مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الواحدة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1995 إلى آخر مارس سنة 1996) - صـ 29

(5)
جلسة 11 من نوفمبر سنة 1995

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعت - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: منصور حسن علي عربي، وأبو بكر محمد رضوان، وعبد القادر علي شحاتة النشار، وغبريال جاد عبد الملاك - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2222 لسنة 40 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - مسئولية العامل إدارياً - مناط مسئولية الرئيس الإداري المباشر.
التزام الرئيس الإداري بمتابعة أعمال معاونيه وإن كان يقتضى مراقبة ما يقوم به كل منهم من إنجاز، إلا إنه لا يتطلب أن يعمل على الإحاطة بكل دقائق العمل اليومي لكل منهم خاصة إذا كان له إشراف عام على أعمال فنية تستغرق الجانب الأكبر من اهتمامه بما يستوجب ترك العمل المالي والإداري للمسئولين عنه يمارسونه في حدود القواعد التنظيمية المقررة وتحت مسئولية كل منهم، وفي ضوء الظروف والملابسات لكل واقعة على حدة - أساس ذلك - أنه إذا كان المشرع السمائي لا يكلف نفساً إلا وسعها، فإن المشرع الوضعي لا يحمل العامل بما يخرج عن حدود إمكانياته وطاقاته في ضوء ظروف العمل واعتباراته. تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 27/ 4/ 1994 أودع الأستاذ/.... المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2222 لسنة 40 ق. عليا في القرار الصادر من مجلس تأديب العاملين بجامعة عين شمس بجلسة 21/ 9/ 1993 في الدعوى التأديبية رقم 307 لسنة 1992 المقامة من رئيس جامعة عين شمس ضد الطاعن وآخرين والذي قضى بمجازاة الطاعن بالخصم من أجره لمدة شهر.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده في 14/ 5/ 1994.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم:
أولاً: بصفة أصلية بعدم قبول الطعن شكلاً لرفعه بعد الميعاد القانوني.
ثانياً: بصفة احتياطية بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعن/.... بالخصم من أجرة لمدة شهر وبراءته مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 8/ 3/ 1995 وتدوول بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر قدم خلالها كل من الطاعن والمطعون ضده مذكرة بدفاعه، وقررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لنظره أمام الدائرة الرابعة جلسة 20/ 5/ 1995، وتم نظر الطعن بهذه الجلسة والجلسات التالية على النحو الثابت بالمحاضر، وقررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 11/ 11/ 1995 وبها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن قرار مجلس التأديب المطعون فيه قد صدر بتاريخ 21/ 9/ 1993 وتقدم الطاعن يطلب إعفاءه من رسوم الطعن بتاريخ 4/ 11/ 1993 وتقرر قبول الطلب بتاريخ 26/ 2/ 1994 وإذ أقام طعنه أمام هذه المحكمة بتقرير أودع قلم كتابها بتاريخ 27/ 4/ 1994، فمن ثم يكون الطعن قد أقيم بمراعاة المواعيد القانونية، كما أنه قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية ويتعين قبوله شكلاً.
ومن حيث إن وقائع الموضوع تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 21/ 12/ 1992 صدر قرار الأستاذ الدكتور رئيس جامعة عين شمس رقم 422 لسنة 1992 بإحالة كل من:
1 - ....، أمين مخزن بمستشفى عين شمس التخصصي - درجة ثانية.
2 - ....، رئيس قسم المخازن بمستشفى عين شمس التخصصي - درجة أولى.
3 - ....، مراجع حسابات بمستشفى عين شمس التخصصي - درجة ثالثة.
4 - ...، أخصائي شئون مالية بمستشفى عين شمس التخصصي، درجة أولى.
5 - ....، مراجع حسابات بمستشفى عين شمس التخصصي، درجة ثالثة.
6 - .... (الطاعن) مدير عام الشئون المالية بمستشفى عين شمس التخصصي ندباً درجة أولى.
