مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1987 - أخر فبراير سنة 1988) - صـ 394

(58)
جلسة 12 من ديسمبر سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة صلاح عبد الفتاح سلامة وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد المنعم رفاعي عمارة والسيد السيد عمر المستشارين.

الطعن رقم 245 لسنة 27 القضائية

عقد إداري - تنفيذه - إخلال أحد الطرفين بالتزاماته - الغرامة التهديدية (شرط جزائي).
يعتبر التعويض التهديدي من الأساليب التي يجوز اتباعها في نطاق القانون العام شأنها شأن علاقات القانون الخاص بغرض حث المدين على وجه جدي حاسم للوفاء بالتزامه المقرر في الموعد المحدد تفادياً لأضرار تأخيرها - إذا استقر الإخلال بالتزام واتضح التعويض ومناطه حدوث الضرر الناشئ عن عدم تنفيذ الالتزام أو التأخير في تنفيذه ومدى تعنت المدين يترك الأمر للقاضي في تحديد التعويض النهائي الناشئ عن عدم التنفيذ أو التراخي فيه دون حاجة إلى إلزام جهة الإدارة بإثبات وقوع الضرر وهو مناط الخلاف الوحيد بين علاقات القانون العام والقانون الخاص - مؤدى ذلك: افتراض حصول الضرر في مجال القانون العام على أن يسمح للمتعاقد المدين بإثبات انعدام الضرر أو عدم التناسب الجسيم بين ضرر تافه تحقق وتعويض جسيم اتفق عليه مما يدخل في رقابة الانحراف - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 26 من يناير سنة 1981 أودعت إدارة قضايا الحكومة (هيئة قضايا الدولة) نيابة عن السيد رئيس مجلس إدارة هيئة النقل العام بالقاهرة بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 245 لسنة 27 القضائية ضد ورثة المرحوم....... وهم: (1) أرملته السيدة/ ........ عن نفسها وبصفتها وصية على ولديه القاصرين...... و....... (2) وأولاده الراشدين...... و........ و....... وذلك في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "هيئة العقود الإدارية والتعويضات" بجلسة 3 من نوفمبر سنة 1980 في الدعوى رقم 1493 لسنة 28 القضائية والقاضي بإلزامهم بأن يؤدوا للهيئة الطاعنة مبلغاً مقداره 365.187 جنيهاً وفوائده القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية دون غرامة التأخير ومقدارها 344 جنيهاً. وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن القضاء بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى الحكم بالطلبات الواردة في صحيفة الدعوى مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم على النحو المبين بالأوراق. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى إلزام المطعون ضدهم بأن يؤدوا للهيئة الطاعنة مبلغاً مقداره 210 جنيهاً وفوائده القانونية بواقع 7% سنوياً من تاريخ الاستحقاق حتى تمام السداد ومبلغاً مقداره 187 مليماً و155 جنيهاً وفوائده القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 24 من سبتمبر سنة 1974 حتى تمام السداد وإلزامهم المصروفات عن درجتي التقاضي. وعين لنظر الطعن جلسة 5 من يناير سنة 1987 أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة وتداول بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر حتى قررت بجلسة 2 من نوفمبر سنة 1987 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات" لنظره بجلسة 21 من نوفمبر سنة 1987 وفيها قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم ثم أعيد للمرافعة وتقرر إصدار الحكم آخر الجلسة حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أن الهيئة الطاعنة أقامت الدعوى رقم 1493 لسنة 28 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري في 24 من سبتمبر سنة 1974 ضد مورث المطعون ضدهم طالبة الحكم بإلزامه بأن يدفع لها مبلغاً مقداره 187 مليماً و709 جنيهاً وفوائده القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأسست دعواها على أنها أبرمت مع مورث المطعون ضدهم عقداً لمدة سنة من أول أغسطس سنة 1964 تضمن استغلاله مقصف وحدة أتوبيس الأميرية نظير مبلغ شهري 42 جنيهاً يدفعه مقدماً في اليوم الثالث من كل شهر على الأكثر وإلا وقعت عليه غرامة مقدارها جنيه