مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الواحدة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1995 إلى آخر مارس سنة 1996) - صـ 529

(63)
جلسة 11 من فبراير سنة 1996

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ رائد جعفر النفراوي - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: مصطفى محمد المدبولي أبو صافي، والسيد محمد السيد الطحان، وأدوارد غالب سيفين، وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2528 لسنة 36 القضائية

الأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف - حماية مجرى النيل وجسوره - القيود الواردة على الأراضي الواقعة بين جسور النيل أو الترع العامة أو المصارف والخارجة عنها.
المادتان 1، 5 من قانون الري والصرف رقم 12 لسنة 1984.
المشرع حدد الأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف ومن بينها الرياحات والترع العامة والمصارف العامة وجسورها وكذلك الأراضي والمنشآت الواقعة بين تلك الجسور - بالنظر إلى ما قد يتخلل الأملاك العامة من أراضي أو منشآت مملوكة ملكية خاصة للدولة أو لغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة أو الخاصة أو مملوكة للأفراد فقد استثناها المشرع من الخضوع للأحكام القانونية الواجبة التطبيق على الأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف - ومع ذلك أخضعها المشرع لعدة قيود القصد منها حماية مجرى النيل والرياحات والترع العامة والمصارف العامة وجسورها - يتعين على مالك الأرض المحصورة بين جسور النيل أو الترع العامة أو المصارف العامة وكذلك المالك للأراضي الواقعة خارج جسور النيل لمسافة ثلاثين متراً وخارج منافع الترع والمصارف لمسافة عشرين متراً أن يحصل على ترخيص من وزارة الري بالأعمال التي يزمع القيام بها بالأرض المملوكة له، فإذا قام بالبناء أو بإجراء أية أعمال دون الحصول على ترخيص من وزارة الري كان متعدياً على منافع الري والصرف بالمخالفة لأحكام القانون ووجب إزالة هذا التعدي بالطريق الإداري وبقرار من مدير عام الري المختص. تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 11/ 6/ 1990 أودع الأستاذ/...... المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 2528 لسنة 36 ق. ع وذلك في الحكم الصادر بجلسة 19 إبريل عام 1990 من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (دائرة الأفراد ب) في الدعوى رقم 2457 لسنة 43 ق، والقاضي برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعي المصروفات.
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن الماثل ارتأت للأسباب المبينة بالتقرير الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 3 يوليو 1995 حيث نظر الطعن بالجلسة المشار إليها والجلسات التالية وبجلسة 16 أكتوبر 1995 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى هذه المحكمة لنظره بجلسة 10 ديسمبر 1995 حيث تم نظر الطعن ومناقشة أدلته التفصيلية وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وقد صدر الحكم بالجلسة المحددة وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 26 يناير 1989 أقام الطاعن الدعوى رقم 2457 لسنة 43 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (دائرة الأفراد ب) بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار مدير عام الري بالغربية رقم 26 لسنة 1988 في 26 مارس 1988 م المتضمن إزالة التعديات للمباني المحرر عنها محضر المخالفة رقم 678 في 26 يناير 1988 وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقال المدعي (الطاعن) شرحاً لدعواه أنه فوجئ بتاريخ 4 نوفمبر 1988 بطلب من مركز شرطة بسيون لإبلاغه بالقرار المطعون فيه، فتقدم بتظلم إلى المدعى عليه الثاني (المطعون ضده الثاني) بتاريخ 5 نوفمبر 1988 حيث تم التأشير على التظلم بإحالته إلى الشئون القانونية بالمديرية للفحص، وكان قد التمس في تظلمه وقف تنفيذ القرار لحين بحث التظلم غير أنه فوجئ في 22 يناير 1989 بطلب آخر من مركز شرطة بسيون لتنفيذ القرار فاعتبر ذلك رفضاً لتظلمه مما حدا به إلى إقامة دعواه طعناً على القرار لمخالفته القانون ذلك أن محضر المخالفة رقم 678 في 16 يناير 1988 المحرر ضده عن المبنى أحيل إلى محكمة الجنح الجزئية ببسيون بعدم قيده جنحه تحت رقم 2058/ 88 جنح بسيون وقضت فيه المحكمة بجلسة 11 أكتوبر 1988 ببراءته مما أسند إلية من التعدي على أملاك الدولة بالبناء عليها وإجراء عمل خاص داخل حدود الري والصرف، وذلك بعد إجراء معاينه للمبنى من جانب الوحدة المحلية حيث اتضح منها عدم قيامه بالبناء على أرض مملوكة للدولة، وأن حكم محكمة الجنح أصبح نهائياً بعدم الطعن عليه وحائزاً لحجية لأمر المقضى به، وأن المدعى عليه الأول (المطعون ضده الأول) لم يحترم حجية الحكم الجنائي وأراد تنفيذ القرار المطعون فيه.
