مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الواحدة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1995 إلى آخر مارس سنة 1996) - صـ 867

(99)
جلسة 23 من مارس سنة 1996

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعت - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: منصور حسن علي عربي، ومحمد أبو الوفا عبد المتعال، وعبد القادر هاشم النشار، وغبريال جاد عبد الملاك - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1190 لسنة 39 القضائية

تأديب - المحاكمة التأديبية - ضمانات التحقيق - وجوب تمحيص الواقعة محل الاتهام.
التحقيق لا يكون مستكمل الأركان صحيحاً من حيث محله وغايته إلا إذا تناول الواقعة محل الاتهام بالتمحيص ولا بد أن يحدد عناصرها بوضوح ويقين من حيث الأفعال والزمان والمكان والأشخاص وأدلة الثبوت، فإذا ما قصر التحقيق عن استيفاء عنصر أو أكثر من هذه العناصر على نحو تجهل معه الواقعة وجوداً وعدماً أو أدلة ونوعها أو نسبتها إلى المتهم كان تحقيقاً معيباً، ويكون قرار الجزاء المستند إليه معيباً - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 3/ 2/ 1993 أودع الأستاذ/..... المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها رقم 1190 لسنة 39 ق. ع في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بطنطا بجلسة 6/ 12/ 1992 في الدعوى رقم 603 لسنة 20 ق والذي قضى بمجازاة الطاعن بالفصل من الخدمة.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بإيقاف تنفيذ الحكم المطعون فيه وقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بتعديل الحكم بتخفيض الجزاء إلى العقوبة التي تراها المحكمة مناسبة وملائمة على حالة الطاعن العائلية مع إلزام الجهة الإدارية بالمصاريف.
وأعلن الطعن إلى النيابة الإدارية في 11/ 2/ 1992 وإلى الهيئة القومية للبريد في 21/ 2/ 1992.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً بمجازاة........ بالخفض في الدرجة الأدنى مباشرة.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعن بهذه المحكمة بجلسة 26/ 4/ 1995 وبجلسة 28/ 6/ 1995 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة" وحددت لنظره جلسة 15/ 2/ 1995 وتم نظر الطعن بالمحكمة المذكورة والجلسات التالية على النحو الثابت بالمحاضر وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 21/ 4/ 1992 أقامت النيابة الإدارية الدعوى رقم 603 لسنة 20 ق أمام المحكمة التأديبية بطنطا مشتملة على تقرير باتهام/...... (الطاعن) وكيل مكتب بريد طنطا الجزيرة مركز طوخ قليوبية سابقاً ومعاون مكتب بريد بالقانة قليوبية حالياً بالدرجة الرابعة لأنه خلال الفترة من 8/ 2/ 1987 حتى 19/ 5/ 1991 أبان عمله بمكتب بريد طنطا الجزيرة بدائرة منطقة بريد القليوبية خرج على مقتضى الواجب الوظيفي ولم يؤد العمل المنوط به بأمانة وسلك مسلكاً لا يتفق واحترام الواجب الوظيفي بأن:
(1) اختلس مبلغ 605، 19046 جنيه من مستحقات أرباب المعاشات.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمته تأديبياً طبقاً للمواد الواردة بتقرير الاتهام.
وبجلسة 6/ 12/ 1992 حكمت المحكمة بمجازاة/....... الفصل من الخدمة.
وشيدت قضاءها على أن المخالفة المنسوبة إلى المحال (الطاعن) ثابتة في حقه من واقع الأوراق والمستندات ومن تقرير اللجنة المشكلة لفحص أعماله عن الفترة من 28/ 2/ 1987 وحتى 19/ 5/ 1991 وأقوال عضوي هذه اللجنة بتحقيقات النيابة العامة وإقرار المحال على النحو المبين بالتحقيقات.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد شابه القصور في التسبيب فقد برر الحكم أخذه الطاعن بالشدة بأن صحيفة الجزاءات الموقعة عليه مكتظة بالجزاءات وقد سبق إحالته للتحقيق في وقائع مماثلة وهو ما ينبئ عن رعونته وسوء تصرفه في حين أن ما وقع عليه مجرد جزاءات بسيطة تتراوح بين الإنذار والخصم من المرتب لمخالفات دارجة في العمل، كما أنه لا يوجد تناسب بين العقوبة والذنب الإداري فقد جاءت العقوبة مغالاً فيها ولم يحقق الحكم المطعون فيه المصلحة العامة بعد أن أعاد الطاعن كل الأموال التي نسب إليه اختلاسها وبالتالي فإن الأموال العامة لم تصب بأي ضرر ولا يسوغ القول بأن الضرر الذي أصاب الطاعن وأسرته نتيجة لفصله هو الذي يحقق المصلحة العامة.