واحد عن كل يوم تأخير. وقد تسلم المقصف بمهماته جديدة وسليمة ولم يسدد مقابل الاستغلال. وأنذرته الهيئة في 19 من نوفمبر سنة 1964. وأوقفت العمل بالمقصف في 12 من ديسمبر سنة 1964، وشكلت لجنة جردت محتوياته فتبين وجود عجز في الأثاث قيمته 187 مليماً و155 جنيهاً. وبذلك استحق عليه مقابل الاستغلال عن خمسة شهور وجملته 210 جنيهاً وغرامة تأخير مجموعها 344 جنيهاً وقيمة العجز في الأثاث ومقداره 187 مليماً و155 جنيهاً. فيكون الإجمالي 187 مليماً و709 جنيهاً يلتزم بسداده مع الفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد. وقضت المحكمة في جلسة 26 من فبراير سنة 1978 بانقطاع سير الخصومة في الدعوى لوفاة مورث المطعون ضدهم في 13 من مايو 1976. وجددت الهيئة الطاعنة الدعوى في مواجهة المطعون ضدهم بعريضة أودعت في 11 من فبراير سنة 1979 طالبة الحكم بإلزامهم متضامنين في حدود ما آل إليهم من تركة مورثهم بأن يدفعوا لها المبالغ المشار إليها. وقضت المحكمة بجلسة 30 من نوفمبر سنة 1980 بإلزامهم في حدود ما آل إليهم من تركة مورثهم بأن يؤدوا للهيئة الطاعنة مبلغاً مقداره 187 مليماً و365 جنيهاً وفوائده القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 24 من سبتمبر سنة 1974 حتى تمام السداد والمصروفات. وبنت المحكمة قضاءها على أن تجديد السير في الدعوى تم قبل مضي سنة من تاريخ الحكم بانقطاع سير الخصومة مما لا محل معه للدفع المبدى من المطعون ضدهم بسقوط الخصومة طبقاً للمادة 134 من قانون المرافعات. وقد قام مورثهم على استغلال المقصف حتى 7 من ديسمبر سنة 1964 ولم يسدد مقابل الاستغلال عن هذه المدة ومجموعة 210 جنيهات ووقع دون اعتراض على محضر جرد محتويات المقصف في التاريخ المشار إليه بعجز قيمته 187 مليماً و155 جنيهاً، ما يعني التزامه بهذين المبلغين، دون غرامة التأخير المنصوص عليها في العقد لأنها لا تتصل بسير المرفق العامة، وإنما تستهدف مواجهة تقاعس المتعاقد عن دفع الجعل الشهري المحدد لاستغلال المقصف مما يجعلها شرطاً لا يقيد القاضي إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود وكان مقدار الشرط الجزائي يجاوز الحد الأقصى للفائدة المقررة كما هو الحال في هذه الخصوصية حيث لم يثبت حصول ضرر للهيئة الطاعنة يجاوز هذه الفائدة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله فيما تضمنه من رفض الطلب الخاص بغرامة التأخير، لأن الغرامة في مجال العقد الإداري تختلف عن الشرط الجزائي في العقد المدني، ولأن الضرر مفترض في حالة التأخير عن تنفيذ العقد الإداري لما ينطوي عليه هذا التأخير من إخلال بالنظم والترتيبات التي تضعها الإدارة ولا تتعلق بسداد الجعل الشهري.
ومن حيث إن الأمر يقتضي البدء ببحث الطبيعة القانونية للشرط المقرر لما أسماه الطاعن غرامة التأخير المنصوص عليها في العقد وهي سند الطعن وقوامه التزام مورث المطعون ضدهم المتعاقد مع الطاعن على أداء مقابل استغلال المقصف المحدد به إليه في العقد في اليوم الثالث من الشهر على الأكثر وإلا وقعت عليه غرامة مقدارها جنية واحد عن كل يوم تأخير، وإذ كان الظاهر أن هذه الغرامة وهي تستحق عن أيام التأخير فهي مناطها استحقاقها في آن واحد مما قد يسبغ عليها في ظاهر الأمر وصف غرامة التأخير،إلا أنها في حقيقتها لا تخرج عن أن تكون غرامة تهديدية محددة مقدماً عن التأخير في أداء الالتزام عن موعده المحدد في العقد بعبارة كل يوم من أيام التأخير يستحق عنه قيمة الغرامة المقررة، وبذلك فهي تهديد لحث المدين على الوفاء بالتزاماته في موعده المقرر وهو أمر ليس بغير جائز في مجال العقود الإدارية فالتعويض التهديدي من الأساليب التي يجوز اتباعها في نطاق القانون العام شأنها شأن علاقات القانون الخاص والمقصد منه حث المدين على وجه جدي حاسم للوفاء بالالتزام المقرر في الموعد المحدد تفادياً لأضرار تأخيرها، فإذا ما استقر الإخلال بالالتزام واتضح أنه لم يكن مجد تهديد المدين فيتعين الرجوع إلى الأصول المقررة فيستقر وصف التعويض ومناطه حدوث الضرر الناشئ عن عدم تنفيذ الالتزام أو التأخير في تنفيذه ومدى تعنت المدين وحينئذ يعود الأمر لرقابة القاضي في