين.
وقد تم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه - للأسباب المبينة به - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، مع إلزام المطعون ضده المصروفات،
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على النحو المبين بمحاضر جلساتها، وبجلسة 3/ 11/ 1993 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثالثة - وقد نظرت هذه المحكمة الطعن على ما هو مبين بمحاضر الجلسات، حيث استمعت إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات، وبجلسة 8/ 2/ 1994 قررت إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
من حيث إن عناصر هذا النزاع تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 15/ 1/ 1984 أقام المطعون ضده الدعوى رقم 136 لسنة 1984 أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة - طالباً الحكم بعدم الاعتداد بقرار وزير الأوقاف رقم 28 لسنة 1983 واعتباره كأن لم يكن، وقال بياناً لذلك أنه بتاريخ 14/ 3/ 1983 صدر القرار رقم 28 لسنة 1983 متضمناً وقف التعامل معه وعدم صرف أية مستحقات له وسحب قيمة خطابات الضمان البنكية المقدمة منه.
ونعى المدعي (المطعون ضده) على القرار المشار إليه صدوره بالمخالفة للائحة المناقصات والمزايدات الصادرة بقرار المالية رقم 542 لسنة 1975 والتي صدر في ظل العمل بأحكامها، كما أنه صدر دون أخذ رأي مجلس الدولة وبدون سبب، وأنه لذلك يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً، وأضاف قائلاً أنه كان قد صدر في 7/ 2/ 1983 قبل صدور القرار المطعون فيه حكم محكمة القاهرة الجزئية للأمور المستعجلة في الدعوى رقم 15/ 1983 بعدم الاعتداد بقرار وكيل وزارة الأوقاف للشئون المالية والإدارية واعتباره كأن لم يكن وكان القرار قد صدر بوقف التعامل مع المدعي ووقف صرف مستحقاته، وأنه لذلك يكون القرار رقم 28 لسنة 1983 قد خالف حجية حكم قضائي، وانتهى المدعي في دعواه إلى طلباته... وقضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بجلسة 29/ 2/ 1984 في الدعوى رقم 136 لسنة 1984 بعدم الاعتداد بالقرار الوزاري رقم 28 لسنة 1983 سالفة الذكر وقد استأنفت الجهة الإدارية الحكم المشار إليه بالاستئناف رقم 452 لسنة 1984 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية التي قضت فيه بجلسة 26/ 7/ 1984 بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجدداً بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري المختصة، وعليه وردت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري وقيدت برقم 7204 لسنة 38 ق، وأعدت فيها هيئة مفوضي الدولة تقريراً انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، ونظرت المحكمة الدعوى على النحو المبين بمحاضرها وبجلسة 20/ 12/ 1988 أصدرت الحكم المطعون فيه.
وقد أقامت محكمة القضاء الإداري قضائها على أساس أن الدعوى قد استوفت أوضاعها الشكلية وبالنسبة للموضوع فإن تخلف الخصم عن إيداع المستندات والبيانات المطلوبة يقيم قرينة لصالح الطرف الآخر، وتلقى بعبء الإثبات على عاتق الطرف الذي تقاعس عن تقديم المطلوب وتجعل المحكمة في حل من الأخذ بما قدم من أوراق وبيانات واعتبار المستندات التي قدمها الخصم والوقائع التي ذكرها صحيحة، وأن الجهة الإدارية لم تقدم مستندات طوال تحضير الدعوى ونظرها أمام المحكمة تبرر صحة إصدار القرار فمن ثم يكون القرار قد صدر بالمخالفة للقانون جديراً بالإلغاء.
