مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1987 - أخر فبراير سنة 1988) - صـ 154

(21)
جلسة 7 من نوفمبر سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وصلاح عبد الفتاح سلامه وفاروق عبد الرحيم غنيم المستشارين.

الطعن رقم 1336 لسنة 30 القضائية

أموال الدولة العامة والخاصة - وسائل حمايتها - إزالة التعدي عليها.
المادة (970) من القانون المدني معدلة بالقوانين أرقام 147 لسنة 1957 و39 لسنة 1959 و55 لسنة 1970.
بسط المشروع حمايته على الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة - من وسائل تلك الحماية: حظر تملك هذه الأموال أو كسب حق عيني عليها بالتقادم وتحريم التعدي عليها وإزالته إدارياً دون حاجة إلى استصراخ القضاء أو انتظار كلمته في دعاوى يرفعها الأفراد على الإدارة - لا يعوق سلطة الإدارة في إزالة التعدي مجرد منازعة واضع اليد أو محض ادعائه حقاً لنفسه أو إقامته دعوى بذلك أمام القضاء المدني طالما أن جهة الإدارة لديها مستنداتها وأدلتها الجدية المثبتة لحقها وهو ما يخضع لرقابة القضاء الإداري عند بحثه مشروعية القرار الصادر بإزالة التعدي فهو لا يفصل في موضوع الملكية أو الحق المتنازع عليه ولا يفحص المستندات والأوراق ليتحقق من الملكية وإنما يقف اختصاصه عند التحقق من صحة القرار الصادر بإزالة التعدي وقيامه على سببه المبرر له قانوناً والمستمد من شواهد ودلائل جدية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 26 من مارس سنة 1984 أودعت إدارة قضايا الحكومة "هيئة قضايا الدولة" نيابة عن السيد محافظ دمياط بصفته والسيد رئيس مجلس مدينة رأس البر بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1336 لسنة 30 القضائية ضد السيد/ ....... في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بجلسة 26 من يناير سنة 1984 في الشق المستعجل من الدعوى رقم 660 لسنة 5 القضائية والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات، وطلب الطاعنان للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء هذا الحكم وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو الثابت في الأوراق. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبرفض الطعن موضوعاً وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات. وعين لنظر الطعن جلسة 2 من يونيه سنة 1986 أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة، وتداول بجلساتها على الوجه المبين بالمحاضر حتى قرت بجلسة 4 من مايو سنة 1987 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا "دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات" لنظره بجلسة 23 من مايو سنة 1987، ونظرت المحكمة الطعن وتداول بجلساته على النحو الثابت بالمحاضر واستمعت إلى ما رأت لزومه من إيضاحات ثم قررت بجلسة 17 من أكتوبر سنة 1987 إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص، حسبما يبين من الأوراق، في أنه بتاريخ 17 من إبريل سنة 1983 أقام السيد/ ....... الدعوى رقم 660 لسنة 5 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالمنصورة ضد السيد/ محافظ دمياط بصفته والسيد رئيس مجلس مدينة رأس البر بصفته طالباً الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار رقم 266 لسنة 1983 الصادر من الوحدة المحلية لمدينة رأس البر بإخلاء الشقة رقم 1 بالعمارة رقم 8 بشارع رقم 77 بمساكن مجلس مدينة رأس البر، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، استناداً إلى أنه يسكن هذه الشقة غير المخصصة لمرفق الإسعاف. وقضت