مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الواحدة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1995 إلى آخر مارس سنة 1996) - صـ 11

(2)
جلسة 21 من أكتوبر سنة 1995

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ محمد جودت أحمد الملط - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: عويس عبد الوهاب عويس، والسيد محمد العوضي، ومحمود سامي الجوادي، ومحمود إسماعيل رسلان - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 622 لسنة 35 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - تسكين العامل - طبيعة قرار التسكين.
التسكين بالنسبة للعامل هو وضعة في المكان المناسب الذي يتفق مع خبراته ومؤهلاته - يؤثر التسكين بهذا المعنى في الوضع الوظيفي للعامل من حيث تحديد الوظيفة ودرجتها وأقدمية العامل فيها - قرارات التسكين هي قرارات إدارية منشئة لمراكز قانونية ذاتية لا يجوز سحبها إلا في المواعيد المقررة للطعن بالإلغاء فمن ثم فإنها تتحصن بفوات هذه المواعيد ما دام أن ما شابها من عوار لا يهوى بها إلى درك الانعدام - أساس ذلك - عدم زعزعة المراكز القانونية الذاتية المستقرة التي اكتسبها أربابها بمقتضى هذه القرارات - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 1/ 2/ 1989 أودع الأستاذ/....
المحامي بصفته وكيلاً عن السيدة/.... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد برقم 622 لسنة 35 ق عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 5/ 12/ 1988
في الدعوى رقم 2601/ 38 ق والقاضي بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وإلزام المدعية المصروفات، وانتهت الطاعنة في عريضة طعنها - ولما أوردته من أسباب - إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بإلغاء القرار المطعون عليه رقم 147 الصادر بتاريخ 13/ 10/ 1980 فيما تضمنه من تسكين الطاعنة في وظيفة باحث علاقات دولية ثان بالمجموعة النوعية لوظائف الإعلام والحكم بإعادة تسكينها بمجموعة وظائف التنمية الإدارية بالمركز القومي لدراسات الأمن الصناعي مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات والأتعاب.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار المطعون فيه رقم 147 الصادر في 13/ 10/ 1980 فيما تضمنه من تسكين الطاعنة في وظيفة باحث علاقات دولية ثاني بالمجموعة النوعية لوظائف الإعلام مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 9/ 1/ 1995 وبجلسة 1/ 5/ 1995 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثانية - لنظره بجلسة 27/ 5/ 1995 المسائية وفيها نظر وما تلاها من جلسات وبجلسة 15/ 7/ 1995 قررت المحكمة حجز الطعن بالحكم بجلسة 26/ 8/ 1995 حيث مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 2601 لسنة 38 ق أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعت بتاريخ 28/ 2/ 1984 طالبة الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من المركز برقم 147 بتاريخ 13/ 10/ 1980 فيما تضمنه من تسكينها في وظيفة باحث علاقات دولية ثان بالمجموعة النوعية لوظائف الإعلام وإعادة تسكينها بمجموعة وظائف التنمية الإدارية بالمركز مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليهم بالمصروفات والأتعاب، وقالت المدعية شرحاً لدعواها أنها التحقت بالمركز في وظيفة بمجموعة التنمية الإدارية منذ عام 1973 وذلك استمراراً لطبيعة الأعمال التي زاولتها منذ تخرجها عام 1963 بعد حصولها على بكالوريوس التجارة وأنها مارست وظيفة رئيس قسم الميزانية بالمركز والإشراف على أعمال الشئون المالية ثم حصلت على أجازة وإعارة في المدة من 15/ 7/ 1978 حتى عادت واستلمت العمل في 1/ 11/ 1983 حيث تبين لها أنه صدر القرار المطعون عليه بإلحاقها بإدارة العلاقات الدولية بمجموعة الإعلام والتي تختلف عن مجموعة التنمية الإدارية التي كانت مسكنة عليها قبل إعارتها فتقدمت بتظلم لمدير المركز بتاريخ 1/ 11/ 1983 غير أنها لم تتلق رداً، وأضافت أن القرار المطعون عليه صدر مشوباً بالتعسف وسوءً استعمال السلطة.
