مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الواحدة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1995 إلى آخر مارس سنة 1996) - صـ 615

(73)
جلسة 24 من فبراير سنة 1996

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعت - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: منصور حسن علي عربي، وأبو بكر محمد رضوان، وعبد القادر هاشم النشار، وغبريال جاد عبد الملاك - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 454 لسنة 38 القضائية

تأديب - تقدير الجزاء في المجال التأديبي - عدم الغلو في تقدير الجزاء - جسامة العمل المادي المشكل للمخالفة التأديبية يرتبط بالاعتبار المعنوي المصاحب لارتكابها.
إن تقدير الجزاء في المجال التأديبي متروك إلى حد بعيد لتقدير من يملك توقيع العقاب التأديبي سواء كان الرئيس الإداري أو مجلس التأديب أو المحكمة التأديبية غير أن هذه السلطة تجد حدها عند قيد عدم جواز إساءة استعمال السلطة والذي يتحقق عند ظهور عدم التناسب بين المخالفة التأديبية وبين الجزاء الموقع عنها وهو ما يعبر عنه بالغلو في تقدير الجزاء الذي يصم الإجراء التأديبي بعدم المشروعية ويجعله واجب الإلغاء - التناسب بين المخالفة التأديبية وبين الجزاء الذي يوقع عنها إنما يكون على ضوء التحديد الدقيق لوصف المخالفة في ضوء الظروف والملابسات المكونة لأبعادها - مؤدى ذلك أن جسامة العمل المادي المشكل للمخالفة التأديبية إنما ترتبط بالاعتبار المعنوي المصاحب لارتكابها بحيث لا تتساوى المخالفة القائمة على غفلة أو استهتار أو إهمال بتلك القائمة على عمد والهادفة إلى غاية غير مشروعة إذ لا شك أن الأولى أقل جسامة من الثانية، وهذا ما يجب أن يدخل في تقدير من يقوم بتوقيع الجزاء التأديبي على ضوء ما يستخلصه استخلاصاً سائغاً من الأوراق. تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 29 من شهر يناير سنة 1992 أودع الأستاذ/.... وكيلاً عن الطاعن..... قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد برقم 454 لسنة 38 ق عليا في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للرئاسة والحكم المحلي بجلسة 30/ 11/ 1991 في الدعوى رقم 91 لسنة 29 ق والقاضي بمجازاة الطاعن بالخفض إلى وظيفة من الدرجة الأدنى.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة في تقرير الطعن - بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبراءته مما نسب إليه واحتياطياً استعمال منتهى الرأفة وتعديل الحكم المطعون فيه.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده - النيابة الإدارية - على الوجه المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه - للأسباب المبينة به - الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 26/ 7/ 1995 وبجلسة 22/ 11/ 1995 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة" وحددت لنظره جلسة 6/ 1/ 1996، وبهذه الجلسة قررت المحكمة حجز الطعن للحكم فيه بجلسة اليوم 24/ 2/ 1996، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية المقررة ومن ثم فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى رقم 91 لسنة 29 ق أمام المحكمة التأديبية للرئاسة والحكم المحلي مشتملة على تقرير باتهام الطاعن/...... موظف التأشير الهامشي بمكتب الشهر العقاري بالجيزة وحالياً رئيس فرع قصر النيل للشهر العقاري (درجة ثانية).2 - ..... أمين مساعد والمشرف على قسم التأشير الهامشي بمكتب الجيزة وحالياً وكيل إدارة التوثيق بمصلحة الشهر العقاري (درجة أولى) لأنهما خلال المدة من 19/ 5/ 1986 حتى 9/ 7/ 