مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1987 - أخر فبراير سنة 1988) - صـ 864

(135)
جلسة 13 من فبراير سنة 1988

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عزيز بشاي سيدهم نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد اللطيف أحمد أبو الخير ومحمد محمود البيار وأحمد شمس الدين خفاجي وفريد نزيه تناغو المستشارين.

الطعن رقم 327 لسنة 28 القضائية

( أ ) دعوى الإلغاء - الإجراءات السابقة على رفعها - التظلم (عاملون مدنيون بالدولة) إذا سلكت جهة الإدارة مسلكاً إيجابياً نحو إجابة المتظلم جزئياً بأن أسفر بحث التظلم إلى تعديل الجزاء بسحبه جزئياً بتخفيضه فإن مؤدى ذلك اعتبار إجراءات السحب الجزئي للقرار قد بدأت فور تقديم التظلم في الميعاد واستمرت إلى أن أقام الطاعن طعنه بعد الميعاد - نتيجة ذلك: تعتبر قرينة الرفض الحكمي للتظلم لم تتم طالما قد تم تعديل القرار بتخفيض الجزاء الوارد به أثناء نظر الطعن أمام المحكمة التأديبية - يظل الطعن قائماً بالنسبة لما لم يسحب من القرار دون حاجة إلى سبق تقديم تظلم جديد - يحق للطالب أن يعدل طلباته أمام المحكمة - أساس ذلك: أن قرار الجزاء سيظل قائماً بالنسبة لما يسحب منه - تطبيق.
(ب) دعوى - إثبات في الدعوى (عاملون بالقطاع العام) (عاملون مدنيون بالدولة) محكمة تأديبية.
الأصل في قواعد الإثبات أن تكون البينة على من ادعى - في مجال القضاء التأديبي يكون على جهة الإدارة أن تبادر إلى تقديم ما بحوزتها من أوراق فور طلب المحكمة بإيداعها - أساس ذلك: أنه لا يتسنى للقاضي التأديبي أن يبسط رقابته على مشروعية القرار التأديبي ما لم يكن تحت نظره القرار وأوراق التحقيق الذي بني عليها القرار وسائر الأوراق التي تبين وجه الحق في خصوص المنازعة التأديبية - تقديم الأوراق واجب على جهة الإدارة فإن تقاعست عن تقديمها رغم طلب المحكمة فإنها تعتبر ناكلة عن أداء واجبها - للقاضي التأديبي اعتبار إدعاء الطاعن قائماً على سببه الصحيح مما يستوجب إلغائه - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق السادس من فبراير سنة 1987 أودعت هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 327 لسنة 28 قضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للتربية والتعليم وملحقاتها بجلسة الثامن من ديسمبر سنة 1981 في الدعوى رقم 143 لسنة 14 قضائية المقامة من السيد/....... ضد وزير المالية ومدير عام الجمارك بصفتيهما والقاضي بعدم قبول الطعن شكلاً لرفعه بعد الميعاد.
وطلبت هيئة مفوضي الدولة الطاعنة - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى المحكمة للفصل فيها مجدداً.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم الطعين وإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية للتربية والتعليم للفصل فيها مجدداً.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 22 من أكتوبر سنة 1986 وبجلسة العاشر من ديسمبر سنة 1987 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) لنظره بجلسة السابع عشر من يناير سنة 1987 وبجلسة 24 من أكتوبر سنة 1987 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 18 من سبتمبر سنة 1980 أودع الطاعن قلم كتاب المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم وملحقاتها صحيفة طعن. وقيد بجدولها تحت رقم 143 لسنة 14 ق ضد كل من وزير المالية ووكيل الوزارة مدير عام الجمارك بصفتيهما طعناً على القرار رقم 227 لسنة 1980 الصادر بمجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام من راتبه بإدعاء خروجه على مقتضى الواجب الوظيفي أسفر عن التحقيق الإداري رقم 32 لسنة 1979.
وقال الطاعن في صحيفة طعنه المقام أمام المحكمة التأديبية أنه يعمل مراقب التعريفة بجمرك الدخان، وقد صدر ضده قرار الجزاء الطعين نتيجة تحقيق مبتور لم يستوف كامل ضمانات التحقيق ونسب إليه مخالفة غير متوافرة في حقه من حيث الواقع والقانون ولذلك طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الطعين وما يترتب على ذلك من آثار.
