أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 12 - صـ 428

جلسة 27 من أبريل سنة 1961

برياسة السيد/ محمود عياد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: صبحي الصباغ، وعبد السلام بلبع، وأحمد زكي محمد، ومحمود توفيق إسماعيل المستشارين.

(62)
الطعن رقم 26 لسنة 28 أحوال شخصية

( أ ) أحوال شخصية. "وقف". اختصاص.
الاختصاص في مواد الأحوال الشخصية والوقف معقود للمحاكم الوطنية بعد إلغاء المحاكم الشرعية والملية. تشكيل دوائر لنظر قضايا الأحوال الشخصية والوقف يدخل في نطاق التنظيم الداخلي في حدود ما نص عليه في المادة الرابعة ق 462 سنة 1955. لا يتعلق ذلك بالاختصاص النوعي للمحاكم.
(ب) وقف. "الاستحقاق في الوقف". التصالح عنه.
جواز التصالح عن الاستحقاق في الوقف. بدل الصلح استحقاقه للغير. مثال. شروع الإصلاح الزراعي في الاستيلاء على بدل الصلح لا يتحقق به معنى استحقاق البدل للغير.
(ج) صلح. "وقف". الإقرار المبطل للصلح.
الإقرار المبطل للصلح هو الإقرار باستحقاق ثابت في أعيان الوقف لا باستحقاق متنازع عليه.
(د) صلح. تكييفه. سلطة محكمة الموضوع.
تكييف عقد الصلح واعتباره منشئاً للحق أو مقرراً له من حق المحكمة وحدها دون تدخل الخصوم. متى كان الصلح كاشفاً عن الاستحقاق في الوقف رجعت الملكية إلى تاريخ الاستحقاق لا إلى تاريخ عقد الصلح.
1 - أصبحت المحاكم الوطنية بعد إلغاء المحاكم الشرعية والملية هي صاحبة الولاية بالفضل في كافة المنازعات في المواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية والوقف والولاية عليه (م 12 قانون 147 الخاص بنظام القضاء) ومن أجل ذلك نصت المادة الرابعة من القانون رقم 462 لسنة 1955 - الخاص بإلغاء المحاكم الشرعية والملية - على تشكيل دوائر جزئية وابتدائية لنظر قضايا الأحوال الشخصية والوقف التي كانت من اختصاص المحاكم الشرعية أو الملية. وتشكيل هذه الدوائر يدخل في نطاق التنظيم الداخلي لكل محكمة مما تختص به الجمعية العمومية بكل منها في حدود ما تقدم. ولا يتعلق ذلك بالاختصاص النوعي للمحاكم. فمتى كانت دعوى الطاعنة بطلب استحقاق في وقف قد رفعت إلى دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة الابتدائية لاختصاصها بها وفقاً لقواعد التنظيم الداخلي لدوائر المحكمة ودفع بعدم سماعها لسبق الصلح بين الطرفين في ذات النزاع فإن ذلك لا يقيد اختصاص المحكمة في الدعوى والدفع المقدم منها أياً كانت طبيعته.
2 - تصالح المستحق في الوقف على أن يأخذ بعض ما يدعيه من أعيانه ويدع البعض الأخر نظير مبلغ معين جائز شرعاً ولا يغير من ذلك أن تكون جهات الاختصاص بالإصلاح الزراعي قد شرعت في الاستيلاء على الأطيان المتصالح عليها إذ أن إجراءات الاستيلاء التي تتخذ وفقاً لقانون الإصلاح الزراعي لا تفيد الاستحقاق بالمعنى المفهوم قانوناً.
3 - الإقرار في عقد الصلح باستحقاق المطعون عليها في وقف لا يبطل الصلح ذلك أن الإقرار الذي يبطل وفقاً للمادة 20 من قانون أحكام الوقف رقم 48 لسنة 1946 هو الإقرار باستحقاق ثابت لا باستحقاق متنازع فيه إذ أن تقرير هذا البطلان إنما دعت إليه الرغبة في حماية المستحقين الذين يتخذون من الإقرار أو التنازل وسيلة لبيع استحقاقهم بثمن بخس بما يؤدي إلى تفويت غرض الواقف وانتفاع غير الموقوف بريع الوقف وهذه العلة لا تتحقق إلا إذا كان الاستحقاق ثابتاً ومؤكداً.
