مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الواحدة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1995 إلى آخر مارس سنة 1996) - صـ 703

(81)
جلسة 27 من فبراير سنة 1996

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا حنا - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: د. محمد عبد السلام مخلص، وعلي فكري حسن صالح، وحمدي محمد أمين الوكيل، والصغير محمد محمود بدران - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعنان رقما 2712، 2839 لسنة 39 القضائية

تأديب - محاكمة تأديبية - إثبات الواقعة المنسوبة للعامل - شهادة الشهود - تقديرها.
إثبات الواقعة المنسوبة للعامل بشهادة الشهود وحدها يقتضي ألا يكون بينه وبين من سمعت شهادته ضغينة سابقة وألا يكون في مسلك الشاهد تجاه الواقعة أو في الظروف التي سبقت الإدلاء بشهادته ما يحول دون الاطمئنان إلى تلك الشهادة، وأن لا ينطوي إثبات الواقعة بشهادة الشهود على إخلال بحق الدفاع بالأعراض عن سماع شهود ممن حضروا الواقعة غير شهود الإثبات الذين بدأوا الاتهام أصلاً.
القول بأن الشركة لا تملك ولاية تخولها استدعاء غيرهما من شهود الواقعة التابعين لشركات أخرى إنما يؤدى إلى تعذر إثبات الوقائع المنسوبة إلى الطاعنة وليس التسليم بثبوتها - فالمخالفة يجب أن يثبت على وجه القطع واليقين - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 12/ 5/ 1993 أودع الأستاذ/..... المحامي بصفته وكيلاً عن.... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقريراً قيد برقم 2712 لسنة 39 ق. عليا وذلك طعناً على الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارتي النقل والمواصلات بجلسة 28/ 3/ 1993 في الطعن رقم 72 لسنة 26 ق الذي قضى بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعنة..... بالخفض لوظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة والقضاء بمجازاتها بخصم أجر شهر من راتبها مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقد طلبت الطاعنة للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم لها بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه والحكم بإلغاء القرار رقم 1081 لسنة 1991 المطعون فيه وإلغاء كافة الآثار المترتبة عليه، وقد أعلن الطعن للمطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق.
وبتاريخ 28/ 5/ 1993 أودعت الأستاذة....... المحامي بصفتها وكيله عن رئيس مجلس إدارة شركة النيل العامة لأتوبيس الوجه القبلي قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً طعن قيد برقم 2839 لسنة 39 ق. عليا وذلك طعناً على الحكم سالف الذكر الصادر في الطعن رقم 72 لسنة 26 بجلسة 28/ 3/ 1993، وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وقد أعلن الطعن للمطعون ضدها على الوجه المبين بالأوراق.
وبعد تحضير الطعنين أعدت فيهما هيئة مفوضي الدولة تقريراً انتهى للأسباب الواردة به إلى قبول الطعنين شكلاً وفى موضوع الطعن الأول رقم 2716 لسنة 39 ق بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء قرار الجزاء رقم 1081 لسنة 1992 فيما تضمنه من خفض وظيفة الطاعنة مع ما يترتب على ذلك من آثار وبرفض الطعن الثاني رقم 2839 لسنة 39 ق موضوعاً.
