مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الواحدة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1995 إلى آخر مارس سنة 1996) - صـ 817

(94)
جلسة 16 من مارس سنة 1996

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ محمد جودت أحمد الملط - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: أبو بكر محمد رضوان، وعلي فكري حسن صالح، وغبريال جاد عبد الملاك، ومحمود إسماعيل رسلان - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 191 لسنة 42 القضائية

مجلس الدولة - أعضاء - مقابل العمل الإضافي.
المواد (68) من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 والمادة (122) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1972.
المشرع قد اضطرد في القوانين المنظمة للهيئات القضائية على تنظيم شئون أعضائها تنظيماً خاصاً محكماً حددت قواعده وفقاً لأسس موضوعية - وأولى المشرع دائماً المعاملة المالية لأعضاء تلك الهيئات أهمية خاصة عكستها صراحة النصوص حيث لم تجز أن يقرر مرتب لأي عضو بصفة شخصية أو أن يعامل معاملة استثنائية بأي صورة بل أن المشرع كان حريصاً على التسوية في مجال المرتبات والبدلات والمزايا الأخرى والمعاشات بين الوظائف المماثلة بالهيئات القضائية المختلفة ولما كان مقابل العمل الإضافي بحسب مسماه الذي أطلق عليه والوصف العالق به في القرارات الصادرة بشأنه وما شرع له واستهدف من تقريره هو لمواجهة الأعمال الإضافية التي أنيطت بأعضاء الهيئات القضائية في حضور جلسات إضافية أو القيام بأعمال تزيد عن الأعمال والمعدلات التي يقومون أو يكلفون بها. وذلك للإسراع في إنجاز الدعاوى والطعون المتداولة أمام المحاكم والقضاء على مشكلة تراكمها لتصل العدالة إلى المواطنين في غير مشقة أو عناء وبدون إبطاء في ضوء ما قررته المادة (68) من الدستور - فإن هذا الهدف السامي يغدو أساساًَ مشروعاً لتقرير مقابل العمل الإضافي وإطاراً يتعين في نطاقه تفسير أحكام التنظيم اللائحي الصادر به والحكم على مشروعية قواعده وشروط منحه ومدى اعتبار هذه الشروط والقواعد مدخلاً حقيقياً ومعقولاً يرتبط بتحقيق الهدف الذي شرع الأجر الإضافي له والمصلحة العامة التي سمى التنظيم اللائحي لتحقيقها - الأعضاء المنتدبين لبعض الوقت أو في غير أوقات العمل الرسمي - يقومون - شأنهم شأن زملائهم غير المنتدبين بكافة الأعمال الأصلية والإضافية سواء بسواء ولا شأن لندبهم بعض الوقت ولا تأثير له - بذاته - على حضورهم الجلسات الإضافية أو القيام بالأعمال التي شرع الأجر الإضافي لمواجهتها ولا صلة أو رابطة تربط العمل الإضافي وما قد يقرر له من مقابل وبين الندب. تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 19/ 10/ 1995 أودع الأستاذ/...... المحامي بصفته وكيلا عن السادة المستشارين/ .....، ......، ......، .......، .....، .......، ..........، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد برقم 191 لسنة 42 ق. ع، طلبوا في ختامه الحكم بإلزام المدعى عليهم بصفاتهم أداء الزيادات التي طرأت على مقابل العمل الإضافي إليهم، وذلك اعتباراً من أول يوليه سنة 1994 مع حفظ كافة حقوقهم الأخرى.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم في 24/ 10/ 1995 وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه - لما قام به من أسباب - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلزام المدعى عليهم بصفاتهم بأن يؤدوا إلى الطاعنين الزيادات التي طرأت على مقابل العمل الإضافي وذلك اعتباراً من أول يوليه سنة 1994.
