مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الواحدة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1995 إلى آخر مارس سنة 1996) - صـ 483

(57)
جلسة 3 من فبراير سنة 1996

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعت - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: منصور حسن علي عربي، وأبو بكر محمد رضوان، ومحمد أبو الوفا عبد المتعال، وغبريال جاد عبد الملاك - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1769 لسنة 41 القضائية

تأديب - المحاكمة التأديبية - لا يجوز للمحكمة أن تستند إلى ادعاء لم يتم تمحيص مدى صحته.
أن ما يرد بتقرير الاتهام هو ادعاء بارتكاب المتهم للمخالفة التأديبية، لذلك فإنه تطبيقاً للقاعدة الأصولية بأن البينة على من أدعى يكون على جهة الاتهام أن تسفر عن الأدلة التي انتهت فيها إلى نسبة الاتهام إلى المتهم - يكون على المحكمة التأديبية أن تمحص هذه الأدلة لإحقاق الحق من خلال استجلاء مدى قيام كل دليل كسند على وقوع المخالفة بيقين في ضوء ما يسفر عنه التحقيق من حقائق وما يقدمه المدعي من أوجه دفاع وذلك كله في إطار المقرر من أن الأصل في الإنسان البراءة - مقتضى ذلك أنه لا يجوز للمحكمة أن تستند إلى ادعاء لم يتم تمحيص مدى صحته في إسناد الاتهام إلى المتهم، ذلك أن تقرير الإدانة لا بد أن ينبني على القطع واليقين وهو ما لا يكفي في شأنه مجرد ادعاء لم يسانده أو يؤازره ما يدعمه ويرفعه إلى مستوى الحقيقة المستقاة من الواقع الناطق بقيامها المفصح عن تحققها. تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق السادس من شهر مارس سنة 1995 أودع الأستاذ/..... المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن/..... قلم كتاب هذه المحكمة تقرير بالطعن قيد بجداولها تحت رقم 1769/ 41 ق عليا في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم وملحقاتها بجلسة 17/ 1/ 1995 في الدعوى رقم 395/ 28 ق والذي قضى بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة في تقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء ببراءته مما نسب إليه.
وقد أعلن الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه للأسباب المبينة به الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن مما نسب إليه. ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 12/ 7/ 1995 وبجلسة 22/ 11/ 1995 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة" وحددت لنظره جلسة 20/ 1/ 1996 - ثم تقرر تقصير أجل الجلسة المحددة لنظر الطعن أمام المحكمة ليكون 9/ 12/ 1995 - وبهذه الجلسة قررت المحكمة حجز الطعن للحكم فيه بجلسة 3/ 2/ 1996 وبهذه الجلسة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية المقررة ومن ثم فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 395/ 28 ق أمام المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم وملحقاتها طالباً الحكم بإلغاء القرار رقم 1262/ 1994 الصادر من الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية في 8/ 6/ 1994 فيما تضمنه من مجازاته بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار إذ إن الهيئة المذكورة أصدرت قرارها المشار إليه لخروج المدعي على مقتضى الواجب الوظيفي وكونه خالف القواعد والتعليمات المالية والذي ما من شأنه المساس بمصلحة مالية للدولة وسلك مسلكاً معيباً لا يتفق وكرامة الوظيفة العامة وذلك بأن التحق بالعمل لدى مؤسسة بغداد التابعة تأمينياً لمكتب نصر أول الذي يعمل به دون موافقة السلطة المختصة مما ترتب عليه الإضرار بمصالح الهيئة وأموالها وجمهور المؤمن عليهم والعاملين بالمؤسسة على النحو الوارد تفصيلاً بالأوراق. وطلب المدعي المذكور إلغاء القرار المطعون فيه لأنه صدر بناء على تحقيق شابه القصور إذ لم تمكنه سلطة التحقيق من إبداء دفاعه وذلك برفضها استلام مستندات قد تنفي المخالفات المنسوبة إليه وعدم سماعها شهود نفي المخالفة المحددة سلفاً وأن القرار المطعون فيه قام على غير سبب مبرر له من الواقع والقانون إذ لا توجد أدلة مادية تثبت المخالفة المنسوبة إليه وأن هذا القرار صدر بغرض الانتقام الشخصي ولم يستهدف تحقيق مصلحة عامة.