تحديد التعويض النهائي الناشئ عن عدم التنفيذ أو التراخي فيه دون ما حاجة إلى إلزام جهة الإدارة بإثبات وقوع الضرر وهو مناط الخلاف الوحيد بين علاقات القانون العام والقانون الخاص في نطاق العقد فيفترض الضرر على أن يسمح للمتعاقد المدين بإثبات انعدام الضرر أو عدم التناسب الجسيم بين ضرر تافه تحقق وتعويض جسيم اتفق عليه، مما يدخل في رقابة الانحراف. وإذ كان الثابت من الأوراق أن المدين مورث المطعون ضدهم لم يتأخر فقط في الوفاء بالتزامه مدة أو مدداً وإنما لم يقم إطلاقاً بأداء هذا الالتزام حتى فسخ العقد فاستحق عليه مقابل الاستغلال المتفق عليه عن المدة من أول أغسطس 1964 حتى نهاية ديسمبر 1964 حيث فسخ العقد في 12 من ديسمبر 1964 وكان مقابل كل شهر يستحق مقدماً في اليوم الثالث من كل شهر، وبذلك تكون تحددت العلاقة بين الطاعن ومورث المطعون ضدهم في استحقاق مقابل الانتفاع عن مواعيد الاستحقاق المقررة عن كل قسط من مقابل الاستغلال إذ استحق أولها في 3 أغسطس 1964، وبذلك يستحق هذا القسط كما يستحق التعويض عن عدم أدائه في المواعيد المحددة في العقد بعد أن تبين أن الغرامة التهديدية لم تحدث أثرها في حث المدين على الوفاء بالتزامه في مواعيده المقررة قانوناً. وفي تحول التعويض التهديدي إلى تعويض نهائي نتيجة عدم التنفيذ في المواعيد الذي انتهى إلى امتناع كامل عن التنفيذ بإطلاق وملاحظة أن الضرر المقرر عنه هذا التعويض مفترض ولم يقم في الأوراق ولم يدع مورث المطعون ضدهم ولا ورثته انعدام الضرر أو عدم التناسق الجسيم، فإنه يؤخذ باستحقاق هذا التعويض في الإطار القانوني الجائز. فإذا كان محل الدين مبلغاًَ من النقود وكان الأصل أن المقرر المستحق عن عدم الوفاء به أو التأخير في الوفاء به، وهنا يختلط عدم التنفيذ بالتأخير في التنفيذ خلال مدة التأخير، عند عدم الاتفاق على قيمته النهائية أو على عبارة تأخذ المحكمة في شأنه بالمعيار الذي حدد القانون للفوائد عن الضرر الناشئ عن عدم الوفاء أو التراضي في الوفاء بالتزام محله مبلغ من النقود وهو 4% سنوياً إذ لم تقدم جهة الإدارة ولم يرق في الأوراق أي دليل يفيد لحوق ضرر آخر بها يجاوز مجرد التأخير في الوفاء بكل قسط عند استحقاقه فتستحق لها القسط وتعويض عن التأخير في الوفاء به يقاس على التعويض عن التأخير المحدد قانوناً وقدره 4% من تاريخ استحقاق القسط، وبذلك يكون طلب الجهة الإدارية إلزام المطعون ضدهم بقيمة ما أسمته غرامة التأخير كاملة غير قائم على سند ما يتعين رفضه، مع ملاحظة أن الحكم المطعون فيه في نفس الوقت لم يبحث طلب الجهة ما تستحقه عن التأخير في الوفاء بكل قسط في موعده وهو 4% من تاريخ استحقاق كل قسط حتى تاريخ الوفاء. مما يتعين معه تعديل الحكم في هذا النطاق بإلزام المطعون ضدهم بأن يدفعوا للطاعنة في حدود ما آل إليهم من تركة مورثهم قيمة مقابل الانتفاع المستحق وفائدة عنه بواقع 4% من تاريخ الاستحقاق حتى تاريخ الوفاء.
ومن حيث إنه بذلك يكون المبلغ المستحق هو مقابل الانتفاع محسوباً على الوجه السابق وكذلك قيمة العجز في موجودات اليومية وقدره 155.187 وهو ما أجابه الحكم إليه وفوائده القانونية من تاريخ المطالبة القضائية وبذلك يكون الحكم فيما ذهب إليه في هذا الشأن قائماً على سنده بما يقتضي تعديل الحكم فيه في هذا النطاق وذلك إذ طال أمد النزاع بغير سبب من الجهة الإدارية التي تراخت في المطالبة القضائية أكثر من عشر سنوات ثم استمر النزاع القضائي أكثر من ثلاثة عشرة سنة بغير مبرر بما يبرر الحكم بفوائد التأخير كاملة من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ السداد بواقع 4% سنوياً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى إلزام المطعون ضدهم في حدود ما آل إليهم من تركة مورثهم بأن يؤدوا إلى الطاعن بصفته مبلغ مقابل الاستغلال المتفق عليه من تاريخ استحقاق كل قسط وتعويضاً عن التأخير في الوفاء من تاريخ استحقاق القسط إلى تاريخ الوفاء بواقع 4% سنوياً ومبلغ قيمة العجز وقدره 155.187 وفوائد تأخير عنه بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 24 من سبتمبر 1974 حتى تمام الوفاء وألزمت المطعون ضدهم المصروفات.