وقد حدد لنظر الطعن جلسة 27/ 1/ 1996، وفيها تقرر تأجيل نظر الطعن لجلسة 17/ 2/ 1996 لعدم اكتمال تشكيل هيئة المحكمة، وبجلسة 17/ 2/ 1996 حضر الطاعنون جميعاً عدا الطاعن الرابع الذي حضر عنه الأستاذ/....... المحامي كما طلب الأستاذ/..... المحامي عن الأستاذ/...... المحامي بصفته وكيلاً عن السادة الأساتذة المستشارين/......، .....، ......، بمقتضى توكيلات خاصة أودعت بقبول تدخلهم في مواجهة الحاضر عن الحكومة والحكم لهم بذات الطلبات الواردة بصحيفة الدعوى، وقدم الحاضر عن المطعون ضدهم مذكرة بدفاعهم وطلب الطرفان حجز الطعن للحكم، حيث تقرر حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم وفيها أودعت مسودة الحكم المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الدعوى بحسب حقيقتها وسببها وأسانيدها التي تقوم عليها تتعلق بمنازعة في مرتب، وعلى ذلك فلا تتقيد بالمواعيد والإجراءات المقررة بشأن دعاوى الإلغاء، وإذ استوفت الدعوى أوضاعها الشكلية فأنه يتعين قبولها شكلاً.
ومن حيث إنه عن التدخل في الدعوى، فإن المادة (126) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أنه "يكون لكل ذي مصلحة أن يتدخل في الدعوى منضماً لأحد الخصوم أو طالباً الحكم لنفسه بطلب مرتبط بالدعوى.
ويكون التدخل بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى قبل يوم الجلسة أو بطلب يقدم شفاهة في الجلسة في حضورهم ويثبت في محضرها ولا يقبل التدخل بعد إقفال باب المرافعة".
ومن حيث إنه طبقاً لأحكام هذا النص فإن التدخل يكون بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى قبل يوم الجلسة وهى إيداع عريضة موقعه من محام مقيد بجدول المحامين المقيدين أمام المحكمة بقلم كتاب المحكمة، أو بطلب يقدم شفاهة في الجلسة في حضور الخصوم ويثبت في محضر الجلسة.
ومن حيث إن تدخل الأساتذة المستشارين....، .....، ......، وقد تم بحضور وكليهم الجلسة وإثبات تدخلهم في محضر الجلسة في مواجهة الحاضر عن الحكومة، فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تلخص - حسبما يبين من سائر الأوراق - في أن الطاعنين أقاموا طعنهم الماثل بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 19/ 10/ 1995 طالبوا في ختامها بإلزام المدعى عليهم بصفاتهم بأداء الزيادات التي طرأت على مقابل العمل الإضافي إليهم وذلك اعتباراً من أول يوليه سنة 1994 مع حفظ كافة حقوقهم الأخرى، وقالوا شرحاً لدعواهم أن المجلس الأعلى للهيئات القضائية وافق في ديسمبر 1992 على تقرير مقابل للعمل الإضافي عن الجلسات التي تعقد علاوة على جلسات دور الانعقاد العادي للمحاكم، مقداره (400 جنيه) أربعمائة جنيه شهرياً للسادة رؤساء الهيئات القضائية ونوابهم المستشارين على أن يحرم منه أعضاء الهيئات القضائية المعارون والحاصلون على إجازات دراسية أو إجازات بدون مرتب والمنتدبون طوال الوقت خارج وزارة العدل والموجودين تحت تصرف المحكمة والمحالون إلى المحكمة التأديبية أو الجنائية أو مجلس الصلاحية، وبناء على ذلك وافقت الجمعية العمومية للمحكمة الإدارية العليا والجمعية العمومية لمحكمة القضاء الإداري والجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع على زيادة عدد جلساتها عن العدد المقرر لدور الانعقاد العادي، إلا أنه تمت الموافقة في غضون شهر يوليه سنة 1994 على زيادة مقابل العمل الإضافي للسادة أعضاء الهيئات القضائية بواقع 25% من المكافأة، زيدت اعتباراً من شهر يوليه سنة 1995 بواقع 25% أيضاً، على أن يقتصر صرف هذه الزيادة للسادة الأعضاء المتفرغين للعمل القضائي في هيئاتهم القضائية، فلا يفيد منها السادة المنتدبون طوال الوقت أو بعض الوقت في جهات غير تابعة لوزارة العدل.