وبجلسة 17/ 1/ 1995 أصدرت المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم وملحقاتها الحكم المطعون فيه وأقامت قضاءها على أن الثابت من الأوراق وما قرره السيد/.... رئيس مجموعة التفتيش على المكاتب النمطية بالإدارة العامة للرقابة الداخلية بالهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية بتحقيق النيابة الإدارية من أنه انتقل إلى مؤسسة بغداد وتقابل مع..... المدير الإداري لهذه المؤسسة الذي أبلغه شفاهة بأن الطاعن..... قد حضر إلى المؤسسة وأبدى استعداده للقيام بأعمال التأمينات وتردد بالفعل على المؤسسة المذكورة بعد الساعة الثانية ظهراً وحرر بعض الاستمارات وعند إبلاغ السيد مدير عام الرقابة بالهيئة بالواقعة استدعى المدير الإداري المذكور وأخذ منه إقراراً بصحة ما ورد بأقواله والذي تبين من الاطلاع عليه وهو خطاب مؤرخ 13/ 12/ 1992 مرسل من مدير مؤسسة بغداد إلى مدير عام الرقابة متضمناً أن الطاعن قد ذهب لمقر مؤسسة بغداد وأفاد أنه في أجازة خاصة بدون مرتب ويرغب في العمل بها وبالفعل عمل بها عدة شهور وحرر بعض الاستمارات وذلك بعد مواعيد العمل الرسمية وتأكد من الاطلاع على بعض الاستمارات وجود توقيع للطاعن عليها ومن ثم تكون المخالفة المنسوبة إليه ثابتة في حقه ولا ينال من ذلك ما جاء بصحيفة دعواه من أن سلطة التحقيق رفضت استلام مستندات تنفي المخالفة المنسوبة إليه وعدم سماعها شهود نفي حيث إنها مجرد أقوال مرسلة خالية من أي دليل يدعمها وترتيباً على ما تقدم تكون المخالفة المنسوبة إليه ثابتة ويتعين مساءلته عنها تأديبياً وإذ صدر القرار المطعون فيه متضمناً مجازاته عن هذه المخالفة بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه فأنه يكون والأمر كذلك قائماً على سببه المبرر له ويتعين القضاء برفض الطعن فيه.
ومن حيث إن مبنى الطعن في الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تستظهر الوقائع الخاصة بموضوع الدعوى عن الوجه السليم إذ أن الثابت من الأوراق أن المسألة بدأت بشكوى وردت في 22/ 11/ 1992 لرئيس الهيئة نسب فيها مقدمها إلى عاملين آخرين "غير الطاعن" بالهيئة التواطؤ مع بعض موظفي مؤسسة بغداد لإهدار حقوق الهيئة وأنهم قابلوا المدعو/....... المدير الإداري للمؤسسة لتحقيق هذه الشكوى وكان موظفوا المؤسسة في وقت سابق يعرقلون عمل الطاعن في التفتيش عن أعمالها وحدثت منهم مراوغات ومماطلة بعدم إطلاعه على المستندات والسجلات بقصد إخفاء الفرق الكبير بين الأجور الفعلية الثابتة بها وبين الأجور المبلغ بها الهيئة وقد كشفت الشكوى المذكورة عن تلاعب وتواطؤ بين المدير الإداري لمؤسسة بغداد سالف الذكر وبين بعض موظفي التأمينات لذلك وإزاء وقوف الطاعن أمام تلك المؤسسة وكشف مراوغتها قام السيد/...... المدير الإداري لمؤسسة بغداد بادعاء هذا الاتهام الملفق بأنه عمل بالمؤسسة في غير أوقات العمل الرسمية والدليل على تهاتر هذا الاتهام وهو ما استندت إليه المحكمة في حكمها المطعون فيه من أنه قد تأكد توقيع الطاعن على استمارتين لطلب اشتراك عاملين مؤمن عليهما لدى الهيئة مع أن الحقيقة أن الطاعن ليس له أي توقيع على هاتين الاستمارتين وأن هاتين الاستمارتين ليست بخطه وهو يطعن بالتزوير في هاتين الاستمارتين طالباً إحالتهما إلى الطب الشرعي لإجراء مضاهاة الخطوط وأنه على استعداد لتقديم شواهد التزوير وإعلانها.
كل ذلك فضلاً عن وجود خصومة حقيقة بين الطاعن والسيد/...... رئيس الرقابة حيث قام الطاعن برفع الدعوى رقم 1716/ 48 ق أمام محكمة القضاء الإداري طاعناً في ترقيته إلى وظيفة مدير عام مكتب المتابعة التي صدرت بقرار رئيس مجلس الوزراء في 16/ 6/ 1993 لذلك عمل الأخير على الإساءة لسمعة الطاعن فأستدعى بحكم عمله المدير الإداري لمؤسسة بغداد وحصل منه على الإقرار الكتابي المنوه عنه والمتضمن سبق قيام الطاعن بالعمل لدى تلك المؤسسة في أوقات العمل الرسمية لذلك كله يكون الحكم المطعون فيه برفض طلب إلغاء قرار مجازاة الطاعن قد قام على أصول غير ثابتة في الأوراق مستوجب الإلغاء وبراءة الطاعن مما نسب إليه.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الحكم المطعون فيه استند في أسبابه التي قام عليها إلى ما جاء بالتحقيق الذي أجرته النيابة الإدارية من أنه عند قيام أحد موظفي الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية بالتحقيق في الشكوى المقدمة للهيئة بشأن تواطؤ موظفي الهيئة المذكورة مع بعض العاملين بمؤسسة بغداد لإهدار الحقوق المالية للهيئة وانتقاله لمقر المؤسسة المشار إليها تقابل مع المدعو/..... المدير الإداري لهذه المؤسسة الذي أبلغه شفاهة بأن الطاعن قد حضر إلى المؤسسة وأبدى استعداده للقيام بأعمال التأمينات لها وتردد بالفعل على المؤسسة المذكورة بعد الساعة الثانية ظهراً وحرر بعض الاستمارات وعند إبلاغه مدير عام الرقابة بالواقعة استدعى المدير الإداري المذكور وأخذ منه إقراراً بصحة ما ورد بأقواله والذي ضمنه أن الطاعن قد ذهب لمقر المؤسسة وأفاد بأنه بإجازة خاصة بدون مرتب ويرغب في العمل بها وبالفعل عمل بها عدة شهور وحرر بعض الاستمارات وذلك بعد المواعيد الرسمية وقد تأكد ذلك بالإطلاع على بعض صور الاستمارات الخاصة بهذه المؤسسة ومن ثم تكون المخالفة المنسوبة إليه ثابتة في حقه.