محكمة القضاء الإداري في جلسة 26 من يناير سنة 1982 بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وبإلزام الجهة الإدارية مصروفات الشق المستعجل. وأقامت قضاءها على أن القرار المطعون فيه صدر في 16 من مارس سنة 1983. ورفعت الدعوى في 17 من إبريل سنة 1983 مما يجعلها دعوى مقبولة شكلاً، كما أن الشقة محل النزاع وإن خصصت عام 1977 لتكون مقراً لمرفق الإسعاف، إلا أنه ظاهر الأوراق يكشف عن أنها لم تعد مخصصة لمرافق الإسعاف بل سكن فيها مدير الإسعاف وهو المدعي كسكن شخصي غير حكومي منذ عام 1978، ولم يتحرك مجلس المدينة لمنازعته إلا في 20 من مايو سنة 1981 أي بعد ما يقرب من ثلاث سنوات على إقامته فيها، رغم أن مرفق الإسعاف كان يزاول نشاطه من مكان آخر في غير غفلة منه، مما ينبئ عن أنه أنهى تخصيصها لمرفق الإسعاف، وسمح بها للمدعي كسكن شخصي غير حكومي خاصة وأنها تقع في عمارة أجر مجلس المدينة باقي وحداتها للسكنى، وبذلك لا يكون المدعي متعدياً على الشقة حتى يصبح إخلاؤه منها بالقرار المطعون فيه. وهو قرار يترتب على تنفيذه نتائج يتعذر تداركها بسبب أزمة المساكن وعدم ثبوت وجود مسكن آخر للمدعي، وذلك بصرف النظر عن عدم وجود عقد إيجار مكتوب بينهما لأن هذا محل الدعوى المدنية التي أقامها المدعي. ومن ثم توافر كل من ركن الجدية وركن الاستعجال اللازمين للقضاء بوقف تنفيذ هذا القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، لأن الشقة خصصت عام 1977 لتكون مقراً لمرفق الإسعاف، ولم يصدر للمطعون ضده ترخيص أو يحرر له عقد إيجار بها، ولا يجوز له أن يصطنع لنفسه سندا بإقامته فيها مستغلاً وظيفته كمدير للإسعاف ما يعد غصبا مادياً لها، وبذا تجوز إزالة تعدية عليها سواء كانت من أملاك الدولة العامة أو الخاصة. وقد عقب المطعون ضده على الطعن بمذكرة قدمها بجلسة 16 من فبراير سنة 1987 أمام دائرة فحص الطعون، جاء فيها أنه كان يتعين عدم إصدار القرار المطعون فيه قبل الفصل في الدعوى رقم 1169 لسنة 1979 كلي دمياط المقامة منه بطلب إثبات العلاقة الإيجارية بينه وبين مجلس مدينة رأس البر.
ومن حيث إنه وفقاً للمادة 49 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، يقوم طلب وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه على ركنين، الأول ركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، والثاني ركن المشروعية بأن يكون الطلب قائماً حسب الظاهر على أسباب جدية تحمل على ترجيح إلغاء القرار.
ومن حيث إنه باستقراء المادة 970 من القانون المدني، معدلة بالقوانين أرقام 147 لسنة 1957، 39 لسنة 1959، 55 لسنة 1970، على هدي من المذكرات الإيضاحية، يبين أن المشرع بسط الحماية على الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة، سواء بحظره تملكها أو كسب حق عيني عليها بالتقادم، أو بتجريمه التعدي عليها، أو بتخويله الجهة الإدارية المعنية سلطة إزالة هذا التعدي إدارياً، دون حاجة إلى استصراخ القضاء من جانبها أو انتظار كلمته في دعاوى غيرها. فلا يعوق سلطتها في إزالة التعدي مجرد منازعة واضع اليد أو محض ادعائه حقاً لنفسه أو إقامته دعوى بذلك أمام القضاء المدني، طالما أن لدى الجهة الإدارية مستندات أو أدلة جدية بحقها، وهو ما يخضع لرقابة القضاء الإداري عند بحثه مشروعية القرار الصادر بإزالة التعدي، فهو لا يفصل في موضوع الملكية أو الحق المتنازع عليه حتى يفحص المستندات ويفحص الأوراق المقدمة من الطرفين، وإنما يقف اختصاصه عند التحقق من صحة هذا القرار وخاصة قيامه على سببه المبرر له قانوناً المستمد من شواهد ودلائل جدية.