وأضاف الطاعنون أنه لما كان القراران الصادران بتقرير الزيادتين المشار إليهما يعد مخالفاً القانون، فإنهم يطعنون عليهما للأسباب الآتية: -
أولاً: أن مناط استحقاق العضو لمقابل العمل الإضافي هو اشتراكه في حضور الجلسات الزائدة عن النصاب المقررة لدور الانعقاد العادي للمحكمة، ومن ثم فإن الزيادة تستحق لمن تحقق في شأنه مناط الاستحقاق ابتداء.
ثانياً: إن استحقاق السادة المستشارين المنتدبين بوزارة العدل بعض الوقت لهذه الزيادة دون غيرهم من المنتدبين بعض الوقت لوزارات أخرى، هي تفرقه في موضوع مساواة ولا سند لها من القانون.
ثالثاً: أن استحقاق السادة المستشارين المنتدبين طوال الوقت بوزارة العدل مقابل العمل الإضافي والزيادة التي طرأت عليه، على حين لا يقوم في شأنهم أصلاً مناط الاستحقاق لعدم أدائهم للعمل الإضافي يسوغ معه للمدعين المنتدبين بعض الوقت - من باب أولى - المطالبة بالزيادات التي طرأت على مقابل العمل الإضافي.
ويقوم دفاع جهة الإدارة رداً على الدعوى - على أنه من المقرر أن لجهة الإدارة وضع ضوابط وشروط تنظيمية، كما أن لها إضافة ضوابط أخرى شريطة أن تتسم هذه الضوابط بالعمومية والتجريد بحيث لا تقتصر على شخص بذاته بل تشمل فئة أو فئات معينة يجمع بينها هذا الضابط العام المجرد، وإعمالاً لذلك فقد وضعت جهة الإدارة ضوابط منح مقابل العمل الإضافي للسادة أعضاء الهيئات القضائية وتمثلت هذه الضوابط ابتداء من عدم استحقاق الأجر الإضافي للمعارين والحاصلين على إجازات دراسية أو إجازات بدون مرتب والمنتدبين طول الوقت خارج وزارة العدل والمحالين إلى المحاكمة التأديبية أو الجنائية أو مجلس الصلاحية أو من حصل على تقرير أقل من المتوسط أو سلك سلوكاً من شأنه أن يعرض أحكامه أو قراراته للبطلان، وفى شهر يوليه 1994 وافق السيد المستشار وزير العدل على زيادة مقابل العمل الإضافي بذات الضوابط المعمول بها وقصر صرفها بما له من سلطة تقديرية على السادة الأعضاء المتفرغين للعمل القضائي عدا المنتدبين طوال أو بعض الوقت في جهات غير تابعة لوزارة العدل، وذلك بواقع 25% من المقابل المقرر ابتداء، ثم زيد هذا المقابل 25% مرة أخرى، وأنه روعي في هذه الزيادات تحقيق العدالة بين أعضاء الهيئات القضائية المنتدبين منهم وغير المنتدبين تحقيقاً للصالح العام ولما كان السادة المدعون منتدبين بعض الوقت في جهات غير تابعة لوزارة العدل فإنهم غير مخاطبين بأحكام الزيادة محل الدعوى.
ومن حيث إن المادة (68) من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 تنص على أن "تحدد مرتبات القضاة بجميع درجاتهم وفقاً للجدول الملحق بهذا القانون ولا يصح أن يقرر لأحد منهم مرتب بصفة شخصية أو أن يعامل معاملة استثنائية بأية صورة" وتنص المادة (122) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 على أن "تحدد مرتبات أعضاء مجلس الدولة بجميع درجاتهم وفقاً للجدول الملحق بهذا القانون ولا يصح أن يقرر لأحد منهم مرتب بصفة شخصية أو أن يعامل معاملة استثنائية بأية صورة وتسري فيما يتعلق بهذه المرتبات والبدلات والمزايا الأخرى وكذلك بالمعاشات وبنظامها جميع الأحكام التي تقرر في شأن الوظائف المماثلة بقانون السلطة القضائية".