ومن حيث إن ما يرد بتقرير الاتهام هو ادعاء بارتكاب المتهم للمخالفة التأديبية لذلك فإنه تطبيقاً للقاعدة الأصولية القاضية بأن البينة على من ادعى يكون على جهة الاتهام أن تسفر عن الأدلة التي انتهت فيها إلى نسبة الاتهام إلى المتهم، ويكون على المحكمة التأديبية أن تفحص هذه الأدلة لإحقاق الحق من خلال استجلاء مدى قيام كل دليل كسند على وقوع المخالفة بيقين في ضوء ما يسفر عنه التحقيق من حقائق وما يقدمه المدعي من أوجه دفاع وذلك كله في إطار المقرر من أن الأصل في الإنسان البراءة، ومقتضى ذلك أنه لا يجوز للمحكمة أن تستند إلى ادعاء لم يتم تمحيص مدى صحته في إسناد الاتهام إلى المتهم ذلك أن تقرير الإدانة لابد أن ينبني على القطع واليقين وهو ما لا يكفي في شأنه مجرد ادعاء لم يسانده أو يؤازره ما يدعمه ويرفعه إلى مستوى الحقيقة المستقاة من الواقع الناطق بقيامها المفصح عن تحققها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى إدانة الطاعن على ما أبداه المدير الإداري لمؤسسة بغداد شفاهة من أن الطاعن قد أبدى استعداده للقيام بأعمال التأمينات لها وتردد بالفعل على تلك المؤسسة بعد الساعة الثانية ظهراً وحرر بعض الاستمارات الخاصة بالتأمين على العاملين بها، ثم عاد وقرر في خطاب موجه منه مدير عام الرقابة بالهيئة أن الطاعن ذهب لمقر المؤسسة وأفاد بأنه في إجازة خاصة بدون مرتب ويرغب في العمل بها وبالفعل عمل بها عدة شهور وحرر بعض الاستمارات وذلك بعد مواعيد العمل الرسمية وقدم بعض صور استمارات التأمين الخاصة بهذه المؤسسة ادعى أنها عن الطاعن، بيد أن الطاعن أنكر الاتهام المنسوب إليه في التحقيقات التي أجرتها النيابة الإدارية، كما أنكر وجود توقيعات له على الاستمارات المشار إليها أو أنها محررة بخطة ورغم ذلك لم تسع الجهة القائمة بالتحقيق إلى سماع شهود آخرين للتيقن مما ادعاه المدير الإداري لمؤسسة بغداد ولم تبين مدى علاقة العمل التي ارتبط بها بتلك المؤسسة وما مقدار الأجر الشهري الذي حصل عليه وما هي الأعمال التي أنجزها مقابل ذلك وما سبب عمله بعد مواعيد العمل الرسمية في حين أن الطاعن قد أبلغه أنه في إجازة خاصة بدون مرتب ويرغب في العمل في تلك المؤسسة أي يرغب في الالتحاق بالعمل لديها خلال مواعيد العمل الرسمية طالما أنه غير مرتبط بعمله الأصلي لكونه في إجازة خاصة بدون مرتب، كل ذلك يجعل الدليل الذي استندت إليه المحكمة لإدانة الطاعن على الوجه المتقدم دون أن تسانده أقوال شهود أو تؤكده دلائل أخرى تدحض إنكار الطاعن، من شأنه استبعاد التحقيق الذي أجرته النيابة الإدارية ثم استناد المحكمة إلى ادعاء لم يتم تمحيص مدى صحته، ومن ثم فإن تقرير الإدانة لم يبن على القطع واليقين واستخلاص إدانة الطاعن من خلال هذا الادعاء يكون استخلاصاً غير سائغ.
ومن حيث إنه مما يعيب أياً من القرار التأديبي والحكم التأديبي أن يكون مستخلصاً استخلاصاً غير سائغ من الأوراق، فإن القرار التأديبي والحكم التأديبي المطعون فيهما وقد احتويا هذا العيب يكونان واجبي الإلغاء.
ومن حيث إنه ليس في الأوراق ما يقطع بثبوت الاتهام المنسوب إلى الطاعن في حقه فإنه يتعين القضاء بإلغاء القرار الصادر بمجازاته. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك فإنه يكون واجب الإلغاء.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار التأديبي المطعون فيه الصادر بمجازاة الطاعن بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه.