مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1987 - أخر فبراير سنة 1988) - صـ 460

(69)
جلسة 15 من ديسمبر سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار أبو بكر دمرداش أبو بكر نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد العزيز أحمد حمادة وجمال السيد دحروج وفاروق علي عبد القادر وكمال زكي عبد الرحمن اللمعي المستشارين.

الطعن رقم 3424 لسنة 31 القضائية

( أ ) عاملون مدنيون بالدولة - انتهاء الخدمة للانقطاع عقب الإعارة - مهلة الستة شهور المقررة بقرار مجلس الوزراء في 16/ 8/ 1975.
تعتبر مخالفة قرار إنهاء الخدمة للقاعدة التنظيمية التي قررها مجلس الوزراء في 16/ 8/ 1975 عيباً لا يعدم القرار المطعون فيه وإنما يصمه بالبطلان - أثر ذلك: تقيد الطاعن على مثل هذه القرارات بالمواعيد المقررة قانوناً - تطبيق.
(ب) قرار إداري - مسئولية الإدارة عن قراراتها الخاطئة (تعويض مؤقت).
القاعدة التنظيمية التي قررها مجلس الوزراء في 16/ 8/ 1975 هي قاعدة ملزمة للجهات الإدارية - المهلة الواردة بها هي حق مقرر للعاملين بالدولة - مخالفة هذه المهلة ترتب حقاً في التعويض عن القرار الخاطئ بإنهاء الخدمة قبل الأوان - إذا قضت المحكمة بتعويض مؤقت فهذا التعويض قابل للتقدير النهائي بدعوى مستقلة تبين فيها الأضرار الحقيقية التي أصابت المضرور - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 4/ 8/ 1985 أودع محامي الحكومة - سكرتارية المحكمة الإدارية العليا - نيابة عن السيد/ رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة (بصفته) تقرير طعن قيد بجدول المحكمة برقم 3424 لسنة 31 ق ضد/ الدكتور...... في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات والترقيات) بجلسة 6/ 6/ 1985 في الدعوى رقم 3833 لسنة 37 ق المقامة من المطعون ضده والذي قضى: (أولاً): بعدم قبول الدعوى شكلاً بالنسبة لطلب الإلغاء لرفعها بعد الميعاد. (ثانياً) بإلزام الجهة المدعى عليها بأن تدفع للمدعي تعويضاً قدره (101) جنيهاً. (ثالثاً) بإلزام المدعي وجهة الإدارة المصروفات مناصفة.
وقد طلبت الجهة الإدارية الطاعنة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من ثانياً وثالثاً وبرفض الدعوى رقم 3833 لسنة 37 ق موضوعاً وإلزام المطعون ضده المصروفات والأتعاب عن الدرجتين وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده بتاريخ 1/ 9/ 1985.
ثم أحيل الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيره وإعداد تقرير بالرأي القانوني فيه، وقد أودعت الهيئة تقريراً برأيها القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً وتحميل الطاعن بالمصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة حيث قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظر موضوعه بجلسة 16/ 6/ 1987 وبعد أن استمعت المحكمة إلى مرافعات الطرفين قررت بجلسة 3/ 11/ 1987 حجز الطعن ليصدر الحكم فيه بجلسة 15/ 2/ 1987. وبالجلسة المحددة للنطق بالحكم تم تلاوة منطوقه علناً وأودعت مسودته المشتملة على الأسباب والمنطوق.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد أقيم خلال الميعاد القانوني، وإذ استوفى الطعن سائر الأوضاع الشكلية المقررة فمن ثم يتعين الحكم بقبوله شكلاً.
ومن حيث إن واقعات النزاع - حسبما يبين من الأوراق - تخلص في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 3833 لسنة 37 ق أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات والتوقيعات) بتاريخ 18/ 5/ 1983 ضد السيد/ رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة (بصفته) طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الإداري رقم 973 لسنة 1978 الصادر من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في 16/ 12/ 1978 باعتباره مستقيلاً من 1/ 11/ 1978 واحتياطياً الحكم له بتعويض مؤقت قدره (101) جنيهاً على أساس أن الإدارة قد أخطأت حيث لم تمهله مدة الستة شهور بعد انتهاء إعارته طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 16/ 8/ 1975. وبجلسة 6/ 6/ 1985 صدر الحكم في هذه الدعوى ويقضي: (أولاً) عدم قبول الدعوى شكلاً بالنسبة لطلب الإلغاء لرفعها بعد الميعاد. (ثانياً) بإلزام جهة الإدارة المدعى عليها بأن تدفع للمدعي تعويضاً قدره (101) جنيه (مائة وواحد جنيه). (ثالثاً) بإلزام المدعي وجهة الإدارة المصروفات مناصفة.
