أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 12 - صـ 815

جلسة 21 من ديسمبر سنة 1961

برياسة السيد محمد متولي عتلم المستشار، وبحضور السادة: حسن خالد، ومحمود توفيق إسماعيل، وأحمد شمس الدين على، ومحمد عبد اللطيف مرسي المستشارين.

(138)
الطعن رقم 168 لسنة 26 القضائية

(أ، ب) بيع. "البيع الوفائي". "القرائن القانونية".
قبل صدور القانون 49 سنة 1923 لم يكن البيع الوفائي الذي يخفي رهناً باطلاً بل كان يعتبر بمثابة عقد رهن.
بصدور القانون المذكور معدلاً للمادتين 338 و339 مدني قديم أصبح البيع الوفائي المقصود به إخفاء رهن عقاري باطلاً. وقد أورد الشارع قرينتين على اعتبار البيع الوفائي مخفياً لرهن هما: اشتراط رد الثمن مع الفوائد، بقاء العين المبيعة في حيازة البائع كل منهما قرينة قانونية قاطعة لا يصح إثبات عكسها. نص المادة 1352 مدني فرنسي لا يجيز نقض القرينة القانونية إذا كان القانون يبطل على أساسها تصرفا معيناً.
ليس في القانون المدني القديم نص كنص م 404 من التقنين الجديد التي تجيز إثبات عكس القرينة القانونية ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك.
(ج) رهن "الرهن الحيازي". ريع. محكمة الموضوع.
تقدير ريع العين المرهونة رهنا حيازياً عند إجراء عملية الاستهلاك. تقدير موضوعي تستقل به محكمة الموضوع متى أقيم على أسباب سائغة.
1 - لم يكن البيع الوفائي الذي يخفي رهناً باطلاً قبل صدور القانون رقم 49 لسنة 1923، بل كان كل ما يهدد المشتري بعقد وفائي هو أن يعتبر عقده في هذه الحالة بمثابة عقد رهن تنطبق عليه قواعد الرهن وبذلك ينتفع بكل ما للدائن المرتهن من حقوق وقد شجع وقد شجع هذا الدائنين على إساءة استعمال عقد البيع الوفائي واتخاذه وسيلة لستر الرهون بقصد الاحتيال على التخلص من القيود التي وضعها القانون لحماية المدينين الراهنين وأهمها منع المرتهن في حالة عدم الوفاء من تملك العين المرهونة بغير الالتجاء إلى القضاء مما حدا بالمشرع لإصدار القانون رقم 49 سنة 1923 للقضاء على هذه الحيل.
2 - تقضي المادتان 338 و339 من القانون المدني القديم المعدلتين بالقانون 49 لسنة 1923 ببطلان عقد البيع الوفائي المقصود به إخفاء رهن عقاري سواء بصفته بيعاً أو رهناً، وأن العقد يعتبر مقصوداً به إخفاء رهن إذا اشترط فيه رد الثمن مع الفوائد أو إذا بقيت العين المبيعة في حيازة البائع بأي صفة من الصفات. وقد أورد الشارع هاتين القرينتين كقرينتين قانونيتين قاطعتين بحيث إذا توافرت إحداهما كان ذلك قاطعاً في الدلالة على أن القصد من العقد هو إخفاء رهن ومانعاً من إثبات العكس. وعلة تقرير هاتين القرينتين بالذات هو أن بقاء العين في حيازة البائع واشتراط رد الثمن مع الفوائد مما يتنافى مع خصائص عقد البيع الوفائي الجدي. ويؤيد هذا النظر أن القانون المدني الجديد ألغي البيع الوفائي نهائياً اكتفاءً بالنصوص الخاصة بالرهن. ولم يكن التقنين المدني القديم يتضمن نصاً كنص المادة 404 من التقنين الحالي التي تجيز نقض القرينة القانونية بالدليل العكسي ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك وأن الرأي قبل صدور هذه المادة كان متجهاً إلى الأخذ بما هو مقرر في فرنسا بنص صريح في المادة رقم 1352 من القانون لمدني الفرنسي من عدم جواز إثبات ما ينقض القرينة القانونية إذا كان القانون يبطل على أساسها تصرفاً معيناً. وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر بقاء العين المبيعة في حيازة البائع قرينة غير قاطعة ودلل على عكسها وانتهى رغم قيام هذه القرينة إلى اعتبار العقد بيعاً وفائياً صحيحاً فإنه يكون قد خالف القانون بما يستوجب نقضه.