وإذ لم يصادف الحكم المتقدم قبولاً لدى الجهة الإدارية فقد أقامت هذا الطعن تأسيساً على أن الحكم الطعين قد جانب الصواب وخالف القانون لما يلي:
أولاً:عدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم الصادر في الدعوى رقم 3855 لسنة 37 ق بجلسة 1/ 12/ 1985 والتي كان المطعون ضده قد سبق أن أقامها عن ذات الموضوع وبذات الطلبات وقضى فيها برفض طلب وقف التنفيذ، وفي الموضوع بوقف الدعوى لحين الفصل في القضية رقم 6 لسنة 1983 أمن دولة عليا وأنه لذلك كان يتعين على المحكمة أن تقضي في الدعوى المطعون في حكمها بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها طبقاً للمادة 101 من قانون الإثبات.
ثانياً: الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، ومخالفة أحكام القانون، ذلك أن المطعون ضده قد ارتكب وقائع تدل على سوء القصد وعلى تخلف شرط حسن السمعة، وقد أحيلت هذه الوقائع إلى النيابة العامة وأحيل المطعون ضده إلى المحكمة الجنائية في القضية رقم 6 لسنة 1983 ولم يفصل فيها بعد، وأنه لذلك يكون القرار المطعون فيه قد صدر صحيحاً متفقاً مع لائحة المناقصات والمزايدات وما استقرت عليه الأحكام من ضرورة توافر شرط حسن السمعة فيمن يتعاقد مع جهة الإدارة، وانتهت الجهة الإدارية في تقرير الطعن إلى طلباتها سالفة البيان.
ومن حيث إنه عن السبب المتعلق بمخالفة الحكم المطعون فيه للقانون لعدم - قضائه بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها فإن المادة 101 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1968 قد نصت على أن "الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قائم بين الخصوم أنفسهم دون تغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً وتقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها"، ومفاد هذا النص أن ثمة شروط يلزم توافرها لجواز قبول الدفع بحجية الأمر المقضي، وهذه الشروط كما يبين من المقارنة بين صدور النص وعجزه تنقسم قسمين، قسم يتعلق بالحكم وهو أن يكون حكماً قضائياً وأن يكون حكماً قطعياً وأن يكون التمسك بالحجية في منطوق الحكم لا في أسبابه إلا إذا ارتبطت الأسباب ارتباطاً وثيقاً بالمنطوق بحيث لا يقوم المنطوق بدون هذه الأسباب، والقسم الثاني من الشروط يتعلق بالحق المدعى به فيشترط أن يكون هناك اتحاد في الخصوم واتحاد في المحل واتحاد في السبب.
ومن حيث إنه بإنزال ما تقدم على الحكم الصادر في الدعوى رقم 3855 لسنة 37 ق والدعوى المطعون في حكمها بالطعن الماثل (الدعوى 7204 لسنة 38 ق) يبين حسبما هو ثابت بالأوراق - أنه بتاريخ 19/ 5/ 1983 أقام المطعون ضده في هذا الطعن الدعوى رقم 3855 لسنة 37 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد السيد/ وزير الأوقاف (الطاعن في هذا الطعن) وطلب فيها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار رقم 28 لسنة 1983 المتضمن وقف التعامل معه (مع المدعي) وعدم صرف أية مستحقات له وسحب قيمة خطابات الضمان البنكية المقدمة منه، وقد قضت محكمة القضاء الإداري في الدعوى المشار إليها (3855 لسنة 37 ق) بجلسة 1/ 12/ 1985 - برفض طلب وقف تنفيذ القرار رقم 28 لسنة 1983 وإلزام المدعي مصروفات هذا الشق من الدعوى، وفي الموضوع بوقف الدعوى لحين الفصل في القضية رقم 6 لسنة 1983 أمن دولة عليا، وذلك لما تبين من أن الفصل في موضوع الدعوى المذكورة يتوقف على نتيجة الفصل في الاتهامات الجنائية الموجهة للمدعي.
