مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1987 - أخر فبراير سنة 1988) - صـ 967

(154)
جلسة 27 من فبراير سنة 1988

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عزيز بشاي سيدهم نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة ثروت عبد الله أحمد عبد الله ومحمد معروف محمد وأحمد شمس الدين خفاجي وفريد نزيه تناغو - المستشارين.

الطعن رقم 1571 لسنة 30 القضائية

دعوى - إثبات في الدعوى - أدلة الإثبات - عبء الإثبات. (إثبات).
الأصل في الإنسان براءة الذمة بحيث لا يمكن أن يحمل في ذمته بالتزام مالي دون سبب قانوني صحيح يبنى عليه الالتزام - طعن الموظف على قرار تحميله بمبلغ نقدي في ذمته يعني منازعته في صحة الأساس الواقعي والقانوني الذي بني عليه هذا التحميل مما يستوجب إلزام جهة الإدارة أن تثبت أمام القضاء قيام السند القانوني المبرر للقرار الذي أصدرته في هذا الشأن فإذا تقاعست عن تقديم أسانيد هذا القرار تكون قد فشلت في إثبات صحته مما يستوجب إلغاءه - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 18 من إبريل سنة 1984، أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن السيد وزير الزراعة بصفته، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1571 لسنة 30 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بطنطا (الدائرة الأولى) بجلسة الخامس من مارس سنة 1984.. في الطعن التأديبي رقم 95 لسنة 4 القضائية المقام من السيد/...... ضد الطاعن، والقاضي بعدم قبول الطعن شكلاً وفي الشق الأول من القرار المتعلق بالجزاء (ثانياً) بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحميل الطاعن بمبلغ 619.678 جنيهاً مع ما يترتب على ذلك من آثار ورد ما سبق خصمه.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحميل الطاعن بمبلغ 619.678 جنيهاً مع ما يترتب على ذلك من آثار ورد لما سبق خصمه والحكم مجدداً برفض الطعن التأديبي فيما يتعلق بهذا الشأن مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقرير بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 22 من إبريل سنة 1987 وبجلسة 27 من يناير سنة 1988 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) موضوع - وحددت لنظره أمامها جلسة السادس من فبراير سنة 1988 وبهذه الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه القانونية ومن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة، تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 26 من إبريل سنة 1974 أقام السيد/..... طعناً تأديبياً بإيداع صحيفة قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالقاهرة طلب فيه الحكم بإلغاء القرار رقم 42 الصادر بتاريخ 3/ 2/ 1971 بمجازاته بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه وبتحميله بمبلغ 619.671 جنيهاً مع ما يترتب على ذلك من آثار وقال الطاعن شرحاً لطعنه أنه كان يعمل في الفترة من 24/ 1/ 1967 حتى 23/ 12/ 1967 صرافاً لخزينة الجمعية التعاونية لبلدة دمرنه مركز بنها، ثم سلم الخزينة إلى السيد...... بموجب محضر جرد وقد تبين عقب ذلك وجود عجز بالعهدة رغم أنه سبق أن سلم عهدته سليمة فهو غير مسئول عن هذا العجز.
وبجلسة الرابع من ديسمبر سنة 1975 قضت محكمة القضاء الإداري بعدم اختصاصها بنظر الطعن وأمرت بإحالته بحالته إلى المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الزراعة التي قضت بجلسة 31 من مايو سنة 1976 بعدم اختصاصها محلياً بنظر الطعن وأمرت بإحالته إلى المحكمة التأديبية بطنطا للاختصاص.
وبجلسة الخامس من مارس سنة 1984 قضت المحكمة التأديبية بطنطا (الدائرة الأولى)، (أولاً) بعدم قبول الطعن شكلاً في الشق الأول من القرار المتعلق بالجزاء (ثانياً) بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحميل الطاعن بمبلغ 619.678 جنيهاً مع ما يترتب على ذلك من آثار ورد ما سبق خصمه.
