مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الواحدة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1995 إلى آخر مارس سنة 1996) - صـ 965

(109)
جلسة 31 من مارس سنة 1996

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ رائد جعفر النفراوي - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: محمد عبد الرحمن سلامة، ومصطفى محمد المدبولي أبو صافي، والسيد محمد السيد الطحان، وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 3898 لسنة 38 القضائية

طالب - أكاديمية الشرطة - شرط حسن السمعة لالتحاق الطالب بكلية الشرطة واستمراره بها - الدلائل على فقدان الطالب لشرط حسن السمعة.
المادة (8) والمادة (15) من القانون رقم 91 لسنة 1975 بإنشاء أكاديمية الشرطة اشترط المشرع في الطالب للالتحاق بكلية الشرطة والاستمرار بها - من بين شروط أخرى - أن يكون محمود السيرة حسن السمعة وقد جاء هذا الشرط في نص عام دونما تحديد لأسباب فقدان هذه السمعة على سبيل الحصر والمثال بأمور على قدر من الخطورة، وإذا كان المشرع قد ناط بالإدارة تحديد الأسباب التي تستند إليها في إثبات انتفاء حسن السمعة في فرد الشرطة وجعل لها تقديرها في نطاق مسئوليتها عن أعداد ضابط الشرطة الذي يتولى مهام الحفاظ على الأمن ومطاردة الخارجين على القانون إلا أن تقدير جهة الإدارة يخضع لرقابة القضاء الإداري - لا تثريب على جهة الإدارة طالما كانت النتيجة التي انتهت إليها مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانونياً.
لا يحتاج الأمر في التدليل على ارتكاب الأفعال التي تجعل فرد الشرطة غير محمود السير وسيء السمعة وجود دليل قاطع على توافرها وإنما يكفي في هذا المقام وجود دلائل أو شبهات قوية تلقي ظلالاً من الشك على مسلكه أو تثير غباراً حول تصرفاته وتقلل من الثقة فيه وتنال من جدارته للبقاء منتمياً لهيئة الشرطة التي يتعين أن يوزن مسلك أعضائها طبقاً لأرفع مستويات السلوك القويم، إلا أنه يظل مع ذلك أن تقوم هذه الدلائل والشبهات على سند من الوقائع وأن تستخلص من أصول المستندات التي تنتجها مادياً وقانوناً فلا تكفي مجرد الشائعات أو محض تحريات لم يؤيدها دليل أو تعززها قرينة وإلا غدا الأمر - خاصة حين يمس السمعة والسيرة - مطلقاً من كل قيد. تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 2/ 9/ 1992 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعن بصفته تقرير طعن قيد بقلم كتاب المحكمة الإدارية العليا برقم 3898 لسنة 38 ق. ع في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 7/ 7/ 1992 في الدعوى رقم 2643 لسنة 46 ق والقاضي بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات. وطلب الطاعن بصفته - للأسباب المبنية بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد جرى إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضده المصروفات.
تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 16/ 1/ 1995 وتدوول نظره بالجلسات، وبجلسة 7/ 5/ 1995 قررت إحالة الطعن إلى هذه المحكمة والتي نظرته بجلسة 7/ 5/ 1995 وبالجلسات التالية على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وبجلسة 28/ 1/ 1996 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم 31/ 3/ 1996 وبها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 2643 لسنة 46 ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 11/ 1/ 1992 طلب في ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر من وزير الداخلية بتاريخ 26/ 12/ 1991 بفصله من كلية الشرطة مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات والأتعاب. وقال بياناً لدعواه أنه التحق أنه التحق بكلية الشرطة بتاريخ 13/ 10/ 1986 واجتاز الدارسة فيها إلى أن قيد بالفرقة الرابعة في العام الدراسي 1990/ 1991 وكان طوال مدة دراسته عنواناً للانضباط والأدب الجم، ويشهد بذلك ندرة توقيع الجزاءات عليه إلى حد العدم وكونه موضع تقدير واحترام جميع الضباط والمعلمين والأساتذة، فضلاً عن أنه نال المركز الأول في فريق الموسيقى بالأكاديمية، وهو ما أثار حقد البعض فوشوا به إلى المسئولين بالأكاديمية بوشايات لا يعرف ماهيتها ولا مصدرها فتعرض لبعض المضايقات وقد رسب في أربع مواد اثنتان من مقررات الفرقة الرابعة ومثيلتها من مواد الفرقة الثالثة منها مادة الشريعة الإسلامية للفرقة الثالثة وأعقب ذلك صدور قرار بفصله استناداً للفقرة السادسة من المادة (15) من القانون رقم 61 لسنة 1975 بإنشاء أكاديمية الشرطة لأسباب تتعلق بالصالح العام، ولما كانت فكرة الصالح العام تمثل ركن "الغاية" التي ينبغي أن يتغياها مصدر القرار الإداري، وعلى ذلك فإن اشتمال القرار على ركن واحد من أركانه لا يمكن أن يجعله صحيحاً، وإذ افتقد القرار الطعين ركن السبب فإنه لا يكون مشوباً بالبطلان فحسب وإنما منعدماً، وبالنظر إلى الأخطار المحدقة بمستقبل الطالب وخاصة أن امتحانات آخر العام على الأبواب، ونظراً للآلام النفسية التي يسببها قرار الفصل غير المبرر من تساؤلات وأقاويل تمس سمعة الأسرة كلها مما يجعل دواعي الاستعجال بادية للعيان ومن ثم أقام دعواه للحكم له بطلباته.
وبجلسة 4/ 2/ 1992 أمام محكمة القضاء الإداري قدمت هيئة قضايا الدولة رداً على الدعوى - حافظتي مستندات طويتا على صور ضوئية من:
(1) كتاب مدير كلية الشرطة المؤرخ 7/ 5/ 1991 سري إلى مدير إدارة مكافحة جرائم الآداب العامة يذكر فيه أنه وردت معلومات إلى الكلية تفيد أن مواطناً أسماه في كتابه هذا يرتبط بعلاقة شذوذ جنسي والطالب/.... المقيد بالفرقة الرابعة وذلك منذ أن كان الطالب بالصف الثاني الثانوي، ومن ثم طلب مدير كلية الشرطة بكتابة آنف الذكر اتخاذ ما يلزم نحو الفحص والإفادة بالتحريات والمعلومات - الخاصة بسلوك الطالب في هذا الشأن، وكتابه المؤرخ 28/ 5/ 1991 (سري) لاستكمال التحريات واستمرار مراقبة الطالب.
(2) مذكرة إدارة مكافحة جرائم الآداب العامة أوضحت فيها أن الفحص أسفر عن أن المدعي له علاقة جنسية مع بعض الشباب وهو من المصابين بالشذوذ الجنسي الايجابي حيث يقوم بممارسة الشذوذ مع بعض المصابين بالشذوذ الجنسي السلبي أو الذين أسمتهم التحريات إذ يعمل أحدهم مدرساً بإحدى الدول العربية ويمارس معه المدعي الشذوذ في الإجازة الصيفية حال تواجده بالأراضي المصرية وآخر طالب، كما يقوم المدعي بممارسة الشذوذ الجنسي مع بعض المأبونين على فترات متباعدة، وفى أوقات متفرقة، وليس بصورة منتظمة.
وبجلسة 7/ 7/ 1992 صدر الحكم المطعون فيه وقضى بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب، وأقامت المحكمة قضاءها على أن البادي من الأوراق أنه وإن كانت قد وردت إلى كلية الشرطة معلومات مفادها وجود علاقة شذوذ جنسي للمدعي مع شخص أسمته الجهة الإدارية منذ أن كان المدعي طالباً بالصف الثاني الثانوي، كما أسفرت تحريات إدارة مكافحة جرائم الآداب العامة التي تمت بناء على طلب كلية الشرطة عن وجود علاقة جنسية للمدعي مع بعض الشباب، إذ يقوم بممارسة الشذوذ الجنسي مع بعض الأشخاص المصابين بالشذوذ الجنسي السلبي ممن أسمتهم التحريات وذلك على فترات متباعدة، وفى أوقات متفرقة، وبصورة غير منتظمة، إلا أن الجهة الإدارية المدعى عليها لم تكشف عن مصدر تلك المعلومات التي وردت إليها للتحقق من مدى مبلغها من الصحة ولم تجر تحقيقاً في موضوعها تسمع من خلاله أقوال المدعي والشخص الذي أسمته تلك المعلومات يضاف إلى ذلك أن الجهة الإدارية لم تتحقق من مدى جدية التحريات الواردة إليها وسندها من الواقع خاصة وأنه كان بإمكانها مراقبة سلوك المدعي داخل الكلية - التي يلحق بها داخلياً - وخارجها خلال فترة إجازته، وهو ما خلت الأوراق من دليل عليه، كما خلت الأوراق أيضاً من دليل على شبهة تشين مسلك المدعي طوال فترة دراسته بالكلية، وإقامته فيها طلية أربع سنوات أمضاها وسط حشد كبير من زملائه، وخضع فيها معهم لنظام عسكري حازم ورقابة صارمة ومحكمة من المسئولين بالكلية كان بالإمكان معها الكشف عن أي شذوذ في مسلكه في حالة وجوده، وبذلك تغدو المعلومات التي وردت إلى كلية الشرطة، وتحريات إدارة مكافحة جرائم الآداب العامة في شأن مسلك المدعي مجرد أقوال مرسلة لا يؤيدها دليل، ولا تعززها قرينة، ويكون القرار المطعون فيه فيما تضمنه من فصل المدعي من الكلية استناداً إلى تلك المعلومات والتحريات وبحسب الظاهر من الأوراق متفقداً السبب الصحيح من الواقع أو القانون، الأمر الذي يجعله مرجح الإلغاء عن الفصل في الموضوع، ويتحقق بذلك ركن الجدية كما يتوافر ركن الاستعجال لما يترتب على الاستمرار في تنفيذ القرار المطعون فيه من حرمان المدعي من استكمال دراسته بكلية الشرطة، والذي اجتاز الدراسة فيها إلى أن وصل إلى الفرقة الرابعة مما ينال من مستقبله العلمي والعملي فضلاً عن المساس بسمعته بغير دليل تقوم به شبهة جدية.