أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 32 - صـ 1549

جلسة 20 من مايو سنة 1981

برئاسة السيد المستشار/ حافظ رفقي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد زغلول، درويش عبد المجيد، علي عمرو وعزت حنوره.

(280)
الطعن رقم 728 لسنة 48 القضائية

(1، 2) دعوى "الدعوى البوليصية". صورية.
(1) الدعوى البوليصية ودعوى الصورية. ماهية كل منهما.
(2) المشتري الذي لم يسجل عقده. له التمسك بصورية عقد المشتري الآخر الذي سجل عقد. صورية مطلقة، م 244 مدني. سبيله في ذلك ليس الدعوى البوليصية. عله ذلك.
1 - الدعوى البوليصية ليست دعوى بطلان بل هي في حقيقتها دعوى بعدم نفاذ التصرف الصادر من المدين المعسر إضراراً بدائنه، وهي بذلك تتضمن إقراراً بجدية تصرف المدين فلا يسوغ أن يطلب فيها إلغاء هذا التصرف ولا يمس الحكم الصادر فيها صحته بل يظل هذا التصرف صحيحاً قائماً بين عاقديه منتجاً كافة آثاره ولا يترتب على الحكم فيها لصالح الدائن أن تعود ملكية العين المتصرف فيها إلى المدين وإنما ترجع فقط إلى الضمان العام للدائنين، أما دعوى الصورية فتقوم على طلب بطلان التصرف لعدم جديته ويستهدف منها المدعي محو العقد الظاهر وإزالة كل أثر له وصولاً إلى التقرير بأن العين محل التصرف لم تخرج من ملك المدين.
2 - للمشتري الذي لم يسجل عقده بوصفه دائناً للبائع بالتزام نقل الملكية أن يتمسك بصورية عقد المشتري الآخر الذي سجل عقده صورية مطلقة وفقاً لصريح نص المادة 244 من القانون المدني ليتوصل بذلك إلى محو هذا العقد وإثبات بقاء ملكية العقار لمدينه البائع فيحكم له هو بصحة عقده ويسجل هذا الحكم فتنتقل إليه ملكية العين المبيعة، وهذا أمر لا يتحقق له عن طريق الدعوى البوليصية التي يقتصر الحكم فيها على عدم نفاذ تصرف المدين المعسر إضراراً بحقوق دائنيه ولا يترتب على هذا الحكم أن تعود ملكية العين إلى البائع المدين بعد خروجها بالعقد المسجل بل ترجع إلى الضمان العام للدائن وطالما كانت الملكية لا ترتد إلى ملك المدين البائع فلن يتسنى له تنفيذ التزامه بنقل الملكية إلى المشتري منه بعقد لم يسجل.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 558 لسنة 1972 مدني كلي الجيزة - طالبين الحكم ببطلان التصرف الصادر من المطعون ضدهما الرابع والخامسة إلى المطعون ضدهما الأول والثاني والمسجل برقم 416 لسنة 1972 شهر عقاري الجيزة وعدم سريانه قبلهم وإلغاء تسجيله وما يكون قد ترتب عليه من تسجيلات وقيود، وقالوا شرحاً لدعواهم بصحيفة افتتاحها إنه بموجب عقد بيع ابتدائي مؤرخ 19 - 2 - 1968 باع المطعون ضدهم الثالث والرابع والخامسة إلى المطعون ضده السادس أرضاً زراعية مساحتها 3 س 8 ط 1 ف مبينة بالصحيفة وقد أحلهم هذا المشتري محله في صفقة البيع بموافقة البائعين تنفيذاً لنصوص العقد واتفاق الحوالة المؤرخ 28 - 3 - 1968 ومن بعد أداء الثمن كاملاً تسلموا الأرض المبيعة بيد أن البائعين تقاعسوا في تنفيذ التزامهم بنقل الملكية وسعى أحدهم وهو المطعون ضده الرابع إلى إهدار حقوقهم الناشئة عن البيع بالتواطؤ مع أفراد عائلته وظنوا أن في إجراء التصرف بالبيع فيما بينهم عن تلك الأرض بشهر التصرف الغش وسوء النية مما يجعله منيعاً من أي طعن فحرروا بيعاً عن بعض المساحة صادراً من الأخوين المطعون ضدهما الرابع والخامسة إلى المطعون ضدهما الأول والثاني - الأخ الشقيق للبائعين وابن لأولهما - وأنه إذا كان هذا التصرف يحمل عوامل بطلانه فقد أقاموا الدعوى ليحكم بطلباتهم آنفة الذكر مختصمين باقي المطعون ضدهم من السابع إلى الأخير ليصدر الحكم في مواجهتهم، وأثناء سير الدعوى رفع الطاعنون دعوى أخرى رقم 