أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 32 - صـ 1728

جلسة 6 من يونيه سنة 1981

برئاسة السيد المستشار/ محمد كمال عباس - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد إبراهيم الدسوقي، إبراهيم محمد هاشم، محمد علي هاشم، ورابح لطفي جمعه.

(310)
الطعن رقم 1772 لسنة 50 قضائية

(1) دعوى "سبب الدعوى".
سبب الدعوى. ماهيته. عدم تغيره بتغير الأدلة الواقعية والحجج القانونية التي يستند إليها الخصوم.
(2) استئناف "الحكم في الاستئناف". حكم "تسبيبه". نقض "أثر نقض الحكم".
نقض الحكم. لمحكمة الاستئناف الإحالة في بيان أسباب الاستئناف ودفاع الخصوم إلى الحكم الاستئنافي المنقوض متى أقامت قضاءها على أسباب مستقلة.
(3) استئناف "الأثر الناقل للاستئناف" "نطاق الاستئناف".
محكمة الاستئناف وظيفتها إعادة النظر في الحكم المستأنف من الناحية القانونية والموضوعية. تقدير محكمة أول درجة لأقوال الشهود وجوب رقابة المحكمة الاستئنافية لهذا التقدير.
1 - سبب الدعوى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو الواقعة التي يستمد منها المدعي الحق في الطلب، وهو لا يتغير بتغير الأدلة الواقعية والحجج القانونية التي يستند إليها الخصوم.
2 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يعيب الحكم الاستئنافي أن يحيل في بيان الوقائع ودفاع الخصوم على الحكم الابتدائي إذا قضى بإلغائه ما دام هذا الحكم قد اشتمل على وقائع الدعوى ومراحلها وما استند إليه الخصوم من الأدلة الواقعية والحجج القانونية والدعامات التي ركن إليها في قضائه لما كان ذلك وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه ولئن أحال إلى الحكم الاستئنافي المنقوض الصادر بتاريخ 29 - 11 - 78 في بيان أسباب الاستئناف ومستندات الطرفين ودفاعهما - إلا أنه بالرغم من ذلك قد حصل وقائع الدعوى ومرحلها المختلفة ودفاع الخصوم فيها وأورد استقلالاً الدعامات التي استند إليها في قضائه وبالتالي يكون النعي عليه بهذا السبب في غير محله.
3 - لمحكمة الاستئناف أن تعيد النظر في الحكم المستأنف من الناحيتين القانونية والموضوعية، وأن تستخلص من أقوال الشهود ما تطمئن إليه ولو كان مخالفاً لما استخلصته منها محكمة أول درجة التي سمعتهم، إذ يجب على محكمة الاستئناف وإعمالاً للأثر الناقل للاستئناف - أن تقول كلمتها في تقديرها لأقوال الشهود الذين استمعت إليهم محكمة أول درجة وينبغي عليها ألا تحجب نفسها عن ممارسة سلطتها في مراقبة تقدير محكمة الدرجة الأولى لأقوال الشهود.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه الأول أقام الدعوى رقم 2433 سنة 1975 مدني إسكندرية الابتدائية ضد الطاعنة للحكم عليها وفي مواجهة المطعون عليه الثاني بإخلاء الشقة المبينة بصحيفتها، وقال بياناً لذلك أن الطاعنة غيرت الغرض من تأجير هذه الشقة بجعلها مشغلاً بدلاً من مسكن. أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق وبعد إجرائه قضت برفضها، استأنف المطعون عليه الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 188 سنة 33 قضائية إسكندرية، ندبت المحكمة خبيراً وبعد أن قدم تقريره قضت بتاريخ 29 - 11 - 1978 بإلغاء الحكم المستأنف وإخلاء الشقة موضوع النزاع، طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنها برقم 1721 سنة 48 قضائية وبتاريخ 5 - 1 - 1980 قضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة استئناف إسكندرية، عجلت الدعوى أمام هذه المحكمة - وبتاريخ 12 - 6 - 1980 قضت بإلغاء الحكم المستأنف وإخلاء الطاعنة من شقة التداعي وتسليمها للمطعون عليه الأول. طعنت الطاعنة للمرة الثانية في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة إلى المطعون عليه الثاني وبرفضه موضوعاً. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من النيابة أن المطعون عليه الثاني كان قد صدر ضده حكم في الاستئناف رقم 806 سنة 30 قضائية إسكندرية بإخلائه من شقة النزاع وأنه ليس خصماً حقيقياً في الدعوى المطعون في حكمها بالطعن الماثل وإنما اختصم فيها ليصدر الحكم في مواجهته، ولم توجه إليه أية طلبات ووقف من الخصومة المرددة من الطاعنة والمطعون عليه الأول موقفاً سلبياً ولم يحكم له أو عليه بشيء.
