أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 12 - صـ 154

جلسة 16 من فبراير سنة 1961

برياسة السيد محمود عياد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: عبد السلام بلبع، ومحمود القاضي، وفرج يوسف، ومحمود توفيق إسماعيل المستشارين.

(17)
الطعن رقم 628 لسنة 25 القضائية

وكالة "آثار الوكالة" "نطاق الوكالة" "علاقة الوكيل بالموكل".
ما يبرمه الوكيل في حدود الوكالة يضاف إلى الأصيل. الوكيل ملزم بأن يقدم لموكله حساباً شاملاً وأن يوفي إليه صافي ما في ذمته. المادتان 512 و525 مدني قديم.
إبرام الوكيل لعقد بيع والتزامه بسداد دين ممتاز على الحصة المبيعة. التزامه يندرج ضمن حدود وكالته بالبيع. قيامه بسداد الدين يضاف إلى الموكل وينصرف إليه آثاره. قبض الوكيل ثمن المبيع وسداده الدين الممتاز. لا يكون مديناً للموكل بما قبض ودائناً بما دفع. يقتصر التزامه على تقديم حساب وكالته وتأدية ما تسفر عنه أعماله.
مؤدى أحكام المادتين 512 و525 من القانون المدني القديم أن ما يبرمه الوكيل في حدود الوكالة يضاف إلى الأصيل وأن الوكيل ملزم بأن يقدم لموكله حساباً شاملاً وأن يوفي إليه صافي ما في ذمته، فإذا كان الثابت أن المورث إذ أبرم عقد البيع الابتدائي بالنسبة لحصة موكلته المطعون عليها الأولى التزام في هذا العقد بسداد الدين المضمون بحق الامتياز على تلك الحصة - وكان التزامه هذا مندرجاً ضمن حدود وكالته بالبيع - فإن قيامه بسداد هذا الدين يضاف إلى موكلته وتنصرف إليها آثاره، ومن ثم لا يكون في حالة قبضه الثمن وسداده الدين الممتاز مديناً لموكلته بما قبض دائناً لها بما دفع وإنما يقتصر التزامه على أن يقدم لها حساب وكالته وأن يؤدي إليها ما تسفر عنه أعماله. وإذا كان دفاع الطاعنين قد قام أمام محكمة الاستئناف على هذا الأساس متمسكين بطلب استنزال ما سدده مورثهم عن المطعون عليها إلى الدائن من أصل ثمن الأطيان التي باعها بوكالته عنها والتي كانت محملة بهذا الدين، وكان الحكم المطعون فيه قد رفض هذا الدفاع قولاً منه إنه يقوم على الدفع بالمقاصة القانونية بين الدين المدعى الوفاء به والدين الذي تطالب به المطعون عليها فإنه يكون مخالفاً للقانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه القانونية.
ومن حيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليها الأولى أقامت الدعوى رقم 426 سنة 1952 كلي دمنهور ضد الطاعنين وباقي المطعون عليهم مقررة أنها وكلت أخاها المرحوم محمود عبد السلام مبروك الجيار بتوكيل شرعي رقم 160 سنة 44 - 1945 محكمة كوم حمادة الشرعية في بيع أطيان مملوكة لها مسطحها 2 ف، 7 ط، 3 و2/ 9 س وتم البيع لمصلحة بيترو اسمانو بولو بعقد سجل في 14 مايو سنة 1945 تحت رقم 2331 وإن وكيلها باع بهذا العقد من ملكه الخاص أطياناً مسطحها 4 ف، 14 ط، 4/ 9 س وقبض ثمن أطيانها وقدره 494 جنيهاً و711 مليماً كما قبض ثمن أطيانه وقدره 989 جنيهاً و422 مليماً وأودع هذين المبلغين خزينة بنك مصر فرع دمنهور ضمن مبلغ 4446 جنيهاً و640 مليماً ثم وافته المنية في 3 أغسطس سنة 1951 وانحصر إرثه فيها وفي المدعى عليهم - عدا الأخير منهم وهو بنك مصر - وأنها ترث في ثمن ما باعه من أطيانه الخاصة بالعقد سالف الذكر مبلغ 94 جنيهاً و230 مليماً وإن باقي الورثة امتنعوا عن أن يؤدوا إليها ثمن أطيانها وما يصيبها