3 - لم يعين القانون طريقاً خاصاً يجب اتباعه في تقدير ريع العين المرهونة رهناً حيازياً عند إجراء عملية استهلاك دين الرهن ومن ثم كان هذا التقدير مما تستقل به محكمة الموضوع ما دامت تبينه على أسباب سائغة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن وقائعه - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 310 سنة 1952 كلي المنيا ضد بولس ميخائيل مورث المطعون عليهم السبعة الأولين وضد المطعون عليه الأخير طالباً الحكم بإلزام أولهما (المورث) بأن يدفع له مبلغ 651 جنيهاً وانقضاء عقد الرهن المؤرخ 31 ديسمبر سنة 1925 وبطلان عقد البيع الوفائي المؤرخ 19 ديسمبر سنة 1926 ثم بطلان عقد البدل المؤرخ 26 ديسمبر سنة 1939 تبعاً لبطلان العقد السابق وتخلي المدعى عليهما عن 1 فدان و11 قيراطاً و12 سهماً موضوع هذه العقود وردها إليه وتسليمها خالية من الرهون والحقوق العينية وإلزام المدعى عليه الأول بالمصروفات وقال الطاعن في بيان هذه الدعوى إنه بعقد تاريخه 31 ديسمبر سنة 1925 ومسجل في 19 أغسطس سنة 1926 رهن لمورث المطعون عليهم المذكورين ثلاثة عشر قيراطاً واثني عشر سهماً أرضاً زراعية رهنا حيازياً ضماناً لدين قدره 101 جنيه وبعقد آخر تاريخه 19 ديسمبر سنة 1926 ومسجل في 25 يونيه سنة 1927 باع إلى نفس المورث اثني عشر قيراطاً بيعاً وفائياً وأن الدائن المرتهن قد حصل من ريع العين المرهونة في مدة حيازته لها على ما يزيد على دينه بما يوازي المبلغ المطالب به وأن عقد البيع الوفائي باطل لبقاء العين المبيعة في حيازة الطاعن لمدة سنتين بطريق الإيجار بعد حصول البيع وأنه لما كان المشتري وفاء قد تصرف في هذه العين إلى المطعون عليها الأخير بطريق البدل بعقد تاريخه 26 ديسمبر سنة 1939 فإن هذا العقد يكون أيضاً باطلاً تبعاً لبطلان عقد البيع الوفائي - وبتاريخ 15 من نوفمبر سنة 1953 قضت محكمة المنيا الابتدائية أولاً بانقضاء عقد الرهن الحيازي المؤرخ 31/ 12/ 1925 والمسجل في 19/ 8/ 1926 (ثانياً) بإلزام المدعى عليه الأول (مورث المطعون عليهم من الأول إلى السابعة) بالتخلي عن العين المرهونة وردها إلى المدعي (الطاعن) وتسليمها إليه خالية من الرهون والحقوق العينية (ثالثاً) بإلزام المدعى عليه الأول بأن يدفع للمدعي مبلغ 177 جنيهاً و580 مليماً (رابعاً) بإلزام المدعى عليه الأول بالمصروفات المناسبة لما قضى به وثلاثمائة قرش أتعاباً للمحاماة ورفضت المحكمة باقي طلبات الطاعن بما فيها طلب بطلان عقد البيع الوفائي وعقد البدل المترتب عليه واستندت في رفض هذا الطلب إلى ما ساقته في حكمها من قرائن نفت بها ما ادعاه الطاعن من أن عقد البيع الوفائي المذكور كان مقصوداً به الرهن - وقد استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 76 سنة 72 ق القاهرة طالباً الحكم له بما لم يقض له به من طلباته في الدعوى الابتدائية ولدى نظر هذا الاستئناف رفع المطعون عليهم السبعة الأولون استئنافاً مقابلاً قيد برقم 1296 سنة 72 ق طالبين إلغاء الحكم فيما قضى به على مورثهم لصالح الطاعن وتأييده فيما عدا ذلك وبتاريخ 31 من ديسمبر سنة 1955 قضت محكمة استئناف القاهرة بتأييد الحكم المستأنف مقررة في حكمها أن القرينتين اللتين أوردتهما المادة 339 من القانون المدني القديم للاستدلال على قصد إخفاء الرهن في البيع الوفائي لا تعتبران من القرائن القانونية القاطعة على بطلان العقد وإنما هما من قبل القرائن القانونية غير القاطعة بالنسبة إلى قصد إخفاء الرهن - وبتاريخ 3 من أبريل سنة 1956 طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة برأيها طلبت فيها رفض الطعن وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 22 من نوفمبر سنة 1960 وفيها عدلت النيابة ن رأيها السابق وطلبت نقض الحكم وقررت دائرة الفحص إحالته إلى هذه الدائرة وبعد استيفاء الإجراءات التالية للإحالة حدد لنظره أمام هذه الدائرة جلسة 7 ديسمبر سنة 1961 وفيها صممت النيابة على رأيها الأخير بنقض الحكم في خصوص عقدي البيع الوفائي والبدل استناداً إلى قضاء هذه المحكمة في الطعن رقم 302 سنة 24 قضائية الذي صدر بعد تقديمها مذكرتها الأولى.