وحيث إن هذا الدفع في محله، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يكفي فيمن يختصم في الطعن أن يكون خصماً في الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه بل يجب أن يكون خصماً حقيقياً، له مصلحة في الدفاع عن هذا الحكم، لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن المطعون عليه الثاني قد اختصم في الدعوى ليصدر الحكم في مواجهته دون أن توجه إليه أية طلبات، وقد وقف من الخصومة موقفاً سلبياً ولم يحكم له أو عليه بشيء، وكانت أسباب الطعن لا تعلق لها به، وكانت علاقته بشقة النزاع قد حسمت نهائياً بالحكم الصادر ضده في الاستئناف رقم 806 سنة 31 ق إسكندرية بإخلائه من تلك الشقة، وقد حاز هذا الحكم قوة الأمر المقضي مما ينتفي معه القول بأن دعوى الإخلاء في هذه الحالة لا تقبل التجزئة، فإن اختصامه في الطعن الماثل لا يكون له محل وبالتالي يضحى غير مقبول.
وحيث إن الطعن فيما جاوز ذلك قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على ثمانية أسباب، تنعى الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول أن الحكم قد استند في قضائه بإخلائها من شقة النزاع إلى مخالفتها لشروط عقد الإيجار المبرم بينها وبين المطعون عليه المؤرخ 20 - 9 - 1961 في حين أن المطعون عليه قد ركن في دعواه ضدها إلى عقد إيجار مؤرخ 3 - 7 - 1962 مبرم بينه وبين زوجها، ومن ثم يكون الحكم قد غير سبب الدعوى وقضى بما لم يطلبه الخصوم.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن سبب الدعوى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو الواقعة التي يستمد منها المدعي الحق في الطلب، وهو لا يتغير بتغير الأدلة الواقعية والحجج القانونية التي يستند إليها الخصوم، لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن المطعون عليه قد استند في دعواه إلى مخالفة الطاعنة لشروط عقد الإيجار المؤرخ 20 - 9 - 1961 والمبرم بينها وبينه إعمالاً لحكم المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1966 وذلك بتغيرها الغرض من استعمال العين المؤجرة لها بجعلها مشغلاً بدلاً من مسكن خاص، وكان المطعون عليه قد تمسك طوال مرحلة التداعي بهذه الواقعة التي يستمد منها الحق في طلب الإخلاء، إلى أن صدر الحكم المطعون فيه، فإن هذا يكون قد صادف صحيح القانون والتزم في قضائه سبب الدعوى وطلبات المطعون عليه فيها، ويضحى النعي عليه، بمقولة تغيير السبب والحكم بما لم يطلبه الخصوم على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الأول من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك تقول أن الحكم أورد في مدوناته نقلاً عن تقرير الخبير المقدم في الدعوى رقم 1308 سنة 1973 مدني إسكندرية الابتدائية والتي كانت مرفوعة من المطعون عليه ضد زوجها - أنها حضرت المعاينة التي أجراها الخبير لشقة النزاع، في حين أن ما أثبته الخبير من ذلك ينطوي على تزوير، كما أن ما ثبت بالتقرير على لسان المحامي منسوباً إليها - من إقرار بحدوث المخالفة سند الدعوى لا أساس له من الواقع.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح، ذلك بأن الثابت من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه على دعامات لم يستند فيها إلى تقرير الخبير المنتدب في الدعوى رقم 1308 سنة 1973 مدني إسكندرية الابتدائية وأورد في مدوناته أن "المحكمة - وبغض النظر عن إقرار المستأنف عليها الأولى (الطاعنة) أمام الخبير المنتدب في الدعوى السابقة المشار إليها من إحداث تعديلات في عين النزاع بما يعد قرينة على ذلك - ...... فإن المحكمة تقرر في خصوص الثابت من تحقيقات الشكوى رقم 302 سنة 1973 إداري سيدي جابر أنها لا تستظهر ثمة تواطؤاً بشأنها بين المستأنف (المطعون عليه) والمستأنف عليه الثاني (زوج الطاعنة) للإضرار بالمستأنف