وقد نظرت دائرة فحص الطعون بالدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا الطعنين على الوجه المبين بالأوراق وبجلسة 21/ 12/ 1994 حضرت أمامها الطاعنة...... وأودعت الشركة مذكرة بدفاعها وقررت الدائرة ضم الطعنين ليصدر فيهما حكم واحد وبتصريح من الدائرة أودعت الطاعنة مذكرة بدفاعها وبجلسة 1/ 2/ 1995 قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثالثة (موضوع) وقد نظرت الدائرة الأخيرة الطعنين على الوجه المبين بمحاضر الجلسات إلى أن قررت حجز الطعنين للحكم، وبجلسة اليوم 27/ 2/ 1996 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالطعن رقم 2712 لسنة 39 ق عليا فأنه لما كان الحكم المطعون فيه قد صدر بجلسة 28/ 3/ 1993 وكانت الطاعنة قد أقامت الطعن في 12/ 5/ 1993، فإنه يكون مقاماً خلال الميعاد المحدد بالمادة 44 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، وإذ استوفى الطعن سائر أوضاعه الشكلية فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالطعن رقم 2839 لسنة 39 ق. عليا فإنه لما كان الطعن قد أقيم في 18/ 5/ 1993 فإنه يكون مقاماً كذلك في الميعاد وإذ استوفى سائر أوضاعه الشكلية فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أن الطاعنة......... أقامت في 15/ 6/ 1992 الطعن التأديبي رقم 72 لسنة 26 ق للحكم لها بإلغاء القرار رقم 1081 لسنة 1992 الصادر من مجلس إدارة الشركة في 6/ 6/ 1992 فيما تضمنه من مجازاتها بخفض وظيفتها للدرجة الأدنى مع ما يترتب على ذلك من آثار، وذلك استناداً إلى أن القرار المطعون فيه أسس على واقعة القذف في حق مجلس الإدارة التي نسبت إليها أثناء تواجدها بدورة تدريبية بجمعية إدارة الأعمال في الفترة من 23/ 11/ 1991 حتى 16/ 12/ 1991 وكذلك بندوة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بتاريخ 11/ 2/ 1992، وذلك بالرغم من عدم ثبوت تلك الواقعة بالدليل المادي أو القولي، وبالرغم من أنها نفت الواقعة في التحقيق، وأوضحت الطاعنة أنها طلبت سماع شهادة من حضروا التدريب والندوة في التحقيق وأنها لم تجب إلى طلبها، كما أن التحقيق لم يقطع بصحة إسناد الواقعة إليها، وأضافت أنها أقامت دعوى عمالية ضد الشركة بسبب نقلها من موقع عملها إلى موقع آخر بهدف الإساءة إلى مركزها الوظيفي والضغط عليها للتنازل عن الطعن في قرار الجزاء سالف الذكر، وبجلسة 28/ 3/ 1993 صدر الحكم المطعون فيه بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعنة........ بالخفض إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة والقضاء بمجازاتها بخصم أجر شهر من راتبها مع ما يترتب على ذلك من آثار، واستند الحكم في قضائه إلى المذكرة المقدمة المحررة في 21/ 12/ 1991 والمقدمة في 1/ 3/ 1992 من..... المهندس ومدير مركز التدريب بفرع الشركة بالمنيا و...... مدير عام مركز التدريب بالشركة والتي جاء بها أنها أثناء حضورها معهما دورة التدريب بجمعية إدارة الأعمال العربية في المدة من 23/ 11/ 1991 حتى 16/ 12/ 1991 تلفظت بألفاظ تسيء إلى الشركة خلال المحاضرات والاشتراكات وأن تلك الألفاظ تضمنت منح المحاضرات للمرتزقة وانعدام الكفاءات بالشركة وأن العصر عصر أقزام، كما استند الحكم إلى المذكرة المقدمة في 12/ 2/ 1992 من...... مدير عام مركز التوفيق والمعلومات بالشركة الذي نسبت للطاعنة مقاطعة المحاضرين