4 – تكييف عقد الصلح واعتباره منشئاً للحق أو مقرراً له من حق المحكمة وحدها دون تدخل الخصوم. وإذن فمتى كانت المحكمة قد حصلت من عقد الصلح أن أساس تمليك الطاعنة الأطيان التي خصصت لها في عقد الصلح هو إدعاؤها الاستحقاق في الوقف، وأن المطعون عليهما قد تنازلتا عن إنكارهما استحقاقها وصالحتاها على مبلغ من المال مقابل حصة الطاعنة في عين من أعيان الوقف، فإن هذا الصلح يكون كاشفاً لحق الطاعنة في تلك الأطيان المبني على إدعائها الاستحقاق في الوقف لا ينشأ لذلك الحق. وتعد الطاعنة في هذه الحالة مالكة لما خصص لها بعقد الصلح من وقت الاستحقاق المدعى به لوفاة من تلقى الاستحقاق عنه لا من تاريخ عقد الصلح.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
من حيث إن الوقائع تتحصل على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أن الطاعنة أقامت أمام محكمة القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 257 سنة 1956 أحوال شخصية مختصمة المطعون عليهما طالبة الحكم باستحقاقها لثلث ما هو موقوف من جدتها المرحومة زيبا قادن حرم المرحوم علي شريف على والدها المرحوم عثمان شريف وبعدم التعرض لها في هذا الاستحقاق وبتسليمها نصيبها في ريع هذا الوقف عن سنة 1954 وقالت في شرح دعواها إنه يبين من كتاب هذا الوقف والإشهادات اللاحقة أن جدتها المذكورة وقفت سرايها بشارع الشيخ العبيط بالقاهرة وأطياناً زراعية مساحتها 207 ف و17 ط و 8 س وجعلت الاستحقاق لنفسها حال حياتها، ومن بعدها على ابنها عثمان شريف ثم على أولاده الموجود منهم وقت الوقف ثلاث بنات هن أمينة وزيبا - المطعون عليهما - وفاطمة الطاعنة، وقد توفى المرحوم عثمان شريف عام 1947، ثم اضطرت إلى رفع هذه الدعوى بسبب وضع المطعون عليهما اليد على أعيان الوقف وامتناعهما عن تسليمها نصيبها فيه. دفع المطعون عليهما بعدم سماع الدعوى وقررا بأن الخصومة بشأن هذا الوقف قد انتهت صلحاً بعقد مؤرخ في 8/ 4/ 1953، وطلبتا احتياطياً الحكم للطاعنة بملكية 67 ف و9 ط و19 س المبينة الحدود والمعالم بعقد الصلح على أساس هذا العقد دون أي أساس آخر. وعقبت الطاعنة بأن جهات الاختصاص بالإصلاح الزراعي لم تأخذ بعقد الصلح كسند للتمليك فقد استولت على نصيبها من الأطيان الزراعية في هذا العقد باعتباره مملوكاً للمطعون عليهما ويزيد عن القدر المصرح لهما بامتلاكه طبقاً لأحكام قانون الإصلاح الزراعي، ولم تقبل اللجنة القضائية استناد الطاعنة إلى العقد وقررت إيقاف الفصل في اعتراضها حتى تستصدر حكماً بثبوت استحقاقها في الوقف، وانتهت الطاعنة إلى طلب الحكم لها بطلباتها على أساس الصلح والاستحقاق معاً. وبتاريخ 10/ 11/ 1956 قضت محكمة أول درجة برفض الدفع بعدم سماع الدعوى وباستحقاق الطاعنة لثلث ما هو موقوف وعدم تعرض المطعون عليهما في ذلك ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. استأنف المطعون عليهما هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة. وقيدا استئنافهما برقم 207 سنة 73 ق، وطلبتا إلغاء الحكم المستأنف وتمسكتا بطلباتهما الأصلية والاحتياطية التي أبديت أمام محكمة أول درجة. وفي 21/ 6/ 1958 قضت المحكمة الاستئنافية بإلغاء الحكم المستأنف وعدم سماع دعوى المستأنف ضدها لانتهاء موضوعها صلحاً بين طرفي الخصومة في 8/ 4/ 1953. وفي 7/ 9/ 1958 قررت الطاعنة بواسطة محاميها بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض. وطلبت نقضه والحكم برفض الاستئناف وتأييد حكم محكمة أول درجة. وقررت دائرة فحص الطعون في 3/ 2/ 1960 إحالة الطعن إلى دائرة المواد المدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية، وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على ما جاء بمذكرتها طالبة رفض الطعن.