إلى مجلس تأديب العاملين بجامعة عين شمس لأنهم خلال الفترة من 1/ 1/ 1987 حتى 31/ 12/ 1988 بدائرة عملهم لن يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة ولم يحافظوا على ممتلكات الجهة التي يعملون بها وخالفوا القوانين واللوائح، وارتكبوا ما من شأنه المساس بمصلحة مالية للدولة بأن:
الأول والثاني:
1 - قاما بإضافة وصرف بونات التغذية على أنها مطبوعات وليست دفاتر ذات قيمة بالمخالفة لأحكام لائحة المخازن.
2 - صرف بونات التغذية دون كعوب البونات السابق صرفها مما ترتب عليه تكرار طبع البونات بمعرفة..... أمين العهدة - وبيعها وعدم توريد قيمتها لخزينة المستشفى واختلاسه مبلغ 68237.450 جنيهاً.
الثالث والرابع:
أهملا مراجعة الكشوف المقدمة إليهما لبيان مدى مطابقة ما يتم توريده مع ما تم صرفه من بونات تغذية مما سهل للمدعو/....
أمين العهدة اختلاسه المبلغ سالف الذكر قيمة بونات التغذية على النحو الموضح تفصيلاً بالأوراق.
الخامس والسادس:
أهملا الإشراف والرقابة على الأعمال المالية بالمستشفى مما أدى إلى ارتكاب المخالفات المالية محل التحقيق وقيام..... باختلاس المبلغ سالف الذكر من قيمة بونات التغذية.
وقد سبق إجراء تحقيق في هذا الشأن بمعرفة النيابة الإدارية في القضية رقم 199 لسنة 1989 "تعليم عالي" وانتهت فيه إلى إحالة المتهمين سالفي الذكر إلى مجلس التأديب لمساءلتهم تأديبياً لما هو منسوب إلى كل منهم.
وبجلسة 21/ 9/ 1993 قرر مجلس التأديب مجازاة المحال الأول..... بالخصم من أجره لمدة خمسة عشر يوماً، وبمجازاة باقي المحالين ومنهم الطاعن بخصم أجر شهر من راتب كل منهم، وأقام مجلس التأديب قراره بالنسبة للمحال السادس (الطاعن) على أساس أنه والخامس باعتبارهما المنوط بهما الإشراف والمتابعة ورقابة أعمال الشئون المالية بالمستشفى لم يتخذا أي إجراء نحو إحكام الرقابة على عملية صرف وتوريد بونات التغذية بالمستشفى بحكم موقعهما الرئيسي وكان يتعين عليهما وضع النظام الرقابي الذي يربط ما بين صرف البونات وتوريدها ومراجعتها حسابياً عقب ذلك رغم أن كلاً منهما كان يوقع على تلك البونات.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن القرار المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه فساد في تحصيل الواقعات وأخطأ في تكييفها، فقد ذهب القرار المطعون فيه إلى أن التنظيم المالي للمستشفى خلا من نظام يكفل ضبط وإحكام الرقابة على عملية صرف بونات التغذية وأن الطاعن لم يبادر إلى وضع هذا النظام، في حين أن الثابت أن المستشفى تطبق القوانين واللوائح المالية الحكومة والأحكام الواردة بها كافية وكفيلة لإحكام الرقابة على الصرف والتحصيل المالي والرقابة الحسابية على هذه العمليات وهو ما أقره الدكتور/ نبيل المهدي مدير المستشفى والسيد/ الفونس إبراهيم مدير عام الشئون المالية بتحقيقات النيابة الإدارية، كما أن المستشفى تخضع للرقابة المالية السابقة على الصرف والرقابة الحسابية من جانب وزارة المالية التي لها مندوبون مقيمون بالمستشفى، كما تخضع للرقابة الدقيقة للجهاز المركزي للمحاسبات، ولا يوجد أي نقص في اللوائح ولا حاجة لإنشاء نظام جديد للرقابة الحسابية والدورة المستندية، وعلى ذلك فلا يوجد ثمة تقاعس في حق الطاعن.