بندوة الجهاز المركزي يوم 11/ 2/ 1992 واستهجان تكليف المهندسين بإلقاء المحاضرات، وأن رئيس مجلس إدارة الشركة قرر في 1/ 3/ 1992 إحالة المذكرتين إلى الشئون القانونية للتحقيق في الوقائع المنسوبة للطاعنة، وأن التحقيق انتهى إلى اعتبارها وقع منها إساءة بالغة في حق الشركة والمسئولين بها وتشويه لسمعة الشركة أمام العاملين بالشركات الأخرى ممن حضروا الدورة التدريبية والندوة وذلك استناداً إلى شهادة..... و..... اللذين قدما المذكرة الأولى، وأن ذلك يثبت ارتكابها للمخالفة المنسوبة إليها، وأن الجزاء الموقع عليها لا يتناسب مع المخالفة الثابتة في حقها الأمر الذي يستوجب إلغاؤه والاكتفاء بمجازاتها بخصم أجر شهر من راتبها مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن الطعن رقم 1712 لسنة 39 ق عليا المقام من الطاعنة يستند إلى أن المخالفة المنسوبة إليها لم تثبت في حقها بصفة قاطعة وأن الجزاء وقع عليها بعد ثلاثين يوماً من الواقعة وأن التحقيق أعرض عن سماع أقوال المشتركين في دورة التدريب رغم أنها طلبت ذلك صراحة وأن تقديم الشكوى الأولى في 1/ 3/ 1992 بعد ثلاثة شهور من انتهاء دورة التدريب في 16/ 12/ 1991 يدل على عدم ارتكابها المخالفة المنسوبة إليها، وأن ما اتخذ ضدها من إجراءات جاء رداً على دعوى إقامتها طعناً على تخفيض تقرير كفاءتها من ممتاز إلى كفء ونقلها من المركز الرئيس بمدينة نصر إلى المنطقة الأولى بالمنيل، وأن الخلاف الشخصي القائم بينها وبين..... كان وراء تقديمه المذكرة المحررة في 21/ 12/ 1991 والمقدمة في 1/ 3/ 1992 وأن هذا الخلاف ثار بسبب رفض تسليمها مفاتيح المكتب الذي كان يشغله عند نقلها إلى المنطقة الأولى بالمنيل، وأن توقيع..... على المذكرة سالفة الذكر بعد ثلاثة شهور من انتهاء الدورة يدل على عدم جديتها إذ كان بوسعه أن يوقع عليها وهو بالقاهرة قبل عودته إلى مقر عمله بالمنيا كما كان في مقدوره أن يقدم شكوى بعد رجوعه إلى هذا المقر وأن ذلك يدل أيضاً على أنه وقع المذكرة بعد أن طلب منه ذلك وأن الخصومة التي نشبت بينها وبين..... بسبب رفضه تسليمها خطط التدريب بعد نقلها إلى المنطقة الأول ومحاولة إثبات تمارضها أثناء إجازة مرضية منحت لها كانت السبب وراء تقدمه بالمذكرة الثانية، وأشارت الطاعنة إلى الغلو المبين في الجزاء وأكدت أنها لم يوقع عليها أي جزاء طوال حياتها الوظيفية وأن تقارير كفايتها لم تقل عن درجة ممتاز.
ومن حيث إن الشركة الطاعنة في الطعن رقم 2839 لسنة 39 ق قد أقامت طعنها على أن الحكم قضى بشيء لم يطلبه الخصم لان المعاملة الطاعنة في الطعن التأديبي رقم 72 لسنة 26 ق طلبت إلغاء قرار الجزاء ولم تطلب تعديل الجزاء أو تخفيضه ومع ذلك قضى الحكم بتخفيض الجزاء، وأن الحكم لم يراع الظروف والملابسات التي أحاطت بالواقعة المنسوبة للعاملة والتي تقع بمناسبة الجزاء الذي تضمنه القرار مع المخالفة الثابتة في حقها، وأن الحكم تدخل في تقدير الخطورة الناجمة عن المخالفة وتقدير الجزاء المناسب لها على خلاف المستقر في قضاء المحكمة الإدارية العليا، وأكدت الشركة أنها وقعت الجزاء قبل سقوط المخالفة وفقاً لنص المادة 93 من القانون رقم 48 لسنة 1978، وأن التحقيق تضمن سماع أقوال العاملين اللذين حضروا الوقائع المنسوبة للعاملة، ولم يتضمن أقوال غيرهما لأن الشركة لا تملك ولاية عليهم تمكنها من استدعائهم للإدلاء بأقوالهم.