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وذلك تأسيساً على أن القانون رقم 91 لسنة 1975 بإنشاء أكاديمية الشرطة حدد الشروط التي يتعين توافرها فيمن يقبل بالكلية ويستمر في الدراسة بها ومن بين هذه الشروط أن يكون محمود السيرة حسن السمعة ومثل هذا الشرط يختلف عن شرط ألا يكون قد حكم عليه بعقوبة جنائية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف والأمانة، وقد ورد النص على حسن السمعة عاماً دون تحديد للأسباب التي يترتب عليها فقده، ومن ثم فإن المشرع يكون قد فتح المجال في تقدير حسن السمعة لجهة الإدارة في نطاق مسئوليتها في أعداد ضابط الشرطة الذي سيتولى مهام الحفاظ على الأمن ومطاردة الخارجين على القانون وصون أعراض الناس وأرواحهم وممتلكاتهم والذود عنهم، ولا ريب أن سمعة طالب الشرطة يمكن أن تتأثر بمسلكه الشخصي أو الخلقي أو بأوضاع تحيط به يمكن أن يكون لها تأثيرها على عمله مستقبلاً كضابط شرطة، كما أن مستوى حسن السمعة يتفاوت تبعاً لتفاوت الوظيفة وخطورتها ومسئوليتها مما قد تتساهل فيه الإدارة بالنسبة لوظائف معينة وتتشدد بالنسبة لوظائف أخرى كالقضاء والشرطة لما لهذه الوظائف من أهمية وخطورة تتطلب فيمن يشغلها مستوى خاصاً من حسن السمعة ومن ثم فلا تثريب على جهة الإدارة في تقدير تخلف حسن السمعة في طالب الشرطة متى استمد هذا التقدير من وقائع وأسباب وأدلة تبرره وخلا تقديرها من إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها، وإذ وردت معلومات إلى أكاديمية الشرطة تفيد أن المطعون ضده يمارس الشذوذ الجنسي وللتيقن من هذه المعلومات فقد طلبت الجهة من المباحث العامة للآداب وهي الجهة المختصة قانوناً بالتحريات التحقق فيها، ووردت التحريات تفيد صحة هذه المعلومات الأمر الذي حدا بالجهة الإدارية وقد فقد المطعون ضده شرط حسن السمعة وللصالح العام - إلى إصدار قرار بفصله من الكلية، ولما كان القرار المطعون فيه بفصل المطعون ضده لاعوجاج سلوكه - على النحو السالف الذكر - قد صدر بناء على تحريات جدية من الجهة المختصة وثبت صحة المعلومات ولا أدل على ذلك من أن المطعون ضده لم يجحد المستندات المقدمة في الدعوى ومن ثم يفقد شرط حسن السمعة وهو شرط من شرط استمراره بالكلية ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر صحيحاً ومتفقاً ونصوص القانون.
ومن حيث إن المادة (8) من القانون رقم 91 لسنة 1975 بإنشاء أكاديمية الشرطة المعدلة بالقانون رقم 129 لسنة 1981 تنص على أن "تتحمل الدولة نفقات تعليم وتدريب وكسوة وإطعام، وانتقال، وإيواء الطلبة المصريين أثناء الدراسة بكليتي الشرطة والضباط المتخصصين..." وتنص المادة (10) منه معدلة بالقانون رقم 53 لسنة 1978 على أنه "يشترط فيمن يقبل بكلية الشرطة، وكلية الضباط المتخصصين.
