مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الواحدة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1995 إلى آخر مارس سنة 1996) - صـ 153

(20)
جلسة 19 من ديسمبر سنة 1995

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا حنا - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: فاروق علي عبد القادر، وعلي فكري حسن صالح، و. د. حمدي محمد أمين، ومحمد إبراهيم قشطه - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1711 لسنة 40 القضائية

( أ ) الدعوى التأديبية - اتصال المحكمة بالدعوى - أثره.
متى اتصلت الدعوى التأديبية بالمحكمة المختصة تعين عليها الاستمرار في نظرها والفصل فيها - لا تملك جهة الإدارة أثناء نظر الدعوى اتخاذ أي قرار في موضوعها من شأنه أن يسلب ولاية المحكمة التأديبية في محاكمة المخالف المحال إليها - إذا تصرفت جهة الإدارة تصرفاً من هذا القبيل فإنه يمثل عدواناً على اختصاص المحكمة التأديبية وغصباً لسلطتها - يتعين على المحكمة أن لا تعتد بهذه التصرفات وأن تسقط كل أثر لها من حسابها - مثال - قيام جهة الإدارة بتوقيع العقوبة على المخالف عن التهم المقدم بها إلى المحكمة التأديبية أو التنازل عن محاكمة الموظف. تطبيق.
(ب) عاملون بالقطاع العام - إنهاء الخدمة - الحكم على العامل بعقوبة جنائية.
المادة (96) من القانون 48 لسنة 1978 بشأن نظام العاملين بالقطاع العام.
في حالة الحكم على العامل بعقوبة جنائية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة فإن ذلك لا يؤدي إلى إنهاء خدمته وإنما يتعين أن تصدر لجنة شئون العاملين قراراً مسبباًً بذلك تبين فيه ما استخلصته من وقائع وأسباب الحكم وظروف الواقعة أن ما نسب إليه جنائياً وقضى بإدانته فيه يتعارض مع بقاؤه بالوظيفة - هذا الاختصاص لا يحجب الاختصاص التأديبي لجهة الإدارة متى تحققت من أن ما نسب إلى العامل ينطوي على المساس بوظيفته وإخلالاًً بكرامتها أو لا يستقيم مع ما تفرضه عليه من استقامة من مجازاته تأديبياًً أو إحالته إلى المحكمة التأديبية - على أن اختيار الإدارة أحد السبيلين هو عمل من صميم اختصاصها ولا معقب عليه من جهات القضاء. تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 26/ 3/ 1994 أودع الأستاذ/..... المحامي المقبول أمام المحكمة الإدارية العليا نيابة عن الأستاذ/... المحامي المقبول أمام المحكمة الإدارية العليا والوكيل عن الطاعن بالتوكيل رقم 633 لسنة 1994 عام توثيق المنصورة النموذجي - قلم كتاب المحكمة تقرير الطعن رقم 1711 لسنة 40 ق ضد هيئة النيابة الإدارية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة التربية والتعليم بجلسة 14/ 2/ 1994 في الدعوى التأديبية رقم 404 لسنة 34 ق المقام من الهيئة المطعون ضدها ضد الطاعن والذي قضى بمعاقبة المحال بالفصل من الخدمة وبختام تقرير الطعن يطلب الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة وقف تنفيذ الحكم المطعون عليه حتى يفصل في الطعن وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون عليه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد أعلن تقرير الطعن للنيابة الإدارية بتاريخ 4/ 4/ 1994.