مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والأربعون - (من أول أكتوبر سنة 1999 إلى آخر سبتمبر سنة 2000) - صـ 929

(98)
جلسة 10 من يونيه سنة 2000

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عويس عبد الوهاب عويس - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين: محمود سامي الجوادي وأسامة محمود عبد العزيز محرم وعطية عماد الدين نجم وعبد المنعم أحمد عامر - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 7018 لسنة 44 قضائية عليا

دعوى - حكم في الدعوى - الطعن في الأحكام - الطعن في أحكام المحكمة الإدارية العليا بدعوى البطلان الأصلية - مناطه - أثر اشتراك مستشار من خريجي كلية الشرطة في تشكيل الدائرة التي تنظر طعون ضباط الشرطة.
وإن كان من الجائز استثناء الطعن بدعوى بطلان أصلية في الأحكام الصادرة بصفة انتهائية فإن هذا الاستثناء يجب أن يقف عند الحالات التي تنطوي على عيب جسيم وتمثل إهداراً للعدالة بحيث يفقد فيها الحكم وظيفته - المحكمة الإدارية العليا بما لها من اختصاص هي القوامة على إنزال حكم القانون وإرساء مبادئه وقواعده ولا معقب عليها في ذلك، ولا سبيل إلى نسب الخطأ الجسيم إليها - الخطأ إذا لم يكن بيناً ولا مجال فيه إلى خلاف بين وجهات النظر المعقولة لا يستوي ذريعة لاستنهاضه دعوى البطلان الأصلية - الطعن في مسائل موضوعية تندرج كلها تحت احتمالات الخطأ والصواب في تفسير القانون وتأويله لا تنطوي في حد ذاتها على إهدار للعدالة ولا تعيب الحكم على نحو ينحدر به إلى درجة الانعدام - اشتراك أحد مستشاري مجلس الدولة في إصدار الحكم رغم أنه من خريجي الشرطة لا ينهض وجهاً لبطلان الحكم لأنه من غير المتصور أن اشتراك أحد مستشاري مجلس الدولة من خريجي الشرطة يفقد صلاحيته للفصل في قضايا ضباط الشرطة لمجرد أنه من خريجي كلية الشرطة حيث إنه سبق له العمل بهيئة الشرطة، لأن الأخذ بغير ذلك يعني عدم صلاحية مستشاري المحكمة الإدارية العليا للفصل في الطلبات التي يقدمها رجال مجلس الدولة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 19/ 7/ 1998 أودع الأستاذ/ ........ المحامي نائباً عن الأستاذ/ ........ المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد بجدولها برقم 7018 لسنة 44 ق (دعوى بطلان أصلية) في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) في الطعن رقم 1336 لسنة 39 ق. ع بجلسة 17/ 3/ 1998 والقاضي بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم ببطلان الحكم المطعون فيه وإعادة عرض النزاع من جديد على المحكمة.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً مع إلزام الطاعن المصروفات.
ونظر الطعن أمام الدائرة الثالثة (فحص الطعن) على النحو المثبت بمحاضر الجلسات التي قررت إحالته إلى دائرة الموضوع بالمحكمة وحددت لنظره أمامها جلسة 20/ 7/ 1996، وبجلسة 5/ 10/ 1999 قررت المحكمة إحالة الطعن إلى الدائرة الثانية (موضوع) للاختصاص ونظر أمامها بجلسة 19/ 2/ 2000 حيث قدم الحاضر عن الطاعن حافظة مستندات ومذكرة صمم فيها على الطلبات وبجلسة 8/ 4/ 2000 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وبها صدر وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن دعوى البطلان الأصلية قد استوفت أوضاعها الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أن السيد/ ........ كان قد أقام الدعوى رقم 2307 لسنة 43 ق أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) وذلك بموجب صحيفة مودعة قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 19/ 1/ 1989 طالباً الحكم بإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 731 لسنة 1988 فيما تضمنه من إحالته إلى المعاش مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقال - شرحاً لدعواه - أنه تخرج في كلية الشرطة عام 1962 وتدرج في وظائف الشرطة إلى أن حصل على رتبة اللواء في أغسطس عام 1986، كما حصل في ذات التاريخ على وسام الجمهورية تقديراً لجهوده وامتيازه في العمل، ثم شغل منصب مساعد مدير أمن الجيزة إلى أن صدر القرار المطعون فيه بإحالته إلى المعاش بالمخالفة لقاعدة عرفية مستقرة تقضي بأنه في حالة موافقة الجهات الأمنية الأربعة على المد فإنه يتعين الأخذ بذلك لزاماً، وإذ خرجت الجهة الإدارية على ذلك بقرارها المطعون فيه الذي انطوى على انحراف في استعمال السلطة لصدوره بدوافع شخصية، فقد أقام دعواه للحكم له بطلباته سالفة البيان.
