مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1987 - أخر فبراير سنة 1988) - صـ 144

(20)
جلسة 7 من نوفمبر سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد أمين المهدي عبد وصلاح عبد الفتاح سلامة وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد المنعم رفاعي عمارة المستشارين.

الطعن رقم 2827 لسنة 27 القضائية

( أ ) عقد إداري - عقد توريد - تنفيذه - الجزاءات التي يجوز توقيعها على المتعاقد المقصر - مصادرة التأمين النهائي - غرامة التأخير - التعويض - (مناقصات ومزايدات) قرار وزير المالية رقم 542 لسنة 1957 بإصدار لائحة المناقصات والمزايدات (الملغاة) يلتزم المتعاقد مع الإدارة بأداء مبلغ التأمين النهائي - في غير حالات الإعفاء من التأمين يجوز لجهة الإدارة تخفيض التأمين إلى 50% من قيمة التأمين النهائي إذا دعت المصلحة العامة إلى ذلك - يجب على جهة الإدارة عند خفض التأمين أن تأخذ في اعتبارها عدة أمور منها: أهمية العقد - مدى ملاءمة المتعاقد معها وقدرته على التنفيذ - احتمالات إخلاله بالتزاماته - أساس ذلك: أن مبلغ التأمين هو ضمان كاف للإدارة خلال مدة التنفيذ تصادره من جانبها دون حاجة إلى اللجوء للقضاء كجزاء للمتعاقد المقصر - حدود هذه المصادرة تنحصر في قيمة التأمين المدفوع فعلاً سواء دفع كاملاً أو منقوصاً في الحالات التي يجوز فيها ذلك - لا يجوز أن تنصرف المصادرة إلى مبالغ أخرى لا ينطبق عليها وصف التأمين - لا يشترط عند مصادرة التأمين في حالة إنهاء التعاقد إثبات حصول الضرر أو اللجوء إلى القضاء للحكم به - تطبيق.
(ب) غرامة التأخير المنصوص عليها بلائحة المناقصات والمزايدات.
توقع بمجرد حصول التأخير بعد منح المتعاقد مهلة إضافية دون حاجة إلى صدور قرار صريح من الإدارة بتوقيع هذه الغرامة - أساس ذلك أن المقصود من الغرامة هو حث المورد على عدم التراخي في تنفيذ شروط عقده ضماناً لحسن سير المرافق العامة - حتى لا يتخذ من المهلة الإضافية فرصة جديدة للتقاعس عن التنفيذ - مجرد استحقاق غرامة التأخير على هذا النحو لا يكفي لإلزام المتعاقد المقصر بل يجب على جهة الإدارة أن تطلبها في صحيفة الدعوى فإن لم تفعل فلا تملك المحكمة الحكم بها ويتعين توجيه مطالبة جديدة بمبلغ الغرامة ما لم يقم سبب قانوني يحول دون ذلك.
التعويض عن الضرر الذي حاق بالإدارة بسبب تقصير المورد يقوم على القواعد العامة في المسئولية والتي تقضي بضرورة إثبات الضرر ومقداره ويقع عبء إثبات ذلك على المدعي - لا وجه لاعتبار التعويض مكملاً للتأمين المخفض المدفوع من المورد - أساس ذلك: استقلال كل من التعويض ومصادرة التأمين من حيث السبب والطبيعة والغاية في كل منهما - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 6 من أغسطس 1981 أودعت إدارة قضايا الحكومة (هيئة قضايا الدولة بمقتضى القانون رقم 10/ 1986) نيابة عن السيد/ وزير الدفاع، قلم كتاب هذه المحكمة تقريراً بالطعن قيد بجدولها برقم 2827 لسنة 27 القضائية ضد شركة التوفيق العربية لتصنيع وتجارة الألبان "......." عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة العقود الإدارية والتعويضات) بجلسة 7 من يونيه 1981 في الدعوى رقم 374 لسنة 34 القضائية القاضي برفض الدعوى وإلزام المدعي بصفته بالمصروفات وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بإلزام المطعون عليها بأن تدفع له مبلغ 15785.917 جنيه (خمسة عشر ألفاً وسبعمائة وخمسة وثمانين جنيهاً وتسعمائة وسبعة عشر مليماً) والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياًُ من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام الوفاء والمصاريف والأتعاب عن الدرجتين. وأعلن الطعن قانوناً، وعقبت عليه هيئة مفوضي الدولة بتقرير بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه مع إلزام جهة الإدارة بالمصروفات. وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 19 من يناير 1987. وتداول بالجلسات على الوجه المبين بالمحاضر حتى قررت بجلسة 7/ 7/ 1987 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) لنظره بجلسة 24/ 10/ 1987 وفي هذه الجلسة نظرته المحكمة طبقاً لما هو ثابت بمحضرها وبعد أن سمعت ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات قررت في ذات الجلسة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أنه بتاريخ 28/ 11/ 1979 أقام وزير الدفاع الدعوى رقم 374 لسنة 34 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري (هيئة العقود الإدارية والتعويضات) ضد شركة التوفيق العربية لتصنيع وتجارة الألبان (.... وشركاه) طالباً الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يدفع مبلغ 15785.917 (خمسة عشر ألف وسبعمائة وخمسة وثمانين جنيهاً وتسعمائة وسبعة عشر مليماً) وفوائده القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام الوفاء والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وأوضح أن القوات المسلحة احتاجت في الفترة من 1/ 7/ 1972 إلى 31/ 12/ 1973 إلى تدبير كميات من الجبن الأبيض اللازم لها وتحدد للممارسة جلسة 25/ 3/ 1972 ثم تأجلت إلى 8/ 4/ 1972 وعرضت الشركة المدعى عليها قبول توريد 500 طن (خمسمائة طن) جبن أبيض بسعر الطن 320 جنيهاً، على أن يكون التوريد طبقاً لكافة شروط الإدارة العامة والخاصة من جميع الوجوه، وتحفظت بالنسبة للتأمين النهائي - فاشترطت أن يكون بنسبة 5% بدلاً من 10% وأوصت لجنة الممارسة بقبول عرض الشركة المذكورة بالشروط السابقة بما في ذلك قبول تحفظها عن التأمين النهائي لتمشيه مع نص المادة 51 فقرة أخيرة من لائحة المناقصات والمزايدات، واعتمد مدير إدارة التعيينات قرار اللجنة وأخطرت الشركة بقبول عرضها عن توريد هذه الكمية حسب الطلب في المدة من 1/ 7/ 1972 حتى 31/ 12/ 1973 طبقاً لشروط ومواصفات الإدارة وبسعر الطن الواحد 320 جنيهاً، مع تحفظات من بينها أن التأمين النهائي 5% بدلاً من 10% وبذلك أصبحت قيمته 800 جنيه، قدمت عنه الشركة خطاب ضمان قبلته الإدارة. وبتاريخ 21/ 5/ 1973 أخطرت الشركة بأنها قصرت في توريد 53 طن من عقد 71/ 1972 و200 طن من عقد 72/ 1973. ولما لم تستجب لهذا الإنذار أخطرتها الإدارة في 3/ 6/ 1973 بأنه طبقاً لحكم المادة 105 من اللائحة المشار إليها تقرر إجراء ممارسة بتاريخ 12/ 6/ 1973 لشراء الكميات المذكورة بنفس الشروط والمواصفات المتعاقد عليها مع تحميلها فروق الأسعار والمصاريف الإدارية بواقع 5% وما يستحق من غرامة عن مدة التأخير، وقدمت الشركة التماساً في 11/ 6/ 1973 لتوريد الكميات التي قصرت في توريدها