وفى مجال الرد على الدعوى أوردت الجهة الإدارية أن المدعي (الطاعن) خالف أحكام قانون الري والصرف بالتعدي على جسر وصلة بحر عاصي البر الأيمن عند الكيلو رقم (1) بناحية عذبة عوض العيسوي مركز بسيون وذلك ببناء منزل من الخرسانة المسلحة والطوب الأحمر بأبعاد 12 متر × 10 متر دون ترخيص من الري فتحرر محضر المخالفة رقم 678 لسنة 1988 وصدر قرار الإزالة استناداً إلى المادة (98) من قانون الري والصرف، وأنه لا يجوز للمدعي التحدي بحجية الحكم الجنائي ذلك أنه يتضح من الاطلاع على الحكم المشار إليه أن المحكمة الجنائية أقامت قضاءها على أن البناء أقيم على أرض مملوكة للمدعي وليس على أرض مملوكة للدولة وبالتالي فلا يعتد بحكم البراءة في نفي المخالفة لأحكام القانون رقم 12 لسنة 1984. بشأن الري والصرف فالمخالفة لهذا القانون ثابتة في حق المدعي ولا يؤثر في قيامها أنها وقعت في أرض مملوكة له أو للغير طالما أنها وقعت في منافع الري التي لا يجوز التعدي عليها دون ترخيص.
وبجلسة 19 أبريل 1990 قضت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (دائرة الأفراد ب) برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المدعي المصروفات، وقد استندت المحكمة في قضائها إلى أن مفاد نصوص المواد 1، 9، 98 من القانون رقم 12 لسنة 1984 بشأن الري والصرف أن المشرع حظر إجراء أية أعمال أو إقامة أية منشآت في الأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف ومن بينها نهر النيل وجسوره وجسور الترع والمصارف العامة والرياحات إلا بترخيص من وزارة الري، وكذلك الأمر بالنسبة للأراضي المملوكة ملكية خاصة للدولة أو لغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة أو الإفراد الواقعة خارج منافع الري لمسافة 30 متراً خارج جسور النيل و20 متراً خارج منافع الترع، وأنه إذا تمت أية أعمال بالمخالفة لهذه الأحكام فإنه يحق لمهندس الري تكليف المستفيد من ذلك التعدي بإعادة الشيء إلى أصلة فإذا تخلف كان لمدير عام الري المختص إصدار قرار بإزالة التعدي طبقاً للمادة (98) من القانون المشار إلية وهو الأمر الذي تحقق في شأن المدعي، وأنه لا وجه لما يستند إلية المدعي من صدور حكم جنائي ببراءته عن ذات المخالفة فذلك مردود عليه بأنه ولئن كان البناء قد تم في أرض المدعي إلا أنه وقع داخل منافع الري التي لا يجوز التعدي عليها دون ترخيص وبالتالي فإن القرار المطعون فيه يكون بحسب الظاهر من الأوراق مطابقاً للقانون ويضحى طلب وقف تنفيذه مفتقداً ركن الجدية.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه، وكما شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وذلك لما يلي:
1 - مخالفة الحكم المطعون فيه لمبدأ حجية الشيء المقضي به، فقد صدر حكم محكمة - جنح بسيون الجزئية بجلسة 11/ 10/ 1988 في الجنحة رقم 2058 لسنة 1988 قاضياً ببراءة الطاعن مما أسند إليه من التعدي على أملاك الدولة بعد ثبوت إقامة البناء على ممتلكات الطاعن وفقاً لكشف التحديد الصادر عن الطلب رقم 23 لسنة 1986 شهر عقاري بسيون، وقد حاز الحكم حجية الأمر المقضي مما لا يجوز معه للجهة الإدارية المجادلة في إثبات واقعة نفاها الحكم الجنائي وهى البناء على ممتلكات الدولة.