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون حيث قدم الطاعن مذكرة أوري بها أن الجهة التي كان يعمل بها تترخص في اتخاذ أحد إجرائين حيال ما نسب إليه: أولاً: إنهاء خدمته عن طريق العرض على لجنة شئون العاملين. ثانياً: اتخاذ إجراءات تأديبية وذلك بصدور حكم بفصله تأديبياً ومن ثم فإن تلك الجهة إذا ما سلكت الطريق الثاني فإنها تكون قد قصدت حكم بفصله تأديبياً حتى لا يلتحق بعمل آخر في الحكومة والقطاع العام ومن ثم تلك الجهة تكون قد قصدت الانتقام منه وانحرفت في استعمال السلطة ويستطرد الطاعن في مذكرته أن البنك الذي كان يعمل به وقد أصدر قراراً بإيقافه عن العمل لمدة ثلاثة أشهر مع أنه لم يكن محالاً للتحقيق حيث كان قد أفرج عنه بعد قضاء مدة العقوبة الجنائية فإنه يكون قد أصدر قراراً بمجازاته تأديبياً عما هو منسوب إليه وبالتالي تكون إدارة البنك قد اتجهت نيتها إلى عدم إنهاء خدمته خاصة وأن هذا الإجراء قد اتخذ بعد إحالته إلى المحكمة التأديبية هذا فضلاً عن أن الحكم المطعون عليه وقد قضى بمجازاته بأقصى عقوبة تأديبية فإنه لا يكون متناسباً مع ما هو منسوب إليه بحسبان الجريمة التي قضى جنائياً بمعاقبته عنها لا يكشف عن نفس شريرة إذ أن الأمر أخذ صورة مشاجرة أدت إلى وفاة المجني عليهما وفي ختام مذكرته يتمسك بطلباته الواردة - بتقرير الطعن - وقدمت هيئة النيابة الإدارية مذكرة طلبت فيها الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً نظراً لأن الحكم المطعون عليه قد استخلص النتيجة التي انتهى إليها من عيون الأوراق وقضى بمعاقبة الطاعن بالعقوبة المناسبة وبجلسة 19/ 7/ 1995 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 24/ 10/ 1995 وأحيل الطعن إلى المحكمة ونظر بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها وقررت المحكمة النطق بالحكم بجلسة اليوم وقد صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة حسبما هو ثابت بالأوراق تخلص في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية رقم 404 لسنة 34 ق أمام المحكمة التأديبية للعاملين بالتربية والتعليم وذلك بإيداع تقرير باتهام/..... (الطاعن) الشاغل لوظيفة كاتب أول بإدارة شئون العاملين ببنك مصر لأنه بتاريخ 15/ 5/ 1988 خرج على مقتضى الواجب الوظيفي وسلك مسلكاً معيباً لا يتفق والاحترام الواجب بأن ضرب كل من 1 - ..... 2 - ..... بما ألحق بهما الإصابات الموضحة بالحكم الجنائي المرفق وفاضت روحهما إلى بارئها نتيجة لذلك ومن ثم فإنه يكون قد ارتكب المخالفة الإدارية المنصوص عليها بالمادتين 19 ح، 21 ب من قانون البنك المركزي رقم 120 لسنة 1975 ومن ثم فإن النيابة الإدارية تطلب محاكمته تأديبياً طبقاً للمادتين المشار إليهما والمادتين 35، 93 من لائحة جزاءات بنك مصر وبأحكام لائحة العاملين ببنك مصر.
وبجلسة 14/ 2/ 1994 حكمت المحكمة التأديبية بمعاقبة المحال..... بالفصل من الخدمة وأقامت المحكمة التأديبية قضاءها على أن الثابت بالأوراق أن المحال قد ارتكب المخالفة المنسوبة إليه وذلك طبقاً للحكم الجنائي الذي قضى بمعاقبته بالسجن لمدة سبع سنوات ومن ثم فإنه يكون قد تردى إلى سلوك إجرامي خطير يتمثل في طعن المجني عليهما بمطواة (وهي أداة يستعملها عتاة المجرمين) بما أدى إلى وفاتهما الأمر الذي يكشف عن نفس وحشية وشريرة وقسوة وغلظة في طبعه بما يتعين معاقبته بالعقوبة التأديبية المناسبة لما ثبت في حقه طبقاً لأحكام لائحة الجزاءات المعمول بها ببنك مصر والتي تقضي بمعاقبة العامل الذي يصدر ضده حكم جنائي بعقوبة الفصل.