أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 32 - صـ 1606

جلسة 26 من مايو سنة 1981

برئاسة السيد المستشار محمد محمود الباجوري نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد العزيز الجندي، مصطفى قرطام، جلال الدين أنسي وأحمد كمال سالم.

(290)
الطعن رقم 5 لسنة 49 القضائية

(1) وقف. نيابة عامة. دعوى.
(1) النزاع المتعلق بأصل الوقف أو إنشائه أو توافر أركانه أو شخص المستحق فيه أو تفسير شروطه: وجوب تدخل النيابة فيه كطرف أصلي. لا محل لأن تكون النيابة أخر من يتكلم إلا حيث تكون طرفاً منضماً،. م 95 مرافعات.
(2) وقف. "شرط الواقف". محكمة الموضوع.
(2) غرض الواقف. لقاضي الموضوع استظهاره من مجموع كلامه في كتاب الوقف كوحدة متكاملة. وصف الوقف في كتابه بأنه أهلي. لا يحول دون استخلاص انصراف إرادة الواقف إلى جعل مصاريف وقفه من بعده على جهات الخير: مثال.
1 - المقرر في قضاء محكمة النقض أن النزاع المتعلق بأصل الوقف أو إنشائه أو توافر أركانه التي لا يتحقق إلا بها أو شخص المستحق فيه أو تفسير شروطه أو الولاية عليه مما كانت تختص به المحاكم الشرعية وأصبح الاختصاص بنظره للمحاكم المدنية عملاً بالقانون رقم 642 لسنة 1955 الصادر بإلغاء المحاكم الشرعية هو مما أوجب القانون تدخل النيابة فيه فتكون طرفاً أصلياً في النزاع، ويكفي أن تبدي رأيها فيه ولو لم تكن هي أخر من تكلم من الخصوم، ولا يسري في شأنها حكم المادة 95 من قانون المرافعات فيما نصت عليه من أن تكون النيابة أخر من يتكلم إذ هي لا تسري - وعلى ما يبين من عبارتها - إلا حيث تكون النيابة طرفاً منضماً.
2 - المقرر في قضاء محكمة النقض أن المادة العاشرة من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف لم ترسم طريقة خاصة لاستظهار المعنى الذي أراده الواقف من كلامه، وأطلقت للقاضي حرية فهم غرض الواقف من عباراته على ألا يخرج بشرط الواقف عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يخالفه وكان المراد من كلام الواقف مجموع كلامه في كتاب وقفه لا خصوص كلمة بعينها أو عبارة بذاتها، بل ينظر إلى ما تضمنه كتابه كله كوحدة متكاملة، ويعمل بما يظهر أنه أراده منه واتجه إليه مقصده، اعتباراً بأن شرط الواقف كنص الشارع في الفهم والدلالة ووجوب العمل، لما كان ذلك وكان البين من إشهار الواقف أن الوقف جعل ريع وقفه جميعه بعد وفاته فيما عدا ما يلزم لشئون الوقف - صدقة على وجوه بر لا تنقطع، ولم يجعل لأولاده استحقاقاً فيه إلا من افتقر من ذريته فيصرف له كفاية مؤونته وكسوته بطريق الأولوية عن غيره من الفقراء المذكورين، مما يدخل في نطاق الوقف على وجوه الخير ولا يغير من ذلك ما ورد في كتاب الوقف من وصفه بأنه أهلي طالما أفصحت عباراته في جملتها عن أن إرادة الواقف قد انصرفت إلى جعل مصاريف وقفه من بعده على جهات الخير التي عينها وأمكن حمل هذا اللفظ على دلالته على حال الواقف عند إنشائه باعتبار أن الواقف لم ينشئ وقفاً خيرياً من بادئ الأمر بل جعله وقفاً على نفسه ثم من بعده وقفاً خيرياً على جهات البر هذه، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة فإنه لا يكون قد أساء تأويل شرط الواقف أو خرج به عن معناه الظاهر إلى معنى غير سائغ.