وشيدت المحكمة قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه صادر بتاريخ 16/ 12/ 1978 ورغم علم المدعي به فإنه لم يتقدم بتظلم منه إلا في 25/ 8/ 1982. ثم رفع دعواه في 8/ 5/ 1983 ومن ثم تكون دعواه قد رفعت بعد الميعاد، وبالنسبة لما يذكره المدعي من أن القرار الطعين قد أصبح منعدماً، قالت المحكمة أن القرار لا يصبح منعدماً إلا إذا شابه خطأ جسيم ينحدر به إلى درجة الانعدام كغصب السلطة مثلاً، وأن القرار الطعين صدر تأسيساً على المادة 98 من القانون رقم 47 لسنة 1978 فهو على فرض مخالفته لقاعدة قانونية فإن هذه المخالفة لا تنحدر به إلى درجة الانعدام.
وبالنسبة لطلب التعويض فقد انتهت المحكمة إلى أحقية المدعي له على أساس ما ثبت لديها من خطأ الجهة المدعى عليها حين أصدرت القرار المطعون فيه باعتبار المدعي مستقيلاً دون أن تمنحه مهلة الستة شهور من تاريخ انتهاء إعارته في 1/ 9/ 1978 واكتفت بمنحة شهرين فقط وأصدرت قرارها بتاريخ 16/ 12/ 1978 باعتبار مستقيلاً من الخدمة اعتباراً من 1/ 11/ 1978 مخالفة بذلك القاعدة التنظيمية التي وضعها مجلس الوزراء بقراره الصادر بتاريخ 16/ 8/ 1975. وهي قاعدة ملزمة الأمر الذي يرتب للمدعي حقاً في تعويضه عن الضرر المترتب على هذا الخطأ.
ومن حيث إن الجهة الطاعنة تنعى على هذا الحكم مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله: على سند من القول أن توصية مجلس الوزراء المؤرخة 16/ 8/ 1985 لا تعدو أن تكون مجرد توجيه لا يرقى إلى مرتبة القرار الملزم ومن ثم فإنه لا تثريب على جهة الإدارة عندما أنهت خدمة المطعون ضده بعد إنذاره وعدم امتثاله لهذا الإنذار بالعودة لعمله، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد جاء مجانباً للصواب حينما قضى بإلزام الإدارة بأن تدفع للمطعون ضده تعويضاً قدره (101) جنيه وإلزام جهة الإدارة بنصف المصروفات وانتهت الطاعنة إلى طلب الحكم بطلباتها آنفة البيان.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده كان معار لجامعة البصرة بجمهورية العراق وأن إعارته قد انتهت في 1/ 9/ 1978 حيث أتم السنة الرابعة ولم توافق الجهة الطاعنة على تجديد إعارته للسنة الخامسة وأنذرته بتاريخ 7/ 11/ 1978 على عنوانه بالعراق بأنها عازمة على إنهاء خدمته تطبيقاً لحكم المادة 98 من القانون رقم 47 لسنة 1978 بإصدار نظام العاملين المدنيين بالدولة وذلك اعتباراً من 1/ 11/ 1978 تاريخ انتهاء مهلة الشهرين التي منحتها له ولكن المطعون ضده لم يعد إلى العمل فعمدت الجهة الإدارية إلى إنهاء خدمته بالقرار رقم 973 لسنة 1978 وقد تظلم المطعون ضده من هذا القرار بتاريخ 25/ 8/ 1982 وأخطرته الجهة الإدارية الطاعنة بعدم قبول تظلمه شكلاً لتقديمه بعد الميعاد وذلك في 2/ 10/ 1982. فقام برفع دعواه الصادر فيها الحكم محل الطعن الماثل بتاريخ 18/ 5/ 1983 بعد فوات أكثر من أربع سنوات على صدور القرار المطعون فيه استناداً إلى أنه قرار منعدم، وهو قول لم يستند إلى سند صحيح من القانون حيث لم يشب هذا القرار خطأ جسيم كما أنه لم يصدر بناء على غصب للسلطة، وإنما صدر من سلطة مختصة بإصداره واستناداً إلى حكم المادة 98 من القانون رقم 47 لسنة 1978. في شأن نظام العاملين المدنيين بالدولة، وكل ما يشوبه هو مخالفة قاعدة تنظيمية قررها مجلس الوزراء اعتباراً من 16/ 8/ 1975 وهو عيب لا يعدم القرار المطعون فيه وإن كان يصمه بالبطلان مما يتعين معه أن يتقيد الطعن فيه بالمواعيد المقررة قانوناً، وإذ كان المطعون ضده لم يراع هذه المواعيد واستند في طعنه عليه إلى مجرد الدعوى بأنه قرار منعدم فمن ثم يكون طلب إلغائه غير مقبول شكلاً لتقديمه بعد الميعاد وهو عين ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه مستنداً إلى صحيح حكم القانون.