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون عليه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله والفساد في الاستدلال فضلاً عن كونه مشوباً بالغلو حيث إن الجزاء المقضي به لا يتناسب مع المخالفة المنسوبة إليه وذلك تأسيساً على أن حقيقة ما نسب إليه حسبما انتهت إليه المحكمة الجنائية أنه مجرد تشاجر خارج مقر العمل ونعى سببه ومن ثم فإنه كان على إدارة البنك تطبيق حكم المادة (96) من القانون 48 لسنة 1978 بشأن نظام العاملين بالقطاع العام والتي تقضي بعدم إنهاء خدمة العامل الذي يصدر ضده بعقوبة جنائية لأول مرة ما لم تقرر لجنة شئون العاملين بقرار مسبب منها ومن واقع أسباب الحكم أن ظروف الواقعة يتعارض مع مقتضيات الوظيفة وهو ما كان يتعين عرض أمره على لجنة شئون العاملين لممارسة اختصاصها خاصة وأن إنهاء خدمته لا يحول دون إعادة تعيينه على خلاف الفصل التأديبي الذي يحول دون إعادة تعيينه وبالتالي يكون إحالته إلى المحكمة التأديبية مخالفاً للقانون هذا فضلاً على أن الحكم المطعون عليه جاء مشوباً بالغلو حيث قضى بتوقيع أقصى عقوبة وهي الفصل مع أن الواقعة التي نسبت إليه هي مشاجرة وقعت خارج نطاق العمل وأن وفاة المجني عليهما كان بسبب عدم تواجد أطباء بالمستشفى نظراً لأن المشاجرة حدثت يوم 29 رمضان وقبل الإفطار بوقت قصير كما وأن الحكم المطعون فيه لم يدخل في تقديره أنه من العاملين الممتازين طوال حياته الوظيفية وكونه قد حصل على لقب النزيل المثالي الأمر الذي أدى إلى الإفراج عنه بنصف المدة وهو ما حدا بالبنك الذي كان يعمل به إلى أن يصدر قراراً بتاريخ 3/ 11/ 1993 بإعادته للعمل ومجازاته بالوقف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر مع صرف نصف أجره.
ومن حيث إنه من الأمور المسلمة أنه متى اتصلت الدعوى التأديبية بالمحكمة المختصة تعين عليها الاستمرار في نظرها والفصل فيها ولا تملك جهة الإدارة أثناء نظر الدعوى اتخاذ أي قرار في موضوعها من شأنه أن يسلب ولاية المحكمة التأديبية في محاكمة المخالف المحال إليها فإذا تصرفت جهة الإدارة تصرفاً من هذا القبيل فإنه يمثل عدواناً على اختصاص المحكمة التأديبية وغصباً لسلطتها يتعين على المحكمة أن لا تعتد به وأن تسقط كل أثر له من حسابها ومن هذا القبيل قيام جهة الإدارة بتوقيع العقوبة على المخالف عن المتهم المقدم بها إلى المحكمة التأديبية أو التنازل عن محاكمة الموظف المحال إلى المحكمة التأديبية لسبب أو لأخر فمثل هذه التصرفات لا يكون لها أثر قانوني على الدعوى التأديبية التي تظل قائمة ومطروحة على المحكمة حتى تنتهي بحكم تصدره المحكمة في موضوعها ومن ثم فإنه لذلك ومتى كان الثابت أن النيابة الإدارية أودعت تقرير اتهام الطاعن قلم كتاب المحكمة التأديبية بتاريخ 8/ 1/ 1993 فلا يكون لتصرفات جهة الإدارة أو لقراراتها التي تتعلق بموضوع الدعوى التأديبية من أثر قانوني يؤثر على اختصاص المحكمة التأديبية بإنزال حكم القانون بشأن المخالفة المنسوبة إلى العامل المحال بما مقتضاه أن يكون القرار الصادر من البنك الذي كان يعمل به الطاعن بمجازاته بالوقف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر بتاريخ 7/ 12/ 1993 معدوم الأثر ومن ثم فإنه لا يعول عليه ولا يكون له من أثر على قيام الدعوى التأديبية أمام المحكمة التأديبية والتي يتعين عليها الاستمرار في نظرها إلى أن تصدر حكمها في الاتهام المنسوب إلى العامل وبالتالي يتعين الالتفات عما آثاره الطاعن في هذا الشأن.
ومن حيث إنه بالنسبة للوجه من الطعن المتعلق بتأثير حكم المادة (96) من القانون 48 لسنة 1978 بشأن نظام العاملين بالقطاع العام على اختصاص جهة العمل بمجازاة الطاعن تأديبياً - فإنه لما كانت تلك المادة تنص على أن (تنتهي خدمة العامل لأحد الأسباب الآتية: 1 - ..... 2 - ..... 3 - ..... 4 -..... 5 - .... 6 - ..... 7 - الحكم عليه بعقوبة جناية في إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات أو ما يماثلها من جرائم منصوص عليها في القوانين الخاصة أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن الحكم مع وقف التنفيذ.