وبجلسة 21/ 12/ 1992 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات، فأقام الطعن رقم 1336 لسنة 39 ق. ع طالباً الحكم بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري المشار إليه وإلغاء القرار المطعون فيه رقم 731 لسنة 1988 فيما تضمنه من إحالته إلى المعاش - وبجلسة 17/ 3/ 1998 أصدرت المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) حكمها المطعون فيه برفض الطعن وإلزام الطاعن المصروفات. وشيدت قضاءها - بعد أن استعرضت نص المادة 71 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 على أن القرار المطعون فيه قد صدر بإنهاء خدمة الطاعن لقضائه سنتين في رتبة لواء ومن ثم فإنه يكون قراراً سليماً ومطابقاً للقانون وقائماً على السبب المبرر له وهو قضاء مدة سنتين في رتبة لواء، وأنه لا يغير من ذلك ما قرره الطاعن من إن المجلس الأعلى للشرطة كان قد وافق بالأغلبية على مد خدمته لكفاءته، إذ أن هذه الموافقة لا تحول دون إنهاء خدمته لقضائه مدة سنتين في رتبة لواء، كما أن الأسباب التي قدمتها الإدارة أثناء المرافعة بهدف النيل من كفاءته لا شأن لها بقرار إنهاء خدمته لأنه قام على سبب مقتضاه أنه قضى سنتين برتبة لواء ولأن ثبوت عدم صحة هذه الأسباب ليس من شأنه أن يؤدي إلى مد خدمته لمدة ثلاث سنوات.
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الطاعن فقد أقام طعنه الماثل (دعوى بطلان أصلية) استناداً إلى أن الحكم المطعون فيه فصل في أمر آخر غير المنازعة المطروحة، إذ قام الحكم المطعون فيه على تصور جديد خاطئ لواقع النزاع يتمثل في أن المجلس الأعلى للشرطة قد أصدر قراراً بمد خدمة الطاعن وأن الوزير لم يمتثل لهذا القرار، وهذا التصور ينطوي على فهم خاطئ لملابسات الموضوع وإهدار لحق الدفاع في إمكانية التصدي القانوني له، أما الواقع الفعلي فإنه يقوم على أن المجلس الأعلى للشرطة قد قام بإنهاء خدمة الطاعن بعد أن أمضى مدة سنتين في رتبة لواء، وأن وزير الداخلية اعتمد هذا القرار وأضاف الطاعن أن الحكم المطعون فيه جاء مشوباً بعيب مخالفة القانون لأنه، وبفرض صحة التصور الذي طرحته المحكمة في حكمها المطعون فيه، فإن الحكم يكون في هذه الحالة مخالفاً لصريح نص القانون، لأنه كان يتعين على وزير الداخلية، وذلك وفقاً لما يقضي به نص المادة (5) من القانون رقم 109 لسنة 1971 سالف الذكر وقد ارتأى ما يخالف رأي المجلس الأعلى للشرطة أن يعيد إلى المجلس ما اعترض عليه مسبباً وكتابة، وقد كان من الواجب على المحكمة أن تتأكد من مدى تطبيق القانون على هذه الحالة بالإضافة إلى أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق وتفسير المادة 71 من القانون رقم 109 لسنة 1971 المشار إليه. وبمذكرته المقدمة بجلسة المرافعة المنعقدة بتاريخ 19/ 3/ 2000 أضاف الطاعن أنه كان يتعين على المحكمة وهي بصدد الخروج على المبادئ المستقرة أن تحيل الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ، كما أن تشكيل المحكمة التي أصدرت الحكم تضمن السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ ........ نائب رئيس مجلس الدولة وهو من خريجي كلية الشرطة الأمر الذي يعيب تشكيل هيئة المحكمة لأنه يضع تحسبات لاحتمالات تأثر قناعته بشكل مباشر أو غير مباشر بما عاصره من أحداث أو مناخ أو تطورات عايشها داخل محيط هيئة الشرطة أو انطباعات سابقة أو لاحقة عن الطاعن، وأن العرف قد جرى من جانب السادة الأساتذة المستشارين من ذوي الانتماء الشرطي السابق على التنحي عن نظر قضايا ضباط الشرطة.
