أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 42 - صـ 123

جلسة 9 من يناير سنة 1991

برئاسة السيد المستشار: حسين علي حسين نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: ريمون فهيم نائب رئيس المحكمة عبد الناصر السباعي، إبراهيم شعبان ومحمد إسماعيل غزالي.

(25)
الطعن رقم 981 لسنة 55 القضائية

(1 - 4) عقد، "العقود الإدارية"، محكمة الموضوع، "تقدير الأدلة"، الأموال العامة.
1 - العقود الإدارية. وجوب الرجوع إلى العقد ذاته لإعطائه الوصف القانوني الصحيح.
2 - اعتبار العقد عقداً إدارياً. مناطه.
3 - محكمة الموضوع. إقامة قضاءها على ما يكفي لحمله. عدم التزامها بتتبع حجج الخصوم والرد عليها استقلالاً.
4 - تخصيص المال العام للمنفعة العامة. مناطه. الترخيص بالانتفاع.
1 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه وإن لم يعرف القانون العقود الإدارية ولم يبين خصائصها التي تميزها والتي يهتدي بها في القول بتوافر الشروط اللازمة لها ولحصانتها وصيانتها من تعرض المحاكم لها بالتعطيل أو بالتأويل، إلا أن إعطاء العقود التي تبرمها جهة الإدارة وصفها القانوني الصحيح باعتبارها عقوداً إدارية أو مدنية يتم على هدي ما يجرى تحصيله منها ويكون مطابقاًً للحكمة من إبرامها.
2 - المقرر أن العقود التي تبرمها جهة الإدارة مع الأفراد لا تعتبر عقوداً إدارية إلا إذا تعلقت بتسيير مرفق عام أو بتنظيمه وأظهرت الإدارة نيتها في الأخذ في شأنها بأسلوب القانون العام وأحكامه بتضمين العقود شروطاً استثنائية وغير مألوفة تنأى بها عن أسلوب القانون الخاص أو تحيل فيها الإدارة على اللوائح الخاصة بها.
3 - محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب كافة أوجه دفاع الخصوم والرد عليها وعلى مستنداتهم استقلالاً ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها.
4 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المعيار في التعرف على صفة المال العام هو التخصيص للمنفعة العامة، أن هذا التخصيص كما يكون بموجب قانون أو قرار يجوز أن يكون تخصيصاً فعلياً بتهيئة هذا المال ليصبح صالحاً لهذه المنفعة رصداً عليها، وأن ترخيص السلطة الإدارية للأفراد بالانتفاع بالأملاك العامة ليس من شأنه أن يؤدي إلى زوال تخصيصها للمنفعة العامة ما دام الانتفاع المرخص بها لا يتعارض مع الغرض الذي من أجله خصصت هذه الأموال، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أنه وإن كانت عين النزاع من الأموال الخاصة المملوكة للدولة إلا أنها تعتبر من الأموال العامة بتخصيصها للمنفعة العامة بالفعل لخدمة المسافرين على الطريق العام الصحراوي، وأن تأجيرها لسلف الطاعن في ذات الغرض الذي خصصت من أجله لا يؤدي إلى زوال تخصيصها للمنفعة العامة فإنه لا يكون قد خالف القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضدهم بصفاتهم الدعوى رقم 5074 لسنة 1983 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية طالباً الحكم بصفة مستعجلة بمنع تعرضهم له في حيازته لعين النزاع وفي الموضوع بإسناد عقد الإيجار المؤرخ 18/ 4/ 1970 إليه بذات شروطه. وقال بياناً لدعواه أنه بموجب العقد المذكور استأجرت السيدة/ كاثرين ديمتري جورجالاس من الهيئة العامة لتعمير الصحاري كامل أرض وبناء استراحة وادي النطرون وملحقاتها خالية على أن يكون العقد نافذاً ابتداء من 1/ 9/ 1973 لمدة عشر سنوات بإيجار سنوي مقداره 540، وبموجب إقرار موثق بمصلحة الشهر العقاري في 12/ 1/ 1971 تنازلت له المستأجرة عن عقد الإيجار ووافقت الجهة المؤجرة على هذا التنازل، ولما كانت الإجارة قد أنصبت على عين خالية ومن ثم لا ينتهي العقد بانتهاء مدته وإنما يمتد وفق أحكام قوانين إيجار الأماكن المتعاقبة، وإذ شرع المطعون ضدهم بصفاتهم - الذين حلو محل الجهة المؤجرة - في إجراء مزاد لإعادة تأجير عين النزاع فقد أقام الدعوى. وبتاريخ 30/ 6/ 1983 حكمت المحكمة بصفة مستعجلة بمنع تعرض المطعون ضدهم للطاعن في حيازته لعين النزاع، وبامتداد عقد الإيجار المؤرخ 18/ 4/ 1970 لصالحه بذات الشروط. استأنف المطعون ضدهم بصفاتهم هذا الحكم بالاستئناف رقم 5510 لسنة 100 ق القاهرة. وبتاريخ 5/ 3/ 1985 