وحيث إن السبب الأول يتحصل في النعي على الحكم بمخالفة القانون وفى بيانه تقول الطاعنة إنه بعد وفاة عثمان شريف استولى المطعون عليهما على نصيبها في وقف شريف باشا الكبير ووقف زيبا هانم قادن. فلجأت إلى المحاكم الشرعية للمطالبة باستحقاقها ثم تصالحت معها بالكيفية المبينة بعقد الصلح، ولكن اللجنة القضائية بالإصلاح الزراعي لم توافق على هذا الصلح وكلفتها بالحصول على حكم بالاستحقاق في وقف زيبا قادن. فأقامت الطاعنة هذه الدعوى أمام محكمة الأحوال الشخصية بطلب استحقاقها الثلث في الموقوف ودفع المطعون عليهما بعدم سماعها لانتهاء موضوعها صلحاً. وقد أخذت المحكمة بهذا الدفع مع أنه ليس من اختصاصها النظر في عقد الصلح صحة أو بطلاناً لأنه يتضمن تمليك الطاعنة أطياناً في الوقف لا بسبب الاستحقاق أو الإرث ولكن بمقتضى الصلح مما تختص بنظره المحاكم المدنية. أما محكمة الأحوال الشخصية التي نص بالقانون رقم 462 لسنة 1955 على إنشائها فولايتها قاصرة على إثبات صفة الاستحقاق لا الحكم بالمال أو النظر في صحة وبطلان التعاقد عليه - وترتب الطاعنة على ذلك اعتبار حكم محكمة الأحوال الشخصية بصحة الصلح صادراً من هيئة غير مختصة وبالتالي فإنه يعد باطلاً الحكم بعدم سماع الدعوى الذي بني عليه. وتستطرد الطاعنة قائلة أنه كان على المحكمة أن تقضي في موضوع الدعوى أي الاستحقاق في الوقف دون التعرض لبحث عقد الصلح، ولمن يرغب في التمسك به أن يلجأ إلى المحكمة المختصة إن شاء.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن القانون رقم 461 لسنة 1955 قد نص على أن يستبدل بنص المادة 12 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 النص الآتي "تختص المحاكم الوطنية بالفصل في كافة المنازعات في المواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية والوقف..." ونص القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية بالمادة الثالثة منه على أن "الدعاوى التي كانت من اختصاص المحاكم الشرعية أو التي كانت من اختصاص المجالس الملية ترفع إلى المحاكم الوطنية ابتداءً من أول يناير سنة 1956" ونص في المادة الرابعة منه على أن "تشكل بالمحاكم الوطنية دوائر جزئية وابتدائية واستئنافية وفقاً لما هو منصوص عليه في قانون نظام القضاء لنظر قضايا الأحوال الشخصية والوقف التي كانت من اختصاص المحاكم الشرعية أو المجالس الملية "وتصدر الأحكام من محاكم الاستئناف في القضايا المذكورة من ثلاثة مستشارين يجوز أن يكون أحدهم من رجال القضاء الشرعي المعينين في القضاء الوطني بمقتضى هذا القانون" ومفاد هذه النصوص أن دعاوى الأحوال الشخصية والوقف التي كانت من اختصاص المحاكم الشرعية والمجالس الملية أصبحت من اختصاص المحاكم الوطنية وتشكل لنظرها بكل محكمة دائرة أو أكثر وتشكيل هذه الدوائر يدخل في نطاق التنظيم الداخلي لكل محكمة مما تختص به الجمعية العمومية بها في الحدود المنصوص عليها فيما تقدم ووفقاً لنص المادة 42 بفقرتيها أ، ب