أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 12 - صـ 602

جلسة 26 من أكتوبر سنة 1961

برياسة السيد محمود القاضي المستشار، وبحضور السادة: حسن خالد، ومحمود توفيق إسماعيل، وأحمد شمس الدين على، ومحمد عبد اللطيف مرسي المستشارين.

(93)
الطعن رقم 471 لسنة 25 القضائية

( أ ) حق المؤلف. التشريع الخاص.
اعترف المشرع في القانون المدني القديم بحق المؤلف على مصنفاته وإن ترك تنظيمه لتشريع خاص.
(ب) حق المؤلف. "الاعتداء على هذا الحق". "مسئولية تقصيرية".
الاعتداء على حق المؤلف في استغلال مصنفه مالياً يعد عملاً غير مشروع موجباً للمسئولية التقصيرية.
(ج) دعوى. "أساس الدعوى".
إقامة المسئولية على أساس قانوني. لا موجب لمناقشة باقي الأسس التي ركن إليها المدعي في الدعوى.
1 - إذ نص الشارع في المادة 12 من القانون المدني القديم على أن "يكون الحكم فيما يتعلق بحقوق المؤلف في ملكية مؤلفاته على حسب القانون المنصوص بذلك" وإذ جاء في قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 بنصوص في المواد 348 و349 و350 لحماية هذه الحقوق عن طريق فرض عقوبات جنائية على من يعتدي عليها فإن ذلك يدل على أنه قد اعترف بحق المؤلف على مصنفاته ووصف هذا الحق بأنه حق ملكية - مع ما في هذا الوصف من تجوّز - وإذ كان التشريع الخاص بتنظيم حماية هذا الحق والذي أشارت إليه النصوص المتقدمة لم يصدر إلا في سنة 1954 بالقانون رقم 354 سنة 1954 مما أدى إلى تعطيل نصوص قانون العقوبات في هذا الشأن فإن ذلك لا ينفي اعتراف الشارع بحق المؤلف وكل ما في الأمر أنه ترك تنظيمه للتشريع الذي وعد بإصداره وذلك على ما قصده النص الفرنسي للمادة 12 من القانون المدني الملغى.
2 - للمؤلف وحده الحق في استغلال مصنفه مالياً بالطريقة التي يراها فلا يجوز لغيره مباشرة هذا الحق بغير إذن منه وإلا كان عمله عدواناً على الحق الذي اعترف به الشارع للمؤلف وإخلالاً به وبالتالي عملاً غير مشروع وخطأ يستوجب مسئولية فاعله عن تعويض الضرر الناشئ عنه طبقاً للمادة 151 من القانون المدني القديم.
3 - متى كان الحكم المطعون فيه بعد أن قرر القاعدة القانونية الصحيحة المنطبقة على الواقعة قد أقام مسئولية المطعون ضده عن الاعتداد على حق المؤلف على أساس من المسئولية التقصيرية - فلا تثريب عليه إن أغفل مناقشة نظرية الإثراء بلا سبب التي جعلها الطاعن من بين الأسس التي أقام عليها طلب التعويض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن وقائعه - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أنه في 16 من يوليه سنة 1945 أقام الطاعن وثلاثة آخرون الدعوى رقم 2639 سنة 1945 كلي القاهرة ضد المطعون عليه طالبين الحكم بإلزامه بأن يدفع لهم مبلغ 70400 جنيه والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية مع المصاريف والأتعاب وقالوا إن المبلغ المطالب به هو قيمة ما يستحقونه من تعويض في ذمة المطعون عليه نظير ما لحقهم من أضرار بسبب نشره ما ألفوه من أغان وأزجال بغير إذن منهم وذلك في مجلته (الراديو والبعكوكة) التي انتشرت بين الطبقة الشعبية انتشاراً واسع النطاق منذ درجت على هذا النشر ولم يقف المطعون عيه عند هذا الحد بل أعاد نشر تلك الأغاني والأزجال في مجموعات يبيعها للناس تحت اسم "أشهر الأغاني" "وأغاني الأفلام". وذكر المدعون أن الأضرار التي أصابتهم تتمثل فيما ضاع عليهم من ربح وهو يقابل ما عاد على المطعون عليه من الربح بسبب هذا النشر بعد خصم ثمن الورق ومصاريف التوزيع لأنه كما يقولون إنما أثرى على حسابهم باستغلاله مجهودهم الفني والأدبي لحساب نفسه.