وباقي كميات عقدي 71/ 1972 و72/ 1973 وذلك بواقع 100 طن شهرياً خلال أشهر يونيه ويوليه وأغسطس 1973 (300 طن) و50 طن شهرياً خلال شهري سبتمبر وأكتوبر 1977 (100 طن) و70 طن شهرياً خلال شهري نوفمبر وديسمبر 1973 (140 طن) فأخطرتها الإدارة بأنه تصدق على منحها مهلة للتوريد حتى 30/ 6/ 1973 على أن تقوم بتوريد 100 طن في شهر يونيه 1973 حسبما جاء بالتماسها مع عدم إعفائها من توقيع غرامات التأخير القانونية المستحقة طبقاً للمادتين 105 و106 من لائحة المناقصات والمزايدات. وبتاريخ 25/ 7/ 1973 تقرر زيادة كميات العقد بنسبة 30% ثم خفضت إلى 15% بعد أخذ رأي مستشار الدولة وبذلك أصبحت الكميات المتعاقد عليها بعد الزيادة 575 طناً، وقد تبين أن الشركة المدعى عليها لم تورد سوى 38 طناً من الجبن الأبيض على الرغم من أنه صدرت إليها أوامر حتى 15/ 9/ 1973 لتوريد 400 طن والكميات المقصرة في توريدها فعلاً، فرفعت مذكرة إلى مدير إدارة التعيينات لإجراء ممارسة لشراء الكميات التي قصرت الشركة في توريدها، وأرسلت برقيات لشركات وتجار القطاعين العام والخاص بموعد الممارسة والتي تحدد لها يوم 3/ 10/ 1973 ولم يحضر أحد من التجار سوى مدير الشركة المدعى عليها الذي قدم التماساً لتوريد الكميات المتبقية من العقد الأصلي وقدرها 362 طناً حتى 31/ 12/ 1973 بواقع 150 طناً عن شهر نوفمبر 1973 والباقي خلال شهر ديسمبر 1973 وباقي الكمية في شهر يناير 1974 وقد أوصت اللجنة بتأجيل الممارسة إلى يوم 1/ 12/ 1973 ومنح الشركة المذكورة مهلة للتوريد حتى هذا التاريخ لمعرفة قدرتها على تنفيذ وعدها بتوريد 150 طناً جبن أبيض مع عدم إعفائها من غرامات التأخير. وتم طرح كميات الجبن الأبيض التي قصرت الشركة في توريدها حتى 30/ 11/ 1973 للمرة الثانية في ممارسة الشراء على حسابها. وتحدد لذلك جلسة 15/ 12/ 1973 ولم يحضر أحد أمام اللجنة وطلبت الشركة تأجيل التوريد حتى 28/ 12/ 1974 ووافقت الإدارة على ذلك مع عدم إعفائها من غرامات التأخير. إلا أنها لم تقم مع ذلك بالتوريد فتم إنذارها بتاريخ 9/ 3/ 1974 لتوريد كميات العقد مع حضور مندوبها للإدارة. إلا أن أحداً لم يحضر من قبلها. وقالت الوزارة أن الشركة لم تورد سوى 44.360 طناً من الكميات المتعاقد عليها والباقي وقدره 640 جرام و935 كيلو و530 طن قصرت في توريده ولذا قررت الإدارة إنهاء عقد الشركة المذكورة والاستغناء عن الكميات الباقية بدون توريد ومصادرة 10% من قيمتها فتكون قيمة المبالغ المصادرة مبلغ 16989.941 جنيه يخصم منه مبلغ التأمين النهائي البالغ قدره 8000 جنيه فيكون الباقي المستحق للمدعي مبلغ 8989.941 جنيه وذلك تطبيقاً للفقرة (ب) من المادة 105 من اللائحة المشار إليها ولما كانت الشركة قد منحت مهلة للتوريد دون جدوى وكانت المادة 105 من هذه اللائحة قد أجازت للسلاح إذا رأى مصلحة في ذلك إعطاء مهلة إضافية للتوريد على أن توقع عليه غرامة 1% من كل أسبوع تأخير بحيث لا يجاوز مجموع الغرامة 4% من قيمة الأصناف المذكورة فبناء على ذلك تكون غرامة التأخير المستحقة عن الكميات التي قصرت الشركة في توريدها مبلغ 6795.976 جنيه تمثل 4% من قيمتها وبإضافة هذا المبلغ إلى المبلغ السابق ذكره 8989.941 جنيه يكون مستحقاً على الشركة المدعى عليها المبلغ المطالب به والبالغ قدره 15785.917 مع فوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد وبجلسة 17/ 6/ 1981 أصدرت المحكمة حكمها موضوع الطعن الماثل وأقامت قضاءها على أن المستفاد من نص الفقرة (ب) من المادة 105 من لائحة المناقصات والمزايدات أنه في حالة ما إذا قررت جهة الإدارة - بناء على تقصير المتعهد في التوريد - إنهاء التعاقد بالنسبة للأصناف التي لم يقم بتوريدها ومصادرة التأمين بما يوازى 10% من قيمتها فإن المصادرة تعلق بما يعتبر تأميناً دون غيرة من المبالغ لأن النص لا يبيح مصادرة أي مبالغ تجاوز قيمة التأمين. فإذا تم الاتفاق بين الطرفين على تخفيض قيمة التأمين النهائي من 10% إلى 5% فإن المصادرة تتعلق بالتأمين المتفق عليه دون ذلك التي تنص عليه المادة 51 (فقرة أولى) - (10% من قيمة ما رسا على المتعاقد) وبالتالي لا يكون لجهة الإدارة أن تصادر مبلغاً يجاوز قيمة التأمين النهائي المتفق عليه لمخالفة ذلك لاتفاق الطرفين، أما ما جاء بنص الفقرة (ب) من المادة 105 المشار إليها من أن مصادرة التأمين تكون بما يوازي 10% من قيمة الأصناف التي لم يتم توريدها فإن هذا الحكم يتعلق بالحالة التي يكون فيها التأمين 10% من قيمة العقد. فضلاً عن أن المصادرة لا تشمل كامل قيمة التأمين الذي يبلغ 10% من قيمة الأصناف المتعاقد عليها وإنما تشمل جزءاً منه لا يتجاوز 10% من قيمة الأصناف التي لم يتم توريدها، مما يدل على أن النص المشار إليه يضع حداً أقصى وليس حداً أدنى لما تتم مصادرته وذلك في حدود القيمة الكلية للتأمين النهائي. وعلى هذا الأساس لا تقع المصادرة على ما يجاوز هذه القيمة، وإذا كانت الشركة المدعى عليها لم تودع كامل النسبة المقررة للتأمين المقتضي إيداعه - أي 10% - فليس معنى ذلك أن يكون لجهة الإدارة الحق في اقتضاء ما يكمل هذه النسبة - فالأمر لا يتعلق بتخلف الشركة عن إيداع كامل قيمة التأمين النهائي المستحق بموجب العقد طالما وجد الاتفاق بين الطرفين على تخفيض قيمة التأمين النهائي من 10% إلى 5% من قيمة العقد. على أن ذلك كله لا يدخل بحق جهة الإدارة في إقامة الدعوى بطلب التعويض عن الأضرار التي تجاوز قيمة هذا التأمين إن كان لذلك وجه وحيث يقع عليها عبء إثبات الأضرار التي لحقت بها وتجاوزت قيمتها مقدار التأمين الذي تم مصادرته.. وعن غرامة التأخير التي تطالب بها الجهة الإدارية فقد بني الحكم على أنه ولئن كان الثابت من الأوراق أن إدارة التعيينات - بعد أن تبين لها تراخي الشركة في التوريد - وافقت على إعطائها أكثر من مهلة بتاريخ 13/ 6/ 1973 و3/ 10/ 1973 و15/ 12/ 1973 وفي كل مرة كانت الإدارة تتحفظ بأن منح الشركة هذه المهلة لا يتضمن إعفائها من غرامة التأخير إلا إن الإدارة لدى إنهائها للتعاقد لم تصدر قراراً بتوقيع غرامة التأخير على الشركة المذكورة. ولم تتضمن المطالبة التي وجهتها إلى إدارة قضايا الحكومة لترفع الدعوى على الشركة قيمة هذه الغرامة وهو ما تترخص فيه في ضوء مجموع الظروف الملابسة للموضوع وإذ يبين من الكشف الذي حررته إدارة التعيينات المرفق بحافظة الحكومة أنه يتضمن فقط المبلغ الباقي لدى الشركة من غرامة المصادرة والمطلوب للإدارة دون أن يتضمن أي مبالغ تتعلق بغرامة التأخير فيكون ذلك هو موقف الإدارة الأخير بالنسبة لغرامة التأخير ومن ثم لا يكون لإدارة قضايا الحكومة بوصفها نائبة عن وزارة الدفاع أن تطالب بغرامات تأخير لم تتجه جهة الإدارة المتعاقدة إلى توقيعها على المتعهد.