ومع ذلك فإذا كان قد حكم لأول مرة فلا يؤدي إلى انتهاء الخدمة إلا إذا قدرت لجنة شئون العاملين بقرار مسبب من واقع أسباب الحكم وظروف الواقعة أن بقاؤه في الخدمة يتعارض مع مقتضيات الوظيفة أو طبيعة العمل) بما مفاده أنه في حالة الحكم على العامل بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة فإن ذلك يؤدي إلى إنهاء خدمته وإنما يتعين لإنهاء خدمته أن تصدر لجنة شئون العاملين قراراً مسبباً لذلك من واقع أسباب الحكم تبين فيه ما استخلصه من وقائع وأسباب الحكم وظروف الواقعة أن ما نسب إليه جنائياً وقضى بإدانته فيه يتعارض مع بقاؤه بالوظيفة أي أن للإدارة في هذا الشأن بحث مدى جواز إنهاء خدمة العامل الذي قضى بمعاقبته بعقوبة جنائية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف على أن هذا الاختصاص لا يحجب الاختصاص التأديبي لجهة الإدارة متى تحققت من أن ما نسب إلى العامل ينطوي على المساس بوظيفته وإخلالاً بكرامتها أو لا يستقيم مع ما تفرضه عليه من استقامة وبالتالي ارتكابه لمخالفة تأديبية يجب مجازاته عنها تأديبياً أو إحالته إلى المحاكمة التأديبية بدلاً من إنهاء خدمته حتى مع توافر السبب الموجب لذلك إذا ما رأت وجهاً لذلك وقد استقر قضاء هذه المحكمة على اختيار الإدارة أحد السبيلين هو عمل من صميم اختصاصها ولا معقب عليه من جهات القضاء ومن ثم فإن هذا الوجه من أوجه الطعن يكون على غير أساس من القانون جديراً بالرفض.
ومن حيث إنه بالنسبة للوجه الأخير من الطعن والقائم على أن الحكم المطعون عليه وقد قضى بفصله من الخدمة وهو أقصى عقوبة تأديبية فإنه يكون قد خالف ما هو ثابت بالأوراق من ظروف الواقعة التي قضى بمعاقبته عنها جنائياً وكذا عناصر امتيازه واستقامته بما أهله للحصول على شهادة النزيل المثالي والإفراج عنه بنصف المدة وبالتالي فإن عقوبة الفصل تكون مشوبة بالغلو مع ما نسب إليه - فإنه لما كان الثابت من صورة الحكم الجنائي (والمودعة من النيابة الإدارية) الذي قضى بمعاقبة الطاعن بالسجن لمدة سبع سنوات لما نسب إليه من قيامه بضرب شقيق زوجته..... وزوج شقيقتها..... - بآلة حادة (مطواة) بما أحدث لهما إصابات أدت على قصد منه إلى وفاتهما وذلك بسبب التشاجر بينهما حول ميراث زوجته بالعقار المخلف عن والدها بما ترتب عليه تحرير محاضر إدارية متبادلة بقسم شرطة عين شمس وأن تلك الواقعة قد حدثت بالمنزل الذي يقيم فيه عقب عودته من العمل يوم 15/ 5/ 1988 وقدم للمحاكمة الجنائية أمام محكمة جنايات القاهرة في القضية رقم 789 لسنة 1988 كلي القاهرة ومتى كان ذلك وكان الأصل أن المخالفة التأديبية ليست فقط إخلال العامل بواجبات وظيفته إيجاباً أو سلباً وما تقضيه هذه الواجبات من احترام الرؤساء وطاعتهم بل كذلك تنهض المخالفة التأديبية كلما سلك العامل سلوكاً معيباً ينطوي على إخلال بكرامة الوظيفة أو لا يستقيم مع ما تفرضه عليه من ذمة واستقامة وبعد عن موطن الريب والدنايا وإذا كان لا يقوم بين الحياة العامة والحياة الخاصة عازل سميك يمنع كل تأثير متبادل بينهما فإنه لا يسوغ للعامل حتى خارج نطاق وظيفته أن يغفل عن صفته كعامل ويقدم على بعض التصرفات التي تمس كرامته أو تكشف عن ضعف لديه في القيم أو الأخلاق العامة أو حسن الاستقامة فإن ما نسب إليه والحالة هذه من ارتكابه لجناية الضرب الذي أفضى إلى موت شقيق زوجته وزوج شقيقتها يمثل بلا ريب مخالفة تأديبية وأنه وقد صدر الحكم الجنائي بإدانته بما لا يجوز معه معاودة المجادلة في إثبات الواقعة المنسوبة إليه الأمر الذي تكون معه المخالفة المنسوبة إلى الطاعن ثابتة في حقه مما يتعين معه مجازاته عن تلك المخالفة بالعقوبة التأديبية المناسبة.