عليها الأولى (الطاعنة) ومن حيث إن المحكمة فضلاً عن الاستناد في قضائها إلى تحقيقات الشكوى رقم 302 سنة 1973 إداري سيدي جابر وإلى ما ثبت من شهادة المشتملات المؤرخة 7 - 11 - 1974 المشار إليهما في خصوص الاقتناع بأن المستأنف عليها الأولى (الطاعنة) قد أخلت بشروط عقد الإيجار المؤرخ 20 - 9 - 1961 بأن حولت شقة التداعي من مسكن خاص إلى مشغل للحياكة مما ألحق الضرر بالمستأنف (المطعون عليه) فإنها تستخلص وقوع هذا الإخلال كذلك من أقوال شاهدي المستأنف التي تطمئن المحكمة إلى الأخذ بها، إذ فضلاً عن أنها تكفي بذاتها لإثبات مخالفة المستأنف عليها الأولى لشروط التعاقد على نحو ما ذكر، فإنها كذلك تتفق مع الثابت بتحقيقات الشكوى والشهادة المشار إليها........" - مما مؤداه أن الحكم المطعون فيه لم يستند في قضائه على ما جاء بتقرير الخبير المنتدب في الدعوى رقم 1308 سنة 1973 مدني إسكندرية الابتدائية وبالتالي فلا مساع لمخاصمته بتجريح دليل لم يستند إليه في قضائه ويضحى النعي عليه بهذا السبب غير مقبول.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك تقول أن الحكم أحال في أسبابه إلى حكم محكمة الاستئناف الصادر 29/ 11/ 1978 والذي قضت محكمة النقض بنقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يعيب الحكم الاستئنافي أن يحيل في بيان الوقائع ودفاع الخصوم على الحكم الابتدائي إذا قضى بإلغائه ما دام هذا الحكم قد اشتمل على وقائع الدعوى ومراحلها وما استند إليه الخصوم من الأدلة الواقعية والحجج القانونية والدعامات التي ركن إليها في قضائه، لما كان ذلك وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه ولئن أحال إلى الحكم الاستئنافي المنقوض الصادر بتاريخ 29/ 11/ 1978 في بيان أسباب الاستئناف ومستندات الطرفين ودفاعهما إلا أنه بالرغم من ذلك قد حصل وقائع الدعوى ومراحلها المختلفة ودفاع الخصوم فيها وأورد استقلالاً الدعامات التي استند إليها في قضائه، وبالتالي يكون النعي عليه بهذا السبب في غير محله.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك تقول أن الحكم قد انطوى على أسباب غامضة يستفاد منها أن المحكمة تطمئن إلى تقرير الخبير المقدم في الدعوى رقم 1308 سنة 1973 مدني إسكندرية الابتدائية مما يعتبر إهداراً لحجية الأحكام إذ قضت محكمة أول درجة بعدم كفاية تقرير الخبير، كما قضت محكمة الاستئناف في 28 - 11 - 1977 بعدم الأخذ بهذا التقرير كدليل في الدعوى.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن الحكم المطعون فيه لم يقم قضاءه بالإخلاء على ما جاء بتقرير الخبير المقدم في الدعوى رقم 1308 سنة 1973 مدني إسكندرية الابتدائية على ما سلف بيانه في الرد على الوجه الأول من السبب الثاني، هذا إلى أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تقدير الدليل لا يحوز قوة الأمر المقضي، ومن ثم فلا تثريب على محكمة الاستئناف إن هي اعتدت بدليل تشككت فيه محكمة أول درجة وبالتالي يضحى النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب في غير محله.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول أن الحكم ذهب في مدوناته إلى أنه لا مانع من أن تستدل المحكمة بتقرير خبير قدم في دعوى أخرى ما دام هذا التقرير كان تحت بصرها وناضل الخصوم بشأنه، وأن أقوال الخصم أمام الخبير تعد من قبيل الإقرارات القضائية، في حين أن هذا مخالف لما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بهيئة أخرى - من أن مثل هذا التقرير لا يصلح دليلاً في الدعوى، فضلاً عن أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن تقرير الخبير في دعوى أخرى يمكن أن تستخلص المحكمة منه قرينة قضائية تعززها قرائن أخرى قائمة في الدعوى غير سديد، إذ شرط ذلك أن يكون لهذا الاستخلاص مأخذه الصحيح من الأوراق.