مما باعه أخوها من ملكه فرفعت الدعوى طالبة إلزامهم بأن يدفعوا لها من تركة المورث مبلغ 588 جنيهاً و941 مليماً مع المصاريف والأتعاب وصحة الحجز الموقع تحت يد المدعى عليه الأخير. ودفع المدعى عليهم الأول والثالث والسابعة - الطاعنون الأول والثاني والرابعة - بعدم اختصاص المحكمة نوعياً بنظر الدعوى بالنسبة لمبلغ 94 جنيهاً و230 مليماً قيمة ما ادعته المدعية ميراثاً عن المورث وطلبوا في الموضوع رفض الدعوى. وبتاريخ 14 مارس سنة 1954 قضت المحكمة حضورياً برفض الدعوى وألزمت المدعية بالمصاريف وبمبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة. واستأنفت المطعون عليها الأولى هذا الحكم بالاستئناف رقم 64 سنة 11 ق استئناف الإسكندرية. وبجلسة 30 أكتوبر سنة 1955 قضت المحكمة حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المستأنف عليهم بأن يدفعوا للمستأنفة من تركة مورثهم المرحوم محمود عبد السلام الجيار مبلغ 588 جنيهاً و941 مليماً وبصحة الحجز الموقع تحت يد المستأنف عليه الأخير مع إلزام المستأنف عليهم الأول والثالث والسابعة بمصاريف الدرجتين وبمبلغ 1000 قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت قضاءها على ما يخلص في أن دعوى المستأنفة ثابتة من عقد البيع المسجل في 14 مايو سنة 1946 وأن المستأنف عليهم الأول والثالث والسابعة لم ينازعوا المستأنفة إلا في أن المورث قد سدد عنها نصيبها في دين كان مستحقاً لأنطون بوتي وأن المقاصة لا تسري بين هذا الدين وما تطلبه المستأنفة لأن الدين منازع فيه وغير محدد المقدار - وبتاريخ 6 ديسمبر سنة 1955 قرر الطاعنون بالطعن بالنقض في هذا الحكم وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 8 مارس سنة 1960 وتمسك وكيل الطاعنين بما جاء بتقرير الطعن وصممت النيابة على رأيها الذي أوردته في مذكرتها. وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة. وبتاريخ 14/ 3/ 1960 أودع وكيل الطاعنين صورة من تقرير الطعن مؤشراً عليها بقرار الإحالة ومعلنة للمطعون عليهم في يومي 12، 15 مارس سنة 1960 كما أودع مذكرة شارحة. وقدمت النيابة العامة مذكرة تكميلية وأخيراً نظر الطعن أمام هذه الدائرة بجلسة 26 يناير سنة 1961 وترافع وكيل الطاعنين وأصر على طلباته كما صممت النيابة على رأيها طالبة نقض الحكم.
ومن حيث إن الطاعنين أقاموا الطعن على ستة أسباب ينعون في السبب الأول منها على الحكم المطعون فيه قصور أسبابه. ويقولون في بيان ذلك إن المطعون عليها الأولى طلبت الحكم بمبلغين أحدهما يمثل ما ادعته من نصيب بالميراث عن أخيها المرحوم محمود عبد السلام الجيار وقيمته 94 جنيهاً و230 مليماً والآخر ثمن أطيانها التي باعها عنها أخوها باعتباره وكيلاً عنها وقيمته 494 جنيهاً و711 مليماً ولما كانت الدعوى قد بنيت على سببين مختلفين لا تربطهما رابطة وكان الطلب الأول من حيث نصابه داخلاً ضمن اختصاص محكمة المواد الجزئية فقد دفعوا الدعوى بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية بنظر هذا الطلب، وإذ قضت المحكمة برفض الدعوى لم تكن لهم مصلحة في الطعن على هذا الحكم ولما استأنفته المطعون عليها الأولى عادوا إلى التمسك بالدفع ولكن محكمة الاستئناف لم تفصل فيه ولم تعرض له في أسباب حكمها ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه مشوباً بالقصور.