وبجلسة الثامن من ديسمبر سنة 1981 قضت المحكمة بعدم قبول الطعن شكلاً لرفعه بعد الميعاد.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن الطعن يطلب الحكم - في صحيفة طعنه - بإلغاء قرار مجازاته بخصم خمس أيام رقم 227 لسنة 1980 ثم عدل طلباته أثناء نظر الطعن إلى طلب إلغاء القرار الصادر برقم 1201 لسنة 1980 بتحقيق الجزاء الموقع عليه إلى خصم يوم من أجره، وذلك بجلسة 26 من مايو سنة 1981.... ومن حيث إن قرار مجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام من راتبه قد صدر في 16 من مارس سنة 1980 وتظلم منه في 17 من إبريل سنة 1980 مما يقطع بعلمه به في هذا التاريخ ولم تجبه جهة الإدارة إلى طلبه مما يفيد رفضها للتظلم بانقضاء ستين يوماً على تاريخ تقديمه فقد كان عليه أن يقيم طعنه خلال الأيام الستين التالية لانقضاء ستين يوماً على تقديم التظلم. أما وقد أقام الطاعن طعنه بعد ذلك الأجل القانوني فإنه يكون مقاماً بعد الميعاد ومن ثم يكون غير مقبول شكلاً.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الثابت من وقائع الحكم المطعون فيه أن المدعي قد تظلم بتاريخ 17 من إبريل سنة 1980 من قرار مجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه ولما لم يلق رداً على تظلمه قام بالطعن عليه في 18 من سبتمبر سنة 1980. وأثناء نظر الطعن أفادت جهة الإدارة أنها قامت بسحب القرار الطعين بالقرار رقم 1201 لسنة 1980 الذي عدل الجزاء إلى خصم يوم واحد من مرتب الطاعن بدلاً من خمسة أيام، فعدل الطاعن طلباته بجلسة 26 من مايو سنة 1981 إلى طلب إلغاء القرار المعدل.
ومن حيث إن مفاد تصرف الإدارة على النحو السالف بيانه الكشف عن أنها سلكت مسلكاً إيجابياً نحو بحث مدى مطابقة قرار مجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام من راتبه للقانون أو عدم مطابقته، وانتهت بالفعل إلى عدم مطابقته للقانون وعدلته إلى مجازاة الطاعن بخصم يوم واحد من مرتبه بما مفاده سحب قرار مجازاته الأول جزئياً فإنه لا تثريب على الطاعن إن هو انتظر قدر ما وسعه صبره طيلة فترة بحث الإدارة - الذي تأكدت جديته - لتظلمه - ومن ثم فإن إقامته لدعواه بعد مرور أكثر من مائه وعشرين يوماً على تظلمه الثابت بحثه جدياً وإجابته جزئياً إليه، لا يجعل من دعواه مقامة بعد المواعيد القانونية المقررة في قانون مجلس الدولة وفضلاً عما تقدم فإن القرار الساحب وإن مما آثار القرار المسحوب من تاريخ صدور القرار المسحوب، وإنما هو قرار جديد بتاريخ صدوره وبما أنشأه من مراكز قانونية جديدة فمن ثم فإنه يحق للطاعن أن يعدل طلباته بطلب إلغائه دون أن يتقدم بتظلم منه لعدم جدواه لأن الجهة الإدارية قد أفصحت عن رأيها فضلاً عن أن الطعن كان مقدماً أصلاً ضد قرار مجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام يجعل طعنه قائماً ومستمراً حتى ولو تعدل إلى خصم يوم واحد لأنه سيظل قائماً بالنسبة إلى ما لم يسحب منه.
ومن حيث إنه لما تقدم فإن الطعن المقدم من المدعي يكون مقدماً في المواعيد القانونية المقررة في قانون مجلس الدولة. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب، فإنه يكون قد جانب الصواب بما يستوجب إلغاؤه.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه إذا تظلم ذو مصلحة من قرار إداري، فإن ذلك يخول الجهة الإدارية الحق في بحث تظلمه والرجوع في قرارها وسحبه بقصد إزالة آثار البطلان لتجنب الحكم بإلغائه قضائياً. بشرط أن يتم ذلك خلال المدة المقررة لطلب الإلغاء وهو ستون يوماً من تاريخ تقديم التظلم. فإذا انقضت هذه المدة دون أن تجيب عنه جهة الإدارة فإن ذلك يعتبر بمثابة رفضه حسبما قضت بذلك أحكام قانون مجلس الدولة وآخرها القانون رقم 47 لسنة 1972. ولئن كان ذلك كذلك إلا أن حكم المحكمة قد سبق أن قضت بأنه ليس ملازم أن يتم السحب كلياً أو جزئياً خلال المدة المقررة له، وإنما يكفي لتحقيق مقتضى الحكم المتقدم أن تكون إجراءات السحب بإفصاح الإدارة عن إرادتها في هذا الخصوص قد بدأت خلال الميعاد المذكور بأن قدمت الإدارة ببحث التظلم بحثاً جدياً للتأكد من مدى شرعية قرارها محل التظلم، أو تكون قد سلكت مسلكاً إيجابياً نحو التحقيق من مطابقته أو عدم مطابقته للقانون إلى أن تحدد موقفها منه نهائياً.