1986 خرجا على مقتضى الواجب الوظيفي ولم يؤديا عملهما بدقة وأمانة بأن الأول قبل طلبي التأشير الهامشي رقمي 98 لسنة 86 و 106 لسنة 86 من المدعو/..... دون أن يتحقق من شخصيته وصفته بالمخالفة للتعليمات وقام بالتأشير الهامشي على العقدين المشهرين برقمي 3187 لسنة 1939 جيزة و2787 لسنة 1980 بموجب صورة حكم نسب صدوره لمحكمة حلوان دون التحري عن حقيقته وأنه غير موقع من كاتب أول المحكمة وثبت بعد ذلك تزويره ودون أن يطلب ترجمة رسمية للعقد الأول أو صورة من عريضة الدعوى ولم يقم بإخطار مقدم طلب التأشير رقم 106 لسنة 1986 المؤرخ 3/ 6/ 1986 بوقفه بكتاب موصى عليه بعلم الوصول وقام بتنفيذه في 9/ 7/ 1986 بعد فوات الميعاد وذلك بالمخالفة لتعليمات الشهر العقاري، واحتفظ لنفسه بمذكرة إيقاف الطلب رقم 106 لسنة 1986 دون إرفاقها بالملف أو إثباتها بسجل قيد الطلبات، وأجرى تأشيراً مشياً بموجب الحكم الصادر المشار إليه على السجل ورقم 2782 لسنة 1981 دون أن يكون للحكم المذكور أية علاقة أو ارتباط به. أما المحال الثاني فقد اعتمد التأشيرات الهامشية السابقة دون أن يكون مرفقاً بها المستندات المطلوبة واللازم توافرها قبل الاعتماد وأهمل في الإشراف والمراقبة على المحال الأول بما يترتب عليه ارتكاب المخالفات سالفة الذكر، وارتأت النيابة الإدارية أن المحالين يكونا بذلك قد ارتكبا المخالفات الإدارية المنصوص عليها بالمواد 1176، 1177، 78 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 وطلبت محاكمتهما طبقاً للمواد المشار إليها بتقرير الاتهام.
ومن حيث إنه بجلسة 30/ 11/ 1991 حكمت المحكمة التأديبية للرئاسة والحكم المحلي بمجازاة......... (الطاعن) بالخفض إلى وظيفة من الدرجة الأدنى وبمجازاة المحال الثاني....... بغرامة تساوي ثلاثة أضعاف الأجر الأساسي الذي كان يتقاضاه في الشهر عند انتهاء خدمته، وأقامت المحكمة قضاءها على أنه قد ثبت في حق المتهم الأول أنه قبل طلبي التأشير المشار إليهما دون التأكد من شخصية أو صفة مقدم الطلبين وإنه لم يتحر عن حقيقة صورة الحكم التي استند إليها مقدم الطلبين خاصة وأنها لم توقع من كاتب أول المحكمة ولم يصحب الطلب بترجمة رسمية للعقد موضوع صورة الحكم، كما لم يصحب بصورة من عريضة الدعوى، ولم يقم بإخطار مقدم طلب التأشير الهامشي رقم 106/ 1986 بوقف الطلب طبقاً لتعليمات الشهر العقاري واحتفظ بمذكرة إيقاف ذلك الطلب وأجرى تأشيراً على هامش العقد المسجل رقم 2782 لسنة 1981 استناداً إلى صورة الحكم المشار إليها رغم اختلاف موضوعهما ومن ثم وإذ ثبت في حق المحال المذكور ما تقدم فإنه يكون قد خرج على مقتضى الواجب الوظيفي وأهمل إهمالاً جسيماً في أداء العمل المنوط به إلى حد التفريط في حقوق المواطنين التي عهد للمتهمين بالمحافظة عليها وصيانة حقوقهم الثابتة بسجلات الشهر العقاري.
ومن حيث إن مبنى الطعن في الحكم المشار إليه أنه قد شابه القصور في أسبابه وفساد استدلالاته إذ أنها أغفلت ما قرره الطاعن بالتحقيقات من أنه وإن كان من خريجي كلية الحقوق عام 1956 إلا أنه حديث العمل والخبرة بمصلحة الشهر العقاري إذ قضى فترة كبيرة بالقوات المسلحة تصل إلى ما يقرب إلى سبعة عشر عاماً من بدء تخرجه واستلامه عمله بمصلحة الشهر العقاري ومن ثم فإن المخالفة المنسوبة إليه أتت على سبيل الخطأ الغير المتعمد وترجع إلى عدم إلمامه بلوائح وتعليمات الشهر العقاري وثانياً عدم تناسب العقوبة الواردة بالحكم مع المخالفة المنسوبة للطاعن وأن الحكم الصادر بخفض وظيفة الطاعن إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مشوب بعدم الملائمة بين الذنب الإداري والجزاء الموقع عنه.