وحيث إن هذا النعي غير منتج، ذلك بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه متى كان الحكم قد أقيم على دعامات متعددة كافية لحمله في النتيجة التي انتهى إليها، فإن تعييبه فيما اشتمل عليه من أسباب زائدة لم يعول عليها في قضائه يكون غير منتج، لما كان ذلك وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه على دعامات ليس من بينها تقرير الخبير المنتدب في الدعوى رقم 1308 سنة 1973 مدني إسكندرية الابتدائية على ما سلف بيانه في الرد على السبب الثاني، ولم يكن من شأن التقريرات القانونية التي نعتها الطاعنة على الحكم المطعون فيه أن تؤثر في سلامة النتيجة التي انتهى إليها، ولا تعدو أن تكون أسباباً نافلة لا حاجة بالحكم إليها ويستقيم قضاؤه بدونها، فإن تعييبه في هذه التقريرات القانونية - أياً كان وجه الرأي فيها - يكون غير منتج.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب السادس على الحكم المطعون فيه التناقض والغموض، وفي بيان ذلك تقول أن بعض أسباب الحكم جرت بعبارة وبغض النظر عن إقرار المستأنف عليها الأولى أمام الخبير، "وبغض النظر عما ثبت بتقرير الخبير من تعديلات جرت بالعين... " مما لا يفهم منه ما إذا كانت المحكمة قد أخذت بتلك الوقائع من عدمه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن التناقض الذي يفسد الأحكام هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ما تتماحى به الأسباب - بحيث لا يبقى بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه، أو ما يكون واقعاً، في أسبابه بحيث لا يمكن معه أن يفهم على أي أساس قضت المحكمة بما قضت به في منطوقه، كما أن مناط الغموض في الحكم أن يكون قد صدر على أساس فكرة مبهمة أو غامضة لم تتضح معالمها أو خفيت تفاصيلها، لما كان ذلك وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه أقيم على أسباب واضحة أسفر عنها تمحيص دفاع الخصوم ووزن ما استند إليه من أدلة واقعية وحجج قانونية وتحديد ما استخلص ثبوته من هذه الوقائع وطريق هذا الثبوت، وكان ما ورد بأسبابه من عبارات وصفتها الطاعنة بالتناقص والغموض لا تعدو عبارات زائدة لا حاجة بالحكم إليها بعد أن استقام قضاؤه على ما سلف بيانه في الرد على السبب السابق، وكان لا أثر لهذه الأسباب في الدعامات الأخرى التي أقام عليها الحكم قضاءه أو النتيجة الصحيحة التي انتهى إليها، فإن النعي عليه بهذا السبب يضحى في غير محله.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب السابع والشق الثاني من السببين الثاني - والثامن على الحكم المطعون فيه، مخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب - والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول أن الحكم أخذ بأقوال شاهدي المطعون عليه اللذين استمعت إليهما محكمة أول درجة دون أن يورد سبباً لذلك، بالرغم من إطراح محكمة أول درجة لهذه الأقوال، ولم يفطن إلى ما شهد به أولهما من أنه لم يدخل شقة النزاع على الرغم مما في ذلك من أثر على مدلول شهادته، فضلاً عن أن الحكم لم يأخذ بعين الاعتبار أن الشاهد الثاني هو زوج ابنة المطعون عليه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو مما يستقل به قاضي