المحكمة

بعد الاطلاع على الوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن الطاعن الأول أقام الدعوى رقم 91 سنة 1975 وأقام الطاعن الثاني الدعوى رقم 27 لسنة 1976، أمام محكمة أسيوط الابتدائية للأحوال الشخصية، ضد رئيس هيئة الأوقاف ومدير أوقاف أسيوط ومحافظ أسيوط المطعون ضدهم - بطلب الحكم باستحقاق كل من الطاعنين لحصة حددها في وقف المرحوم...... بن علي عبد الرازق الشهير بخشبة وأمر المطعون ضدهم بعدم التعرض له فيها، وقالا بياناً للدعويين إنه بموجب إشهاد صادر أمام محكمة أسيوط الشرعية في 14 فبراير سنة 1881 وقف المرحوم........ بن علي عبد الرازق الشهير بخشبة الأعيان المبينة بالإشهاد على نفسه مدة حياته وجعل النظارة له ومن بعده يؤول النظر إلى أولاده على النحو الذي حدده، وبقى الوقف على حاله حتى وفاته، وإذ لم يخصص الواقف للصرف على وجوه البر التي عينها إلا ربع ريع الأعيان الموقوفة بما مؤداه أن باقيه يستحق لأولاده بالفريضة الشرعية بينهم ثم لأولادهم من بعدهم، وكان القانون رقم 180 لسنة 1953 بإلغاء الوقف على غير الخيرات قد قضى بأن تؤول ملكية ما انتهى فيه الوقف إلى المستحقين فيه كل بقدر حصته في الاستحقاق، فإن ملكية ثلاثة أرباع الأعيان الموقوفة تكون قد آلت إلى ذرية الواقف ومنهم الطاعنان كل بقدر حصته في الاستحقاق، ومن ثم أقاما الدعويين بطلباتهما، وبعد أن ضمت المحكمة الدعويين قضت بتاريخ - 12 - 12 - 1976 برفضهما. استأنف الطاعنان هذا الحكم بالاستئناف رقم 1 سنة 52 ق أسيوط. وفي 7 - 11 - 1978 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن هذا الطعن بني على أربعة أسباب حاصل أولها أن محكمة الاستئناف كانت قد أجلت الدعوى ليرد المستأنف عليهم على مذكرة المستأنفين (الطاعنين) ولتعقب النيابة على مذكرات الخصوم. إلا أن النيابة لم تفعل وصدر الحكم المطعون فيه، وبذلك لم تكن النيابة أخر من تكلم، وخلا الحكم بالتالي من بيان رأيها الأخير، مما يبطل الحكم.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كانت المنازعة التي فصل فيها الحكم المطعون فيه تتعلق بطلب الطاعنين استحقاق حصة في وقف المرحوم محمد الشهير بخشبة بن علي عبد الرازق وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن النزاع المتعلق بأصل الوقف أو إنشائه أو توافر أركانه التي لا يتحقق إلا بها أو شخص المستحق فيه أو تفسير شروطه أو الولاية عليه مما كانت تختص به المحاكم الشرعية وأصبح الاختصاص بنظره للمحاكم المدنية عملاً بالقانون رقم 642 لسنة 1955 الصادر بإلغاء المحاكم الشرعية هو مما أوجب القانون تدخل النيابة فيه فتكون طرفاً أصلياً في النزاع، ويكفي أن تبدي رأيها فيه، ولو لم تكن هي أخر من تكلم من الخصوم، ولا يسري في شأنها حكم المادة 95 من قانون المرافعات فيما نصت عليه من أن تكون النيابة أخر من يتكلم إذ هي لا تسري - وعلى ما يبين من عبارتها - إلا حيث تكون النيابة طرفاً منضماً، ومع ذلك فالثابت بالأوراق أن النيابة قدمت مذكرة برأيها - صمم ممثلها في جلسة المرافعة الأخيرة على ما جاء بها - وأن الحكم المطعون فيه أثبت في مدوناته الرأي الذي انتهت إليه النيابة ومن ثم فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بباقي الأسباب على الحكم المطعون فيه الخطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون ومخالفة الثابت في الأوراق والقصور. وفي بيان ذلك يقولان إنهما أسسا طلبهما بالاستحقاق في الوقف على أنه ليس خيرياً محضاً وإنما هو وقف أهلي للخيرات حصة فيه، ودللا على ذلك