ومن حيث إن هذا النعي صحيح ذلك أنه يبين من الحكم الصادر من محكمة أول درجة أن المدعى عليهم الأول والثالث والسابعة دفعوا بعدم اختصاص المحكمة بالنسبة لمبلغ 94 جنيهاً و230 مليماً وانتهت المحكمة إلى رفض الدعوى وأقامت قضاءها الضمني برفض الدفع على نظر حاصلة أن الدعوى بنيت على طلبين أحدهما بملغ 494 جنيهاً و711 مليماً استناداً إلى عقد الوكالة وثانيها بملغ 94 جنيهاً و230 مليماً قيمة ما تدعيه المدعية ميراثاً عن أخيها وهما طلبان مرتبطان ببعضهما وبين نفس الخصوم في الدعوى. وإن المصلحة وحسن سير العدالة يقتضيان استبقاء الطلب الثاني لتفصل فيه المحكمة ما دامت هي صاحبة الاختصاص الأعم. وأن قواعد الإحالة للارتباط تبرر إقامة دعويين أمام محكمة واحدة. حتى ولو كانت هذه المحكمة في الأصل غير مختصة اختصاصاً نوعياً بإحدى الدعويين. وورد بمذكرة الطاعنين التي تقدموا بها إلى محكمة الاستئناف والتي أودعوا ملف الطعن صورة رسمية منها - أنهم تمسكوا أمامها بالدفع بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية بنظر الطلب الخاص بالحصة الميراثية وقيمته 94 جنيهاً و230 مليماً - كما يبين من الحكم المطعون فيه أنه قضى بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والحكم للمستأنفة بما طلبته من ثمن أطيانها وما ادعته بالميراث عن أخيها وخلت أسباب الحكم من الإشارة إلى ذلك الدفع. وبذلك يكون الحكم قد قضى ضمناً برفض الدفع ولم يسبب قضاءه في هذا الخصوص ومن ثم يكون معيباً بالقصر.
ومن حيث إن الطاعنين يقولون في السبب الثاني إن المطعون عليها الأولى ادعت أنه كانت تملك أطياناً مسطحها 2 ف و7 ط و3 و2/ 9 س وأن المورث باع هذا القدر بوكالته عنها وأنهم دفعوا دعواها في هذا الشق من النزاع بأنها لم تكن تملك سوى 2 ف و5 و1/ 3 س آلت إليها بطريق الإرث عن والدها المرحوم عبد السلام مبروك الجيار وهو ما باعه آخرها عنها. وإنه مع أهمية دفاعهم الذي تستقر على حقيقته قيمة الثمن المستحق للمطعون عليها الأولى فإن الحكم المطعون فيه أخذ بقول هذه الأخيرة دون أن يناقش ذلك الدفاع الجوهري ومن غير أن يستقصى الحقيقة ومن ثم يكون مشوباً بالقصور.
ومن حيث إن هذا النعي في محله ذلك أنه يبين من المذكرة التي تقدم بها الطاعنون إلى محكمة الاستئناف أنهم تمسكوا في دفاعهم "بأن المستأنفة لا يخصها في الأطيان المبيعة 2 ف و7 ط و3 و2/ 9 س كما تزعم لأن والدها كان يخصه ربع الأطيان أي 20 ف و16 ط و4 و1/ 2 س تقسم على ورثته. وقد ترك زوجة وولداً ذكراً وست بنات فيخص المستأنفة 2 ف 5 و3/ 5 س" كما يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه في هذا الشق من النزاع على قوله "أنه بالرجوع إلى عقد البيع المسجل في 14 من مايو سنة 1946 برقم 2231 يتضح إنه صادر إلى الخواجة بترويني اسمانو بولو من مورث طرفي الدعوى محمود عبد السلام الجيار عن نفسه وبصفته وكيلاً عن جملة أشخاص من بينهم عزيزة عبد السلام الجيار عن أطيان زراعية مجموعها 82 ف 16 ط 18 س وبمراجعة أسباب تملك البائعين ذكر بالبند الربع من العقد أن محمود عبد السلام الجيار بصفتيه يملك هذه الأطيان بالميراث الشرعي عن والده عبد السلام الجيار... وهذا العقد قاطع في أن المورث قد تصرف بالبيع في الأطيان المطالب بثمنها وأنه قبض الثمن سواء كان ذلك بصفته الشخصية أم بصفته وكيلاً عن المستأنفة... وبذلك تكون المستأنفة محقة في دعواها" ولما كان الحكم المطعون فيه قد أغفل مناقشة ما أثاره الطاعنون من إن المطعون عليها الأولى لا تملك سوى 2 ف و5 و3/ 5 س وكان العقد الذي أعتبره الحكم سنداً لصحة الدعوى مجهلاً لنصيب كل من البائعين ومنهم المرحوم محمود عبد السلام الجيار فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور.