ومن حيث إن المطعون ضده قد أقام الدعوى رقم 136 لسنة 1984 أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة ضد وزير الأوقاف وذلك بتاريخ 15/ 1/ 1984 - قبل صدور الحكم في الدعوى رقم 3855 لسنة 37 ق - وطلب فيها الحكم بعدم الاعتداد بقرار وزير الأوقاف رقم 28 لسنة 1983 واعتباره كأن لم يكن - وهي الدعوى التي أحيلت إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص وقيدت برقم 7204 لسنة 38 ق والتي صدر فيها الحكم المطعون فيه والذي كيف طلبات المدعي في الدعوى المذكورة - وبحق على أنها طلب بإلغاء القرار الصادر من وزير الأوقاف رقم 28 لسنة 1983 فيما تضمنه من وقف التعامل معه وعدم صرف أية مستحقات له وسحب قيمة خطابات الضمان البنكية المقدمة منه، وهي ذات الطلبات التي أقام بها الدعوى رقم 3855 لسنة 37 ق والتي قضى فيها بجلسة 1/ 12/ 1985 بالحكم سالف الذكر وعلى النحو والتفصيل المتقدم.
ومن حيث إنه يبين مما سلف بجلاء ووضوح أنه في الدعويين رقمي 3855 لسنة 37 ق، 7204 لسنة 38 ق هناك اتحاد في الخصوم واتحاد في المحل (الموضوع) واتحاد في السبب باعتبار أنه ينعى على القرار رقم 28 لسنة 1983 مخالفة لائحة المناقصات والمزايدات وعدم أخذ رأي مجلس الدولة ولصدوره دون سبب - وقد صدر الحكم في الدعوى رقم 3855 لسنة 37 ق بالنسبة لطلب الإلغاء بوقفها لحين الفصل في القضية رقم 6 لسنة 1983 أمن دولة عليا.
ومن حيث إن المادة 129 من قانون المرافعات المدنية والتجارية قد نصت على أنه "في غير الأحوال التي نص فيها القانون على وقف الدعوى وجوباً أو جوازاً يكون للمحكمة أن تأمر بوقفها كلما رأت تعليق حكمها في موضوعها على الفصل في مسألة أخرى يتوقف عليها الحكم".
ومن حيث إن قضاء المحكمة بوقف الدعوى إعمالاً لحكم المادة 129 من قانون المرافعات هو حكم قطعي لأنه يفصل ويقطع في طريقة سير الدعوى ويقرر عدم صلاحيتها للحكم فيها بالحالة التي هي عليها، وبهذه المثابة يكتسب حجية الشيء المحكوم به، فلا يجوز للمحكمة في دعوى أخرى منظورة أمامها تتفق في أشخاصها وموضوعها وسببها مع الدعوى التي قضت بإيقافها حتى يفصل في المسالة الأولية - لا يجوز للمحكمة - أن تقضي في الدعوى الأخرى قبل أن يتم الفصل في المسألة الأولية التي تم الوقف حتى الفصل فيها.
ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم فأنه لما كان الثابت أن المحكمة قد قضت في طلب الإلغاء في الدعوى رقم 3855 لسنة 37 ق بإيقافها لحين الفصل في القضية رقم 6 لسنة 1983 أمن دولة عليا، وكان الثابت أن هذه الدعوى تتفق مع الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه أطرافاً وموضوعاً وسبباً، فإن الحكم المطعون فيه وقد فصل في موضوع طلب الإلغاء قبل الفصل في المسألة الأولية المشار إليها إنما يكون قد خالف حجية الحكم الصادر من المحكمة في الدعوى رقم 3855 لسنة 37 ق - بوقف الدعوى لحين الفصل في القضية رقم 6 لسنة 1983 أمن دولة عليا".
ويكون والحالة هذه مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء وإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى بعد صدور حكم في القضية رقم 6 لسنة 1983 أمن دولة عليا حيث أن الدعوى رقم 3855 لسنة 37 ق ما زالت موقوفة للسبب المشار إليه حتى الآن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل مجدداً من هيئة أخرى بعد صدور الحكم في القضية رقم 6 لسنة 1983 أمن دولة عليا وأبقت الفصل في المصروفات.