ومن حيث إن الأصل أن يقوم تقدير الجزاء على أساس التدرج تبعاً لدرجة جسامة الذنب الإداري وعلى أنه إذا كان للسلطات التأديبية ومن بينها المحاكم التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها في ذلك فإن مناط مشروعية هذه السلطة ألا يشوب استعمالها غلو ومتى كان ذلك وكان الثابت من صورة الاستمارة رقم 37 شئون أفراد والمودعة بملف النيابة الإدارية أن الطاعن من مواليد سنة 1944 وقد حصل على دبلوم المدارس الثانوية التجارية سنة 1964 وعين بداءة بالشركة المتحدة لتجارة المنسوجات بالجملة اعتباراً من 6/ 12/ 1964 ثم التحق بخدمة بنك مصر اعتباراً من 1/ 11/ 1974 وأن تقارير كفايته اعتباراً من تاريخ نقله إلى البنك بدرجة ممتاز وقد استحق أن يمنح علاوتين من علاوات الجدارة الأولى بتاريخ 1/ 1/ 1978 والثانية بتاريخ 1/ 1/ 1986 وأنه شغل عدة وظائف بالبنك وأجتاز بنجاح العديد من الدورات التدريبية ثم حصل على بكالوريوس التعاون وجاءت الاستمارة سالفة الإشارة خالية مما يفيد سابقة مجازاته تأديبياً كما أن الأوراق جاءت خلواً من الإشارة إلى ما يشين تصرفاته فضلاً عن ظروف ارتكابه للجريمة الجنائية محل الاتهام التأديبي المنسوب إليه وأنها لا تعدو أن تكون مشاجرة بين أفراد الأسرة حول ميراث زوجته وأنه سبق للأطراف المختلفة تحرير محاضر إدارية بقسم شرطة عين شمس قبل وقوع تلك الجريمة ثم أنه خلال فترة قضاء مدة العقوبة الجنائية بسجن المرج لم يرتكب ثمة مخالفة لقوانين ونظم السجن بل كان ملتزماً بما تفرضه تلك القوانين واللوائح الأمر الذي أهله للحصول على شهادة السجين المثالي ثم الإفراج عنه بنصف المدة بما مؤداه أن الطاعن لا يتسم بالوحشية والقسوة وأن ما ارتكبه من فعل أدى إلى إدانته جنائياً كان وليد الأحداث والظروف المصاحبة وهو ما ينفي عن الطاعن النفس غير السوية التي تستوجب البتر من المجتمع الوظيفي وإنما يحتاج إلى تهذيب وإصلاح حتى لا يعود لارتكاب ثمة مخالفات ومن ثم فإن الجزاء المطعون عليه وقد قضى بفصل الطاعن دون أن يأخذ في تقديره الاعتبارات السابقة يكون مشوباً بالغلو بما تقضي معه المحكمة بتعديله وذلك بمجازاة الطاعن بعقوبة خفض الدرجة والمرتب إلى الدرجة الأدنى مباشرة وبأول مربوطها جزاءً وفاقاً لما نسب إليه وحتى يتحقق الردع العام لغيره من العاملين فضلاً عن تحقيق الردع الخاص للطاعن.
ومن حيث إن الطعون التأديبية معفاة من الرسوم القضائية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون عليه وبمجازاة الطاعن بعقوبة خفض الدرجة والمرتب إلى الدرجة الأدنى مباشرة وبأول مربوطها مع ما يترتب على ذلك من آثار.