837 لسنة 1972 مدني كلي الجيزة ضد الخصوم أنفسهم طالبين الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 19/ 2/ 1968 الصادر من المطعون ضدهم الثالث والرابع والخامسة إلى المطعون ضده السادس متضمناً بيعهم له الأرض المبينة بهذا العقد والصحيفة ونفاذ عقد الحوالة المؤرخ 28 - 3 - 1968 الصادر إليهم من هذا الأخير عن ذلك البيع، وأمرت محكمة أول درجة بضم الدعوى الثانية إلى الأولى ليصدر فيهما حكم واحد. وأثناء نظر الدعويين قدم الطاعنون مذكرتين بدفاعهم بجلستي 13 من إبريل سنة 1975، 17 من إبريل سنة 1976 تضمنتا بياناً بأن طلبهم بطلان عقد البيع المسجل الصادر إلى المطعون ضدهما الأول والثاني يقوم على سند من صورية هذا العقد صورية مطلقة، وبتاريخ 25 من إبريل سنة 1976 قضت تلك المحكمة بإحالة الدعويين إلى التحقيق إثبات ونفي الطعن بالصورية، وبعد أن أجرت تحقيقاً سمعت فيه شهود الطرفين قدم الطاعنون مذكرة بجلسة 6 من يونيه سنة 1976 أصروا فيها على الحكم ببطلان العقد المسجل لصوريته صورية مطلقة وبتاريخ 27 من يونيه سنة 1967 حكمت المحكمة بطلبات الطاعنين في الدعويين استأنف المطعون ضدهما الأول والثاني - هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبين إلغاءه ورفض الدعويين وذلك بالاستئنافين الذين قيدا برقمي 3299، 3327 لسنة 93 قضائية، وبتاريخ 21 من فبراير سنة 1978 - قضت المحكمة فيهما أولاً: بإلغاء الحكم المستأنف الصادر في الدعوى رقم 558 لسنة 1972 مدني كلي الجيزة وبرفض هذه الدعوى ثانياً: بتعديل الحكم المستأنف الصادر في الدعوى رقم 837 لسنة 1972 مدني كلي الجيزة إلى صحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 19 - 2 - 1968 بالنسبة لمساحة 10 س 14 ط 3 ف وبصحة ونفاذ عقد الحوالة المؤرخ 28 - 3 - 1968 في خصوص هذه المساحة وبرفض الدعوى فيما جاوزها. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض ودفع المطعون ضدهم من السابع إلى الأخير بعدم قبول الطعن بالنسبة لهم وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بقبول الدفع المبدى من هؤلاء المطعون ضدهم وبنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة للباقين وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة المشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون ضدهم من السابع إلى الأخير فإن المناط في توجيه الطعن إلى خصم معين - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن تكون للطاعن مصلحة في اختصامه بأن يكون لأي منهما طلبات قبل الآخر أمام محكمة الموضوع ونازع أي منهما الآخر في طلباته وإذ كان البين من الواقع في الدعوى أن المطعون ضدهم من السابع إلى الأخير قد اختصموا أمام محكمة الموضوع دون أن يوجه إليهم طلبات وكان موقفهم في الخصومة سلبياً فلم يصدر منهم منازعة أو يثبت لهم دفاع ولم يحكم لهم أو عليهم بشيء فإن اختصامهم في الطعن غير مقبول مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الطعن بالنسبة لهم.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية بالنسبة لباقي المطعون ضدهم من الأول إلى السابع.