من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 ولا يتعلق ذلك بالاختصاص النوعي للمحاكم. ولما كانت دعوى الطاعنة بطلب الاستحقاق في وقف زيبا قادن قد رفعت إلى دائرة الأحوال الشخصية بمحكمة القاهرة الابتدائية لاختصاصها بها وفقاً لقواعد التنظيم الداخلي لدوائر المحكمة. وكان قد دفع بعدم سماع هذه الدعوى لسبق الصلح بين الطرفين في ذات النزاع - فإنه أياً كانت طبيعة هذا الدفع، ولو لم يكن متعلقاً بالأحوال الشخصية أو الوقف بأن مس الصلح المدعى به المصالح المالية للطرفين، فإن ذلك لا يعتبر اختصاص المحكمة بالفصل في الدعوى والدفع المقدم فيها.
وحيث إن السبب الثاني يتحصل في النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون وتقول الطاعنة في بيانه أنه على فرض أن الهيئة التي فصلت في الدعوى مختصة بنظر الصلح، فإن هذا الصلح قد وقع باطلاً قانوناً من عدة وجوه: أولها - أنه يشترط في بدل الصلح أن يكون مما يصلح عوضاً في المبيعات، فإذا تم الصلح على مال واستحق للغير فلا يصح لعدم ملكيته للمصالح وقد تبين أن بدل الصلح المتعاقد عليه بين الطرفين قد شمل أطياناً زراعية مساحتها 67 ف تقريباً لم تكن مملوكة للمطعون عليهما ملكية ثابتة لاستيلاء الإصلاح الزراعي عليها، مما يجعلها غير صالحة لأن تكون بدلاً للصلح. والثاني: إن الصلح لا يجوز إذا كان عن حق لا يمكن الاعتياض عنه كالنسب والإرث، ذلك لأن الصلح إما معاوضة أو إسقاط والنسب والإرث لا يحتملان أيهما. إن الثابت أن الطاعنة أقامت الدعويين رقمي 151، 131 القاهرة الابتدائية الشرعية تطلب استحقاقها في وقف شريف باشا الكبير لبنوتها من عثمان شريف، وفي وقف زيبا هانم قادن بالاسم ولم يكن المال هو أساس النزاع بين الطرفين ولكن الحقوق الشخصية. وقد تضمن عقد الصلح تنازلها عن الاستحقاق في الوقفين، وتفيد عبارته أنه وارد على الحالة الشخصية وليس على الحقوق المالية المترتبة عليها. والوجه الثالث. أن الاستحقاق في الوقف كالإرث لا يسقط بالإسقاط، ولكن عقد الصلح المبرم بين طرفي الخصومة تضمن إقراراً للطاعنة لغيرها هما المطعون عليهما بالاستحقاق في وقف شريف باشا الكبير. مما يخالف نص المادة 205 من قانون أحكام الوقف رقم 48 لسنة 1946 والرابع - إن الصلح لا ينشىء الحق بل يكشفه، وهو ليس سبباً من أسباب الملكية وقول المطعون عليهما أن ملكية الطاعنة للأطيان الواردة بالبند الثالث من العقد سببها الصلح قول يخالف أحكام المواد 870 إلى 944 من القانون المدني. والخامس. إن الطاعنة كانت مكرهة على قبول عقد الصلح بسبب طول أمد النزاع وحرمانها من نصيبها في الوقفين فهو بالنسبة لها عقد إذعان أكرهت بمقتضاه على التنازل عن الاستحقاق في وقف شريف باشا الكبير وفى عقار بشارع الشيخ العبيط بالقاهرة من وقف زيبا قادن، مما يبطله. وتضيف الطاعنة أن الحكم المطعون فيه، رغم إقراره بصحة عقد الصلح. لم يقض لها بملكية الأطيان المبينة به البالغ مساحتها 67 ف تقريباً حتى تستطيع أن تواجه جهات الاختصاص بالإصلاح الزراعي بهذا القضاء.