وبتاريخ 9 من يناير سنة 1947 أصدرت محكمة القاهرة الابتدائية حكماً أوردت في أسبابه أن المشرع المصري اعترف بحق المؤلف في ملكية مؤلفاته في المادة 12 من القانون المدني وأن هذا الحق هو حق ملكية مطلق لا يشاركه فيه مشارك طول حياته وأن القضاء المصري الأهلي والمختلط جرى على حماية هذه الحقوق تطبيقاً للقواعد القانونية العامة وأخذاً بقواعد العدل ومبادئ القانون الطبيعي وأن هذه الحماية تستند في أساسها إلى نص المادة 151 مدني (قديم) التي تقرر المسئولية المدنية على أساس الخطأ أو العمل غير المشروع فيما ارتكبه المدعى عليه من اعتداء على ملكية المدعين لأغانيهم وأزجالهم عن طريق نشرها والاتجار فيها دون أن يدفع لهم ثمناً ورأت المحكمة أن العناصر الموجودة في الأوراق لا تكفي لتقدير التعويض فقضت بحكمها المذكور بندب خبير حسابي لتقدير التعويض على هدى الخطوط التي رسمتها له وأثناء قيام الخبير بمأموريته تنازل المدعون فيما عدا الطاعن عن دعواهم وقصر الخبير عمله على تقدير ما يستحقه الأخير من تعويض وقد قدره بمبلغ 394 جنيهاً وأخذت المحكمة بهذا التقدير وقضت في 10 من مايو سنة 1951 بإلزام المطعون عليه بأن يدفع للطاعن هذا المبلغ والمصاريف المناسبة وقد استأنف المطعون عليه الحكم الأول القاضي بتعيين الخبير وذلك بالاستئناف رقم 384 سنة 64 ق القاهرة ثم استأنف الحكم القطعي بالاستئناف رقم 31 سنة 69 ق وضمت محكمة استئناف القاهرة الاستئنافين وقضت فيهما بتاريخ 29 أكتوبر سنة 1953 بقبولهما شكلاً وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المستأنف (المطعون عليه) بكافة طرق الإثبات أن نشر أزجال المستأنف عليه كان بناءً على طلبه ورضاه وأن العرف الصحفي جرى على أن يسعى أصحاب الأغاني إلى نشر أغانيهم للدعاية وأن يدفعوا أجراً على ذلك لأصحاب الصحف وصرحت للطاعن بنفي هذه الوقائع. وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين قضت في 31 من يناير سنة 1954 في موضوع الاستئنافين بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف ضده (الطاعن) مع إلزامه بالمصروفات عن الدرجتين ومبلغ ألف قرش أتعاباً للمحاماة عنهما. وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أنه ثبت لها عدم حصول ضرر للمستأنف ضده من جراء قيام المستأنف بنشر أغانيه. وقد طعن الطاعن بطريق النقض في هذا الحكم وفي الحكم الصادر في 29 أكتوبر سنة 1953 بالإحالة إلى التحقيق وذلك بتقرير في قلم كتاب هذه المحكمة تاريخه 13 سبتمبر سنة 1955، وبعد استيفاء الإجراءات قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها انتهت فيها إلى طلب نقض الحكم. وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون التي قررت بجلسة 2 مارس سنة 1960 إحالته إلى هذه الدائرة وحدد لنظره جلسة 12 أكتوبر سنة 1961 وفيها صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن في السببين الأولين منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله وذلك من ناحيتين (الأولى) أن محكمة الموضوع بدرجتيها جعلت أساس التعويض المادة 151 من القانون المدني القديم الخاصة بالمسئولية التقصيرية وندبت المحكمة الابتدائية خبيراً لتقدير التعويض ثم حكمت بما قدره الخبير وجاءت محكمة الاستئناف فأصدرت حكماً بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ركني الخطأ والضرر ثم انتهت إلى إلغاء الحكم الابتدائي على أساس انعدام ركن الضرر ووجه الخطأ في هذا - على ما يقول الطاعن هو أنه أسس دعواه كما هو ثابت من صحيفتها ومن مذكراته المقدمة لمحكمة الموضوع - على نظرية الإثراء بلا سبب وهي الأساس القانوني الصحيح لاستحقاقه التعويض الذي طلبه، ولو أن الحكم المطعون فيه التزم هذا الأساس لما انتهى إلى رفض الدعوى لانتقاء الضرر - (الناحية الثانية) أن محكمة الاستئناف أخطأت إذ أحالت الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون ضده أن العرف الصحفي جرى على أن يسعى أصحاب الأغاني لنشر أغنياتهم للدعاية وأن يدفعوا أجراً على ذلك لأصحاب الصحف. وإذ قضت برفض الدعوى على أساس ثبوت هذا العرف لها ذلك أنه لا يجوز اللجوء إلى العرف في المنازعات المدنية إلا حيث يغم القانون والفقه فلا يسعفان القاضي في الفصل في النزاع، ولقد كان القانون العام كفيلاً بحماية حقوق المؤلف قبل أن يصدر القانون رقم 354 سنة 1954 المنظم لهذه الحماية ذلك أن الشارع اعترف من قبل صدروه بحق المؤلف في ملكية مؤلفاته وأجمع الفقه والقضاء على أن هذا الحق هو حق ملكية حقيقي تحميه القواعد القانونية العامة قواعد العدل ومبادئ القانون الطبيعي بناءً على المادة 29 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية والمادتين 11 من المجموعة المدنية المختلطة، 34 من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة، وقد جاء القانون رقم 354 لسنة 1954 منظماً لهذه الحماية لا منشئاً لها وتبعاً لذلك ما كان يجوز قبل صدور هذا القانون نشر الكتب والمؤلفات بغير رضاء مؤلفيها وإذا كانت نصوص القانون كافة لحماية حق المؤلف في مؤلفاته فإنه ما كان يجوز للمحكمة أن تلجأ بعد ذلك إلى العرف فإن العرف الخاطئ لا يضيع الحق على صاحبه ما دام القانون يحميه.
وحيث إن هذا النعي في شقه الأول مردود بأن الشارع إذ نص في المادة 12 من القانون المدني القديم على أن "يكون الحكم فيما يتعلق بحقوق المؤلف في ملكية مؤلفاته عي حسب القانون المخصوص بذلك" وإذ جاء في قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 بنصوص في المواد 348 و349 و350 لحماية هذه الحقوق عن طريق فرض عقوبات جنائية على من يعتدي عليها فإن ذلك يدل على أنه اعترف بحق المؤلف على مصنفاته وقد وصف هذا الحق بأنه حق ملكية مع ما في هذا الوصف من تجوز وإذ كان التشريع الخاص بتنظيم حماية هذا الحق والذي أشارت إليه النصوص المتقدمة لم يصدر إلا في سنة 1945 بالقانون رقم 354 لسنة 1954 مما أدى إلى تعطيل نصوص قانون العقوبات في هذا الشأن فإن ذلك لا ينفي اعتراف الشارع بحق المؤلف وكل ما في الأمر هو أنه ترك تنظيمه للتشريع الذي وعد بإصداره وذلك على ما يفيد النص الفرنسي للمادة 12 من القانون المدني صراحة حيث ورد به.