الموضوع فله أن يأخذ بما يطمئن إليه منها، وأن يأخذ بأقوال شاهد دون آخر أو يأخذ ببعض أقوال الشاهد مما يرتاح إليه ويثق به دون البعض الآخر، من غير أن يكون ملزماً ببيان أسباب ترجيحه لما أخذ به وإطراحه لغيره، ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض ما دام لم يخرج بعبارات الشهادة عن مدلولها أو عما يحتمله هذا المدلول كما أن لمحكمة الاستئناف أن تعيد النظر في الحكم المستأنف من الناحيتين القانونية والموضوعية وأن تستخلص من أقوال الشهود ما تطمئن إليه ولو كان مخالفاً لما استخلصته منها محكمة أول درجة التي سمعتهم، إذ يجب على محكمة الاستئناف إعمالاً للأثر الناقل للاستئناف - أن تقول كلمتها في تقديرها لأقوال الشهود الذين استمعت إليهم محكمة أول درجة وينبغي عليها ألا تحجب نفسها عن ممارسة سلطتها في مراقبة تقدير محكمة الدرجة الأولى لأقوال الشهود، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه بعد أن أورد - في مقام سرد الوقائع - أقوال الشهود إثباتاً ونفياً قال في مدوناته "أن المحكمة تستخلص وقوع هذا الإخلال (أي إخلال الطاعنة بشروط عقد الإيجار) كذلك من أقوال شاهدي المستأنف (المطعون عليه) التي تطمئن إلى الأخذ بها، إذ فضلاً عن أنها تكفي بذاتها لإثبات مخالفة المستأنف عليها الأولى لشروط التعاقد على نحو ما ذكر، فإنها كذلك تتفق مع الثابت بتحقيقات الشكوى وبالشهادة المشار إليهما، هذا ولا تطمئن المحكمة إلى أقوال شاهدي المستأنف عليها الأولى من أنها لا تحتفظ بعين النزاع سوى ماكينة خياطة واحدة تعمل عليها لما ثبت من محضر الشكوى سالفة الذكر والتي تطمئن المحكمة إلى الأخذ بها." - مما مفاده أن الحكم المطعون فيه - في حدود سلطته التقديرية - قد وازن بين أقوال الشهود إثباتاً ونفياً وانتهى إلى ترجيح أقوال شاهدي المطعون عليه بأسباب سائغة من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، لما كان ذلك فإن المجادلة في ذلك لا تخرج عن كونها مجادلة في تقدير الدليل وهو ما لا رقابة لمحكمة النقض على محكمة الموضوع فيه، ويضحى النعي على الحكم المطعون فيه بذلك على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالشق الأول من السبب الثامن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول أن الحكم أقام قضاءه على ما جاء بالشكوى رقم 302 سنة 1973 إداري سيدي جابر بالرغم من أنها لم تكن ممثلة فيها، وأن ما وجهته إلى ما ورد بهذه الشكوى من مطاعن يكشف عن تواطؤ زوجها مع المطعون عليه ضدها، كما أن هذه الشكوى من صنع المطعون عليه لمساندة دعواه فضلاً عن مجافاة ما جاء بها لتقرير الخبير الذي أطرحته المحكمة بالرغم من دلالته.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه في الأحوال التي يكون الإثبات فيها بالبينة والقرائن جائزاً، يصح الاستدلال بما هو وارد في أي تحقيق إداري كقرينة تعززها قرائن أخرى قائمة في الدعوى، كما أن تقدير عمل الخبير مما تستقل به محكمة الموضوع إذ لا يعدو تقرير الخبير أن يكون عنصراً من عناصر الإثبات في الدعوى يخضع لتقديرها، فلمحكمة الموضوع - في حدود سلطتها التقديرية - أن تأخذ بتقرير الخبير كله أو ببعض ما جاء به وتطرح بعضه لأنها غير مقيدة بآراء أهل