(1)......، (2) أن يكون محمود السيرة حسن السمعة. (3)...... "وتنص المادة (15) منه على أن "يفصل الطالب من الأكاديمية في الحالات الآتية:
(1)........، (2).......، (3) فقده أي شرط من شروط القبول بالأكاديمية. (4)......، (5)...... (6) بناء على اقتراح مدير الأكاديمية لأسباب تتعلق بالصالح العام.... "وتنص المادة الخامسة من اللائحة الداخلية لأكاديمية الشرطة الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم 864 لسنة 1976 على أن "يلحق جميع الطلبة داخلياً، ويقضى الطالب الإجازة الدراسية والمواسم والأعياد والعطلات الرسمية خارج الأكاديمية، ما لم يقرر رئيس القسم خلاف ذلك".
والبين من النصوص السابقة ومن كافة نصوص القانون سالف البيان وما سبقه من قوانين بشأن هيئة الشرطة أنها هيئة مدنية نظامية تختص بالمحافظة على النظام والأمن العام والآداب، وبحماية الأرواح والأعراض والأموال وعلى الأخص منع الجرائم وضبطها، كما تختص بكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين في كافة المجالات ومن أجل تحقيق هذا الهدف أوجب القانون على الضابط أداء عمله بنفسه بدقة وأمانة وأن يحافظ على كرامة وظيفته طبقاً للعرف العام وأن يسلك في تصرفاته مسلكاً يتفق والاحترام الواجب لها وكل ضابط يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو في القرارات الصادرة من وزارة الداخلية أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته أو يسلك سلوكاً أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يعاقب تأديبياً وضماناً لتزويد هيئة الشرطة بعناصر على هذا القدر من الكفاية والدقة والأمانة في أداء أعمالهم حرص القانون رقم 91 لسنة 1975 بالنسبة لطلبة كلية الشرطة على اختيار أفضل العناصر للالتحاق بها والذين يتبعون في سني الدارسة نظاماً صارماً وحياة نظامية للطالب بهدف إعداده كفرد من هيئة الشرطة ولذلك يحلق بالكلية داخلياً، ويمضي إجازاته والعطلات الرسمية خارج الكلية بإذن من مديرها ويلحق طلبة الفرقتين الثالثة والرابعة خلال العطلة الصيفية بمراكز الشرطة وأقسامها للتدريب على أعمال الشرطة المدة التي يحددها مدير الكلية وتقدم هذه الجهات تقريراً عن أداء الطالب. وإحاطة المشرع لأفراد هيئة الشرطة - ويلحق بهم طلبة كلية الشرطة - بهذا السياج من التعليمات والأوامر والالتزامات مرده إلى ما رصد لهيئة الشرطة من مهام أخصها المحافظة على النظام والأمن وحماية الأرواح والأعراض والأموال، ومنع الجرائم وضبطها قبل وقوعها، وكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين في كافة مجالات حياتهم ومن ثم استلزم المشرع فيهم قدراً كبيراً من الأمانة ونزاهة القصد والبعد عن الريب والظنون وألا تشوب مسلكهم أية شوائب ويتطلب الأمر من شاغل إحدى وظائف الشرطة أشد الحرص على اجتناب كل ما من شأنه أن يزرى السلوك أو يمس السمعة سواء في نطاق أعمال الوظيفة أو خارج هذا النطاق... ومن ثم اشترط المشرع في طالب الالتحاق بكلية الشرطة ولاستمراره بها، من بين شروط أخرى، أن يكون محمود السيرة حسن السمعة وقد جاء هذا الشرط في نص عام دونما تحديد لأسباب فقدان هذه السمعة على سبيل الحصر أو المثال بأمور على قدر من الخطورة، وإذا كان المشرع قد ناط بالإدارة تحديد الأسباب التي تستند إليها في إثبات انتفاء حسن السمعة في فرد الشرطة، وجعل لها تقديرها في نطاق مسئوليتها عن إعداد ضابط الشرطة الذي يتولى مهام الحفاظ على الأمن و مطاردة الخارجين على القانون، وهو تقدير تجريه تحت رقابة القضاء الإداري حتى يراقب مدى توافر أركان القرار الإداري خاصة قيامه على أسباب تبرره صدقاً وحقاً من الواقع من القانون كركن من أركان انعقاده باعتباره تصرفاً قانونياً حيث لا يقوم أي تصرف قانوني بغير سببه والسبب في القرار الإداري هو حالة واقعية أو قانونية تحمل الإدارة على التدخل بقصد إحداث أثر قانوني هو محل القرار ابتغاء وجه الصالح العام الذي هو غاية القرار وإذا ما ذكرت الإدارة لقرارها أسباباً فإنها تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقتها للقانون أو عدم مطابقتها له، أثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار وهذه الرقابة تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها كان القرار فاقداً لركن من أركانه وهو ركن السبب ووقع مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه إذا كان الأمر لا يحتاج في التدليل على ارتكاب الأفعال التي تجعل فرد الشرط غير محمود السيرة وسيء السمعة وجود دليل قاطع على توافرها وإنما يكفي في هذا المقام وجود دلائل أو شبهات قوية تلقي ظلاً من الشك على مسلكه أو تثير غباراً حول تصرفاته وتقلل من الثقة فيه وتنال من جدارته للبقاء منتمياً لهيئة الشرطة التي يتعين أن يوزن مسلك أعضائها طبقاً لأرفع مستويات السلوك القويم، إلا أنه يطل مع ذلك أن تقوم هذه الدلائل والشبهات على سند من الواقع وأن تستخلص من أصول المستندات التي تنتجها مادياً وقانونياً فلا تكفي مجرد الشائعات أو محضر تحريات لم يؤيدها دليل أو تعززها قرينة وإلا غدا الأمر - خاصة حين يمس السمعة والسيرة وما كان فيها متعلقاً بالمسلك الجنسي - مطلقاً من كل قيد وسعاراً لا وثاق له يضرب في كل صوب واتجاه إن صادف بعض المذنبين فإنه مصيب لا محالة لكثرة من الأبرياء الذين يحرص المشرع ومن ورائه جهة الإدارة على حماية سمعتهم من المساس بها أو تلطيخها بمجرد الأقوال المرسلة إعمالاً لأصل شرعي مفاده ألا تشيع الفاحشة بين المؤمنين - ومن ثم وعلى وجه التقابل والتوازي مع حق الإدارة في التدليل على ارتكاب الأفعال المشار إليها على الدلائل أو الشبهات يقوم حق الأفراد في الحماية على وجود السند على ارتكاب تلك الأفعال بتوافر الدلائل والقرائن على ارتكابها لا يكفي في ذلك مجرد تحريات لم يجر التحقق منها بالعديد من الوسائل التي كفلها القانون لجهة الإدارة خاصة بالنسبة لطالب الشرطة المحوط بسياج الواجبات والالتزامات سالفة البيان - فيمكنها إجراء التحقيق في الموضوع ومواجهة الطالب صاحب الشأن والأطراف الأخرى المنصوب إليها ارتكابها الأفعال المشار إليها معه، وأن تستظهر الأوراق والتقارير عن مسلكه طوال فترة دراسته الداخلية بكلية الشرطة وطوال الإجازات وفترة التحاق طلبتي السنتين الثالثة والرابعة - ومنهم المطعون ضده بأقسام الشرطة للتدريب، ويتعين على جهة الإدارة بعد تجميع الدلائل والقرائن على مسلك المطعون ضده أن تضع المستندات أمام المحكمة لإجراء رقابتها على تحقق سبب القرار ومدى مطابقته للقانون من عدمه وما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من الأوراق - ولا يغني عن ذلك احتفاظ الإدارة بالأوراق وحجبها عن المحكمة فيغدو ما ورد بها من معلومات والعدم سواء، وإذ طلبت المحكمة في العديد من الجلسات التي نظر فيها الطعن موافاتها بكتاب إدارة مكافحة الآداب العامة رقم 144 المؤرخ 27/ 5/ 1991 بشأن ما نسب للمطعون ضده ولم تقدمه جهة الإدارة رغم تغريمها عدة مرات - ومن ثم فإن ما ورد بالأوراق وخاصة كتاب ذات الإدارة المؤرخ 11/ 9/ 1991 مجرد أقوال مرسلة لا يؤيدها دليل، ولا تعززها قرينة - في مجال يقتضي التحوط بإبراز كل ما لدى الإدارة من أدلة أو قرائن مما يجعل المحكمة لا تطمئن إلى ما ساقته الإدارة من معلومات تغليباً لأصل هو طهارة الإنسان وحسن سمعته حتى يقوم الدليل على العكس، وبالتالي يكون القرار الصادر بفصل المطعون ضده لهذا السبب مفتقداً لصحيح سببه من الواقع والقانون مما يجعله مرجح الإلغاء عند الفصل في الموضوع، ويتحقق بذلك ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ كما يتوافر ركن الاستعجال لما يترتب على التنفيذ من المساس بمستقبل المطعون ضده العلمي والعملي والمساس بسمعته بغير سند جدي، و هو ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه ومن ثم يكون مطابقاً لصحيح حكم القانون ويكون الطعن عليه على غير أساس جديراً بالرفض.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بالمصروفات عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.