2 - أن القرار المطعون فيه رقم 26 لسنة 1988 قد تجاوز حدود القرار الإداري مما يعد معه عملاً مادياً من أعمال الغضب لممتلكات الطاعن والتعرض لحقوقه دون سند من المشروعية، وكان يتعين على الحكم المطعون فيه مراقبة سبب القرار الإداري الذي أصبح منتفياً بصدور الحكم الجنائي القاضي بما سلف بيانه، وبالتالي يكون الحكم المطعون فيه قد استند في قضائه إلى قرار معيب مما يعد فساداً في الاستدلال. وقد خلص الطاعن
إلى أن الحكم الطعين جاء معيباً مما يجعله جديراً بالإلغاء.
ومن حيث إن قانون الري والصرف الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1984 ينص على أنه:
مادة (1) الأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف هي:
( أ ) مجرى النيل وجسوره.........
(ب) الرياحات والترع العامة والمصارف العامة وجسورها وتدخل فيها الأراضي والمنشآت الواقعة بين تلك الجسور ما لم تكن مملوكة ملكية خاصة للدولة أو لغيرها.
(ج)...........
مادة (5) تجمل بالقيود الآتية لخدمة الأغراض العامة للري والصرف للأراضي المملوكة ملكية خاصة للدولة أو لغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة أو الخاصة أو المملوكة للأفراد والمحصورة بين جسور النيل أو الترع العامة أو المصارف العامة وكذلك الأراضي الواقعة خارج جسور النيل لمسافة ثلاثين متراً وخارج منافع الترع والمصارف لمسافة عشرين متراً وكان قد عهد بالإشراف عليها إلى إحدى الجهات المشار إليها في المادة السابقة.
( أ )...... (ب).......
(ج) لا يجوز بغير ترخيص من وزارة الري إجراء أي عمل بالأراضي المذكورة أو إحداث حفر بها من شأنه تعريض سلامة الجسور للخطر أو التأثير في التيار تأثيراً يضر بهذه الجسور أو بأراضي أو منشآت أخرى.
(د) لمهندسي وزارة الري دخول تلك الأراضي للتفتيش على ما يجرى بها من أعمال فإذا تبين لهم أن أعمالاً أجريت أو شرع في إجرائها مخالفة للأحكام السابقة كان لهم تكليف المخالف بإزالتها في موعد مناسب وإلا جاز لهم وقف العمل وإزالته إدارياً على نفقته.
مادة (98) لمهندس الري المختص عند وقوع تعدي على منافع الري والصرف أن يكلف من استفاد من هذا التعدي بإعادة الشيء لأصله في ميعاد يحدده وإلا قام بذلك على نفقته، ويتم إخطار المستفيد..... فإذا لم يقم المستفيد بإعادة الشيء لأصله في الموعد المحدد يكون لمدير عام الري المختص إصدار قرار بإزالة التعدي إدارياً، وذلك مع عدم الإخلال بالعقوبات المقررة في هذا القانون.