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وشابه القصور والتناقض في التسبيب، كما خالف الثابت من الأوراق للأسباب الواردة تفصيلاً في تقرير الطعن، وحاصلها أنه طبقاً للمادة 105 من لائحة المناقصات والمزايدات يتعين التفرقة بين فرضين أولهما: حالة ما إذا كان التأمين المدفوع يغطي ما يوازي 10% من قيمة الأصناف التي تأخر المورد في توريدها، وثانيهما: حالة الإعفاء من التأمين أو تخفيضه عن هذه النسبة، ففي الفرض الأول يكون للإدارة حق مصادرة التأمين أي اقتضاء قيمته بطريق التنفيذ المباشر دون حاجة إلى الالتجاء إلى القضاء. أما في الفرض الثاني فإن الأمر يتطلب اللجوء إلى القضاء لاستصدار حكم بالفرق بين التأمين المدفوع والتأمين الذي يلزم مصادرته عند إنهاء التعاقد. وعلى ذلك تكون التفرقة بين الفرضين في طريقة تحصيل قيمة المبالغ المصادرة وذلك بالتنفيذ المباشر على التأمين المودع مع العطاء أو بالمطالبة بقيمته قضاء. والقول بغير ذلك يؤدي إلى تعطيل نص المادة 105 المشار إليها فيما يتعلق بمصادرة التأمين وحرمان جهة الإدارة من ضمانة هامة أوجبها القانون لتأمينها ضد الأخطاء التي قد تصدر من المتعاقد معها حين يباشر تنفيذ شروط العقد الإداري. ومن ثم لا يوجد ما يمنع من اللجوء إلى القضاء في حالة الإعفاء القانوني من إيداع التأمين أو في حالة الاتفاق على تخفيضه أو عدم دفعه حتى لا تكون هناك ثغرة يستغلها البعض ضد المرفق العام وانتظام سيره. ومن جهة أخرى فإن الحكم المطعون فيه انتهى إلى رفض الدعوى رغم تسليمه بإخلال المطعون ضدها بالتزاماتها طبقاً للعقد المبرم معها وإقراره بحق الجهة الإدارية في إقامة دعوى بطلب التعويض عن الأضرار التي تجاوز التأمين المدفوع (5%) إن كان لذلك وجه، وبحيث يقع عليها عبء إثبات الأضرار التي لحقتها وتجاوز في قيمتها مقدار التأمين الذي تم مصادرته. وهو ما يخالف قضاء المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1289 لسنة 83 القضائية إذ قضى بأنه إذا كان التأمين ضماناً لجهة الإدارة شرع لمصلحتها ومن ثم لحمايتها فلا يتصور منطقاً أن يكون التأمين قيداً عليها أو ضاراً بحقوقها أو معوقاً لسيرها ومانعاً لها من المطالبة بالتعويضات المقابلة للأضرار الأخرى التي تكون قد لحقتها من جراء إخلال المتعاقد بتنفيذ شروط العقد الإداري، خاصة إذا كان التأمين المودع لا يكفي لجبر كافة الأضرار جبراً شاملاً وافياً.... وعلى ذلك فإن الحكم المطعون فيه وقد اعتبر تخفيض التأمين مبناه اتفاق الطرفين كان عليه أن يبحث في تكملة هذا التأمين بما يفي بالتعويض الذي قدرته جهة الإدارة بمبلغ 8989.941 جنيه عما أصابها من أضرار حقيقية فالمحكمة تملك تكييف طلبات الخصوم وإنزال حكم القانون عليها طالما كان التعويض مطلوباً في صحيفة الدعوى، وإن كانت جهة الإدارة قد اتجهت في تكييفه إلى أنه مطالبة بتكملة التأمين ومصادرة عن طريق القضاء، ومن جهة ثالثة فالثابت من الأوراق أن جهة الإدارة عندما كانت تصدر قرارها بإعطاء المطعون ضدها مهلة إضافية مرة تلو الأخرى كانت تضمن القرار النص على عدم إعفائها من غرامة التأخير بما يفيد تمسكها بتوقيع هذه الغرامة ولا تترخص جهة الإدارة في تنفيذ نص من نصوص اللائحة أو عدم إعماله وإلا أضرت المصلحة العامة وحسن سير وانتظام المرفق العام. ولا ينال من ذلك عدم ذكر الغرامة في المطالبة التي وجهت إلى إدارة قضايا الحكومة وهي جهة قضائية تنوب نيابة قانونية عن الحكومة ومصالحها فيما يرفع منها أو عليها من قضايا كما أنها وحدها صاحبة الحق في تكييف الدعوى وطلبات الجهة الإدارية ولا رقابة عليها في ذلك القضاء.