مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الواحدة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1995 إلى آخر مارس سنة 1996) - صـ 393

(47)
جلسة 28 من يناير سنة 1996

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ رائد جعفر النفراوي - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: محمد عبد الرحمن سلامة، والسيد محمد السيد الطحان، وأدوارد غالب سيفين، وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة

الطعن رقم 60 لسنة 40 القضائية

أملاك الدولة الخاصة - قواعد التصرف في أملاك الدولة الخاصة - سلطة الجهة الإدارية في بيع أراضيها إلى واضعي اليد عليها.
القانون رقم 31 لسنة 1984 بشأن بعض القواعد الخاصة بالتصرف في أملاك الدولة الخاصة.
لئن كان القانون رقم 31 لسنة 1984 أجاز للجهة الإدارية بيع أراضيها إلى واضعي اليد عليها، إلا أن ذلك لا يعني بحال تقرير حق قانوني لواضعي اليد في شراء الأراضي محل وضع يدهم أو إكسابهم مركزاً قانونياً حيال تلك الأراضي مما يمتنع معه على الجهة الإدارية التصرف في أراضيها لمن سواهم، فالأمر لا يعدو أن يكون رخصه قررها القانون للجهة الإدارية من شأنها أن يتيح لها بيع أراضيها المملوكة لها ملكية خاصة لمن يضعون اليد عليها طبقاً للشروط والضوابط التي تضمنها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 857 لسنة 1985 - لا جناح على الجهة الإدارية إن قامت باختيار الطريقة التي تراها مناسبة للتصرف في أملاك الدولة الخاصة لمن لا يكون واضعاً اليد عليها خاصة وأنه من المقرر قانوناً أن وضع اليد على أملاك الدولة عموماً ليس من شأنه أن يكسب واضع اليد أي حق في تملك الأراضي محل وضع اليد، الأمر التي يستفاد منه أن القانون لم يلزم الجهة الإدارية بضرورة بيع الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة لواضعي اليد عليها وإنما خولها سلطة تقديرية وفقاً للضوابط المقررة بقرار رئيس مجلس الوزراء المشار إليه - القرار الصادر من الجهة الإدارية يخضع لرقابة القضاء الإداري عند الطعن فيه - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السب الموافق 8 من أكتوبر سنة 1994 أودع الأستاذ/...... المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعوى رقم 1146 لسنة 48 ق الذي قضى برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعي المصروفات. وطلب الطاعن وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ووقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد أعلن الطعن قانوناً على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً وإلغاء الحكم المطعون فيه ووقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الإدارة المصروفات.
وعينت جلسة 5/ 12/ 1994 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي تداولت نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات، إلى أن قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 8/ 10/ 1995، وقد نظرته المحكمة في تلك الجلسة وفيها قدم الطاعن مذكرة، وبجلسة 12/ 11/ 1995 قدم المطعون ضده مذكرة تعقيباً على مذكرة الطاعن ومن ثم قررت المحكمة النطق بالحكم بجلسة 14/ 1/ 1996 ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة 28/ 1/ 1996 لإتمام المداولة. وفيها قررت إعادة الطعن للمرافعة لذات الجلسة لتغيير تشكيل الهيئة، وحجزته للحكم آخر الجلسة وصدر الحكم في هذه الجلسة وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه وإجراءاته المقررة.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 24/ 11/ 1993 أقام المدعي (الطاعن) الدعوى رقم 1146 لسنة 48 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بصحيفة أودعت قلم كتاب تلك المحكمة، طالباً في ختامها الحكم بوقف التنفيذ ثم إلغاء القرار رقم 706 لسنة 1993 وما يترتب على ذلك من آثار.
وقال شارحاً دعواه أن محافظ القاهرة أصدر القرار المطعون فيه بتخصيص قطعة أرض أملاك الدولة بالبساتين لبعض الجمعيات التعاونية لبناء مساكن عليها، وينعى على ذلك القرار صدوره مخالفاً للقانون ذلك أنه يمتلك الأرض محل القرار بوضع اليد منذ عام 1978 وهو وضع يد هادئ ومستقر دون منازعة، وأقام عليها مباني ومخازن ومنشآت، وتم تكليف الأرض وما عليها باسمه، ويقوم بسداد الضرائب المقررة، وعند صدور القانون رقم 31 لسنة 1984 تقدم باستمارة الشراء وفقاً للنموذج المعد لذلك بقصد تسوية وضع يده على الأرض المذكورة وقام بسداد المبالغ المطلوبة كمقدم ثمن إلى حين تقدير الثمن النهائي بمعرفة اللجان المختصة، ومن ناحية أخرى فإن القرار المطعون فيه يشكل إهداراً لحقوقه الثابتة على أرض النزاع والمستمدة من أحكام القانون رقم 31 لسنة 1984 وهو ما يرتب أضراراً مادية جسيمة يتعذر تداركها، وأخيراً فإن القرار جاء غامضاً وخالياً من بيان موقع الأرض وحدودها والخرائط المتعلقة بها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة حافظة مستندات طويت على صورة ضوئية من القرار المطعون فيه، ومذكرة طلبت في ختامها - للأسباب الواردة فيها - الحكم برفض الدعوى بشقيها وإلزام المدعي المصروفات.
وبجلسة 11/ 8/ 1994 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه الذي قضى بقبول الدعوى شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وأقامت المحكمة قضاءها على أن المجلس التنفيذي لمحافظة القاهرة وافق على تخصيص قطعة أرض من أملاك الدولة بمنطقة البساتين لبعض الجمعيات التعاونية لبناء المساكن، وعرض الأمر على لجنة الشئون القانونية بالمحافظة لإبداء الرأي في الإجراءات التي اتخذت، وقد وافقت اللجنة على قرار المجلس، ولا ينال من مشروعية القرار - حسبما استطردت المحكمة في حكمها المطعون فيه - ما ساقه المدعي من أنه يضع يده على أرض النزاع وأنه تقدم بطلب لشرائها وسدد مقدم الثمن وكان يتعين على المحافظة أن تبيعها له استناداً لأحكام القانون رقم 31 لسنة 1984، ذلك أن التصرف في الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة إلى واضعي اليد عليها هو أمر جوازي للجهة الإدارية ولا يشكل أي إلزام عليها في إجراء هذا التصرف من عدمه، وإذ رأت الإدارة التصرف في أرض النزاع بتخصيصها لجمعيات الإسكان بغية تحقيق نفع عام فإن قرارها يكون مبرءاً من إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تفسيره وذلك للأسباب التالية أولاً: أعرضت المحكمة عن تحقيق دفاع الطاعن وإعمال الأثر القانوني المترتب على ذلك إذ أن الطاعن أوضح أنه قام بدفع مقدم ثمن شراء قطعة الأرض محل النزاع، وقبلت المحافظة هذا المقدم مما يدل على نشوء عقد بيع ابتدائي بين الطاعن والمحافظة وبالتالي فإن يد المحافظة أصبحت مغلولة عن التصرف في الأرض المشار إليها استصحاباً لعقد البيع القائم، فإن هي لم تراع ذلك وأصدرت قرارها بتخصيص أرض النزاع لبعض الجمعيات التعاونية للإسكان فإن القرار يكون قد صدر على غير أساس صحيح من القانون ومتعدياً على مركز قانوني للطاعن ثانياً: لقد صدر القرار المطعون فيه محدداً لمساحة الأرض المخصصة لكل جمعية تعاونية، إلا أنه لم يحدد الحدود المساحية لتلك الأرض حيث ترك ذلك للجمعيات مما يصبح معه القرار المطعون فيه معيباً بعيب جوهري في الشكل يترتب عليه انعدام وهو ما لم يراعه الحكم المطعون فيه.
وخلص الطاعن - لما تقدم - ولكل ما ورد في تقرير طعنه إلى طلب إلغاء الحكم المطعون فيه ووقف تنفيذ القرار المطعون وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
ومن حيث إن البادي من الأوراق أنه بتاريخ 24/ 8/ 1993 أصدر محافظ القاهرة القرار رقم 706 لسنة 1993 بتعديل تخصيص بعض قطع أراضي من أملاك الدولة (منافع عامة) بمنطقة البساتين إلى إسكان لبعض الجمعيات التعاونية لبناء المساكن لأعضاء تلك الجمعيات وذلك بالثمن الذي تحدده اللجان المختصة بمحافظة القاهرة، وتضمن القرار المذكور فرض بعض الالتزامات على عاتق الجمعيات التعاونية المذكورة.
ومن حيث إن الطاعن نعى على القرار المطعون فيه صدوره مخالفاً للقانون للأسباب من بينها أنه يضع يده على جزء كبير من الأرض التي تم تخصيصها بالقرار المطعون فيه وأن وضع يده يكسبه حقاً في تلك الأرض عملاً بحكم القانون رقم 31 لسنة 1984.
ومن حيث إن المادة الأولى من القانون رقم 31 لسنة 1984 بشأن بعض القواعد الخاصة بالتصرف في أملاك الدولة الخاصة تنص على أن "مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 43 لسنة 1981 في شأن الأراضي الصحراوية وبحق الدولة في إزالة التعديات التي تقع على أملاكها بالطريق الإداري يجوز للجهة الإدارية المختصة التصرف في الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة إلى واضعي اليد عليها قبل نفاذ هذا القانون وذلك بالبيع بطريق الممارسة مع جواز تقسيط الثمن متى طلب شراؤها خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به وفقاً للقواعد والضوابط التي يقررها مجلس الوزراء لاعتبارات سياسية واقتصادية واجتماعية......".