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على قضاء الحكم المطعون فيه برفض طلب بطلان عقد البيع الوفائي أن هذا الحكم قد خالف القانون فيما ذهب إليه من أن بقاء العين في حيازة البائع وفاء لا يعتبر قرينة قانونية قاطعة على بطلان البيع بمقولة إن المشرع لم يجعل هذا الأمر منصباً مباشرة على بطلان العقد وإنما جعله منصباً على قصد إخفاء الرهن وأنه لهذا يكون من قبيل القرائن غير القاطعة بالنسبة إلى إخفاء الرهن - ذلك أن هذا التأويل يخالف المذهب المعتمد في الفقه والقضاء في تفسير المادة 339 من القانون المدني من اعتبار تلك القرينة قرينة قانونية قاطعة على أن المقصود العقد هو الرهن وتؤدي بالتالي إلى بطلانه وأنه ما كان يجوز للحكم المطعون فيه بعد أن ثبت للمحكمة بقاء العين في حيازة الطاعن وهو البائع وفاءً أن يدلل على عكس مؤدى هذه القرينة وعلى أن المتعاقدين قد قصدا البيع وليس الرهن.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أنه قبل صدور القانون رقم 49 لسنة 1923 لم يكن البيع الوفائي الذي يخفي رهناً باطلاً بل كان كل ما يهدد المشتري بعقد وفائي هو أن يعتبر عقده في هذه الحالة بمثابة عقد رهن تنطبق عليها قواعد الرهن وبذلك ينتفع بكل ما للدائن المرتهن من حقوق وقد شجع هذا الدائنين على إساءة استعمال عقد البيع الوفائي واتخاذه وسيلة لستر الرهون بقصد الاحتيال على التخلص من القيود التي وضعها القانون لحماية المدينين الراهنين وأهمها منع المرتهن في حالة عدم الوفاء من تملك العين المرهونة بغير الاتجاه إلى القضاء مما حدا بالمشرع على ما صرح في المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور للتدخل للقضاء على هذه الحيل ووضع نظام رادع لمنع استعمال البيع الوفائي الذي ينطوي على الرهن فأصدر هذا القانون (رقم 49 لسنة 1923) معدلاً للمادتين 338 و339 من القانون المدني وأصبح نص المادة الأخيرة كالآتي "إذا كان الشطر الوفائي مقصوداً به إخفاء رهن عقاري فإن العقد يعتبر باطلاً لا أثر له سواء بصفته بيعاً أو رهناً - ويعتبر العقد مقصوداً به إخفاء رهن إذا اشترط فيه رد الثمن مع الفوائد أو إذا بقيت العين المبيعة في حيازة البائع بأي صفة من الصفات" ومؤدى ذلك أن المشرع وقد كان هدفه القضاء على البيوع الوفائية التي تخفي رهوناً وسد السبيل على ضروب التحايل للخروج على نواهي القانون قد أورد هاتين القرينتين كقرينتين قانونيتين قاطعتين بحيث إذا توافرت إحداهما كان ذلك قاطعاً في الدلالة على أن القصد من العقد هو إخفاء رهن ومانعاً من إثبات العكس وعلة تقرير هاتين القرينتين بالذات هو أن بقاء العين في حيازة البائع واشتراط رد الثمن مع الفوائد مما يتنافى مع خصائص عقد البيع الوفائي الجدي يؤيد هذا النظر الذي سبق لهذه المحكمة أن قررته في حكمها الصادر في الطعن رقم 302 سنة 22 ق اتجاه المشرع إلى إلغاء البيع الوفائي نهائياً في القانون المدني الجديد اكتفاء بالنصوص الخاصة بالرهن ولم يكن التقنين المدني القديم يتضمن نصاً كنص المادة 404 من التقنين الحالي الذي يجيز نقد القرينة القانونية بالدليل العكسي ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك وكان الرأي قبل صدور هذه المادة متجهاً إلى الأخذ بما هو مقرر في فرنسا بنص صريح في المادة 1352 من القانون المدني الفرنسي من عدم جواز إثبات ما ينقض القرينة القانونية إذا كان القانون يبطل على أساسها تصرفاً معيناً، ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه اعتبر قرينة بقاء العين المبيعة في حيازة الطاعن وهو البائع ليست قاطعة ودلل على عكسها وانتهى رغم قيام هذه القرينة إلى اعتبار العقد بيعاً وفائياً صحيحاً فإنه يكون قد خالف القانون بما يستوجب نقضه في هذا الخصوص.