ومن حيث إنه باستظهار الأوراق، يبين أن مجلس مدينة رأس البر يملك الشقة موضوع النزاع وخصصها سنة 1977 كمقر للإسعاف قريب من الطريق الرئيسي بالمدينة. وأرسل السيد رئيس مجلس المدينة الكتاب رقم 39 في 20 من مايو سنة 1981 إلى السيد مدير عام الشئون الصحية بدمياط بأنه لوحظ عدم وجود سيارات إسعاف في هذا المقر الكائن بمنطقة تحتاج لخدماته مما يقتضي العمل على توفير هذه السيارات بالمقر وتشغيله قبل بداية موسم الصيف. وأفاد السيد مدير عام الشئون الصحية بدمياط بالكتاب رقم 129 في 17 من يونيه سنة 1981 بأن الشقة غير مخصصة آنذاك لمرفق الإسعاف بل يسكنها المطعون ضده وهو مدير الإسعاف كسكن شخصي غير حكومي. ورد عليه السيد رئيس المدينة بالكتاب رقم 49 في 20 من يونيه سنة 1981 بأن المجلس لم يرخص للمطعون ضده في سكن شخصي، وطلب المجلس الشعبي المحلي لمركز دمياط من مجلس مدينة رأس البر في 16 من نوفمبر سنة 1982 بياناً بموقف الشقة، وهو ما أفاده به السيد رئيس مجلس مدينة رأس البر بالكتاب رقم 5837 في 29 من نوفمبر سنة 1982، وقرر المجلس الشعبي المحلي لمركز دمياط في 15 من يناير سنة 1983 بضرورة التمسك بهذا المقر للإسعاف وإخلائه بالطريق الإداري، وبناء على التفويض الصادر من السيد محافظ دمياط بالقرار رقم 445 لسنة 1978 أصدر السيد رئيس مجلس مدينة رأس البر القرار رقم 66 لسنة 1983 بإخلاء الشقة بالطريق الإداري.
ومن حيث إنه يؤخذ من الوقائع السابق استظهارها، أن الشقة أنهى تخصيصها كمقر لمرفق الإسعاف، سواء من جانب مديرية الشئون الصحية، أو من قبل المطعون ضده كمدير للإسعاف، وهذا الإنهاء القانوني أو الفعلي لتخصيصها للمنفعة العامة حسر عنها صفة الأموال العامة عملاً بالمادة 88 من القانون المدني، وأدرجها في الأموال الخاصة المملوكة لمجلس المدينة، إلا أنه لا يكفي في حد ذاته لتخويل المطعون ضده كمدير للإسعاف حق اتخاذها مسكناً خاصاً له. كما أن مجلس المدينة حسب ظاهر الأوراق لم يكون له دور في هذا الإنهاء ولم يحط خبراً به أو باقترانه بسكنى المطعون ضده في الشقة حتى يفسر سكوته بأنه إقرار ضمني لهذه السكنى، فضلاً عن أن مجلس المدينة لم يصدر ترخيصاً ولم يبرم عقداً ولم يتخذ إجراء على نحو يسند المطعون ضده في سكناه بل سارع فور علمه بها ضمن كتاب السيد مدير عام الشئون الصحية رقم 49 في 20 من يونيه سنة 1981 إلى إفادته بأنه لم يرخص فيها ثم تابع الموضوع مع المجلس الشعبي المحلي لمركز دمياط حتى توجه بإصدار قرار إخلاء الشقة بالطريق الإداري وكل هذه الأمور تشير إلى أن المطعون ضده تعدى على الشقة كملك خاص لمجلس المدينة، بأن اتخذها سكناً له سواء خفية من جانبه أو بناء على تصرف أو رضاء من مديرية الشئون الصحية دون سند من علم مجلس المدينة المالك لها والقائم عليها، وذلك بصرف النظر عن وقوعها ضمن عمارة سكنية له أو وجود مقر ثان لمرفق الإسعاف، لأن هذا أو ذاك لا يجيز للمطعون ضده الاستيلاء على الشقة جبراً عن مجلس المدينة بحجة أو بأخرى. ومن ثم يحق الإزالة المادية لهذا التعدي على نحو ما صدر به القرار المطعون فيه والذي لا وجه للنعي عليه بأنه صدر دون انتظار حكم القضاء في الدعوى المدنية التي أقامها المطعون ضده بطلب إلزام مجلس المدينة بتحرير عقد إيجار له. وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب إذ قضى بوقف تنفيذ هذا القرار، ما يتعين معه القضاء بإلغاء هذا الحكم وبرفض طلب وقف التنفيذ مع إلزام المطعون ضده المصروفات عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت المطعون ضده المصروفات.