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق والخطأ في فهم الواقع والخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إن المستفاد من صحيفتي الدعويين اللتين رفعتا منهم أنهم يطعنون على عقد البيع المسجل الصادر إلى المطعون ضد الأول والثاني بالصورية المؤدية إلى بطلانه واختتموا صحيفة الدعوى الأولى بطلب صريح واضح هو الحكم ببطلان هذا العقد وإلغاء تسجيله ثم أفصحوا عن سندهم القانوني لهذا الطلب في مذكرات دفاعهم الثلاث التي قدموها لمحكمة أول درجة بجلسات 13 من إبريل سنة 1975، 25 من إبريل، 6 من يونيه سنة 1976 وأفاضوا في بيان أن هذا السند هو الطعن بصورية العقد المسجل صورية مطلقة وصولاً إلى الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي إليهم عن الأطيان ذاتها محل العقد المسجل، وقد التزمت محكمة أول درجة بهذا الطعن وتناولته بالتحقيق ثم قضت في الدعويين على أساس من ثبوت تلك الصورية ولكن الحكم المطعون فيه لم يفطن إلى دفاعهم ولم يتفهم حقيقته فأضفى على طلبهم بطلان العقد المسجل تكييفاً خاطئاً بقوله إن مبناه الدعوى البوليصية التي تقوم على الإقرار الضمني بجدية التصرف وأن التمسك بهذه الدعوى من شأنه أن يسقط حقهم في الطعن بالصورية المطلقة وانتهى إلى تخطئة محكمة أول درجة لتحقيقها هذا الطعن والقضاء على مقتضاه الأمر الذي يكون معه الحكم المطعون فيه قد خالف الثابت بالأوراق وانحرف في تأويل دفاعهم انحرفاً أدى إلى الخطأ في تطبيق القانون بما أعطاه لدعواهم من تكييف غير صحيح مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أن الدعوى البوليصية ليست دعوى بطلان بل هي في حقيقتها دعوى بعدم نفاذ التصرف الصادر من المدين المعسر إضراراً بدائنه، وهي بذلك تتضمن إقراراً بجدية تصرف المدين فلا يسوغ أن يطلب فيها إلغاء هذا التصرف ولا يمس الحكم الصادر فيها صحته بل يظل هذا التصرف صحيحاً قائماً بين عاقديه منتجاً كافة آثاره ولا يترتب على الحكم فيها لصالح الدائن أن تعود ملكية العين المتصرف فيها إلى المدين وإنما ترجع فقط إلى الضمان العام للدائنين، أما دعوى الصورية فتقوم على طلب بطلان التصرف لعدم جديته ويستهدف منها المدعي محو العقد الظاهر وإزالة كل أثر له وصولاً إلى التقرير بأن العين محل التصرف لم تخرج من ملك المدين، وإذا كان البين من واقع التداعي أن الطاعنين لم يطلبوا في دعواهم رقم 558 لسنة 1972 مدني كلي الجيزة عدم نفاذ التصرف بالبيع المسجل بل طلبوا في صراحة ووضوح الحكم ببطلان هذا التصرف وإلغاء تسجيله وما يكون قد ترتب عليه من تسجيلات أخرى، وقد صاحب هذا الطلب الواضح رفعهم الدعوى الثانية رقم 837 لسنة 1972 بطلب صحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 19 - 2 - 1968 الذي حلوا فيه محل المشتري الأصلي وذلك بالنسبة للمساحة جميعها المبيعة بهذا العقد والتي تدخل فيها المساحة محل العقد المسجل المطلوب الحكم ببطلانه ولئن كان الطاعنون لم يوردوا بصحيفة افتتاح دعوى البطلان لفظ الصورية نعتاً للتصرف المسجل إلا أن ما سطروه من عبارات بهذه الصحيفة لا تفيد الإقرار صراحة أو ضمناً بجدية هذا التصرف بل على النقيض من ذلك فإن ظاهر هذه العبارات تكشف في دلالتها عن أن الطاعنين يدفعون عن التصرف صحته وجديته بما وصموه من قول بأنه كان ثمرة تلاعب بين أفراد عائلة واحدة جمعهم التواطؤ والغش على الإضرار بحقوقهم الناشئة عن عقد البيع فحرروا البيع وسارعوا بتسجيله معتقدين أن تسجيله مانع من الطعن عليه في حين أنه يحمل بين طياته عوامل بطلانه، ثم ما لبث الطاعنون أن أخرجوا الطعن بالصورية مخرج الدفع الصريح الجازم بأول مذكرة لدفاعهم قدمت بجلسة 13 من إبريل سنة 1975 أمام محكمة أول درجة وهي المذكرة التي أثبتها الحكم الابتدائي بمدوناته وغفل الحكم المطعون فيه عن الإشارة إليها - فأفصحوا عن دعواهم بطلب بطلان عقد البيع المسجل وتقوم على الأساس من صورية هذا العقد صورية مطلقة وساقوا في هذه المذكرة الدلائل والقرائن التي تكشف عن هذه الصورية ثم اتبعوا هذا الدفاع بدفاع تال ضمنوه المذكرة المقدمة لتلك المحكمة بجلسة 17 إبريل سنة 1976 أصروا فيها على طلب بطلان ذلك العقد الصوري.