ومن حيث إن مفاد هذه النصوص أن المشرع حدد في المادة الأولى من قانون الري والصرف الأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف ومن بينها الرياحات والترع العامة والمصارف العامة وجسورها وكذا الأراضي والمنشآت الواقعة بين تلك الجسور، وأنه بالنظر إلى ما قد يتخلل الأملاك العامة من أراضي أو منشآت مملوكة ملكية خاصة للدولة أو لغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة أو الخاصة أو مملوكة لأفراد فقد استثناها المشرع من الخضوع للأحكام القانونية الواجبة التطبيق على الأملاك العامة ذات الصلة بالري والصرف، ومع ذلك - ونظراً لموقع الأراضي والمنشآت المستثناة وتداخلها مع الأملاك العامة المشار إليها فقد أخضعها المشرع لعدة قيود القصد منها حماية مجرى النيل والرياحات والترع والمصارف العامة وجسورها، وطبقاً للمادة الخامسة من القانون المشار إليها يتعين على مالك الأرض المحصورة بين جسور النيل أو الترع العامة أو المصارف العامة وكذلك المالك للأراضي الواقعة خارج جسور النيل لمسافة ثلاثين متراً وخارج منافع الترع والمصارف لمسافة عشرين متراً أن يحصل على ترخيص من وزارة الري بالأعمال التي يزمع القيام بها بالأرض المملوكة له فإذا قام المالك بالبناء أو بإجراء أية أعمال دون الحصول على ترخيص من وزارة الري كان متعدياً على منافع الري والصرف بالمخالفة لأحكام القانون ووجب إزالة هذا التعدي بالطريق الإداري وبقرار من مدير عام الري المختص.
ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم ولما كان البادي من ظاهر الأوراق أنه بتاريخ 26 يناير 1988 حررت الجهة الإدارية المطعون ضدها مخالفة الطاعن حاصلها بناء منزل من الخرسانة المسلحة والطوب بأبعاد 12×10 متراً على الأرض المملوكة له الواقعة على جسر وصلة بحر عاص كيلو (1) البر الأيمن بناحية عزبة حوض العيسوي التابعة لكتان الغابة مركز بسيون غربية، والتي تبعد عن منافع إلى مسافة خمسة عشر متراً مخالفاً بذلك أحكام المادتين 5، 98 من قانون الري والصرف الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1984 التي تقضي بوجوب الحصول على ترخيص من وزارة الري بحسبانها محملة بالقيود المقررة لخدمة أغراض الري والصرف حسبما سلف البيان إذ أن الأرض المقام عليها البناء، تقع خارج وصلة بحر عاص على مسافة خمسة عشر متراً أي تقل عن مسافة عشرين متراً خارج منافع الري الأمر الذي يكون معه تدخل الجهة الإدارية بإصدار قرار إزالة أسباب المخالفة المطعون فيه - بحسب الظاهر - قد صدر مطابقاً لأحكام القانون ومن ثم يتخلف ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه مما يتعين معه رفض الطلب دون حاجة لبحث مدى توافر ركن الاستعجال لعدم جدواه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب هذا المذهب وقضى برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه فإنه يكون قد صادف صحيح حكم القانون وأصاب وجه الحق في قضائه مما يكون معه الطعن عليه غير قائم على أساس سليم من القانون متعين الرفض.
ومن حيث إنه لا حجاج فيما نعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من أنه خالف مبدأ حجية الشيء المقضى به والذي كان يتعين إعمال مقتضاه طالما أن الحكم الجنائي الصادر في الجنحة رقم 2058 لسنة 1988 السالف الإشارة إليه قد قضى ببراءة الطاعن من مخالفة التعدي على أملاك الدولة استناداً إلى أن الأرض التي تم عليها البناء مملوكة للطاعن، وأن قرار إزالة التعدي المطعون فيه قد صدر استناداً إلى أن الطاعن أقام البناء على أرض مملوكة للدولة، لا حجاج في ذلك إذ أنه من الجلي أن سبب القرار هو مخالفة الطاعن للأحكام القانونية الخاصة بقيود خدمة الري والصرف المحملة بها الأرض المملوكة للطاعن والتي تم البناء عليها دون ترخيص من وزارة الري ولم يكن سبب القرار هو البناء على أراضي مملوكة للدولة، ومن ثم يتعين الالتفات عن هذا النعي على الحكم الطعين.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بنص المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.