ورداً على دعوى المدعية أودعت جهة الإدارة المدعى عليها مذكرة بدفاعها أوردت فيها أنه صدر القرار رقم 210 في 31/ 12/ 1979 بنقل المدعية وزملاء لها إلى إدارة المكتب الفني علاقات دولية ثم صدر القرار رقم 147 لسنة 1980 متضمناً تسكينها في ذات المجموعة النوعية التي نقلت إليها بالقرار السابق الذي لم تتظلم منه وأن كلاً من قرار إعارتها للعمل بفندق السلام رقم 99 لسنة 1981 وقرار منحها أجازة بدون مرتب رقم 178 لسنة 1981 قد ذكر فيهما أنها تعمل باحث ثان علاقات دولية بمجموعة الإعلام وكذلك تصريحي السفر رقم 830713 ورقم 830789 الموقع منها باستلامهما ورد بهما أن وظيفتها باحث علاقات دولية وهي الوظيفة المسكنة عليها والتي تتوافر فيها شروط شغلها.
وبجلسة 5/ 12/ 1988 قضت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وإلزام المدعية المصروفات وشيدت المحكمة قضاءها بقبول الدعوى شكلاً على أن قرار التسكين بالنسبة للمدعية يكون في حكم التسويات التي يستمد الموظف حقه فيها من القانون مباشرة وبالتالي لا يتقيد الطعن على ذلك التسكين بميعاد الستين يوماً المقررة لقبول دعاوى الإلغاء، وعلى ذلك فإنه بغض النظر عن علم المدعية أو عدم علمها بقرار التسكين قبل تاريخ استلام عملها في 1/ 11/ 1983 أو تظلمها من هذا القرار من عدمه فإن الدعوى تعد مرفوعة في الميعاد القانوني، وبالنسبة لموضوع الدعوى فقد أقامت المحكمة قضاءها على أن قرار تسكينها قد سبقه القرار رقم 210 لسنة 1979 متضمناً نقلها إلى الوظيفة التي سكنت عليها بعد ذلك ولما كانت المدعية لم تطعن على هذا القرار الذي استقر به مركزها القانوني في تلك الوظيفة قبل التسكين عليها وبالتالي فإن قرار تسكينها رقم 147 في 13/ 10/ 1980 والذي اعتد بتلك الوظيفة والمجموعة النوعية التي تتبعها قد قام على سند صحيح من الواقع والقانون ومن ثم فإن طعن المدعية على القرار فاقد لسنده الصحيح.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن المحكمة قد أخطأت في تحصيل الوقائع وتطبيق القانون ذلك أن القرار 210 بتاريخ 31/ 12/ 1979 المتضمن نقل الطاعنة إلى الوظيفة التي سكنت عليها لم تعلن به الطاعنة ولم تعلم به وهو قرار مخالف للمادة 59 من القانون رقم 147 لسنة 1978 وأن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه أن الطاعنة علمت علماً يقينياً بتغيير وظيفتها إلى مجموعة أخرى مما سلم إليها من أوراق بالتصريح بالسفر هو خطأ في تطبيق القانون لأن العلم اليقيني يقتضي معرفة الطاعنة بكل ما يجب معرفته وتصاريح السفر ليست معدة أساساً لإخطار صاحب الشأن بمؤدى القرار، وأضاف تقرير الطعن أن قرار نقل الطاعنة رقم 210 لسنة 1979 هو قرار مشوب بالبطلان لا تملك جهة الإدارة إصداره في ظل الأوضاع القانونية للطاعنة فضلاً عن كونه قراراً خالياً من المضمون لأن الطاعنة كانت وقت إصداره في إعارة ثم أجازة بدون مرتب ومخالفاً لقرار رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم 134 لسنة 1980 بشأن معايير ترتيب الوظائف للعاملين المدنيين بالدولة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تسكين العاملين وفقاً للقواعد المقررة باعتباره وضع العامل المناسب في المكان المناسب الذي يتفق مع خبراته ومؤهلاته من شأنه أن يؤثر في الوضع الوظيفي للعامل ومن ثم فإن قرارات التسكين تعتبر فيما تتضمنه من تحديد الوظيفة ودرجتها وأقدمية العامل فيها قرارات إدارية منشئة لمراكز قانونية ذاتية لا يجوز سحبها إلا في المواعيد المقررة للطعن بالإلغاء ومن ثم فإنها تتحصن بفوات هذه المواعيد طالما أن ما شابها من عوار لا يهوى بها إلى درك الانعدام على وجه يفقدها صفة القرار الإداري ويحيلها إلى مجرد أعمال مادية لا تتمتع بشيء من الحصانة للقرارات الإدارية ومن ذلك أن يبلغ العيب الذي يلحق بالقرار درجة كبيرة من الجسامة ومرد ذلك الحرص على زعزعة المراكز القانونية الذاتية المستقرة التي اكتسبها أربابها بمقتضى تلك القرارات.