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري. طعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة - في غرفة مشورة - رأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ستة أسباب ينعى بها الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون ومخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بمذكرته المقدمة بجلسة 8/ 3/ 1984 أن عين النزاع تدخل في نطاق الدومين الخاص، أي أنها مال مملوك ملكية خاصة للدولة واستدل على ذلك بأن سلفه كانت قد استأجرت هذه العين من الهيئة العامة لتعمير الصحاري، وهي جهة إدارية ذات اختصاص محدد بنطاق الأعيان المملوكة للدولة ملكية خاصة دون غيرها، وقد صدرت العقد بقيامها بالتأجير تنفيذاً لأحكام القانون رقم 100 لسنة 1964 الذي نصت المادة الأولى منه على سريان أحكامه على العقارات الداخلة في ملكية الدولة الخاصة، كما استدل على ذلك أيضاً من كتاب الهيئة المؤرخ 15/ 10/ 1978 ومن قيامه بتشغيله بموجب ترخيص صادر له من الجهة المختصة وهو ما لا تخضع له إلا المشروعات الخاصة دون تلك المخصصة لمنفعة عامة، وقدم هذا الترخيص، كما أن انتقال تبعية العين المؤجرة من نطاق سلطة الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية إلى نطاق سلطة المطعون ضده الثالث بصفته قد تقرر بموجب فتوى صادرة من الجمعية العامة لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بتاريخ 18/ 4/ 1979 صادقت فيها على تكييف حق المطعون ضده الثالث بصفته على العين بأنه ملكية خاصة، وقدم صورة رسمية من هذه الفتوى، كما أن العين كانت محلاً لإجراءات التصرف بالبيع له بما ينفي عنها وصف التخصيص للمنفعة العامة بالفعل أو بأي طريق آخر، إلا أن محكمة الاستئناف استبعدت هذه المذكرة المتضمنة هذا الدفاع الجوهري بدعوى أنها قدمت خلال فترة حجز الدعوى للحكم مخالفة بذلك الثابت بمحضر جلسة 5/ 3/ 1984 - ومهدرة دفاعه المشار إليه، وأقام قضاءه بعدم الاختصاص الولائي للمحكمة باعتباره عقداً إدارياً على سند من كون الإدارة طرفاً فيه واتصاله بنشاط مرفق عام وتضمنه شروطاً استثنائية وغير مألوفة، كما استدلت على طبيعة المال الوارد عليه التعاقد من طبيعة العقد دون طبيعة المال وهي قرائن فاسدة لا تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها، الأمر الذي يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي في شقه الأول غير سديد، ذلك أنه المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه وإن لم يعرف القانون العقود الإدارية ولم يبين خصائصها التي تميزها والتي يهتدي بها في القول بتوافر الشروط اللازمة لها ولحصانتها وصيانتها من تعرض المحاكم لها بالتعطيل أو بالتأويل، إلا أن إعطاء العقود التي تبرمها جهة الإدارة وصفها القانوني الصحيح باعتبارها عقوداً إدارية أو مدنية يتم على هدي ما يجرى تحصيله منها ويكون مطابقاً للحكمة من إبرامها، كما أنه من المقرر أن العقود التي تبرمها جهة الإدارة مع الأفراد لا تعتبر عقوداً إدارية إلا إذا تعلقت بتسيير مرفق عام أو بتنظيمه وأظهرت الإدارة نيتها في الأخذ في شأنها بأسلوب القانون العام وأحكامه بتضمين العقد شروطاً استثنائية وغير مألوفة تنأى بها عن أسلوب القانون الخاص أو تحيل فيها الإدارة على اللوائح الخاصة بها، لما كان ذلك وكان البين من الأوراق أن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري على ما أورده بمدوناته على قوله من "أنه بمطالعة هذا العقد تبين أنه صادراً من جهة الإدارة.." وأنه وإن كان محل العقد أعيان مملوكة ملكية خاصة للشخص العام إلا أن الواضح من موضوع العقد أنه متعلق بخدمة مرفق عام وهو إعداد كازينو واستراحة على مستوى سياحي لخدمة المسافرين على الطريق العام الصحراوي بين مصر والإسكندرية أي أن هذه الأعيان المملوكة ملكية خاصة للإدارة تعتبر أموالاً عامة بتخصيصها للمنفعة العامة بالفعل وفقاً للمادة 87/ 1 من القانون المدني، هذا التخصيص الذي استهدفت منه الإدارة هذه المنفعة العامة للمسافرين على الطريق العام مغلبة ذلك على تحقيق الربح المالي بدليل أنها حددت إيجاراً شهرياً بخساً قدره خمسة وأربعين جنيهاً مقابلاً للانتفاع بمساحة من الأرض تجاوز عشرين ألف متر مربع بما عليها من استراحة ضخمة تتكون من دورين وبدروم وأخرى مكونة من دورين وأربعة بلوكات