أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 12 - صـ 466

جلسة 11 من مايو سنة 1961

برياسة السيد محمود عياد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف، وأحمد زكي محمد، ومحمود توفيق إسماعيل المستشارين.

(69)
الطعن رقم 56 لسنة 26 القضائية

التزام. "عقد" نظرية الحوادث الطارئة.
مناط تطبيق نظرية الحوادث الطارئة قيام الالتزام بين الطرفين.
امتناع تطبيقها عند الالتزام.
تنص المادة 147/ 2 من القانون المدني على أنه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ومناط تطبيق هذا النص يكون الالتزام الذي حصل الاتفاق عليه بين المتعاقدين قائماً وأن تنفيذه بالشروط المتفق عليها بينهما يصبح مرهقاً للمدين بسبب الحادث الطارئ أما إذا كان الالتزام الأصلي قد تغير فإنه يمتنع تطبيقه. فإذا كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن تغيير المواصفات الخاصة بنسبة الدسم والمواد الصلبة في الألبان نتيجة القرار الوزاري الصادر في هذا الشأن بعد إبرام العقد وتنفيذه جزئياً يقتضى تعديل السعر المتفق عليه فإنه لا يكون قد خالف القانون أو شابه قصور.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
من حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه رفع الدعوى رقم 627 سنة 53 كلي إسكندرية على وزير الصحة ومدير عام المستشفيات الجامعية بصفتهما قال فيها إنه بتاريخ 28 من يونيو سنة 1952 رسا عليه عطاء توريد اللبن إلى مستشفيات جامعة إسكندرية ومستشفى ناريمان على أساس أن تكون نسبة الدسم في اللبن 5% ونسبة المواد الصلبة غير الدسمة 8.5% وعلى أن يكون الثمن 49 مليماً للكيلو جرام للمائة وخمسين ألف كيلو الأولى و37 مليماً لما يزيد على ذلك فبدأ في التوريد من أول يوليو سنة 1952 ولكن المدعى عليه غيرا شروط التعاقد فطالباه بأن يكون توريد اللبن بحيث لا تقل نسبة الدسم فيه عن 5.5% ونسبة المواد الصلبة غير الدسمة 8.75% إعمالاً لقرار أصدره وزير الصحة في 7 من يوليو سنة 1952 حدد فيها هذه النسب، فاستجاب إلى طلبهما واستمر في التوريد بعد أن أنذرهما برفع السعر إلى 53.9 مليماً نتيجة لتغيير المواصفات وفى نهاية مدة التعاقد بلغت جملة الفرق مبلغ 674 جنيهاً و489 مليماً طلب الحكم بإلزامهما بدفعه إليه قضى في 10 من نوفمبر سنة 1953 بندب خبير لتقديم الفرق ثم قضى بعد ذلك في 21 من سبتمبر سنة 1954 أخذاً بتقرير الخبير بإلزام المدعى عليهما بأن يدفعا للمدعى المبلغ سالف الذكر فاستأنفا هذا الحكم كما استأنفا الحكم الذي قضى بندب الخبير وقيد الاستئناف برقم 482/ 10 ق استئناف إسكندرية، وفي أثناء سير الخصومة صدر القانون رقم 10/ 1955 فحل الطاعنون محل المستأنفين فيها ثم قضى في 10 من ديسمبر سنة 1955 بتأييد الحكمين المستأنفين لأسبابهما ولما أضافته إليها محكمة الاستئناف من أسباب أخرى فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض قدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها نقض الحكم وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه الدائرة، وفي الجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها الذي أبدته في مذكرتها.
وحيث إن الطعن أقيم على ستة أسباب ينعى الطاعنون على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول منها مخالفة القانون ذلك أنه أقام قضاءه على أن الطرفين المتعاقدين أغفلاً الاتفاق عند التعاقد على ما لم يتوقعه أحدهما من احتمال صدور قرار وزاري بزيادة نسبة الدسم والمواد الصلبة غير الدسمة في اللبن وأنه يتعين على المحكمة إزاء ذلك طبقاً للفقرة الثانية من المادة 148 من القانون المدني أن تكمل هذا النقض بما تقتضيه طبيعة الالتزام وفقاً للعدالة التي تلزم من تعاقد مع المطعون عليه بفرق السعر بما يعادل نسبة الدسم حتى تتوازن الالتزامات التي تعهد بها طرفا العقد، ووجه مخالفة القانون في ذلك هو أن الحكم طبق الفقرة الثانية من المادة 148 في غير مجال تطبيقها إذ لا يصح اللجوء إلى قواعد العدالة إلا إذا كان القانون لم يضع أحكاماً خاصة لما غفل العاقدان عن الاتفاق عليه والحال في خصوصية هذه الدعوى أن العاقدين لم يتفقا على الوضع في حالة ما إذا صدر قرار وزاري بتغيير مواصفات اللبن الذي التزم المطعون عليه بتوريده وصدور هذا القرار بعد ذلك يعتبر ظرفاً طارئاً نظم المشرع أحكامه بالمادة 147 من القانون المدني وكان يتعين على الحكم المطعون فيه أن ينزل حكمها على واقعة الدعوى بعد البحث في توافر شروط تطبيقها.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن المادة 147 سالفة الذكر نصت في الفقرة الأولى منها على قاعدة عامة وهى أن العقد شريعة المتعاقدين وأنه لا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين ثم نصت الفقرة الثانية منها على استثناء من هذه القاعدة فقالت "ومع ذلك طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول..." ومفهوم ذلك أن محل تطبيق هذا الاستثناء أن يكون الالتزام الذي حصل الاتفاق عليه بين المتعاقدين قائماً وأن تنفيذه بالشروط المتفق عليها بينهما أصبح مرهقاً للمدين بسبب الحادث الطارئ أما إذا كان الالتزام الأصلي قد تغير فإنه يمتنع تطبيقه، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على قوله "إن المطعون عليه قد التزم بتوريد اللبن على أساس أنه يجب أن يكون اللبن محتوياً على 5% على الأقل من المواد الدسمة و8.5% على الأقل من المواد الصلبة غير الدسمة وقد قبل المستأنف عليه - المطعون عليه - هذه الشروط وحدد سعره على أساسها فلا يمكن تغيير مواصفات اللبن بعد ذلك بزيادة نسبة المواد الدسمة والمواد الصلبة غير الدسمة دون تغيير المقابل وهو السعر المتفق عليه وذلك لتتوازن الالتزامات التي تعهد بها طرفا العقد فإذا ما قضت محكمة أول درجة بأحقية المستأنف عليه لفرق السعر الذي تحمله من تغيير مواصفات اللبن بعد التعاقد وبعد تنفيذه جزئياً وندبت خبيراً لتقدير هذا الفرق ثم اعتمدت بحكمها المستأنف ما انتهى إليه الخبير وذلك للأسس السليمة التي بني عليها تقريره فلا غبار على حكمها هذا الذي تأخذ به هذه المحكمة وتقرها عليه لما تراه من سلامة تقديره" وكان الحال في خصوصية هذه الدعوى أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أن تغيير المواصفات نتيجة للقرار الوزاري كان يتعين معه تعديل السعر المتفق عليه فإنه لا يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم قد شابه قصور في التسبب ذلك أنه بينما يصرح بتطبيق الفقرة الثانية من المادة 148 من القانون المدني إذا به يشير في أسبابه إلى أن تغيير نسبة الدسم لم يتوقعها المتعاقدان وأن الالتزام أصبح مرهقاً للمدين وأنه يجب أن تتوازن الالتزامات ويفهم من تعبيرات الحكم على هذا الوجه أنه قد اعتنق نظرية الحوادث الطارئة وكان يتعين إزاء ذلك البحث في توافر شروط المادة 147 وأن ينزل حكمها على واقعة الدعوى ولو أنه فعل ذلك لتبين له أن هذه الشروط غير متوافرة ولكنه لم يفعل وبذلك شابه قصور في التسبيب يعيبه ويبطله وحاصل السبب الثالث أن الحكم أخطأ في الإسناد إذ نسب إلى الخبير أنه ذكر في تقريره أن تغيير مواصفات اللبن قد أرهق المطعون عليه في تنفيذ التزامه مع أنه لم يرد بتقرير الخبير شيء من ذلك وحاصل السبب الرابع أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون إذ أقام قضاءه على أنه يجب أن تتوازن الالتزامات بين طرفي العقد ثم انتهى في قضائه إلى إلزام الطاعنين بكل الفرق بين الثمن المتفق عليه في العقد والثمن منسوباً إلى المواصفات الجديدة في اللبن ووجه مخالفة القانون في ذلك أنه وقد اعتنق نظرية الحوادث الطارئة على ما سلف بيانه فقد كان يتعين اعملاً لنص المادة 147 من القانون المدني أن يتحمل كل من الطرفين بجزء من الخسارة، وحاصل السبب السادس أن الحكم قد خالف القانون ذلك أن دفاع الطاعنين كان يقوم على أن القرار الوزاري لم يلق عبئاً جديداً على المطعون عليه لأن الشروط المتفق عليها إنما تحدد الحد الأدنى لنسبة الدسم والمواد الصلبة وهذا لا يمنع توريد أكثر من هذه النسبة فرد الحكم على هذا الدفاع بأن "المتعهد يقوم بالتوريد بالنسبة المحددة ويحفظ لنفسه ما يبقى من المواد الدسمة ليتصرف فيها ببيعها" وهذا الذي ذهب إليه الحكم مخالفاً للقانون رقم 132 سنة 1950 إذ نصت المادة الثانية منه على أنه يجب أن يكون اللبن بحالته الطبيعية وأنه يحظر نزع القشدة منه - وعلى ذلك يكون الحكم قد عوض المطعون عليه عن عدم بيع مادة من اللبن محظور بيعها قانوناً.
وحيث إن هذا النعي مردود في أسبابه جميعاً بما سبق الرد به على السبب الأول من أن الحكم المطعون فيه قد استقام قضاؤه لصحة أسبابه التي سلفت الإشارة إليها، ولا يعيبه بعد ذلك ما عسى أن يكون قد شابه من خطأ فيما استطرد إليه تزيداً.
وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم بالسبب الخامس أنه خلط بين إدارة المستشفيات الجامعية كطرف متعاقد وبين وزير الصحة كسلطة عامة لها اختصاص محدود بالقانون إذ ورد في الحكم بأن "العدالة وحسن النية تقضيان بأن يلزم بهذا الفرق الطرف الذي عدل المواصفات دون اتفاق الطرف الأخر" وفي هذا القول خلط بين إدارة المستشفيات ووزير الصحة كسلطة عامة فوزير الصحة إذ يصدر قرار بتحديد مواصفات المواد الغذائية إنما يفعل ذلك كسلطة منحها القانون اختصاصاً في هذا الشأن لا تسأل عن قيامها به إلا في حدود إساءة استعمال السلطة الأمر الخارج عن نطاق هذا البحث إذ الدعوى في نطاق تعاقدي ولم يكن موضوع القرار الوزاري وصحته أو عدم صحته مطروحاً أمام المحكمة حتى تؤسس حكمها عليه.
وحيث إن هذا النعي لا جدوى للطاعنين منه إذ لم يرتب الحكم المطعون فيه على العبارة التي يستشهدون بها مسئولية وزير الصحة ولم يقض بإلزامه بشيء.
وحيث إنه يبين من ذلك أن الطعن لا يقوم على أساس.