ومن حيث إن تقدير الجزاء في المجال التأديبي متروك إلى مدى بعيد لتقدير من يملك توقيع العقاب التأديبي سواء كان الرئيس الإداري أو مجلس التأديب أو المحكمة التأديبية غير أن هذه السلطة تجد حدها عند قيد عدم جواز إساءة استعمال السلطة والذي يتحقق عند ظهور عدم التناسب بين المخالفة التأديبية وبين الجزاء الموقع عنها وهو ما يعبر عنه بالغلو في تقدير الجزاء الذي يصم الإجراء التأديبي بعدم المشروعية ويجعله واجب الإلغاء والتناسب بين المخالفة التأديبية وبين الجزاء الذي يوقع عنها إنما يكون على ضوء التحديد الدقيق لوصف المخالفة في ضوء الظروف والملابسات المكونة لأبعادها فإن مؤدى ذلك أن جسامة العمل المادة المشكل للمخالفة التأديبية إنما يرتبط بالاعتبار المعنوي المصاحب لارتكابها بحيث لا تتساوى المخالفة القائمة على غفلة أو استهتار أو إهمال بتلك القائمة على عمد والهادفة إلى غاية غير مشروعة إذ لا شك أن الأولى أقل جسامة من الثانية، وهذا ما يجب أن يدخل في تقدير من يقوم بتوقيع الجزاء التأديبي على ضوء ما يستخلصه استخلاصاً سائغاً من الأوراق.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد استخلص في حيثياته أن الطاعن قد ثبت في حقه المخالفات المنسوبة إليه من قيامه بقبول طلبي التأشير المشار إليهما دون التأكد من شخصية أوصفة مقدم الطلبين وأنه لم يتحر عن حقيقة صورة الحكم التي استند إليها مقدم الطلبين وأنه لم يقم بإخطار مقدم طلب التأشير الهامشي رقم 106 لسنة 1986 بوقف الطلب طبقاً لتعليمات الشهر العقاري واحتفظ بمذكرة إيقاف ذلك الطلب وأجرى تأشيراً على هامش العقد المسجل رقم 2782 لسنة 1981 استناداً إلى صورة الحكم المشار إليها رغم اختلاف موضوعهما ومن ثم فإنه قد ثبت في حقه تلك المخالفات وبذلك يكون قد خرج على مقتضى الواجب الوظيفي وأهمل إهمالاً جسيماً في أداء العمل المنوط به إلى حد التفريط في حقوق المواطنين الموكول إليه المحافظة عليها.
ومن حيث إن الطاعن لم ينكر وقوع تلك المخالفات منه بيد أنه نفى تماماً تعمده ارتكابها وأرجع وقوعه فيها إلى حداثة التحاقه بمصلحة الشهر العقاري وقلة خبرته إذ أنه قضى ما يقرب من السبعة عشر عاماً بالقوات المسلحة وعندما عاد للعمل بالشهر العقاري أسند إليه عمل يناسب أقدميته مما كان من شأنه وقوع المخالفات المنسوبة إليه والتي أتت على سبيل الخطأ الغير متعمد لعدم إلمامه بلوائح وتعليمات الشهر العقاري.
ومن حيث إنه لما سبق وقد ثبت من الحكم المطعون فيه إن المحكمة قد أقامت قضاءها على أن المخالفات المنسوبة إلى الطاعن تنطوي على إهماله إهمالاً جسيماً في أداء العمل المنوط به، ولم يستظهر من الأوراق ما يشير على توافر صفة العمد فيما أقدم عليه الطاعن من مخالفات، ومن ثم تكون المخالفات المنسوبة إليه قائمة على الغفلة والاستهتار والإهمال ولم تقم على عمد وبهدف غاية غير مشروعة مما يجعل الجزاء الموقع على الطاعن وهو الخفض إلى الوظيفة الأدنى يتسم بالغلو وعدم التناسب بين المخالفة والجزاء الموقع عنها الأمر الذي يقتضي إلغاء الحكم المطعون فيه وتوقيع الجزاء الذي يتناسب واقعاً وقانوناً مع ما يثبت في حق الطاعن من مخالفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، فيما قضى به من مجازاة الطاعن بالخفض إلى وظيفة من الدرجة الأدنى، ومجازاته بتأجيل الترقية عند استحقاقها لمدة سنتين.