ومن حيث إنه لما كان القرار المطعون فيه قد صدر في 6/ 6/ 1992 وكانت الأوراق قد خلت من دليل يفيد علم الطاعنة بهذا القرار في تاريخ سابق على إقامتها الطعن رقم 72 لسنة 26 ق فإن الطعن يعتبر مقاماً في الميعاد، وإذ استوفى الطعن المشار إليه سائر أوضاعه الشكلية فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إنه لما كانت الطاعنة قد أنكرت واقعة تلفظها بالعبارات المنسوبة إليها أثناء دورة التدريب والندوة السالف ذكرهما، وكان الاستناد في إثبات تلك الواقعة إلى شهادة الشهود وحدها يقتضي ألا يكون بين الطاعنة وبين من سمعت شهادته ضغينة سابقة وألا يكون في مسلك الشاهد تجاه الواقعة أو في الظروف التي سبقت إدلائه بشاهدته ما يحول دون الاطمئنان إلى تلك الشهادة، وأن لا ينطوي إثبات الواقعة بشهادة الشهود على إخلال بحق الدفاع بالإعراض عن سماع شهود فمن حضروا الواقعة غير شهود الإثبات الذين بدأوا الاتهام أصلاً، وكان الثابت أن التحقيق الذي أجرى مع الطاعنة وقام عليه قرار الجزاء المطعون فيه استند في إثبات الواقعة إلى شهادة..... الذي نشب بينه وبين الطاعنة نزاع سابق على 1/ 3/ 1992 تاريخ تقدمه بالمذكرة التي تضمنت الاتهام المنسوب إليها وذلك بسبب إصراره على الاحتفاظ بمفتاح المكتب الذي كان يشغله بالمنطقة التي نقلت الطاعنة إليها وفقاً للثابت بالتحقيق، وكان مسلك الشاهد الثاني.... المتمثل في التراخي في التوقيع على المذكرة المحرر في 21/ 12/ 1991 حتى 1/ 3/ 1992 وفقاً للثابت بالتحقيق إنما يشكك في صحة الاتهامات التي حوتها المذكرة ويحول دون الاطمئنان إلى شهادته، وكان الثابت بالأوراق أن الجزاء الموقع على الطاعنة قد استند كذلك إلى المذكرة المقدمة من...... الذي نشب نزاع بينه وبينها وبسبب رفضه تسليمها أوراق التدريب ومحاولته إثبات تمارضها خلال إجازة مرضية منحت لها، وكان التحقيق قد اخل بحق الدفاع بإعراضه عن سماع أي شهادة أخرى غير شهادة.... و..... اللذين بدأ الاتهام بالمذكرة التي قدماها في 1/ 3/ 1992، وكان القول بأن الشركة لا تملك ولاية تخولها استدعاء غيرهما من شهود الواقعة التابعين لشركات أخرى إنما يؤدى إلى تعذر إثبات الوقائع المنسوبة إلى الطاعنة وليس إلى التسليم بثبوتها، فإن قرار الجزاء المطعون فيه يكون غير قائم على سبب يبرره لعدم ثبوت المخالفة المنسوبة للطاعنة على وجه القطع واليقين الأمر الذي يستوجب القضاء بإلغائه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب غير هذا المذهب فإنه يكون من المتعين الحكم بإلغائه كما يكون من المتعين الحكم برفض الطعن رقم 2839 لسنة 39 ق المقام من شركة النيل العامة لأتوبيس الوجه القبلي موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوع الطعن رقم 2812 لسنة 39 ق عليا بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء قرار الجزاء المطعون فيه رقم 1081 لسنة 1992 فيما تضمنه من خفض وظيفة الطاعنة إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة مع ما يترتب على ذلك من آثار وفى موضوع الطعن رقم 2839 لسنة 39 ق عليا برفضه.