وحيث إن هذا النعي مردود في وجهه الأول بما ورد بالحكم المطعون فيه من "أن الطاعنة قد صالحت المطعون عليهما على أن تأخذ بعض ما تدعيه في أعيان الوقف وتترك البعض الآخر نظير مبلغ معين وهذا جائز شرعاً" ولا يغير من هذا الوضع أن تكون جهات الاختصاص بالإصلاح الزراعي قد شرعت في الاستيلاء على الأطيان التي تصالحت عليها الطاعنة، وكان هذا الاستيلاء تنفيذاً لأحكام قانون الإصلاح الزراعي التي لا تجيز للشخص أن يمتلك أكثر من مائتي فدان من الأراضي الزراعية، ذلك لأنه لا يتأدى من إجراءات الاستيلاء التي تتخذ على هذا الأساس استحقاق الأطيان للغير. وقد ضمن الحكم المطعون فيه هذا المعنى إذ قرر رداً على دفاع الطاعنة في هذا الخصوص "إنه لا محل للقول بأن بدل الصلح في الأطيان التي أخذتها الطاعنة قد استحق للغير باستيلاء الإصلاح الزراعي عليها فيجوز لها شرعاً معاودة الخصومة، ذلك أن هذا الاستيلاء لم يتم بصفة نهائية، وما زال مجال المعارضة فيه قائماً للطاعنة، فضلاً عن أنه لا يعتبر استحقاقاً بالمعنى المفهوم قانوناً وبفرض تمامه فإن الطاعنة ستعوض عن هذه الأطيان بثمنها من الإصلاح الزراعي وقد قبلت هي ذلك في ملحق عقد الصلح، فلا يجوز لها الاعتراض عليه" ومردود في وجهه الثاني بأن عقد الصلح إذ عرض للحالة الشخصية للطاعنة المتعلقة بادعائها البنوة من عثمان شريف قد ورد به ما يفيد إخراجها من نطاقه لتمسك كل من الطرفين بموقفه بشأنها. فقد جاء بعقد الصلح في هذا الخصوص: "إن الطاعنة لم تزل تصر على أنها كريمة المرحوم عثمان شريف ابن المرحوم علي شريف، ولكن السيدة أمينة شريف عن نفسها وبالنيابة عن موكلتها السيدة زيبا شريف لم تزل تنكر عليها هذه الأبوة وهذا النسب" ولما كانت المادة 551 من القانون المدني تنص على جواز الصلح على المسائل المالية التي تترتب على الحالة الشخصية، وكان عقد الصلح قد تضمن تنازل الطاعنة عن ادعاء الاستحقاق في وقف شريف باشا الكبير والتصالح على استحقاقها في وقف زيبا قادن مقابل بدل هو ثلث الموقوف من الأطيان الزراعية ومبلغ 8000 جنيه كما تضمن تنازل الطاعنة عن الدعويين المقامتين منها أمام المحاكم الشرعية بطلب استحقاقها في هذين الوقفين، لما كان ذلك فإنه أياً كان سبب الاستحقاق الذي كانت تدعيه الطاعنة في هذين الوقفين قبل الصلح، وسواء كان أساسه البنوة من عثمان شريف كما تدعي بالنسبة لوقف شريف باشا الكبير، أو كان أساسه الاستحقاق بالاسم كما جاء بوقف زيبا قادن فإن عقد الصلح لم يتعرض لهذه الأسباب ولم يتناول بالحل سوى المصلحة المالية في الوقفين. أما ادعاء الطاعنة البنوة من عثمان شريف الذي يعد من مسائل الأحوال الشخصية. فإن عقد الصلح لم يمسسه ومردود في وجهه الثالث بأن الطاعنة وإن أقرت في عقد الصلح باستحقاق المطعون عليهما في وقف شريف باشا الكبير، إلا أن هذا الإقرار لا يبطل الصلح، ذلك أن الإقرار الذي يبطل وفقاً للمادة 20 من قانون أحكام الوقف رقم 48 لسنة 1946 هو الإقرار باستحقاق ثابت لا باستحقاق متنازع فيه كما هو في الدعوى الحالية، إذ أن تقرير البطلان طبقاً للمادة 20 السالفة الذكر دعت إليه الرغبة في حماية المستحقين الذين يتخذون من الإقرار أو التنازل وسيلة لبيع استحقاقهم بثمن بخس بما يؤدي إلى تفويت غرض الواقف وانتفاع غير الموقوف عليهم بريع الوقف ولا تتحقق هذه العلة إلا إذا كان الاستحقاق ثابتاً ومؤكداً.
ومردود في وجهه الرابع بما جاء بالحكم المطعون فيه من "أن تكييف عقد الصلح من حيث كونه منشئاً للحق أو مقرراً له إنما هو من حق المحكمة وحدها دون دخل للخصوم فيه وأن ما أورده الخصوم بعقد الصلح من أن أساس تمليك الطاعنة للأطيان التي خصصت لها هو الصلح لا الإرث ولا الاستحقاق ليس من شأنه وحده أن يكسب الصلح صفة كونه منشئاً للحق ما دامت ظروفه وملابساته ومجموع عباراته تدل على غير ذلك" وما قرره الحكم بعد ذلك من أن أساس تمليك الطاعنة للأطيان التي خصصت لها فيه هو ادعاؤها الاستحقاق في حصة المرحوم عثمان شريف في وقف والدته. وقد كانتا المطعون عليهما تنكران عليها ذلك الاستحقاق، ثم تنازلت عن موقفها في هذا الشأن وأقرتا لها بأحقيتها لحصتها في الأطيان الموقوفة وصالحتاها على مبلغ من المال في مقابل حصتها في السراي على أساس ما تدعيه من أن اسمها وارد في حجة ذلك الوقف. وهذا ظاهر في البند الثاني من عقد الصلح ومستفاد من اعترافهما في البند الثالث بملكيتها لنفس الحصة التي كانت تدعيها في أطيان الوقف المذكور وهى الثلث. وما دام الأمر كذلك فإن هذا الصلح يكون كاشفاً لحق الطاعنة في تلك الأطيان المبني على ادعائها الاستحقاق في الوقف لا منشئاً لذلك الحق - وفي هذه الحالة تعد الطاعنة مالكة لما خصص لها بعقد الصلح من وقت الاستحقاق المدعى به أي من تاريخ وفاة عثمان شريف في 24/ 1/ 1947 لا من تاريخ عقد الصلح.
ومردود في وجهه الخامس بأن المحكمة الاستئنافية قد قررت في حدود تقديرها الموضوعي نفي الإكراه لعدم قيام الدليل عليه. ولا محل لما تثيره الطاعنة من أن الحكم المطعون فيه وأن انتهى إلى اعتبار عقد الصلح صحيحاً، إلا أنه لم يقض لها بملكية الأطيان المبينة به حتى تستطيع أن تواجه الإصلاح الزراعي بقضائه - لا محل لذلك بعد أن انتهى الحكم في أسبابه المرتبطة بمنطوقه: "إلى أن ملكية الطاعنة للأطيان الزراعية الواردة بعقد الصلح بالبند الثالث منه ترجع إلى وقت الاستحقاق في وقف زيبا قادن وهو تاريخ وفاة عثمان شريف في 24/ 1/ 1947 لا من تاريخ عقد الصلح وأن النزاع بين الطاعنة والمطعون عليهما كان نزاعاً جدياً وأن الصلح الذي أبرم بين الطرفين تنعدم فيه شبهة الغش أو التواطؤ".
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعين الرفض.