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على لائحة المناقصات والمزايدات الصادرة بالقرار الوزاري رقم 542/ 1957 - المنطبقة على هذه المنازعة أنها نصت في المادة 51 على أنه "يجب على صاحب العطاء المقبول أن يودع في فترة لا تجاوز عشرة أيام من تاريخ اليوم التالي لإخطاره بكتاب موصى عليه بقبول عطائه تأميناً يساوي 5% من قيمة مقاولات الأعمال التي رست عليه، 10% من قيمة ما رسا عليه فيما عداها، أو أن يكمل التأمين المؤقت إلى ما يساوي التأمين المشار إليه.... ويعفى من التأمين الهيئات العامة والمؤسسات العامة وشركات القطاع العام والجمعيات التعاونية التابعة لإحدى المؤسسات العامة وفي مقاولات الأعمال يجوز بموافقة وكيل الوزارة خفض التأمين النهائي في حدود 25% من قيمته وإذا دعت المصلحة العامة إلى خفض التأمين النهائي إلى أكثر من 25% فيكون ذلك بموافقة الوزير المختص بحيث لا يزيد الخفض على 50% من قيمة التأمين النهائي.... ونصت في المادة 105 على أنه "إذا تأخر المتعهد في توريد كل الكميات المطلوبة أو جزء منها في الميعاد المحدد بالعقد - ويدخل في ذلك الأصناف المرفوضة - فيجوز للوزارة أو مصلحة أو السلاح أو فروعها، إذا رأت مصلحة في ذلك إعطاء المتعهد مهلة إضافية للتوريد على أن توقع عليه غرامة قدرها 1% عن كل أسبوع تأخير أو جزء من أسبوع من قيمة الكمية التي يكون المتعهد قد تأخر في توريدها بحيث لا يجاوز مجموع الغرامة 4% من قيمة الأصناف المذكورة. وللوزارة أو المصلحة أو السلاح في حالة عدم قيام المتعهد بالتوريد في الميعاد المحدد بالعقد أو خلال المهلة الإضافية أن تتخذ أحد الإجرائين التاليين وفقاً لما تقتضيه مصلحة العمل: ( أ ) شراء الأصناف التي لم يقم المتعهد بتوريدها من غيره على حسابه..... (ب) إنهاء التعاقد فيما يختص بهذه الأصناف ومصادرة التأمين بما يوازي 10% من قيمتها دون حاجة للالتجاء إلى القضاء مع إخطار المتعهد بذلك بكتاب موصى عليه وذلك دون إخلال بحق الوزارة أو المصلحة أو السلاح في المطالبة بالتعويض...." ومفاد ذلك أنه ولئن كان المتعاقد مع الإدارة ملزماً بحسب الأصل بإيداع مبلغ التأمين النهائي الذي أوجبته اللائحة أصلاً بالمادة 51، وكان الإعفاء من أدائه مقصوراً على الهيئات العامة والمؤسسات العامة وشركات القطاع العام والجمعيات التعاونية التابعة للمؤسسات العامة، إلا أن تخفيض التأمين في الحالات التي يجوز فيها ذلك ومنها عقود التوريد فقد ترك أثره لسلطة الجهة الإدارية التقديرية إذا ما دعت المصلحة العامة إلى ذلك على ألا يزيد الخفض على 50% من قيمة التأمين النهائي ولا ريب أن تلك الجهة حين تمارس هذه السلطة لا بد أن تأخذ في اعتبارها أهمية العقد الذي تبرمه مع المتعاقد معها ومدى ملاءمة المذكور وقدرته على تنفيذ التزاماته واحتمالات إخلاله بشروط عقده وما يترتب على ذلك من أضرار قد تلحق بها إن لم يكن لديها الضمان الكافي