بأن التعبير في الإشهاد عن الوقف بأنه "أهلي" يدل طبقاً للعرف الذي كان سائداً وقت إنشاء الوقف على أنه وقف على الأهل وأقربهم إلى الواقف أولاده، وبالتالي فإن سكوت الواقف عن تحديد مصرف باقي الريع مع اشتراطه النظر لأولاده لا يحمل على أنه أراد حرمانهم من الاستحقاق فيه وإنما مؤداه أن يؤول إليهم باقي الريع. يؤيد ذلك ما جرى به العمل بعد وفاة الواقف من حصول كل من أولاده على نصيبه الشرعي من ريعه وأيلولة نصيب من يتوفى منهم إلى ورثته وما درجت عليه وزارة الأوقاف من ترك النظر على الوقف لأفراد أسرة الواقف طبقاً لقرارات هيئة التصرفات. وإذ لم يتحقق الحكم من مدلول كلمة "أهلي" على ضوء العرف وقت إنشاء الوقف وبنى قضاءه برفض دعواهما على أن تلك الكلمة تسند إلى الموثق وليس إلى الواقف، وفسر عبارات الإشهاد على خلاف مدلولها الظاهر بأن الواقف جعل لجهات الخير ثلاثة أرباع ريع الأعيان الموقوفة وخصص باقيه لعمارة الوقف وتجديده، ولم يرد على باقي أوجه دفاعهم كما استدل على وجهة نظره بما ورد في قرارات هيئة التصرفات من أن الوقف بعد وفاة الواقف كان على جهات برحال أن القرارات المذكورة لا حجية لها في دعوى الاستحقاق، فإن الحكم يكون قد شابه القصور والخطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون وخالف الثابت في الأوراق.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المادة العاشرة من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف لم ترسم طريقة خاصة لاستظهار المعنى الذي أراده الواقف من كلامه، وأطلقت للقاضي حرية فهم غرض الواقف من عباراته، على ألا يخرج بشرط الواقف عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يخالفه، وكان المراد من كلام الواقف مجموع كلامه في كتاب وقفة لا خصوص كلمة يعنيها أو عبارة بذاتها، بل ينظر إلى ما تضمنه كتابه كله كوحدة متكاملة ويعمل بما يظهر أنه أراده منه واتجه إليه مقصده، اعتباراً بأن شرط الواقف كنص الشارع في الفهم والدلالة وفي وجوب العمل. لما كان ذلك وكان البين من إشهاد الواقف أنه نص فيه على "أنه وقف....... وتصدق لله سبحانه وتعالي بجميع الأماكن الكائنة بأسيوط الآتي ذكرها... على وجوه بر لا تنقطع الآتي بيانها فيه منها منزلان بدرب أبو الجمال....... لذلك ولغيره أنشأ وقفه هذا على نفسه مدة حياته ينتفع بريعها ثم من بعده يصرف جزء من ثلاثة أرباع ريعها على الفقراء يستعينون به في نفقتهم مؤونة وكسوة سنوية ويصرف منه أيضاً لمسجد سيدي محمود العجمي..... ويصرف من ذلك في شهر رمضان من كل سنة إلى ثلاثين شخصاً من فقراء الأشراف وغيرهم ثمن خبز وأدام يكفيهم فطوراً وسحوراً... ويصرف منه أيضاً جزء لبعض الحريمات المخدرات الكائنات في دورهن ما يستعن به على نفقتهن في كل سنة ويصرف منه أيضاً أجرة جماعة من حملة القرآن الشريف يقرأون في كل يوم ثلث القرآن بالربعة الشريفة بمنزله ويصرف منه أيضاً في ثمن خبز من البر يجعل معجوناً بالسمن واللبن ويفرق على الفقراء كل يوم جمعة ويصرف منه أيضاً أجرة رجل يقرأ كل يوم سورة يس على مقبرته ويصرف منه أيضاً أجرة من يملأ السبيل الكائن بسوق الدلالين كل يوم ويكون ذلك بمعرفة من له الولاية في النظر ويحفظ الربع الرابع المذكور تحت يد من له الولاية أيضاً ويصرف منه أيضاً في مرمته وبناء الأماكن الموقوفة عند الحاجة وشرط لوقف هذا شروطاً منها أن يكون النظر له حال حياته وأن له الإدخال والإخراج والإعطاء والحرمان والاستبدال والزيادة والنقصان وليس لأحد بعده ذلك ومنها أنه اشترط لمن افتقر من ذريته أن يصرف له