منفصلة كمساكن للعامين مزودة بدورات المياه وغرف ماكينات الكهرباء وطلمبتي المياه والجراجات والأشجار، وقد انطوى العقد على شروط استثنائية غير مألوفة في مجال القانون الخاص تخول جهة الإدارة سلطة واسعة في الإشراف وفي التدخل في التنفيذ وفي إنهاء العقد فقد ألزم البند الرابع المستأجر باستغلال العين كازينو سياحي من الدرجة الأولى مع التزامه بإدخال التحسينات التي تطلبها وزارة السياحة على نفقته الخاصة، ونص البند السابع على أن إخلاء المستأجر عند امتناعه يكون بالطريق الإداري، كما جاء بالبند الثامن أن المستأجر يتعهد بأن يقوم على نفقته ومسئوليته بصيانة ونظافة الأرض والمباني والملحقات وفقاً لتعليمات جهة الإدارة المؤجرة ووزارة السياحة والجهات الحكومية المتخصصة، كما يلتزم بما ترى جهة الإدارة عمله من ترميمات وإصلاحات وبما تأمر به وزارة السياحة في المواعيد التي تحددها جهة الإدارة - المؤجرة أو وزارة السياحة والإيجاز لجهة الإدارة إجراء ذلك على نفقته وحسابه، ونص البند العاشر على أنه لا يجوز للمستأجر بالقوة القاهرة أو الظرف الطارئ كعذر لطلب إنقاص الأجرة أو المطالبة بتعويض، واعتبر من أسباب فسخ العقد دون تنبيه أو إنذار وفقاً للبند الحادي عشر منه مجرد تغيير الاسم التجاري للعين المؤجرة (الرست هاوس) والتنازل عنه للغير وكذا مخالفة تعليمات وزارة السياحة التي تصدر بشأن احتفاظ الاستراحة بمستواها ككازينو سياحي من الدرجة الأولى، كما نص البند الثاني عشر على أن إبعاد المستأجر عن البلاد لظروف الأمن أو الحرب ينهي العقد دون تعويض، وكلها شروط ليست مألوفة في عقود الإيجار المدنية الأمر الذي تستظهر منه المحكمة أنها إزاء عقد إداري صادر من شخص عام موضوعه مال عام بتخصيصه للمنفعة العامة بالفعل استخدمت فيه جهة الإدارة وسائل القانون العام من تحديد لاسم المنشأة ومستواها من الناحية السياحية ومن تدخل في تنفيذ العقد وتعديله على نفقة المستأجر ومن اتباع السبيل الإداري في الإخلاء الأمر الذي يجعل هذه العلاقة حكمها القانون العام ولا تخضع للقانون الخاص أو القيود التي تفرضها قوانين إيجار الأماكن مما يخرج المنازعة بشأنها عن اختصاص هذه المحكمة إلى اختصاص محكمة القضاء الإداري إعمالاً للمادة العاشرة من القانون 47 لسنة 1972. وكان هذا الذي أورده الحكم سائغاً له أصل ثابت بالأوراق ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها من النشاط المرخص للطاعن باستغلال عين النزاع فيه قد استهدف تسيير وتنظيم مرفق عام لخدمة المسافرين على الطريق الصحراوي وما استلزم ذلك من ظهور جهة الإدارة في التعاقد بحسبانها سلطة عامة أخلت شروطاً استثنائية تنأى بها عن أسلوب القانون الخاص وهو ما يتضمن رداً كافياً على ما تمسك به الطاعن من دفاع بمذكرته المقدمة لجلسة 8/ 3/ 1984 فإن النعي على ما أورده الحكم بشأن استبعاد هذه المذكرة - أياً كان وجه الرأي فيه - يكون غير منتج، ولا على الحكم إن لم يعرض بالرد على المستندات المشار إليها بوجه النعي ذلك أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب كافة أوجه دفاع الخصوم والرد عليها وعلى مستنداتهم استقلالاً ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها الرد الضمني على هذا الدفاع وتلك المستندات، ومن ثم يكون هذا الشق من النعي على غير أساس، والنعي في شقه الثاني مردود بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن المعيار في التعرف على صفة المال العام هو التخصيص للمنفعة العامة، وأن هذا التخصيص كما يكون بموجب قانون أو إقرار يجوز أن يكون تخصيصاً فعلياً بتهيئة هذا المال ليصبح صالحاً لهذه المنفعة رصداً عليها، وأن ترخيص السلطة الإدارية للأفراد بالانتفاع بالأملاك العامة ليس من شأنه أن يؤدي إلى زوال تخصيصها للمنفعة العامة ما دام الانتفاع المرخص به لا يتعارض مع الغرض الذي من أجله خصصت هذه الأموال الخاصة المملوكة للدولة إلا أنها تعتبر من الأموال العامة بتخصيصها للمنفعة العامة بالفعل لخدمة المسافرين على الطريق العام الصحراوي، وأن تأجيرها لسلف الطاعن في ذات الغرض الذي خصصت من أجله لا يؤدي إلى زوال تخصيصها للمنفعة العامة فإنه لا يكون قد خالف القانون ويكون النعي برمته على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.