ومن حيث إنه من المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أنه إذا كان من الجائز استثناء الطعن بدعوى بطلان أصلية في الأحكام الصادرة بصفة انتهائية فإن هذا الاستثناء يجب أن يقف عند الحالات التي تنطوي على عيب جسيم وتمثل إهداراً للعدالة بحيث يفقد فيها الحكم وظيفته.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية العليا فيما وسد لها من اختصاص هي القوامة على إنزال حكم القانون وإرساء مبادئه وقواعده ولا معقب عليها في ذلك، ولا سبيل إلى نسبة الخطأ الجسيم إليها والذي يهوى بقضائها إلى درك البطلان إلا أن يكون هذا الخطأ بيناً غير مستور، وثمرة غلط فادح ينبئ في وضوح عن ذاته، إذ الأصل فيما تستظهره المحكمة الإدارية العليا من حكم القانون أن يكون هو صحيح الرأي بما لا معقب عليها فيه بحسبانها تستوي على القمة في مدارج التنظيم القضائي لمجلس الدولة، والخطأ إذا لم يكن بيناً ولا مجال فيه إلى خلاف بين وجهات النظر المعقولة لا يستوي ذريعة لاستنهاض دعوى البطلان الأصلية، إذ إن الطعن في مسائل موضوعية تندرج كلها تحت احتمالات الخطأ والصواب في تفسير القانون وتأويله لا تنطوي في حد ذاته على إهدار للعدالة ولا تصيب الحكم على نحو ينحدر به إلى درجة الانعدام.
ومن حيث إنه - في ضوء ما تقدم - فإنه لا يتوافر فيما استثاره الطاعن من أسباب الطعن بالبطلان على الحكم المطعون فيه ما ينحدر به إلى هاوية البطلان، وهي أسباب لا تخرج في مجملها عن معاودة للمجادلة في موضوع المنازعة بزعم أن الحكم المطعون فيه جاء مبنياً على فهم غير صحيح، وهذا السبب، بفرض صحته، لا يستوي وجهاً لدعوى البطلان الأصلية حسبما سلف البيان. أما بالنسبة لما أثاره الطاعن من أن الحكم المطعون فيه تضمن عدولاً عن المبادئ المستقرة للمحكمة الإدارية العليا، فإن هذا السبب، وبفرض صحته أيضاً، لا يرتب البطلان، إذ استقر قضاء هذه المحكمة على أن عدم الإحالة إلى الدائرة المنصوص عليها في المادة (54 مكرراً) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1984، لا ينحدر بالحكم إلى هاوية البطلان حتى ولو خالف حكماً سابقاً صادراً من إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه عن السبب الأخير الذي استند إليه الطاعن وهو وجوب عيب في تشكيل الدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه وذلك باشتراك السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ ........ نائب رئيس مجلس الدولة في إصدار الحكم رغم أنه من خريجي كلية الشرطة، وبما ينطوي عليه ذلك من تأثره بشكل مباشر أو غير مباشر بالفترة التي قضاها بهيئة الشرطة أو بانطباعاته عن الطاعن وأن العرف قد جرى من جانب السادة الأساتذة المستشارين الذي سبق لهم العمل بهيئة الشرطة على التنحي عن نظر قضايا ضباط الشرطة، فإن هذا السبب لا ينهض وجهاً لبطلان الحكم المطعون فيه، لأنه من غير المتصور أن السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ ........ يفقد صلاحية الفصل في قضايا ضباط الشرطة لمجرد أنه من خريجي كلية الشرطة وأنه سبق له العمل بهيئة الشرطة، ومن ثم فإنه لا وجه لمسايرة الطعن في هذا الشأن الذي يترتب على الأخذ به عدم صلاحية مستشاري المحكمة الإدارية العليا للفصل في الطلبات التي يقدمها رجال مجلس الدولة وفقاً لنص المادة 104 من القانون رقم 47 لسنة 1972 سالف الذكر، في حين أن المشرع حدد حالات عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى في المادة 146 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وليس من بينها السبب الذي أثاره الطاعن، كما أن القول بأن العرف قد جرى على تنحي السادة الأساتذة المستشارين الذين سبق لهم العمل بهيئة الشرطة عن نظر قضايا ضباط الشرطة هو مجرد ادعاء مرسل لا يقوم عليه أي دليل خاصة وأن نص المادة 150 من قانون المرافعات المدنية والتجارية قد جرى على أنه "يجوز للقاضي في غير أحوال الرد المذكورة، إذ استشعر الحرج من نظر الدعوى لأي سبب، أن يعرض أمر تنحيه على المحكمة....." ومن ثم فإن التنحي هو تصرف جوازي للقاضي في حالة استشعاره الحرج ولا وجه لإجباره عليه.
وبناء على ما تقدم فإن دعوى البطلان الأصلية تكون غير قائمة على سند من صحيح حكم القانون الأمر الذي يتعين معه القضاء برفضها مع إلزام المدعي المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول دعوى البطلان الأصلية شكلاً ورفضها موضوعاً، وألزمت المدعي المصروفات.