ووصفوه بأنه انعقد دون أن يدفع فيه ثمن وصدر بالتواطؤ بين أفراد أسرة واحدة للإضرار بحقوقهم وهم المشترون الحقيقيون الذين أدوا الثمن كاملاً وتسلموا الأرض المبيعة، واستناداً إلى ذلك الدفاع قضت محكمة أول درجة بإحالة الدعويين إلى التحقيق لإثبات ونفي الصورية المطلقة التي يتمسك بها الطاعنون ومن بعد سماعهما لأقوال شهود الطرفين قدم الطاعنون مذكرة ثالثة بدفاعهم لجلسة 6 يونيه سنة 1976 أحالوا فيها إلى دفاعهم السابق وصمموا على الطعن بالصورية المطلقة التي قالوا إنها ثبتت من البينة والقرائن الأخرى التي عددوها ومن بعد قضاء محكمة أول درجة التزام الطاعنون أمام محكمة الاستئناف بما سبق أن تمسكوا به من طعن بصورية العقد المسجل صورية مطلقة على نحو ما أفاضوا بشرحه في المذكرة المقدمة لجلسة 4 ديسمبر سنة 1977 لما كان ذلك فإن طلب الطاعنين بطلان العقد المسجل الصادر من البائعين لهم إلى المطعون ضدهما الأول والثاني والذي صاحب مطلبهم بصحة ونفاذ عقد شرائهم الابتدائي يكون طبقاً لدفاعهم الواضح الجلي أمام محكمة الموضوع بدرجتيها مرتكزاً في سببه القانوني على الطعن بالصورية المطلقة ذلك أن للمشتري الذي لم يسجل عقده بوصفه دائناً للبائع بالتزام نقل الملكية أن يتمسك بصورية عقد المشتري الآخر الذي سجل عقده صورية مطلقة وفقاً لصريح نص المادة 244 من القانون المدني ليتوصل بذلك إلى محو هذا العقد وإثبات بقاء ملكية العقار لمدينه البائع فيحكم له بصحة عقده ويسجل هذا الحكم فتنقل إليه ملكية العين المبيعة وهذا أمر لا يتحقق له عن طريق الدعوى البوليصية التي يقتصر الحكم فيها على عدم نفاذ تصرف المدين المعسر إضراراً بحقوق دائنيه ولا يترتب على هذا الحكم أن تعود العين إلى البائع المدين بعد خروجها بالعقد المسجل بل ترجع إلى الضمان العام للدائنين وطالما كانت الملكية لا ترتد إلى ملك البائع فلن يتسنى له تنفيذ التزامه، بنقل الملكية إلى المشتري منه بعقد لم يسجل.
لما كان ذلك كذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر بأن أسبغ على طلب الطاعنين بطلان عقد البيع المسجل الصادر إلى المطعون ضدهما الأول والثاني وصف الدعوى البوليصية التي تنطوي على إقرار بجدية التصرف على سند من القول بأن هذا الوصف مستمد مما أورده الطاعنون بصحيفة دعواهم ومذكرة دفاعهم بجلسة 17 من إبريل سنة 1976 أمام محكمة أول درجة وأن تلك المحكمة أخطأت بقضائها بالصورية لما في ذلك من تغيير لسبب الدعوى وهو ما لا تملكه، فإنه يكون قد أخطأ فهم واقع الدعوى وخالف الثابت بأوراقها فأدى به ذلك إلى الخطأ في تطبيق القانون مما أوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.