مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والأربعون - (من أول أكتوبر سنة 1999 إلى آخر سبتمبر سنة 2000) - صـ 637

(67)
جلسة 25 من مارس سنة 2000

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ عبد الرحمن عثمان عزوز - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين: إسماعيل صديق راشد وفريد نزيه تناغو ومحمد عادل حسيب ويسري هاشم الشيخ - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 3118 لسنة 42 قضائية عليا

تأديب - واجبات العامل - الالتزام بالدقة والأمانة في أداء العمل - إبداء الرأي القانوني - تقديره.
يتعين على الموظف العام الالتزام بالدقة والأمانة في أداء واجباته الوظيفية في مجال ممارسة الأعمال القانونية - يتعين التمييز بين ما ينبغي على الموظف العام بيانه من وقائع الموضوع وبين الرأي القانوني الذي يبديه في هذا الموضوع - في مجال بيان الوقائع يتعين على الموظف تقرير هذه الوقائع بحالتها الحقيقية بأقصى درجات الدقة والوضوح دون أن يكون هناك محل للاختلاف أو التغيير - في مجال إبداء الرأي القانوني فإنه لا تأثيم على مسلك الموظف إذا ما هو أعمل فكره وتقديره واجتهد في الرأي الذي يبديه طالما أن هذا الرأي يمكن أن يكون من الآراء المحتملة وفق المنطق القانوني السليم حتى لو كان هذا الرأي غير راجح عند الموازنة والمقارنة والترجيح لأفضل الآراء وذلك شريطة ألا يكون هذا الرأي صادراً عن هوى وغرض يجافي الصالح العام - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 1/ 4/ 1996 أودع الأستاذ/ ........ المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/ ........ والسيد/ ........ قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 3118/ 42 ق. ع في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بطنطا الدائرة الثانية بجلسة 17/ 2/ 1996 في الدعوى رقم 68/ 24 ق المقامة من النيابة الإدارية والقاضي بمعاقبة كل من........
و........ بخصم يومين من راتب كل منهما.
وطلب الطاعنان في ختام تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعنين.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعنين مما نسب إليهما.
وحددت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 10/ 6/ 1998 والجلسات التالية لها على النحو المبين بالأوراق حيث قدم ممثل النيابة الإدارية مذكرة بدفاعه طلب فيها الحكم برفض الطعن وقررت الدائرة بجلسة 23/ 12/ 1998 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الرابعة موضوع ونظرت هذه المحكمة الطعن بجلسة 6/ 2/ 1999 والجلسات التالية على النحو المبين بالأوراق واستمعت إلى إيضاحات ذوي الشأن ثم قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى رقم 68/ 24 ق أمام المحكمة التأديبية بطنطا بتاريخ 16/ 11/ 1995 بإيداع أوراقها قلم كتاب هذه المحكمة متضمنة ملف القضية رقم 748/ 1995 نيابة إدارية شبين الكوم ثالث وتقرير اتهام ضد:
1 - ........ محقق بالشئون القانونية بمديرية الشئون الصحية بالمنوفية بالدرجة الثالثة.
2 - ........ مدير إدارة الشئون القانونية بمديرية الشئون الصحية بالمنوفية بالدرجة الأولى.
لأنهما في يومي 29/ 4/ 1995 و2/ 5/ 1995 بمديرية الشئون الصحية بالمنوفية خرجا على مقتضى الواجب الوظيفي ولم يؤديا العمل المنوط بهما بالأمانة بأن الأول بوصفه فاحص التظلم رقم 283/ 1995 الخاص بالمتظلمة السيدة/ ........ عرض مذكرة بسحب قرار مجازاتها لم يتوخ الأمانة في عرضها مما ترتب عليه إفلاتها من العقوبة والثاني وافق على مذكرة الرأي القانوني للمخالف الأول دون روية أو إشارة إلى ما تضمنته من عدم الأمانة في عرضها مما ترتب عليه موافقة المختصين عليها وإفلات المتظلمة........ من العقوبة. وطلبت النيابة الإدارية محاكمتها تأديبياً طبقاً للمواد 76، 78، 80، 82 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47/ 1978 والمادة 14 من القانون رقم 17/ 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية والمادتين 15، 19 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47/ 1972.