ومن حيث إن البين من استعراض المراحل التي مر بها تقرير مقابل العمل الإضافي أنه بجلسة 6/ 12/ 1992 وافق المجلس الأعلى للهيئات القضائية على تقرير مقابل للعمل الإضافي للسادة أعضاء الهيئات القضائية وتضمن هذا القرار منح السادة المستشارين ومن في درجتهم (400 جنيه) شهرياً والسادة الرؤساء بالمحاكم الابتدائية ومن في درجتهم (250 جنيه) شهرياً على أن يحرم من هذا المقابل فئات معينة منها المعارون والحاصلون على إجازات دراسية أو أجازات مرضية أو اعتيادية أو بدون مرتب والمنتدبون طوال الوقت خارج مجلس الدولة.
وبتاريخ 26/ 7/ 1994 ووفق على زيادة مقابل العمل الإضافي للسادة أعضاء الهيئات الإضافية بنسبة 25% من المقابل الشهري الذي يصرف لكل منهم وذلك اعتباراً من 1/ 7/ 1994 على أن تقتصر الزيادة على الأعضاء المتفرغين لعملهم القضائي في هيئاتهم القضائية فلا تسري على المنتدبين طول الوقت أو بعض الوقت في جهات غير تابعة لوزارة العدل.
وبتاريخ 10/ 12/ 1994 تمت الموافقة على زيادة مقابل العمل الإضافي بواقع 25% من المكافأة التي كانت تصرف شهرياً وبذات الضوابط المعمول بها عند تقرير الزيادة الأولى، مع قصر صرفها على السادة الأعضاء المتفرغين للعمل القضائي في هيئاتهم القضائية فلا تسري على المنتدبين طوال الوقت أو بعض الوقت في جهات غير تابعة لوزارة العدل ولتصبح (600 جنيه) لرئيس محكمة النقض ونوابه المستشارين بمحكمة النقض ومن في درجتهم 375 جنيهاً للرؤساء بالمحاكم الابتدائية ومن في درجتهم على أن تسري هذه الزيادة من 1/ 7/ 1994.
وأخيراً تقرر في 14/ 8/ 1995 زيادة مقابل العمل الإضافي للسادة الأعضاء بذات الضوابط المعمول بها وقصر صرفها للسادة الأعضاء المتفرغين للعمل القضائي في هيئاتهم القضائية عدا المنتدبين منهم طوال الوقت أو بعض الوقت في جهات غير تابعة لوزارة العدل باستثناء من يكون منتدباً للعمل بمكتب شئون أمن الدولة ولتصبح بالفئات التالية: 700 جنيه للسادة المستشارين رئيس محكمة النقض ونواب رئيس المحكمة والمستشارين ومن في درجتهم 500، 437 جنيه للسادة رؤساء المحاكم ومن في درجتهم.
ومن حيث إن المشرع قد اضطرد في القوانين المنظمة للهيئات القضائية على تنظيم شئون أعضائها تنظيماً خاصاً محكماً حددت قواعده وفقاً لأسس موضوعية، وأولى المشرع دائماً المعاملة المالية لأعضاء تلك الهيئات أهمية خاصة عكستها صراحة المادتين (68) من قانون السلطة القضائية، (122) من قانون مجلس الدولة اللتين لم تجيزا أن يقرر مرتب لأي عضو بصفة شخصية أو أن يعامل معاملة استثنائية بأية صورة، بل أن المشرع كان حريصاً على التسوية في مجال المرتبات والبدلات والمزايا الأخرى والمعاشات بين الوظائف المماثلة بالهيئات القضائية المختلفة وذلك بمقتضى المادة (122) من قانون مجلس الدولة، والمادة (20) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، والمادة (38) مكرراً من قانون النيابة الإدارية الصادر بالقانون رقم 117 لسنة 1958 والمعدل بالقانون رقم 12 لسنة 1989، والمادة الأولى من القانون رقم 89 لسنة 1973 ببعض الأحكام الخاصة بهيئة قضايا الدولة.