ومن حيث إنه بالنسبة لما قضى به الحكم من تعويض مؤقت للمطعون ضده فإنه قد استند إلى ما ثبت من الأوراق من أن الجهة الإدارية الطاعنة قد قصرت في حق المطعون ضده حين منحته مهلة مقدارها شهرين فقط من تاريخ انتهاء إعارته في 1/ 9/ 1978 حتى 1/ 11/ 1978. في حين أن كان يستحق أن يمنح مهلة ستة شهور تنتهي في 1/ 3/ 1988 وإذا صدرت الجهة الإدارية قرارها بإنهاء خدمة المطعون ضده اعتباراً من 1/ 11/ 1978 مخالفة بذلك القاعدة التنظيمية المقررة طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 16/ 8/ 1975 فإنها تكون قد أخطأت في حق الطعون ضده بإنهاء خدمته وقطع مورد رزقه الأمر الذي يرتب له حقاً في التعويض.
ومن حيث إن هذا الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه يعتبر صحيحاً ومطابقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من اعتبار القاعدة التنظيمية الصادر بها قرار مجلس الوزراء بتاريخ 16/ 8/ 1975 أمراً ملزماً للجهات الإدارية وتمثل المهلة الواردة به حقاً مقرراً للعاملين بالدولة. ومن ثم يكون حق المطعون ضده في التعويض عن القرار الخاطئ بإنهاء خدمته قبل الأوان أمراً ثابتاً يتعين القضاء به.
ومن حيث إن المطعون ضده قد طلب في صحيفة الدعوى رقم 3833 لسنة 37 ق (موضوع هذا الطعن) المقامة أمام محكمة القضاء الإداري الحكم له على الجهة الطاعنة بتعويض مؤقت (101) جنيه (مائة وواحد جنيه) فقط، ومن ثم فإنها حينما قضت بطلبه هذا فإن حكمها ينصرف إلى أن التعويض المقضى به هو تعويض مؤقت فقط قابل للتقدير النهائي بعد ذلك بدعوى مستقلة بعد بيان عناصره التفصيلية ببيان الأضرار الحقيقية التي أصابت المطعون ضده، ولا يعتبر ما قضى به بالحكم المشار إليه تعويضاً نهائياً بعد.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به، وقد جاء على مقتضى صحيح حكم القانون فمن ثم يتعين الحكم برفض الطعن الماثل.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم بالمصروفات طبقاً لحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة بالمصروفات.


[(1)] يراجع الحكم الصادر في الطعن رقم 805 لسنة 24 ق عليا بجلسة 16/ 5/ 1981 والذي انتهت فيه المحكمة إلى أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 16/ 8/ 1975 فيما تضمنه من الترخيص للوزير المختص من إهمال العامل المعار مدة ستة أشهر من تاريخ انتهاء الإعارة يعد من قبيل إلزام الجهة الإدارية ممثلة في مجلس الوزراء نفسها بضوابط تتبعها إذا اتجهت نيتها إلى إعمال قرينة الاستقالة الضمنية والحكم الصادر في الطعن رقم 968 لسنة 28 ق بجلسة 30/ 12/ 1984 والذي انتهى إلى أن قرار مجلس الوزراء المشار إليه الذي يجيز منح العامل مهلة لمدة ستة أشهر بعد انتهاء الإعارة لإنهاء متعلقاته هو وأسرته أمر جوازي للسلطة المختصة (منشور بمجموعة السنة 30 جـ 1 ص 292).