ومن حيث إن المادة 24 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن "ميعاد رفع الدعوى أمام المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح العامة أو إعلان صاحب الشأن به. وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية ويجب أن يبت في التظلم قبل مضي ستين يوماً من تاريخ تقديمه. وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسبباً ويعتبر مضي ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه - ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة".
ومن حيث إن المستفاد من هذا النص وعلى ما جرت عليه هذه المحكمة أن ميعاد الطعن بالإلغاء على القرارات الإدارية الفردية يسري من تاريخ علم أصحاب الشأن بها إما بإعلانهم أو بعلمهم بها علماً يقينياً كاملاً لا ظنياً افتراضياً، وهذا العلم اليقيني الشامل يثبت من أي واقعة أو قرينة تفيد حصوله دون التقيد في ذلك بوسيلة إثبات معينة، وللقضاء التحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة وتقدير الأثر الذي يمكن ترتيبه عليها من حيث كفاية العلم أو قصوره حسبما تستبينه المحكمة من أوراق الدعوى وظروف الحال، وينقطع ميعاد الطعن بالإلغاء بالتظلم الأول المقدم من صاحب الشأن من القرار خلال ستين يوماً من تاريخ علمه به إلى الجهة الإدارية مصدرة القرار أو الهيئات الرئاسية لها ويبدأ ميعاد الطعن بالإلغاء من تاريخ إخطار صاحب الشأن برفض تظلمه أو من تاريخ الرفض الضمني المستفاد من مرور ستين يوماً من تقديم التظلم دون البت فيه أي التاريخين أسبق.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه صدر القرار رقم 99 لسنة 1981 بإعارة الطاعنة إلى فندق السلام وتضمن أنها تعمل باحث علاقات دولية بمجموعة الإعلام كما أن القرار رقم 178 الصادر بتاريخ 28/ 12/ 1981 بمنح الطاعنة أجازة خاصة بدون مرتب قد تضمن في منطوقه أن الطاعنة تعمل بوظيفة باحث ثان من الدرجة الثانية بالمجموعة النوعية لوظائف الإعلام وقد تسلمت الطاعنة تصريح السفر رقم 830713 الذي تضمن وظيفتها باحثة علاقات دولية وتصريح السفر رقم 830789 الوارد به نفس الوظيفة فإن هذه الوقائع تقيم قرينة على علم الطاعنة علماً يقينياً بقرار تسكينها منذ عام 1982 وإذ لم تتظلم الطاعنة من هذا إلا في 1/ 11/ 1983 ثم أقامت دعواها في 28/ 2/ 1984 فإنها لا تكون قد راعت الإجراءات والمواعيد المقررة في قانون مجلس الدولة بشأن دعاوى الإلغاء.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه لم يذهب هذا المذهب وقضى بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً فإنه يكون غير قائم على أساس سليم من القانون مما يتعين معه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم قبول الدعوى شكلاً وإلزام الطاعنة المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى شكلاً وألزمت الطاعنة المصروفات.