وهذا التنظيم الموضوعي الدقيق للشئون الوظيفية المختلفة لأعضاء الهيئات القضائية وخاصة المعاملة المالية المقررة لهم قد اقتضتها بطبيعة الحال المصلحة العامة صوناً وحماية للوظيفة القضائية ولمن يتقلدها وتوفيراً للثقة والاطمئنان في القائمين عليها نظراً لعلو شأنها وسمو رسالتها وجسامة وحساسية الأعباء التي يضطلع بها أعضاؤها.
وإذا كان هذا هو الشأن المشرع حين حرص في قوانين الهيئات القضائية المختلفة والمتعاقبة على تأكيد الأسس الموضوعية لأحكامها بما يضمن عدم التمييز بين عضو وآخر طائفة وأخرى وهي عناية من شأنها تأكيد مبدأ المساواة بين الأعضاء ضماناً لمباشرتهم رسالتهم السامية والمنصوص بها في نطاق سياج متين من الحماية القانونية فإنه يتعين أيضاً أن يكون هذا شأن الجهات المنوط بها وضع التنظيم اللائحي لبعض حقوق أعضاء الهيئات القضائية، ولا يعني هذا بحال أن تلك الجهات محظور عليها التمييز بين فئات الأعضاء طبقاً لأسس موضوعية، ذلك أن مبدأ مساواة الأعضاء في الحقوق لا يعني معاملة فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة فالتمييز المنهي عنه والذي يمثل إخلالاً بمبدأ المساواة هو التمييز الذي لا يستند إلى أساس موضوعي ويقوم على مفارقة حقيقية، أما التمييز الذي يقوم على أساس موضوعي ويعكس إطاراً مشروعاً للأغراض التي استهدفها التنظيم اللائحي تحقيقاً للصالح العام، فإنه يكون تميزاً غير مخل بالمراكز القانونية المتكافئة ويتعين الاعتداد به وإعمال آثاره.
ومن حيث إن مقابل العمل الإضافي بحسب مسماه الذي أطلق عليه والوصف العالق به في القرارات الصادرة بشأنه وما شرع له واستهدف من تقريره هو لمواجهة الأعمال الإضافية التي أنيطت بأعضاء الهيئات القضائية من حضور جلسات إضافية أو القيام بأعمال تزيد عن الأعمال والمعدلات التي يقومون أو يكلفون بها، وذلك للإسراع في إنجاز الدعاوى والطعون المتداولة أمام المحاكم والقضاء على مشكلة تراكمها لتصل العدالة إلى المواطنين في غير مشقة أو عناء وبدون إبطاء في ضوء ما قررته المادة (68) من الدستور، ومن ثم فإن هذا الهدف السامي يغدو أساساًَ مشروعاً لتقرير مقابل العمل الإضافي وإطاراً يتعين في نطاقه تفسير أحكام التنظيم اللائحي الصادر به والحكم على مشروعية قواعده وشروط منحه ومدى اعتبار هذه الشروط والقواعد مدخلاً حقيقياً ومعقولاً يرتبط بتحقيق الهدف الذي شرع الأجر الإضافي له والمصلحة العامة التي سعى التنظيم اللائحي لتحقيقها.