كفاية مؤنته وكسوته بطريق الأولوية عن غيره من الفقراء المذكورين ومنها أنه جعل النظر على وقفه هذا بعد موته لولديه لصلبه السيد علي والسيد محمد بحيث لا يتصرف أحدهما إلا باطلاع الآخر وإذنه ثم من بعدهما يكون النظر والتكلم على الوقف المذكور لأولاده السيد أحمد والسيد محمود..... ثم لأولاده الذكور الأرشد فالأرشد ثم لأولاد أولادهم...... ثم لنسبهم ونسلهم وعقبهم طبقة بعد طبقة ونسلاً بعد نسل وجيلاً بعد جيل فإذا انقرضوا جميعاً يكون النظر والتحدث على الوقف المذكور لبناته..... ثم من بعدهم يكون النظر لمن يوليه الحاكم الشرعي بمدينة أسيوط... ثم جعل الواقف لكل واحد من النظار المذكورين حال توليته على الوقف المذكور خمسين جنيهاً بنتو سنوياً أجرة خدمته في نظره على الوقف المذكور يؤخذ ذلك من ريع الأماكن التي سيجرى تحديدها بمحل الجنينة البالغ قدرها 200 المحددة بهذه الوقفية الراغب بناءها منازل ودكاكين المعين على بناء ذلك للإعانة ثلثمائة جنيه بنتو من مال الواقف ولا يأخذ أحد من النظار المذكورين شيئاً من ريع الأماكن القديمة المذكورة وقد تم هذا الوقف ووجب العمل به وذلك من بعد أن تقدم عرض من حضرة السيد محمد خشبة الموصى إليه لمديرية أسيوط يذكر به أنه قد أخرج من ماله ألفي جنيه بنتو لأجل الصدقات وتكاليف جنازته والطلعة بموجب قائمة بالبيان تحت يده وأوقف جميع أملاكه وقفاً أهلياً على أن جميع ما ينتج من إيراداتها من الأجر يحفظ ريعه لترميمه وعمارته وما يتبقى يصرف في مرتبات قراءة ريعه وصدقات على الفقراء وسبيل مياه والنظر في ذلك هم أولاده السيد علي والسيد محمد ومن بعدهم السيد أحمد........ ثم لأولادهم الأرشد فالأرشد إلى آخر ما بالعرض المذكور وجرت عليه المكاتبات إلى أن ورد شرح من المديرية المذكورة رقم 18 المنعقدة سنة 1297 نمرة 18 وقد قومت الأماكن الموقوفة المذكورة أعلاه بمبلغ... لأجل تحصيل الرسم. صدر ذلك حضرة مولانا الحاكم الشرعي أشهد على نفسه حضرة السيد محمد بن المرحوم السيد علي عبد الرازق خشبة المذكور بأن الألفي جنيه المذكورة بالعرض يصرف منها للفقراء والمساكين وأبناء السبيل... وتكاليف الجنازة حكم البيان المشروع بقائمة تحت يده مختومة بختمه حكم إشهاد بذلك... "وظاهر هذا الإنشاء يدل على أن الواقف جعل ريع وقفه جمعيه بعد وفاته - فيما عدا ما يلزم لشئون الوقف - صدقة على وجوه بر لا تنقطع، ولم يجعل لأولاده استحقاقاً فيه إلا من افتقر من ذريته فيصرف له كفاية مؤونته وكسوته بطريق الأولوية على غيره من الفقراء المذكورين، مما يدخل في نطاق الوقف على وجه الخير. ولا يغير من ذلك ما ورد في كتاب الوقف من وصفه بأنه أهلي طالما أفصحت عباراته في جملتها عن أن إرادة الواقف قد انصرفت إلى جعل مصارف وقفه من بعده على جهات الخير التي عينها وأمكن حمل هذا اللفظ على دلالته على حال الوقف عند إنشائه باعتبار أن الواقف لم ينشئ وقفه خيرياً من بادئ الأمر بل جعله وقفاً على نفسه ثم من بعده وقفاً خيرياً على جهات البر هذه وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة فإنه لا يكون قد أساء تأويل شرط الواقف أو خرج به عن معناه الظاهر إلى معنى آخر غير سائغ. ولما كانت هذه النتيجة تكفي وحدها للقضاء برفض دعوى الطاعنين بما لا تثريب عليه إذا لم يتتبع حججهما للرد عليها استقلالاً، وكان الحكم لم يقم قضاءه على الالتزام بحجية القرارات الصادرة من هيئة التصرفات وإنما استشهد بها في معرض التدليل على سلامة النتيجة التي انتهى إليها، فإن النعي في كافة أسبابه يكون في غير محله، ويتعين لذلك رفض الطعن.