الخبرة إذ هي لا تقضي إلا على ما تطمئن إليه دون معقب عليها في ذلك من محكمة النقض، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أورد في مدوناته "أن المحكمة تقرر في خصوص الثابت من تحقيقات الشكوى رقم 302 سنة 1973 إداري سيدي جابر أنها لا تستظهر ثمة تواطؤ بشأنها بين المستأنف والمستأنف عليه الثاني (المطعون عليه وزوج الطاعنة) للإضرار بالمستأنف عليها الأول (الطاعنة، ذلك أن المستأنف عليه الثاني وهو زوج المستأنف عليها الأولى قد أدلى بأقواله في هذه الشكوى دافعاً ما أبلغ به المستأنف سواء فيما يتعلق بإساءة استعمال العين المؤجرة بتغيير الاستعمال من مسكن إلى مشغل للحياكة أو فيما يخص إحداث التغييرات المادية في هذه العين، ولا ترى المحكمة أن ما قالت به المستأنف عليها الأولى في دفاعها من وجود خلف بينها وبين زوجها المذكور - إن صح - كان له ثمة تأثير على مسلك المستأنف عليه الثاني ودفاعه في محضر تلك الشكوى، كما أن غياب المستأنف عليها الأولى في المحضر المذكور لا يقدح في صحة الثابت - إذ قد حل محلها في الرد على الشكوى زوجها المستأنف عليه الثاني منكراً فحوى الشكوى وبناء على ذلك فإن المحكمة تلتفت عن المطاعن التي وجهتها المستأنف عليها الأولى إلى الثابت بتحقيقات محضر الشكوى سالف الذكر، ومن ناحية أخرى فإن هذه المحكمة لا تطمئن إلى الأخذ بتقرير الخبير المنتدب سواء فيما يتعلق بالتغييرات المادية التي حدثت بعين النزاع أو فيما يتعلق بتغيير الغرض من استعمال هذه العين ذلك أن المستأنف عليه الثاني لم ينكر في محضر الشكوى المشار إليه إحداث بعض تعديلات في شقة التداعي وقال أن المالك المستأنف قد وافق على إحداث هذه التعديلات، كما أعلن أنه سوف يعيد الحالة إلى ما كانت عليه عندما يسلم هذه الشقة إلى المستأنف) ومن ثم فليس مقبولاً أن يأتي خبير الدعوى ويقرر بتعذر تحديد تاريخ إحداث التعديلات بالشقة، كما أن المحكمة لا تقبل ما ارتآه ذلك الخبير من أن عين النزاع تستعمل في السكن لوجود حجرة نوم وحجرة سفرة بها، إذ أن وضع منقولات تتعلق بذلك بعد إثارة المنازعة ليس بالأمر العسير ولا تعتد المحكمة بذلك في التدليل على عدم تغيير الغرض من الاستعمال في الشقة موضوع النزاع، وحيث إن المحكمة فضلاً عن الاستناد في قضائها إلى تحقيقات الشكوى رقم 302 سنة 1973 إداري سيدي جابر وإلى ما ثبت من شهادة المشتملات المؤرخة 7 - 11 - 1974 في خصوص الاقتناع بأن المستأنف عليها الأولى قد أخلت بشروط عقد الإيجار المؤرخ 20 - 9 - 1961... فإنها تستخلص وقوع هذا الإخلال كذلك من أقوال شاهدي المستأنف...." مما مؤداه أن الحكم المطعون فيه لم يقم قضاءه على ما جاء بتحقيقات الشكوى الإدارية سالفة البيان فحسب، بل أقام هذا القضاء على ما استخلصه من تحقيقات هذه الشكوى في مقام الرد على ما وجهته الطاعنة إلى هذه التحقيقات من وجود تواطؤ بين زوجها والمطعون عليه، وكذلك على شهادة المشتملات المؤرخة 7 - 11 - 1974 معززة بالدليل المستمد من أقوال شاهدي المطعون عليه، وبالتالي فلا على المحكمة إن هي التفتت عما جاء بتقرير الخبير للأسباب السائغة التي ساقتها، ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب في غير محله.
ولما تقدم فإنه يتعين رفض الطعن.