ومن حيث إن ندب أعضاء مجلس الدولة، وأن كان يتم بقرار من رئيس مجلس الدولة بعد موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية وبمراعاة صالح وظروف العمل بالمجلس وعدم تأثير الندب على حسن سيره أو تعارضه مع استقلال وكرامة القضاء، وهو أمر وإن كان مفترضاً وبديهياً وليس بحاجة إلى تأكيد أو نص يقرره، إلا أن المشرع قد حرص على إبراز ذلك في المادتين 88، 94 من قانون مجلس الدولة، فإن الندب يتم من ناحية أخرى بناء على طلب إحدى وزارات الدولة ومصالحها ومؤسساتها ويهدف إلى سد حاجة تلك الجهات الملحة إلى جهود أعضاء المجلس وخبراتهم التي اكتسبوها من أعمالهم القضائية بحكم احتكاكهم المستمر بمنازعات الإدارة ومشاكلها ووقوفهم على دقائق القوانين واللوائح التي تنظم مباشرة الجهات الإدارية لاختصاصاتها والمبادئ القانونية التي أرساها المجلس بأقسامه المختلفة وهي مبادئ تكشف عن التفسير السليم لأحكام القوانين واللوائح هو ما من شأنه حماية تلك الجهات من مزالق عدم مشروعية تصرفاتها ومعاونتها في إعلاء مبدأ الشرعية وسيادة حكم القانون والتضييق من حالات الالتجاء إلى القضاء حسماً لمنازعات الإدارة مع الأفراد وهي غاية مشروعة يحققها نظام الندب كما يحققها قسم الفتوى وقسم التشريع بالمجلس بإدارته ولجانه وجمعيته العمومية.
ومن حيث إنه وإذ كان من المسلم به أنه يتعين ألا يترتب على الندب الإخلال بحسن سير وصالح العمل بالمجلس فإنه من المسلم به أيضاً أن الأعضاء المنتدبين لبعض الوقت أو في غير أوقات العمل الرسمية يقومون - شأنهم شأن زملائهم غير المنتدبين - بكافة الأعمال الأصلية والإضافية سواء بسواء ولا شأن لندبهم بعض الوقت ولا تأثير له - بذاته - على حضورهم الجلسات الإضافية أو القيام بالأعمال التي شرع الأجر الإضافي لمواجهتها، كما يعد عدم قيام العضو - منتدباً أو غير منتدب - بتلك الأعمال الإضافية سبباً مشروعاً لحجب هذا المقابل عنه فالقيام بالعمل الإضافي تكليف عام يشمل الأعضاء المنتدبين بعض الوقت، ولا صلة أو رابطة تربط العمل الإضافي وما قد يقرر له من مقابل وبين الندب، وأية ذلك أن السلطة المختصة بتقرير هذا المقابل ارتأت في قراراها الأول الصادر في ديسمبر 1992 المتضمن أصل هذا المقابل عدم وجود ثمة رابطة تسوغ حرمان المنتدب لبعض الوقت من هذا الأجر فجاء القرار المشار إليه مقرراً أحقيتهم في هذا المقابل وأفصحت السلطة المختصة صراحة أن هذا المقابل لقاء هذا العمل الإضافي، وترتيباً على ذلك فإنه يتعين القول بأن حضور الجلسات أو القيام بالأعمال الإضافية عن الواقعة التي تشكل سبباً مبرراً لاستحقاق مقابل العمل الإضافي بأصله وزيادته.
ومن ناحية أخرى فإذا كانت الزيادة التي تمت الموافقة عليها لمقابل العمل الإضافي بتاريخ 26/ 7/ 1994، 10/ 12/ 1994، 14/ 8/ 1995 إنما هي زيادة في أصل مقابل العمل الإضافي الذي تقرر من قبل وتنصب على ذات المحل، فإنها بحكم اللزوم العقلي والقانوني والوصف الذي أسبغ عليها تكون من ذات الطبيعة القانونية لهذا الأصل، وليس ثمة وجهة القول بأنه مع اتفاق طبيعة الأصل وزيادته ووحده محلهما واستحقاق المنتدبين بعض الوقت للأصل فإن الزيادة التي أصابت أصل مقابل العمل الإضافي تقتصر على غير المنتدبين رغم أنهم والمنتدبين بعض الوقت قد تماثلت مراكزهم القانونية بالنسبة للأصل وباعتبار أن الزيادة ترتبط برباط لا تنفصم عراه بأصل تقرر من قبل، له مفهومه وطبيعته الخاصة وسبب وغاية من تقريره.