وبجلسة 17/ 2/ 1996 قضت المحكمة التأديبية بطنطا بمعاقبة كل من........ و....... بخصم يومين من راتب كل منهما وأقامت المحكمة قضاءها على أن المتهم الأول قام بفحص التظلم المقدم من الممرضة........ وخلص بحثه إلى قبول التظلم شكلاً وفي الموضوع بسحب القرار المتظلم منه رقم 171 الصادر في سنة 1995 بمجازاة المتظلمة بخصم عشرة أيام من راتبها واستند المتهم الأول في مذكرته التي أعدها إلى أن الطبيب........ والحكيمة........ والطالبة........ يشاهدوا بأنفسهم المخالفة المنسوبة إلى المتظلمة....... ولكن أبلغوا بها من قبل بعض المواطنات والعاملات بالرعاية أي أن علمهم كان بطريق الأخبار والرواية عن آخرين وليس بطريق المشاهدة الفعلية من جانبهم وأضاف المتهم الأول في مذكرته بأن ما قررته السيدة/ ........ والعاملة........ أن هناك وقائع أخرى حدثت أمامها منذ سبعة أشهر قول مردود عليه بأنه لم يتم إبلاغ المسئولين في حينه وخلص المتهم الأول من فحص التظلم إلى أنه لم تتوافر الأدلة الكافية لإدانة المتظلمة الأمر الذي يجعل القرار المتظلم منه الصادر بمجازاتها فاقداً لركن السبب وعلى ذلك فإنه يرى سحب القرار المشار إليه.
وأضافت المحكمة التأديبية في حكمها إلى أن الرأي الذي خلص إليه المتهم الأول وأيده فيه المتهم الثاني لا يعد مستخلصاً استخلاصاً سائغاً من الأوراق ذلك أن السبب الذي قام عليه القرار المتظلم منه تأيد بأقوال الشهود الذين سمعت أقوالهم وبذلك يكون المتهم الأول قد شاب رأيه الميل والهوى وأيده في ذلك الرأي المتهم الثاني مما تكون معه المخالفة المنسوبة إليهما ثابتة في حقهما.
ومن ثم انتهت المحكمة التأديبية إلى إصدار حكمها المتقدم.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أن الرأي القانوني الذي أبداه الطاعن الأول وأيده فيه الطاعن الثاني لا يصح أن يكون محلاً للمساءلة طالما أنه صدر نتيجة للاجتهاد في الرأي وأوضح أوجه القصور التي شابت الأدلة التي استند إليها قرار مجازاة المتظلمة ولم يصدر هذا الرأي عن ميل أو هوى ومن ثم انتهى الطاعنان إلى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وبراءتهما مما نسب إليهما.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن الأول عضو إدارة الشئون القانونية بمديرية الشئون الصحية بمحافظة المنوفية قام بفحص التظلم المقدم من السيدة/ ........ واستعرض في مذكرته لكافة وقائع الموضوع وأقوال الشهود واستعرض الأدلة وما يقودها من أوجه الضعف وخاصة تأخر الشاهدتين السيدة/ ........ و........ في الإبلاغ عن المخالفات المنسوبة إلى المتظلمة لمدة سبعة أشهر وهو ما يشكك في صحتها وينال من مصداقية الشاهدتين وأن باقي الشهود علموا بالمخالفات المنسوبة إلى المتظلمة بطريق الرواية عن آخرين وليس بطريق المشاهدة الفعلية بأنفسهم وهو أيضاً ما يضعف من قوة هذه الشهادة ضد المتظلمة وانتهى الطاعن الأول في مذكرته إلى عدم توافر الأدلة الكافية لإدانة المتظلمة ومن ثم اقترح سحب قرار الجزاء الصادر ضدها وقد وافق الطاعن الثاني مدير إدارة الشئون القانونية على رأي الطاعن الأول وانتهت الجهة الإدارية الرئاسية إلى الموافقة أيضاً على هذا الرأي وقررت سحب قرار الجزاء.
ومن حيث إنه من المقرر أن الدقة والأمانة التي يتعين على الموظف العام الالتزام بها في أداء واجباته الوظيفية في ممارسة الأعمال القانونية يتعين التمييز الواضح بين ما ينبغي على الموظف العام بيانه من وقائع الموضوع وبين الرأي القانوني الذي يبديه في هذا الموضوع ففي مجال بيان الوقائع يتعين على الموظف تقرير هذه الوقائع بحالتها الحقيقية وبأقصى درجات الدقة والوضوح دون أن يكون هناك محلاً للاختلاف أو التغيير أما في مجال إبداء الرأي القانوني فإنه لا تأثيم على مسلك الموظف إذا ما هو أعمل فكره وتقديره واجتهد في الرأي الذي يبديه طالما أن هذا الرأي يمكن أن يكون من الآراء المحتملة وفق المنطق القانوني السليم حتى لو كان هذا الرأي غير راجح عند الموازنة والمقارنة والترجيح لأفضل الآراء وذلك شريطة ألا يكون هذا الرأي صادراً عن هوى وغرض يجافي الصالح العام.
ومن حيث إنه في خصوصية الواقعة الماثلة فإن الثابت من الأوراق أن الطاعن الأول الذي قام بفحص التظلم وأعد الرأي القانوني بسحب الجزاء الإداري المتظلم منه قد استعرض في مذكرته وقائع الموضوع بدقة وأمانة ثم أشار إلى ما اعتور هذه الأدلة من أوجه الضعف والقصور وانتهى بعد اجتهاده إلى أنه يرى سحب الجزاء المتظلم منه فلا تأثيم عليه فيما أبداه من رأي قانوني طالما أن هذا الرأي من الآراء المحتملة المنطق القانوني السليم وذلك بغض النظر عن كون هذا الرأي هو الرأي الصحيح من عدمه ومن حيث إن الأوراق والتحقيقات خلت من أي دليل على أن هذا الرأي صدر عن هوى أو غرض مخالف للصالح العام فإنه لا تقوم المسئولية التأديبية للطاعن الأول عضو الإدارة القانونية في هذا الشأن كما أنه لا محل لتأثيم مسلك الطاعن الثاني مدير الإدارة القانونية لموافقته على هذا الرأي ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى إدانة الطاعنين في هذا الشأن فإنه يكون مخالفاً لصحيح حكم القانون وخليقاً بالإلغاء ويتعين القضاء ببراءة الطاعنين مما هو منسوب إليهما في هذا الشأن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وببراءة الطاعنين مما هو منسوب إليهما.