وحيث إن الطاعن ينعى على قضاء الحكم المطعون فيه في خصوص استهلاك دين الرهن أنه أخطأ في تقدير ريع العين المرهونة في مدة حيازة الدائن المرتهن لها (مورث المطعون عليهم السبعة الأولين) إذ لم يأخذ في هذا التقدير بالأجرة الثابتة بعقدي الإيجار المقدمين منه لمحكمة الموضوع والغير مجحودين من هذا الدائن وعول على أوراق وأحكام كان قد أعدها الأخير خصيصاً لخدمة دفاعه في الدعوى ويقول الطاعن إن الحكم بذلك يكون قد أخطأ فهم الواقع في الدعوى فضلاً عن مخالفته لقواعد الإثبات الواردة في القانون وتناقضه في كثير من المواطن.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه لما كان الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بتقديره لريع العين المرهونة في مدة حيازة الدائن المرتهن لها قدر ريع الثلاث سنوات التي ظلت فيها العين في حيازة الطاعن بطريق الإيجار على أساس الأجرة المبينة بعقدي الإيجار المقدمين من الطاعن ولم ينقص من هذه الأجرة شيئاً وأنه في المدة التالية التي خرجت فيها العين من حيازة الطاعن عول الحكم في تقديره للريع على المستندات التي قدمها الدائن المرتهن مورث المطعون عليهم السبعة الأولين بعد أن اطمأنت المحكمة إلى هذه المستندات ونفت عنها شبهة الصورية والاصطناع اللذين طعن بهما الطاعن عليها وذلك بقولها في الحكم "إن الدائن المرتهن لم يقدم عقود الإيجار فحسب وإنما قدم أحكاماً صادر بناءً على أغلب تلك العقود وأوامر حجوزات رسمية ثبات فيه القيمة الإيجار في معظم تلك السنوات الأمر الذي يبعد عن تلك العقود مظنة الصورية والاصطناع فما كان الدائن المرتهن يحسب حساباً لهذا النزاع وقد ظل آمناً مدة تقرب من السبعة وعشرين عاماً لم يسأله فيها المدعي (الطاعن) شيئاً وما كان في مكنته أن يصطنع تلك المجموعة الكبيرة من العقود وأن يستصدر بناءً عليها الأحكام وأوامر الحجوز التي قدمها وهي مجموعة ناطقة بصحة تلك العقود وترى المحكمة لذلك الأخذ بها" ولما كان القانون لم يعين طريقاً خاصاً يجب اتباعه في تقدير ريع العين المرهونة عند إجراء عملية استهلاك دين الرهن وكان هذا التقدير مما تستقل به محكمة الموضوع ما دامت تبنيه على أسباب سائغة لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن في هذا السبب لا يعد وأن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض أما عن التناقض الذي يدعي الطاعن وجوده في أسباب الحكم المطعون فيه فإنه لم يبين مواطن هذا التناقض مما يجعل نعيه في هذا الخصوص مجهلاً وقد أقيم الحكم على أسباب سائغة تكفي لحمله.
وحيث إن الموضوع في خصوص ما نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه صالح للحكم. ولما سلف بيانه ولما أثبته الحكم المطعون فيه من أن العين المبيعة وفاء بقيت في حيازة الطاعن بطريق الإيجار لمدة سنتين بعد البيع فإن هذا البيع يكون باطلاً ولا أثر له سواء بصفته بيعاً أو رهناً ويبطل بالتالي عقد البدل المؤرخ 26 ديسمبر سنة 1939 الصادر من مورث المطعون عليهم السبعة الأولين إلى المطعون عليه الأخير لصدروه من غير مالك.