ومن حيث إن البادي من الأوراق أن الأرض محل النزاع الماثل كان قد تم ربطها على جمعية صقر قريش في 14/ 1/ 1979 مقابل الحصول من الجمعية المذكورة على "ريع أشغال" وذلك لاستغلال الأرض في بناء مساكن جاهزة ستقام على الأرض المخصصة للجمعية المذكورة والمجاورة لأرض النزاع، وأن جمعية صقر قريش سلمت الطاعن مساحة الأرض محل النزاع الماثل وهو الأمر الذي لم يدحضه الطاعن، بل أنه في مذكرته المقدمة بجلسة 8/ 10/ 1995 لم ينفي ذلك وإن كان قد أوضح أن الحد الأدنى لوضعه القانوني هو أنه "واضع يد" على أرض النزاع طبقاً لأحكام القانون رقم 31 لسنة 1984 وأنه مستوف للشروط الواردة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 857 لسنة 1985.
ومن حيث إنه ولئن كان القانون رقم 31 لسنة 1984 بشأن بعض القواعد الخاصة بالتصرف في أملاك الدولة الخاصة أجاز للجهة الإدارية ببيع أراضيها إلى واضعي اليد عليها، إلا أن ذلك لا يعني بحال تقرير حق قانوني لواضعي اليد في شراء الأراضي محل وضع يدهم أو إكسابهم مركزاً قانونياً حيال تلك الأراضي مما يمتنع معه على الجهة الإدارية التصرف في أراضيها لمن سواهم، فالأمر لا يعدو أن يكون رخصة قررها القانون للجهة الإدارية من شأنها أن يتيح لها بيع أراضيها المملوكة لها ملكية خاصة لمن يضعون اليد عليها طبقاً للشروط والضوابط التي تضمنها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 857 لسنة 1985 وترتيباً على ذلك فإنه لا جناح على الجهة الإدارية أن قامت باختيار الطريقة التي تراها مناسبة للتصرف في أملاك الدولة الخاصة لمن لا يكون واضعاً اليد عليها، خاصة وأنه من المقرر قانوناً "وضع اليد" على أملاك الدولة عموماً ليس من شأنه أن يكسب واضع اليد أي حق في تملك محل وضع اليد، الأمر الذي يستفاد منه أن القانون رقم 31 لسنة 1984 لم يلزم الجهة الإدارية بضرورة بيع الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة لواضعي اليد عليها وإنما خولها سلطة تقديرية وفقاً للضوابط المقررة بقرار رئيس مجلس الوزراء الصادر سنة 1985 المشار إليه، وغاية ما هناك أن القرار الصادر من الجهة الإدارية يخضع لرقابة القضاء الإداري عند الطعن فيه.
ومن حيث إن البادي من الأوراق أن وضع يد الطاعن على الأرض محل القرار المطعون فيه لم يكن مصدره علاقة قانونية بينه وبين محافظة القاهرة وإنما كان - وعلى ما هو ظاهر من الأوراق ومما لم يدحضه الطاعن - بصفته مقاولاً من الباطن يعمل لحساب جمعية صقر قريش، والتي كانت تقوم بسداد "ريع إشغال" لصالح إدارة الأملاك بمحافظة القاهرة، ومن ناحية أخرى فإن ورود اسم الطاعن بسجلات الضرائب العقارية بالمحافظة لا يكسبه حقاً على الأرض محل النزاع يمكن أن يحتج به قبل المحافظة، ومن ناحية ثالثة فإنه ولئن كان الطاعن قد تقدم بطلب لشراء الأرض محل النزاع، إلا أن الجهة الإدارية وعلى ما هو ظاهر من الأوراق، رفضت ذلك الطلب، ومن ثم فلم يتم أي تعاقد - كما يزعم الطاعن على الأرض محل النزاع.
ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم ولما كان القرار المطعون فيه صدر بتخصيص بعض أراضي بالبساتين لصالح بعض الجمعيات التعاونية للإسكان لبناء مساكن لأعضائها على الأراضي المذكورة، وفقاً للضوابط والشروط التي اشتمل عليها هذا القرار، وذلك كله تحقيقاً لغرض ذي نفع عام، فإن القرار يكون صحيحاً ولا مطعن عليه.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه صدر ممن يملك سلطة إصداره ومترسماً الإجراءات والمراحل التي تضمنها قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 وتعديلاته ومن ثم فلا وجه لنعي الطاعن عليه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد قضى برفض طلب وقف التنفيذ فإنه يكون قد أصاب الحق فيما قضى به، ويكون من المتعين حينئذ رفض الطعن الماثل.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بنص المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وألزمت الطاعن المصروفات.