ولا يستقيم أو يستوي في منطق الغاية من تقرير مقابل العمل الإضافي والمصلحة العامة التي شرع لتحقيقها أن يستأدى هذا المقابل كاملاً - بأصله وزيادته - المنتدبون إلى جهات تابعة لوزارة العدل ولا يستأديه من يقوم بأصل عمله وما أضيف إليه كالمنتدبين بعض الوقت أو في غير أوقات العمل الرسمية.
ومن حيث إنه لا مقنع من القول الذي أبداه الحاضر عن جهة الإدارة في معرض دفاعه بجلسة 17/ 2/ 1996 من أن الزيادات التي تقررت إنما هي نوع من بدلات التفرغ وأنها وأن اتخذت صورة النسبة من المقابل الأصلي فليس ذلك سوى وسيلة حساب، ذلك أن هذا القول يتضمن خلطاً بين سبب منح تلك الزيادة ومحلها من ناحية، وبين الضوابط التي سنتها جهة الإدارة لاستحقاق تلك الزيادات من ناحية أخرى، فكافة القرارات التي صدرت بالزيادة تضمنت موافقة السلطة المختصة على زيادة مقابل العمل الإضافي أي أن الزيادة تنصب على أصل تقرر من قبل وسبب هو أداء العمل الإضافي، أما قصر هذه الزيادة على الأعضاء المتفرغين للعمل القضائي في هيئاتهم القضائية وحرمان المنتدبين بعض الوقت منها فليس سوى ضابط وضعته جهة الإدارة لاستحقاق الزيادات والطعن في مشروعية هذا الضابط لمخالفته مبدأ المساواة هو أساس وسند المدعين في دعواهم الماثلة.
هذا فضلاً عن أن الزيادة التي ووفق عليها في 14/ 8/ 1995 لم تتضمن نسبة الزيادة أو مقدارها بمفردها بل تضمن القرار زيادة مقابل العمل الإضافي.... "ولتصبح بالفئات الآتية 700 جنيه... الخ" وهو نفس النهج الذي سلكه قرار الزيادة الصادر بتاريخ 10/ 12/ 1994 وهو نهج ينتفي معه القول بتميز الزيادات وانفرادها عن أصل المقابل بطبيعة قانونية خاصة واعتبارها نوعاً من بدلات التفرغ، وأخيراً فإن تكييف زيادة مقابل العمل الإضافي بأنه نوع من بدلات التفرغ لا يستقيم البتة مع استحقاق المنتدبين طوال الوقت أو بعضه لوزارة العدل ولمكتب شئون أمن الدولة لهذه الزيادات.
ومن حيث إنه ترتيباً على كل ما تقدم فإن الضابط الذي وضعته جهة الإدارة المطعون ضدها بحرمان المنتدبين بعض الوقت من الزيادات التي لحقت أصل مقابل العمل الإضافي لا يقوم على أساس سليم من القانون لمخالفته مبدأ المساواة بين المتكافئين في المراكز القانونية ونيله من الحقوق المتساوية لأعضاء الهيئات القضائية وعدم قيام هذا التمييز على أساس موضوعي يمكن معه اعتباره مدخلاً حقيقياً للأهداف التي شرع مقابل العمل الإضافي لمواجهتها تحقيقاً للصالح العام مما يتعين معه بالتالي الحكم بأحقية المدعين والمتدخلين في الزيادات التي لحقت مقابل العمل الإضافي بالقرارات الصادرة بتاريخ 26/ 7/ 1994، 10/ 12/ 1994، 14/ 8/ 1995 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:
أولاً: بقبول الدعوى شكلاً.
ثانياً: بقبول تدخل كل من السادة المستشارين....، .....، ....
ثالثا:ً بأحقية المدعين والمتدخلين في الزيادات التي تقررت لمقابل العمل الإضافي على النحو المبين بالأسباب وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية.