أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 35 - صـ 531

جلسة 21 من فبراير سنة 1984

برياسة السيد المستشار/ عبد العزيز عبد العاطي إسماعيل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد المرسي فتح الله نائب رئيس المحكمة، مدحت المراغي، جرجس إسحق وعبد النبي غريب.

(101)
الطعن رقم 1528 لسنة 53 القضائية

(1) محكمة الموضوع "مسائل الواقع". نقض "سلطة محكمة النقض".
تحصيل فهم الواقع في الدعوى من سلطة قاضي الموضوع تكييف هذا الفهم وتطبيق القانون عليه. خضوعه لرقابة محكمة النقض.
(2) محكمة الموضوع "سلطتها في تفسير العقود" عقد "تفسير العقد".
تفسير صيغ العقود والمحررات. من سلطة محكمة الموضوع متى كان تفسيرها سائغاً. عدم تقيدها بما تفيده عبارة معينة بل بما تفيده عبارات المحرر بأكملها.
(3) هبة.
الهبة المشروطة للمساهمة في خدمة عامة. الرسمية غير لازمة لانعقادها. عدم اعتبارها من التبرعات المحضة التي يجب توثيقها بعقد رسمي.
1 - المقرر أنه ولئن كان لقاضي الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى إلا أنه يخضع لرقابة محكمة النقض في تكييفه لهذا الفهم وفي تطبيق ما ينبغي تطبيقه من أحكام القانون.
2 - جرى قضاء النقض على أنه ولئن كان لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير صيغ العقود والمحررات للوصول إلى النية المشتركة لأطرافها من إبرامها ما دامت لم تخرج في تفسيرها عن مدلولها وكان هذا التفسير سائغاً إلا أنه لا يجوز لها وهي تتناول تفسير المحررات أن تعتد بما تفيده عبارة معينة من عبارات المحرر بل يجب عليها أن تأخذ بما تفيده العبارات بأكملها وفي مجموعها.
3 - المقرر أنه إذا كانت الهبة مشروطة للمساهمة في خدمة عامة فإن الرسمية لا تكون لانعقادها وأن الهبات التي يشترط فيها مقابل لا تعتبر من قبيل التبرعات المحضة التي يجب أن توثق في عقد رسمي.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدهم عدا الأخير أقاموا الدعوى رقم 9765 لسنة 71 مدني كلي شمال القاهرة على الطاعنين بطلب الحكم (بعد تعديل الطلبات) بإلزامهم بالتضامن فيما بينهم بقيمة ما زاد عن الثلث الجائز الإيصاء به بالنسبة للعقار المبين بصحيفة الدعوى، وقالوا شرحاً لذلك أن مورثتهم توفيت في 17/ 10/ 1965 ومن بين عناصر تركتها مبنى مدرسة الخياط الداخلية للبنات بأسيوط، وكانت تشرف عليها وزارة التربية والتعليم حال حياتها، وقد علموا بأن هناك وصية صادرة من مورثيهم عن هذه المدرسة إلى وزارة التربية وأن هذه الوصية قدمت إلى مجلس محافظة أسيوط الذي قرر قبولها وعرض تحويل المدرسة إلى مدرسة رسمية حيث وافقت الوزارة على ذلك في 17/ 3/ 1971، ولما كانت الوصية لا تسري في حق الورثة إلى في حدود الثلث ومن ثم قد أقاموا دعواهم. ندبت المحكمة خبيراً في الدعوى وبعد أن قدم تقريره قضت للمطعون ضدهم عدا الأخير بمبلغ 57388.779 جنيه فاستأنفه الطاعنون بالاستئناف رقم 5109 سنة 99 ق، وبتاريخ 10/ 4/ 83 قضت محكمة استئناف القاهرة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وإذ عرض الطاعن على هذه المحكمة في غرف مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقولون أنه بالرجوع إلى المحرر المؤرخ 15/ 11/ 64 الصادر من المورثة يبين أنه تضمن من العبارات ما يفيد رغبتها في استمرار المدرسة في أداء رسالتها طبقاً لما هو وارد بحجة الوقف الصادر من أخيها المرحوم..... والذي أوقف عليها أطياناً زراعية مقدارها 85 فداناً ومن ثم فهي قد أوصت ووهبت هذه المدرسة للتعليم وأن يقوم بإدارتها الأستاذ..... ناظرها الحالي تحت إشراف الوزارة ومن بعده تعين الوزارة من تراه صالحاً لإدارة المدرسة مع مراعاة شروط الوقف، والإقرار منها على هذا النحو لا يعتبر وصية وإنما هو في حقيقته عقد مسمى لا تجب فيه الرسمية، باعتباره عقد تقديم معاونه في مشروع ذي نفع عام وهو بطبيعته عقد إداري ينعقد الاختصاص في نظره للفضاء الإداري، إلا أن الحكم المطعون فيه كيفه بأنه وصية وليس هبة لمجرد عدم إفراغه في ورقة رسمية دون أن يفرض للالتزامات التي فرضتها المورثة على عاتق وزارة التربية وأثرها في تكييف هذا التصرف مما يعيبه بالقصور والخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أنه لما كان من المقرر ولئن كان لقاضي الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى إلا أنه يخضع لرقابة محكمة النقض في تكييفه لهذا الفهم وفي تطبيق ما ينبغي تطبيقه من أحكام القانون، كما جرى قضاء النقض كذلك على أنه ولئن كان لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير صيغ العقود والمحررات للوصول إلى النية المشتركة لأطرافها من إبرامها ما دامت لم تخرج في تفسيرها عن مدلولها وكان هذا التفسير سائغاً، إلا أنه لا يجوز لها وهي تتناول تفسير المحررات أن تعتد بما تفيده عبارة معينة من عبارات المحرر بل يجب عليها أن تأخذ بما تفيده العبارات بأكملها وفي مجموعها، وكان من المقرر أيضاً أنه إذا كانت الهبة مشروطة للمساهمة في خدمة عامة فإن الرسمية لا تكون لازمة لانعقادهما وأن الهبات التي يشترط فيها مقابل لا تعتبر من قبيل التبرعات المحضة التي يجب أن توثق في عقد رسمي. لما كان ذلك وكان الإقرار محل التداعي والصادر من المورثة في 15/ 11/ 1964 فقد جرى نصه "..... وبما أنني أرغب في أن تستمر المدرسة في أداء رسالتها طبقاً لما هو وارد بحجة الوقف الصادرة من أخي المرحوم....... والذي أوقف عليها أطياناً مقدارها 85 فداناً خمسة وثمانون فداناً تقريباً بناحية درنكه مركز أسيوط فأقر بموجب هذا بأنني قد أوصيت ووهبت هذه المدرسة للتعليم وأن يقوم بإدارتها الأستاذ...... ناظرها الحالي تحت إشراف وزارة التربية والتعليم ومن بعده تعين الوزارة من تراه صالحاً لإدارة المدرسة مع مراعاة شروط الوقف الصادر من أخي على هذه المدرسة. وتحرر هذا إقرار مني بذلك ووصية وهبة مني للعلم.
وكان الطاعنون قد تمسكوا في دفاعهم أمام محكمة الموضوع بأن التصرف المذكور هبة لجهة الإدارة وقد صدر قرار إداري بقبولها، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اعتبر المنازعة بين الطرفين إنما تدور فقط حول مقدار الثلث الذي يجوز الإيصاء به في حين أنها تدور أساساً حول تكييف الإقرار الصادر من المورثة وهل هي وصية كما ذهب المطعون ضدهم - عدا الأخير - في دعواهم أم أنه هبة كما تمسك الطاعنون، كما أنه وقف في تفسيره للإقرار عند ظاهر عبارة (أوصيت ووهبت) ليعتد باللفظ الأول منهما دون الثاني بمقولة أن الهبة لا تتم إلا إذا أفرغت في ورقة رسمية حالة أن الرسمية لا تكون لازمة في الهبات المشروطة بمقابل، كما لم يعرض الحكم مع هذا لباقي عبارات الإقرار وما تضمنه من شروط على الجهة المتصرف إليها ليتناولها جملة على ضوء الظروف والملابسات المحيطة ليستظهر منها ما انصرفت إليه نية المتصرفة حتى يتسنى الوقوف على حقيقة المقصود بالتصرف وما إذ كان منجزاً أو مضافاً لما بعد الموت، وما إذا كان تبرعاً محضاً مما يجب فيه الرسمية أم تبرعاً بمقابل. وأثر كل هذا في تكييفه لما ورد بالإقرار. وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن ذلك وذهب دونه إلى اعتبار التصرف وصية وليس هبة على نحو ما سلف بيانه فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وهو ما حجبه عن تحقيق ما أثاره الطاعنون من دفاع مع ما يقتضيه ذلك إن صح من تغيير وجه الرأي في الدعوى وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ولما تقدم يتعين نقض الحكم.