ويكون القرار المطعون فيه فاقداً لركن السبب مما يجعله حقيقاً بالإلغاء، فضلاً عن أن القرار قد ساءل الطاعن عن أخطاء العاملين المختصين بالإدارات التابعة له على خلاف المستقر عليه في قضاء المحكمة من أنه لا يسوغ مساءلة شاغلي الوظيفة الإشرافية إلا عن الأخطاء الشخصية التي ارتكبها أثناء القيام بواجبات وظيفته الإشرافية, ولا يمكن مساءلته عما يفرط من العاملين التنفيذيين بالوحدات والأقسام والإدارات الواقعة تحت رئاسته، ومقتضى ذلك أنه إذا وقع الخطأ أو الإهمال أو التقصير من أي من العاملين بإدارة المخازن أو بإدارة المراجعة في صرف بونات التغذية واسترداد قيمتها فإن وزره يقع على كاهل من ارتكبه وعلى عاتق رؤسائه المباشرين حسب تدرجهم.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن التزام الرئيس الإداري بمتابعة أعمال معاونيه وإن كان يقتضي مراقبة ما يقوم به كل منهم من إنجاز إلا أنه لا يتطلب أن يعمل على الإحاطة بكل دقائق العمل اليومي لكل منهم خاصة إذا كان له إشراف عام على أعمال فنية تستغرق الجانب الأكبر من اهتمامه بما كان يستوجب ترك العمل المالي والإداري للمسئولين عنه يمارسونه في حدود القواعد التنظيمية المقررة وتحت مسئولية كل منهم في ظل الإطار العام في حدود ما هو ممكن عنه في مثل موقفه الوظيفي وفي ضوء الظروف والملابسات لكل واقعة على حدة والقاعدة في ذلك أنه إذا كان المشرع السمائي لا يكلف نفساً إلا وسعها، فإن المشرع الوضعي لا يحمل العامل بما يخرج عن حدود إمكانياته وطاقاته في ضوء ظروف العمل واعتباراته.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن كان يشغل وقت وقوع المخالفة وظيفة مدير عام الشئون المالية بمستشفى عين شمس التخصصي عن طريق الندب، وأن اختصاصات الوظيفة تدور حول الإشراف والرقابة المالية بالمستشفى بصفة عامة، وأن ما قام به المتهم الأول والثاني من إضافة وصرف بونات التغذية على أنها مطبوعات وليست دفاتر ذات قيمة وصرف بونات التغذية دون كعوب البونات السابق صرفها مما ترتب عليه تكرار طبع البونات بمعرفة..... أمين العهدة وبيعها وعدم توريد قيمتها لخزينة المستشفى واختلاسه مبلغ 68237.450 جنيهاً، تجعل المسئولية عن هذه المخالفة مسئولية شخصية، وأن أعمال المتهمين الأول والثاني تخضع لرقابة المتهمين الثالث والرابع المنوط بهما مراجعة الكشوف المقدمة إليهما لبيان مدى مطابقة ما يتم توريده مع ما تم صرفه من بونات تغذية، ولا تنصرف هذه المسئولية إلى الطاعن باعتبار أن وظيفته هي وظيفة إشرافية عامة على مرؤوسيه ولن يحل نفسه محلهم في تفاصيل عملهم ودقائقه، وليس مطلوباً منه إعادة مراجعة ما قاموا بمراجعته إذ يكفيه فقط التأكد من قيام مرؤوسيه المتهم الثالث والرابع بمراجعة أعمال المتهمين الأول والثاني دون أن يحل نفسه محلهما في تفاصيل ودقائق هذه المراقبة.
ومن حيث إن التنظيم المالي للمستشفى يسير وفق القوانين واللوائح المطبقة على سائر المستشفيات الحكومية، ولم يكن مطلوباً من الطاعن عمل تنظيم خاص خلافاً للقواعد السارية.
ومن حيث إن الأوراق قد أجدبت مما يفيد علم الطاعن أو مشاركته فيما حدث من مخالفات فمن ثم تنتفي مسئوليته عن الوقائع والمخالفات التي حدثت والتي تقع على كاهل المتهمين الخمس الأوائل فقط وإذ لم يذهب القرار المطعون فيه هذا المذهب، وانتهى إلى مجازاة الطاعن مع باقي المحالين فإنه يكون قد قام على غير سند صحيح من الوقائع والقوانين حقيقاً بالإلغاء فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بخصم شهر من أجره.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن...... بالخصم من أجره لمدة شهر وببراءته مما نسب إليه مع ما يترتب على ذلك من آثار.