ومن حيث إن النيابة العامة قد انتهت في تحقيقها إلى أن المخالفة المنسوبة إلى الطاعن وهى اختلاسه مبلغ 605، 19046 جنيه تمثل المعاشات المستحقة لمواطنين انتقلوا إلى رحمة الله تعالى كان الطاعن يقوم بصرفها لنفسه بعد تزوير توقيعاتهم على مستندات الصرف ثابتة في حقه من أقوال/..... مفتش بمنطقة بريد القليوبية الذي قرر بأنه تشكلت لجنة منه ومن زميلة السيد/...... لفحص أعمال المتهم في الفترة من 8/ 2/ 1987 حتى 19/ 5/ 1991 وقد تبين للجنة قيام المتهم باختلاس المبلغ المذكور عن طريق التوقيع أمام المستحقين للمعاشات التي كان يقوم المتهم بصرفها من المكتب الذي يعمل به على الرغم من تحققه من وفاتهم وقد بلغت هذه الحالات تسعة وستين حالة كما قرر بأن المتهم قام بسداد المبالغ التي قام باختلاسها عدا فوائد التأخير المستحقة عنها، كما قرر المتهم (الطاعن) أنه هو المسئول عن ذلك ولكنه لم يقم بالاختلاس وأنه قام بسداد المبلغ المختلس عدا فوائد التأخير وقد انتهت النيابة العامة إلى أنه رغم ثبوت الاتهام ثبوتاً كافياً في حق المتهم مما يقتضي الأمر معه لإحالته إلى المحاكمة الجنائية إلا أنه نظراً لقيامه بسداد المبلغ المختلس وحفاظاً على أسرته من التشريد والضياع قد رأت الاكتفاء بالجزاء التأديبي وقد سارت النيابة الإدارية على ذات النهج وانتهت على ثبوت المخالفة في حق المحال.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة استقر على أن التحقيق لا يكون مستكمل الأركان صحيحاً من حيث محله وغايته إلا إذا تناول الواقعة محل الاتهام بالتمحيص ولا بد أن يحدد عناصرها بوضوح ويقين من حيث الأفعال والزمان والمكان والأشخاص وأدلة الثبوت فإذا ما قصر التحقيق عن استيفاء عنصر أو أكثر من هذه العناصر على نحو تجهل معه الواقعة وجوداً وعدماً أو أدلة ونوعها أو نسبتها إلى المتهم كان تحقيقاً معيباً ويكون قرار الجزاء المستند إليه معيباً.
ومن حيث إن التحقيقات النيابة العامة قد قصرت في تناول الواقعة محل الاتهام وهى اختلاس الطاعن لمعاشات أشخاص توفاهم الله ولم تمحص أدلة الثبوت أمام إنكار المتهم لارتكابه جريمة الاختلاس وإن كان أقر بمسئوليته عن المبالغ التي صرفت بدون وجه حق، وكان يتعين على المحقق سواء النيابة العامة أو النيابة الإدارية التحقق من أن جميع التوكيلات المشار إليها في الأوراق وهمية وغير صحيحة والتأكد أيضاً من أن التوقيع على كشوف صرف المعاشات بخط يد المتهم على الأقل وهو الأمر الذي لم يأخذ حقه من التمحيص والتدقيق في التحقيقات المشار إليها أضف إلى ذلك أنه لا يمكن التعديل - في ثبوت الاتهام - على إقرارات صادرة من ورثة المتوفين بعدم صرفهم للمبالغ التي قام المتهم بصرفها إذ لا يعقل أن يعترف هؤلاء بقيامهم بصرف مبالغ بدون وجه حق وبالتالي فإن لا يمكن القول بتوافر جريمة الاختلاس في حق الطاعن إذ يجب أن تقوم المسئولية التأديبية على الجزم واليقين لا على الظن والتخمين.
ومن حيث إنه وإن كان ذلك، إلا أن القدر المتيقن من الأفعال التي ارتكبها الطاعن، يتمثل في إهماله وعدم تحققه من الأشخاص الذين قام بالصرف لهم وعدم استيفائه للمستندات اللازمة لذلك وهى مخالفة ثابتة في حقه باعترافه وإقراره بمسئوليته عن الصرف وسداده للمبالغ التي قام بصرفها لمن لا يستحقها، وهذا التعديل في وصف التهمة لا يجافي التطبيق السليم للقانون وهو تعديل في صالح الطاعن وليس فيه إخلال بحقه إخلال بحق الدفاع، وبالتالي وقد ثبت الإهمال الجسيم في حق الطاعن فإن الأمر يستوجب مجازاته عما ثبت في حقه وذلك بتوقيع جزاء الخفض إلى الدرجة الأدنى مباشرة وإذ لم يراع الحكم المطعون فيه تلك الملابسات والمبررات وقضى بعقوبة الفصل وهى أقصى العقوبات عن تهمة لم تثبت بيقين في حق الطاعن فإن هذا لجزاء يكون مغالاً في تقديره إذا ما عدل الاتهام ليصبح الإهمال الجسيم في أداء العمل ويتعين لذلك تخفيض الجزاء ليكون تأجيل الترقية عند استحقاقها لمدة سنتين.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعن بالفصل من الخدمة والقضاء بمجازاة الطاعن بتأجيل الترقية عند استحقاقها لمدة سنتين.