لتأمينها من الأخطاء التي قد تصدر منه خلال مدة التنفيذ لاسيما وأن مبلغ هذا التأمين في حالة إيداعه يخصم منه جميع مستحقاتها الناشئة عن العقد كما يمكن أن يكون محلاً للمصادرة بالإجراء الذي تتخذه من جانبها وحدها طبقاً للعقد واللائحة المشار إليها في حالة الإخلال إذ يتم ذلك كله دون حاجة للالتجاء للقضاء، فإذا ما وافقت الجهة الإدارية على تخفيض التأمين النهائي دون نظر إلى كل هذه الاعتبارات تكون قد أساءت التقدير وأضرت بالمصلحة العامة. وأما عن الجزاءات التي يجوز للإدارة توقيعها على المتعاقد معها في حالة تقصيره في تنفيذ التزامات العقد فقد ورد النص في المادة 105 المشار إليها على أنه "إذا تأخر المتعهد في توريد كل الكميات المطلوبة أو جزء منها في الميعاد المحدد بالعقد - ويدخل في ذلك الأصناف المرفوضة - فيجوز للوزارة...... إذا رأت مصلحة في ذلك إعطاء المتعهد مهلة إضافية للتوريد على أن توقع عليه غرامة قدرها.... وهذا النص جاء على خلاف القاعدة العامة التي تقضي بسقوط الحق في اقتضاء الغرامة عن الفترة التي امتد إليها الأجل الجديد، فتستحق الغرامة بمجرد التأخير عن المهلة الإضافية للتوريد ولو لم يصدر قرار صريح من الإدارة بتوقيع هذه الغرامة، ذلك أن المقصود هو حث المورد على عدم التراخي في تنفيذ شروط عقده ضماناً لحسن سير المرافق العامة، وحتى لا يتخذ من المهلة الإضافية التي تعطي له فرصته - للتقاعس من جديد في التنفيذ، وذلك يقتضي أن يكون استحقاق هذه الغرامة لمجرد التأخير إعمالاً لصريح النص وليس رهناً بالقرار الذي تصدره جهة الإدارة في هذا الشأن، أما بالنسبة لمصادرة التأمين في حالة إنهاء التعاقد وفقاً للفقرة (ب) من المادة المشار إليها فإنه - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا يشترط إثبات حصول الضرر أو اللجوء إلى القضاء للحكم للجهة الإدارية به، وذلك على خلاف التعويض الذي يمكن الرجوع به قضاء على المتعهد المقصر في الحالة التي تجاوز فيها قيمة الأضرار مبلغ التأمين المودع، فيكون ذلك الرجوع مستنداً إلى القواعد العامة والتي تقضي بضرورة إثبات الضرر ومقداره ويقع عبء إثبات ذلك على المدعي، وعلى هذا الأساس فلا وجه لاعتبار التعويض مكملاً للتأمين المخفض المدفوع من المورد فهو مستقل في سببه ومختلف عنه في طبيعته وغايته فيخرج عن مجال التأمين الذي نظمت أحكامه اللائحة المشار إليها ومن ثم فإذا ما قررت الجهة الإدارية إنهاء التعاقد بالنسبة للأصناف التي تخالف المورد عن توريدها في الميعاد المحدد فلها الحق في مصادرة التأمين المدفوع بما يوازي 10% من قيمة هذه الأصناف دون حاجة للالتجاء إلى القضاء وبهذه المثابة تقع المصادرة على هذا التأمين إن وجد دون غيره من مبالغ بما يوازي 10% من قيمة الأصناف المذكورة فإن زادت هذه القيمة وفقاً لهذه النسبة على التأمين المدفوع فيكون الحد الأقصى لما يجوز مصادرته هو مبلغ التأمين ذاته دون زيادة إعمالاً لشروط التعاقد ونصوص اللائحة المشار إليها.