ومن حيث إن الثابت من وقائع الحكم المطعون فيه أن جهة الإدارة كانت قد سلكت بالفعل مسلكاً إيجابياً نحو إجابة التظلم جزئياً إلى طلب معاودة النظر في القرار الطعين، ذلك المسلك الذي أسفر عنه ما انتهى إليه البحث من إجابة التظلم جزئياً إلى طلب بتعديل الجزاء من خصم خمسة أيام من أجرة إلى الاكتفاء بخصم يوم واحد، فإن مؤدى ذلك اعتبار إجراءات السحب الجزئي للقرار الطعين قد بدأت فور تقديم التظلم واستمرت إلى أن أقام الطاعن طعنه فإن الطعن يكون قد أقيم في الميعاد لأن قرينة الرفض الحكمي للتظلم لم تتم في شأن تظلمه. وطالما قد تم تعديل القرار الطعين بتخفيض الجزاء الوارد به أثناء نظر الطعن أمام المحكمة التأديبية فإن الطعن سيظل قائماً بالنسبة إلى ما يسحب من القرار الطعين دون حاجة إلى سبق تقديم تظلم جديد.
ومن حيث إن مقتضى ما تقدم أن يكون الطعن الذي أقامه الطاعن أمام المحكمة التأديبية مقبولاً شكلاً، أما وقد خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد خالف صحيح حكم القانون.
ومن حيث إن هذه المحكمة قد انتهت إلى أن الطعن التأديبي الذي أقامه الطاعن أمام المحكمة التأديبية مقبولاً شكلاً، فقد رأت التصدي لموضوع الطعن التأديبي للفصل في موضوعه ولذلك كلفت جهة الإدارة بإيداع أوراق التحقيق الذي أجرته من الطاعن والذي بني عليه قرار الجزاء ومنحتها أكثر من أجل لإيداع هذه الأوراق، إلا أنها قد تقاعست عن تقديمها.
ومن حيث إنه وإن كان الأصل في قواعد الإثبات أن تكون البينة على من ادعى إلا أنه في مجال القضاء التأديبي يكون على جهة الإدارة أن تبادر إلى تقديم ما بحوزتها من أوراق فور طلب المحكمة إيداعها إذ أنه لا يتسنى للقاضي التأديبي أن يبسط رقابته على مدى مشروعية القرار التأديبي ما لم يكن تحت نظره القرار المطعون فيه وأوراق التحقيق الذي بني عليه ذلك القرار والمذكرة التي أعدها المحقق بنتيجة ما استخلصه منه وسائر الأوراق التي يكون التحقيق قد تعرض لها كتقارير التفتيش أو محاضر المعاينة أو الجرد وكذلك ما يكون التحقيق قد أشار إليه من لوائح خاصة أو تعليمات أو منشورات إدارية تنظم العمل في مجال ما نسب للعامل المتهم من مخالفات أو تحدد الاختصاصات الوظيفية لهذا العامل، وبصفة عامة كل ما يلزم لتبين وجه الحق في خصوص المنازعة التأديبية وما يتعرض له طرفاها في مجال الإثبات والنفي من مناقشات حول الوقائع وما يحكمها من قواعد تنظيمية واجبة الإعمال.
ومن حيث إن تقديم هذه الأوراق جميعاً هو واجب على جهة الإدارة المطعون ضدها في مجال الطعن التأديبي فإن من شأن تقاعسها عن تقديم هذه الأوراق بناء على طلب المحكمة إياها أن تعتبر جهة الإدارة عاجزة عن أداء واجب عليها على طريق إحقاق وإرساء العدل وإعطاء كل ذي حق حقه الأمر الذي يكون معه للقاضي التأديبي أن يستخلص سلامة ما ذهب إليه الطاعن في طعنه التأديبي وتبنى على ما تنتهي إليه من قضاء.
ومن حيث إن السيد/....... قد ضمن طعنه التأديبي أن التحقيق الذي تم معه قد جاء مبتوراً ولم تسمع فيه أقوال من كان يترتب على سماع أقوالهم تغير وجه الرأي لصالح الطاعن الذي يدعي عدم قيام القرار الطعين على أساس صحيح من الواقع أو القانون.
ومن حيث إن مؤدى تقاعس جهة الإدارة عن الرد على هذا الادعاء بما تملكه وحدها من أوراق نكلت عن تقديمها - أن يكون إدعاء الطاعن وارداً دون ما رد جدي ثابت عليه يرتب دحضه أو تفويض مبناه، فإن المحكمة تنتهي إلى اعتباره قائماً على صحيح سببه بما يستوجب إلغاء القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن المحكمة التأديبية قد ذهبت إلى خلاف ما انتهى إليه هذا النظر فإن حكمها يكون قد خالف صحيح حكم القانون على نحو يستوجب إلغاءه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وفي موضوع الطعن رقم 143/ 14 ق المالية بقبوله شكلاً وبإلغاء قرار الجزاء الصادر بخصم أجر يوم من مرتب...... وما يترتب على ذلك من آثار.