La propriété litteraire et artistique est reglée par une loi speciale
ومؤدى هذا الحق أن يكون للمؤلف وحده الحق في استغلال مصنفه مالياً بالطريقة التي يراها فلا يجوز لغيره مباشرة هذا الحق بغير إذن منه وإلا كان عمله عدواناً على الحق الذي اعترف به الشارع للمؤلف وإخلالاً به وبالتالي يعتبر عملاً غير مشروع وخطأ يستوجب مسئولية فاعله عن تعويض الضرر الناشئ عنه طبقاً للمادة 151 من القانون المدني القديم، ولما كان الحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكمان المطعون فيهما في خصوص الأساس القانوني الذي تقام عليه مسئولية المطعون ضده قد التزم هذا التكييف القانوني فإن هذين الحكمين لا يكونان قد خالفا القانون في هذا الشأن وليس عليهما بعد أن قرر القاعدة القانونية الصحيحة المنطبقة على الواقعة أن يناقشا نظرية الإثراء بلا سبب التي جعلها الطاعن من بين الأسس التي أقام عليها طلب التعويض.
وحيث إن النعي في شقه الثاني مردود بأن محكمة الموضوع على ما يبين من حكميها المطعون فيهما لم تلجأ إلى العرف كمصدر من مصادر القانون تستقي منه حكماً تطبقه على الواقعة وإنما لجأت إليه للتثبت من واقعة رأتها منتجة في تحقيق عنصر الضرر اللازم لقيام المسئولية التقصيرية هذه الواقعة هي ما إذا كان مؤلفو الأغاني جروا على السعي لدى أصحاب الصحف لنشر أغانيهم بقصد الدعاية لها وأنهم يدفعون لهم أجراً على هذا النشر. وإذ ثبت للمحكمة من التحقيق الذي أجرته صحة هذه الواقعة استخلصت منها انتفاء حصول ضرر للطاعن من جراء نشر أغانيه في مجلة المطعون عليه، ولما كان هذا الاستخلاص ليس محل نعي فإن النعي في خصوص ما ورد عليه يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب الثالث على الحكم القطعي المطعون فيه خطأه في الإسناد وقصوره في التسبيب ذلك أنه جاء في فقرته الأخيرة وقسم المؤلفات بحسب طبيعتها إلى مؤلفات تستحق الحماية القانونية وأخرى لا تستحقها وجعل من الأولى المؤلفات العلمية التي لها قيمة في ذاتها وتظل حبيسة كتب وأسفار خاصة يتعذر الإلمام بها على غير طبقة معينة من الناس تقتنيها وجعل من الثانية الأزجال الغنائية فقال إنها ليس لها قيمة تذكر في ذاتها ولم تعد بطبيعتها الاستغلال عن طريق الكتب والمجلات وأنها تستنفد الغرض الاستغلالي منها بظهورها في الروايات المسرحية والسينمائية أو بإذاعتها بمعرفة المغنين حيث تصبح معروفة للكافة فنشرها عبد ذلك مقترنة بأسماء مؤلفيها في المحلات كما هو الحال في هذه الدعوى فيه ترويح ودعاية للأغاني وإعزاز لأصحابها بذيوع صيتهم وهو ما يفيدهم بطريق التبعية. وتلك التفرقة التي أوردها الحكم لا أصل لها في القانون أو في الوقائع مما يعتبر في نظر الطاعن خطأ في الإسناد كما شاب الحكم قصور في التسبيب لإغفاله الرد على ما قدمه الطاعن من مستندات قاطعة في الدعوى تتضمن آراء كبار رجال الأدب والحكم في مصر وكلها تجمع على أن أغانيه قطع من الأدب الرفيع.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن ما ورد في الفترة الأخيرة من الحكم القطعي المطعون فيه مما هو محل للنعي هو على ما سجله الحكم نفسه استطراد زائد على حاجة الدعوى، ولما كان الحكم يستقيم بدونه فإنه لا يعيبه ما اشتمل عليه هذا التزيد من خطأ قانوني.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.