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم، فإذا كان الثابت من مستندات الجهة الإدارية أن كميات الجبن الأبيض التي قصرت الشركة المطعون ضدها في توريدها 640 جرام و935 كيلو و530 طن وذلك بعد استنفاذها جميع المهل الإضافية التي منحتها في 13/ 6/ 1973 و3/ 10/ 1973 و15/ 12/ 1973، وكان سعر الطن الواحد من الجبن الأبيض طبقاً للعقد المبرم بينهما 320 جنيهاً ومن ثم تستحق عليها غرامة تأخير بحدها الأقصى أي بواقع 4% من قيمة الأصناف التي لم تقم الشركة بتوريدها طبقاً لشروط العقد المبرم بينها وبين الجهة الإدارية، ولا ينال من استحقاق الغرامة على هذا الوجه عدم صدور قرار صريح من الجهة الإدارية بتوقيعها على الشركة وذلك للأسباب السالف بيانها فضلاً عن أن الثابت من الأوراق أن الإدارة كانت تحرص في كل مرة تمنح فيها الشركة مهلة جديدة للتوريد على إخطارها بالتمسك بعدم إعفائها من غرامة التأخير القانونية المستحقة، ومع ذلك فإن مجرد استحقاق غرامة التأخير على هذا الوجه لا يكفي لإلزام الشركة الموردة بها قضاء، إذ يجب أن تطالب بها الجهة الإدارية صاحبة هذا الحق وذلك بإعلان إرادتها في ذلك عند طلب رفع الدعوى ضد المورد والثابت من المستندات المقدمة أن الكشف الذي تضمن المبالغ المطلوبة لجهة الإدارة والمرسل لإدارة قضايا الحكومة لكي ترفعه مع الدعوى على المورد، لم يتضمن قيمة هذه الغرامة ومن ثم تكون خارج نطاق الدعوى مثار الطعن - فلا تملك إدارة قضايا الحكومة المطالبة بها بمنأى عن إدارة الجهة الإدارية وإن كان ذلك لا يمنع جهة الإدارة توجيه مطالبة جديدة بمبلغ هذه الغرامة ضد المورد أن لم يكن قد قام بها سبب قانوني يحول دون ذلك أما بالنسبة إلى المطالبة المتعلقة بالفرق بين ما يوازي 10% من قيمة الأصناف التي قصرت الشركة المتعاقدة في توريدها وبين قيمة التأمين الذي أودعته فعلاً بواقع 5% باتفاق الطرفين وقيمة هذا الفرق تبلغ 8989.941 جنيه، فإنه لا يجوز قانوناً إلزام الشركة المذكورة بهذا المبلغ إذ العبرة بقيمة التأمين المودع فعلاً في صدد إعمال جزاء المصادرة وفقاً للبند (جـ) من المادة 105 من اللائحة المشار إليها وعلى أن تكون مصادرة التأمين بما يوازي 10% من قيمة الأصناف التي لم تورد ومن ثم - تكون حدود المصادرة الجائزة قانوناً في جميع الأحوال مبلغ التأمين المدفوع سواء كان كاملاً أو مخفضاً ولا تتعدى ذلك بأي حال من الأحوال إلى مبالغ أخرى لا ينطبق عليها وصف التأمين قانوناً وإذ كان الثابت في هذه المنازعة أن التأمين النهائي الذي أودعته الشركة المذكورة باتفاق الطرفين يبلغ 8000 جنيه وكانت نسبة الـ 10% من قيمة الأصناف التي قصرت في توريدها توازي مبلغ 16989.941 فلا تتم المصادرة طبقاً للمادة سالفة الذكر سوى في حدود التأمين المدفوع فعلاً البالغاً قدره 8000 جنيه. أما باقي المبلغ وهو ما لم يودع تأميناً تتحقق قيمته التأمينية فلا يعد تأميناً وبالتالي لا يجوز اعتباره مكملاً له وينتفي بذلك سند المطالبة به قضاء. فضلاً عن عدم جواز الحكم به كتعويض وإذ لا يتأتى الحكم بذلك إلا استناداً إلى القواعد العامة وحيث يقع عبء إثبات الضرر ومقداره على الجهة الإدارية وهو الأمر الذي لم يثبت في تلك المنازعة. وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض طلب إلزام الشركة المذكورة بغرامات التأخير القانونية وبرفض طلب المبلغ الآخر الذي يمثل الفرق بين ما يوازى 10% من قيمة الأصناف التي قصرت في توريدها وبين مبلغ التأمين المدفوع فعلاً من الشركة فإنه يكون قد أصاب في قضائه ما يتعين معه رفض الطعن المقام بشأنه وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.