وأقامت المحكمة قضاءها في شأن إلغاء التحميل على أنه من حيث إن الثابت من محاضر الجلسات أنه بالرغم من تكرار مطالبة المحكمة للجهة الإدارية المطعون ضدها بتقديم المستندات التي تحت يدها، ومنها القرار المطعون فيه وأوراق العهد، والجرد وكافة التحقيقات التي أجريت مع الطاعن وانتهت بالجزاء المطعون فيه وبتحميله المبلغ المدون بالأوراق، وكانت الإدارة تستطيع أن تؤكد عدم صحة البيانات التي ذكرها الطاعن وصحة تحميله المبلغ المذكور لو قدمت الأوراق والمستندات المطلوبة، إلا أنه ما دام الطاعن ينعى على القرار المطعون عليه مخالفته القانون وأن عهدته كانت سليمة وأنه غير مسئول عن أي عجز، فإنه لا مناص من التسليم بصحة ما ورد بهذه العريضة بشأن مخالفة تحميله بالمبلغ الذي حمله به القرار المطعون فيه، ومن ثم يتعين الحكم ببطلان تحميله المبلغ المذكور.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله بأن أسس قضاءه على عدم قيام جهة الإدارة بتقديم التحقيقات التي صدر بناء عليها القرار المطعون فيه والمستندات المطلوبة، ولما كان الثبات أن جهة الإدارة لم تتمكن من تقديم التحقيقات والمستندات التي صدر بناء عليها قرار التحميل، فإن تقديم هذه المستندات ينفي القرينة التي بني عليها بطلان تحميله، ويصبح القرار قائماً على أسباباً قانونية تبرره، ووعدت جهة الإدارة في صحيفة الطعن بتقديم التحقيقات وباقي المستندات المؤيد للقرار المطعون فيه.
ومن حيث إن جهة الإدارة لم تودع أمام هذه المحكمة أوراق التحقيقات أو مستندات الجرد وإنما أودعت أوراقاً أهمها شهادة رسمية مؤرخة 13 من ديسمبر سنة 1983 صادرة من النيابة العامة بمركز بنها تفيد الشكاوى الإدارية لعام 1970 ومذكرة للعرض على السيد مدير الزراعة بالقليوبية مؤرخه 10 من يناير سنة 1971 تتضمن مسئولية المطعون ضده عن العجز في العهدة، وكتاب ومرسل للمطعون ضده لتوريد المبلغ.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على صحيفة الطعن التأديبي أن الطاعن قد أبدى أن جهة الإدارة حيث استبانت وجود عجز في العهدة التي كانت لديه وسلمها لمن حل محله قبل تكشف العجز - أبلغت النيابة العامة التي قامت بتحقيق الشكوى المذكورة بعد استعراض لظروفها وملابساتها وأصدرت عدة قرارات أهمها تشكيل لجنة للجرد وتقديم المستندات الدالة على وجود عجز ولكن هذه الطلبات لن تستوفي بحجة أن السيد/....... حرر إقراراً بمسئوليته، ويضيف المطعون ضده أن هذا الإقرار هو مجرد إقرار بقبول خصم جزء من راتبه شهرياً لحين إتمام التحقيق وتحديد المسئولية على صورة تظهر حقيقة أنه كان قد أخلى مسئوليته عن العهدة قبل تكشف العجز بها.
ومن حيث إن هذا الذي ادعاه الطاعن في صحيفة طعنه يحتاج إلى دراسة وبحث وتمحيص من جانب المحكمة قد تستطيع أن تتبين مدى صحة ما جاء به، إذ لو صح أنه قد أخلى مسئوليته عن العهدة وسلمها لغيره قبل تكشف العجز لكان تحميله بقيمة العجز على غير أساس حتى ولو كان قد وقع إقراراً بقبول خصم جزء من راتبه لحين انتهاء التحقيق.
ولكن لما كان ليس أمام المحكمة من واقع الأوراق المحدودة التي تحت نظرها ما تكون من خلاله عقيدتها نحو مدى صحة ادعاء المطعون ضده من عدمه.
ومن حيث إن الأصل في الإنسان براءة الذمة بحيث لا يمكن أن يحمل في ذمته بالتزام مالي دون سبب قانوني صحيح يبنى عليه الالتزام.
ومن حيث إن طعن الموظف على قرار تحميله بمبلغ نقدي في ذمته يعني منازعته في صحة الأساس الواقعي والقانوني الذي بني عليه هذا التحميل مما يستوجب إلزام جهة الإدارة أن تثبت أمام القضاء قيام السند القانوني المبرر للقرار الذي أصدرته في هذا الشأن، فإذا هي تقاعست عن تقديم أسانيد هذا القرار فإنها تكون فشلت في إثبات صحة قرارها ومن ثم يكون هذا القرار مزعزع السند وبالتالي يكون واجب الإلغاء.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى الحكم بإلغاء قرار تحميل الطاعن بمبلغ 619.678 جنيهاً وما يترتب على ذلك من آثار وبرد ما سبق خصمه، فإنه - أي الحكم المطعون فيه - يكون قد صادف وجه الحق وصحيح حكم القانون، ويكون الطعن فيه على غير أساس سليم من القانون الأمر الذي يتعين معه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً بما يترتب على ذلك من بطلان تحميل الطاعن بمبلغ 619.678 جنيهاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.