ومن حيث إن الطاعنين ينعون في السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون ذلك أن المورث كان وكيلاً عن المطعون عليها الأولى في بيع أطيانها وقد كانت أطيانها محملة بدين مضمون بحق امتياز. ولما أن باع الوكيل هذه الأطيان تعهد بتطهيرها مما عليها من ديون وسدد الدين الممتاز وشطب تسجيله. وتقضي قواعد الوكالة بأن يؤدي الوكيل إلى موكله صافي حصيلة أعماله وعلى ذلك فإن تركة المورث لا تعتبر محلة بغير هذا الصافي الذي يتمثل في ثمن الأطيان مخصوماً منه ما يقابله من الدين. ولما كان الحكم المطعون فيه قد ذهب إلى أن استنزال الدين من أصل الثمن يخضع لأحكام المقاصة القانونية التي لم تتوافر شرائطها لأن الدين متنازع فيه وغير محدد المقدار فإنه يكون مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن هذا النعي صحيح ذلك أنه يبين من عقد البيع الابتدائي المؤرخ 10 من فبراير سنة 1944 المقدم من الطاعنين بملق الطعن والذي أشار إليه الحكم المطعون فيه أن البائعين ومنهم المرحوم محمود عبد السلام الجيار عن نفسه وبصفته وكيلاً عن أخواته ومن بينهم المطعون عليها الأولى باعوا إلى الخواجة بترواسمانو بولو الأطيان المبينة به وذكروا في البند الثاني أن الأطيان المبيعة محملة بدين للخواجة أنطون بوتي وقد التزم البائعون بسداد هذا الدين وبتقديم شهادة رسمية تثبت براءة ذمتهم منه وتدل على شطبه. وورد بالشهادة الرسمية المستخرجة من مكتب الشهر العقاري بدمنهور بتاريخ 26 من يونيه سنة 1944 أن الدين المقرر لمصلحة أنطون بوتي قبل محمود مبروك الجيار وآخرين من بينهم محمود عبد السلام الجيار بصفتيه المذكورين بعقد البيع الابتدائي سالف الذكر قد سدد وشطب تسجيله بموجب عقد تاريخه 21 من مارس سنة 1944 - كما يبين من عقد البيع النهائي المسجل في 14 من مايو سنة 1944 والصادر من عائلة الجيار إلى بترويني اسمانو بولو أنه ذكر بالبند الثالث منه أن الأطيان المبيعة خالية من كافة الحقوق والقيود العينية. ولما كانت المادة 512 من القانون المدني القديم قد نصت على أن "التوكيل عقد يؤذن به الوكيل بعمل شيء باسم الموكل وعلى ذمته" وقررت المادة 525 من نفس القانون على أنه "على الوكيل تقديم حساب إدارة عمله وحساب المبالغ التي قبضها على ذمة موكله" كان مؤدى هذه الأحكام التي تنظم علاقات الوكيل بالموكل أن ما يبرمه الوكيل في حدود الوكالة يضاف إلى الأصيل والوكيل ملزم بأن يقدم لموكله حساباً شاملاً وأن يوفى إليه صافي ما في ذمته. ومتى كان الثابت من الوقائع السابق بيانها أن المورث إذ أبرم عقد البيع الابتدائي بالنسبة لحصة موكلته المطعون عليها الأولى والتزام مندرجاً ضمن حدود وكالته بالبيع التي تستلزم التطهير فإن ما قام به من تصرفات يضاف إلى موكلته وتنصرف إليها آثاره. ومن ثم لا يكون في حالة قبضه الثمن وسداده الدين الممتاز مديناً لموكلته بما قبض ودائناً لها بما دفع وإنما يقتصر التزامه على أن يقدم لها حساب وكالته وأن يؤدي إليها ما تسفر عنه أعماله. ولما كان دفاع الطاعنين قد قام أمام محكمة الاستئناف على هذا الأساس متمسكين بطلب استنزال ما سدده المورث عن المطعون عليها الأولى إلى أنطون بوتي من أصل ثمن الأطيان التي باعها بوكالته عنها والتي كانت محملة بهذا الدين وكان الحكم المطعون فيه قد رفض هذا الدفاع قولاً منه إنه يقوم على الدفع بالمقاصة القانونية بين الدين المدعي الوفاء به والدين الذي تطالب به المطعون عليها الأولى لما كان ذلك فإن الحكم يكون مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم دون حاجة إلى بحث باقي الأسباب.