أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 32 - صـ 1907

جلسة 23 من يونيه سنة 1981

برئاسة السيد المستشار/ محمد محمود الباجوري - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد العزيز الجندي، مصطفى قرطام، جلال الدين أنسي وهاشم قراعة.

(344)
الطعنين رقما 57، 66 لسنة 49 القضائية

(1) أحوال شخصية "الولاية على المال". الأهلية "حرية العقيدة".
للشخص أن يغير دينه أو مذهبه أو طائفته. شرط ذلك. أن تتوافر له أهلية الأداء لهذا التغيير. التغيير إلى الإسلام. كفاية توافر أهلية الصبي المميز. عله ذلك.
(2) أحوال شخصية "ولاية على المال". الأهلية "الجنون". المجنون في فقه الشريعة الإسلامية. المقصود به. تصرفاته القولية لا أثر لها.
(3) حكم "قصور" أحوال شخصية "ولاية على المال". "الجنون".
إغفال الحكم دفاع الطاعنين ودلالة مستنداتهم على إصابة المورثة بالجنون مما لا يصح معه إسلامها بقولها. قصور.
1 - إذ كان للشخص أن يغير دينه أو مذهبه أو طائفته وهو في هذا مطلق الإرادة تحقيقاً لمبدأ حرية العقيدة إلا أن مناط ذلك أن تتوافر له أهلية الأداء لهذا التغيير، وهي في اصطلاح الفقهاء صلاحية الإنسان لصدور الفعل منه على وجه يعتد به شرعاً، ويكفي فيه إذا كان التغيير إلى الإسلام أن تكون للشخص أهلية الصبي المميز لما فيه من نفع محض له في حق أحكام الآخرة.
2 - المجنون في فقه الشريعة الإسلامية من أصيب باختلال في العقل يفقده الإدراك تماماً وتكون حالته حالة اضطراب، وحكمه أن تصرفاته القولية تكون باطلة بطلاناً كلياً فلا تصح له عبارة أصلاً ولا ينبني عليها أي حكم من الأحكام.
3 - إذ كان الطاعنان قد تمسكا أمام محكمة الاستئناف بأن الحالة العقلية للمتوفاة تطورت إلى حالة جنون أفقدتها الإدراك تماماً قبل واقعة إسلامها المدعى به مما لا يصح معه إسلامها بقولها وهي على هذه الحالة، وطلبا تحقيق ذلك بمعرفة أهل الخبرة واستدلا عليه بما قدماه من شهادات طبية وشهادة بصدور قرار مجلس مراقبة الأمراض العقلية في 20 - 12 - 1946 بحجز المورثة بالمستشفى لانطباق حالتها العقلية على أحكام المادة الرابعة من القانون رقم 141 لسنة 1944 التي تقضي بعدم جواز حجز المصاب بمرض في قواه العقلية إلا إذا كان من شأن هذا المرض أن يخل بالأمن أو النظام العام أو يخشى منه على سلامة المريض أو سلامة الغير، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن المورثة كانت مصابة بحالة عته فحسب دون أن يعرض للشهادات الطبية المقدمة من الطاعنين وقرار مجلس مراقبة الأمراض العقلية وما لها من دلالة في شأن إصابة المورثة بالجنون ويحقق دفاعهما من أنها كانت على هذه الحالة العقلية وقت أن أسلمت بقولها طبقاً للبينة المقدمة من المطعون ضده الأول، فإنه إذ أغفل تحقيق هذا الدفاع الجوهري مع أنه من شأنه - إن صح - أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى يكون مشوباً بالقصور.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول...... أقام الدعوى رقم 33 لسنة 1975 - كلي أحوال شخصية شمال القاهرة ضد الطاعنين للحكم بثبوت وفاة كترينه مرقص لوقا بتاريخ 13 - 2 - 1966 مسلمة وانحصار إرثها الشرعي فيه بصفته ابن أخيها المسلم ويستحق جميع تركتها تعصيباً بدون شريك ولا وارث لها سواه وببطلان الإعلام الشرعي الصادر بتاريخ 21 - 9 - 1966 من محكمة حلوان في المادة رقم 108 لسنة 1966 وراثات واعتباره كأن لم يكن ومحو كل ما ترتب عليه من آثار وذلك في مواجهة المطعون ضده الثالث والأمين العام لمصلحة الشهر العقاري بصفته. وقال بياناً للدعوى أنه والطاعنين أبناء أخ للآنسة......... التي كانت مسيحية واعتنقت الدين الإسلامي بالنطق بالشهادتين وأداء شعائره وظلت عليه حتى وفاتها تاريخ 13 - 2 - 66 ولما كان الطاعنان مسيحيين ويقوم اختلاف الدين مانعاً من وراثتها لها شرعاً في حين يدين الطاعن بالإسلام فقد انحصر إرثها فيه واستحق جميع تركتها تعصيباً دون وارث لها سواه وإذ وضع الطاعنان يدهما على التركة واستصدرا إعلاماً شرعياً بانحصار إرث المتوفاة فيهما فقد أقام الدعوى. وبعد أن أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعي أن المورثة توفيت في 13 - 2 - 1966 وأنه الوارث الوحيد لها وسمعت شاهديه ولم يقدم الطاعنان بينة نفي، حكمت في 26 - 11 - 1977 بطلبات المدعي. استأنف الطاعن الأول...... لوقا هذا الحكم بالاستئناف رقم 180 لسنة 94 ق أحوال شخصية القاهرة كما استأنفه الطاعن الثاني....... بالاستئناف رقم 182 لسنة 94 ق أحوال شخصية القاهرة، وبعد ضم الاستئناف الثاني إلى الأول حكمت المحكمة بتاريخ 3 - 6 - 1979 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن الأول في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 75 سنة 49 ق "أحوال شخصية" كما طعن فيه الطاعن الثاني بالطعن رقم 66 لسنة 49 ق أحوال شخصية. دفع المطعون ضده الثالث بعدم قبول الطعن بالنسبة له لعدم الحكم عليه أو له بشيء. وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم أمرت المحكمة بضم الطعن الثاني إلى الأول ليصدر فيهما حكم واحد، وعرض الطعنان عليها في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظرهما وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الدفع بعدم قبول الطعنين بالنسبة للمطعون ضده الثالث في محله، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يكفي فيمن يختصم في الطعن بالنقض أن يكون طرفاً في الخصومة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه بل يجب أن تكون للطاعن مصلحة في اختصامه بأن يكون لأي منهما طلبات ينازعه فيها الآخر وأن يقضي برفض أو إجابة أيها. وإذ كان المطعون ضده الثالث بصفته ممثلاً لمصلحة الشهر العقاري لم يختصم في الدعوى إلا ليصدر الحكم في مواجهته دون أن يكون له شأن في المنازعة المطروحة ولم يحكم له أو عليه بشيء فإن اختصامه في الطعنين يكون غير مقبول.
وحيث إن الطعنين بالنسبة لباقي المطعون ضدهم استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه القصور ومخالفة الثابت في الأوراق، ويقولون في بيان ذلك أن الحكم أقام قضاءه على سند من أن المورثة كانت مصابة بحالة عته تجعلها في حكم الصبي المميز فيصبح إسلامها بقولها، في حين أن ما قدماه من مستندات منها شهادة بصدور قرار مجلس مراقبة الأمراض العقلية في 20 - 12 - 1946 بحجز المورثة بمستشفى الأمراض العصبية لانطباق حالتها على أحكام المادة الرابعة من القانون رقم 141 لسنة 1944 تدل على أن حالتها العقلية لم تقف عند حد العته الذي حجز عليها بسببه في سنة 1944، وإنما تطورت إلى حالة جنون اقتضت حجزها بالمستشفى وظلت كذلك حتى وفاتها، ومن شأن هذه الحالة أن تفقدها الإدراك تماماً فلا يعتد بتصرفاتها القولية مما لا يصح معه إسلامها على فرض صحة ما ادعاه شاهدا المطعون ضده الأول من أنها نطقت بالشهادتين وأدت الصلاة أمامهما وناقشتهما في أمور الإسلام وإذ أغفل الحكم دلالة هذه المستندات والتفت عما طلبه الطاعنان من ندب أهل الخبرة للتحقيق من إصابة المورثة بالجنون في الوقت المدعي بإسلامها فيه مع أنه دفاع جوهري من شأنه أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون معيباً بالقصور فضلاً عن مخالفته الثابت بالأوراق.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه وإن كان للشخص أن يغير دينه أو مذهبه أو طائفته وهو في هذا مطلق الإرادة تحقيقاً لمبدأ حرية العقيدة إلا أن مناط ذلك أن تتوافر له أهلية الأداء لهذا التغيير وهي في اصطلاح الفقهاء صلاحية الإنسان لصدور الفعل منه على وجه يعتد به شرعاً، ويكفي فيه إذا كان التغيير إلى الإسلام أن تكون للشخص أهلية الصبي المميز لما فيه من نفع محض له في حق أحكام الآخرة، وإذ كان المجنون في فقه الشريعة الإسلامية من أصيب باختلال في العقل يفقده الإدراك تماماً وتكون حالته حالة اضطراب، وحكمه أن تصرفاته القولية تكون باطلة بطلاناً كلياً فلا تصح له عبارة أصلاً ولا يبنى عليها أي حكم من الأحكام، وكان الطاعنان قد تمسكا أمام الاستئناف بأن الحالة العقلية للمتوفاة تطورت إلى حالة جنون أفقدتها الإدراك تماماً قبل واقعة إسلامها المدعى به مما لا يصح معه إسلامها بقولها وهي على هذه الحالة، وطلبا تحقيق ذلك بمعرفة أهل الخبرة واستدلا عليه بما قدماه من شهادات طبية وشهادة بصدور قرار مجلس مراقبة الأمراض العقلية في 20 - 12 - 1946 بحجز المورثة بالمستشفى لانطباق حالتها العقلية على أحكام المادة الرابعة من القانون رقم 141 لسنة 1944 التي تقضي بعدم جواز حجز المصاب بمرض في قواه العقلية إلا إذا كان من شأن هذا المرض أن يخل بالأمن أو النظام أو يخشى منه على سلامة المريض أو سلامة الغير وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن المورثة كانت مصابة بحالة عته فحسب وأن المقرر شرعاً أن المعتوه كالصبي العاقل في صحة فعله وتوكيله عن الغير وفي صحة قوله الذي هو نفع محض وهو أهل لاعتباره لوجود أصل العقل كإسلامه ومن ثم فإسلام المعتوه صحيح ومعتبر شرعاً... دون أن يعرض إلى الشهادات الطبية المقدمة من الطاعنين وقرار مجلس مراقبة الأمراض العقلية وما لها من دلالة في شأن إصابة المورثة بالجنون ويحقق دفاعهما من أنها كانت على هذه الحالة العقلية وقت أن أسلمت بقولها طبقاً للبينة المقدمة من المطعون ضده الأول فإذا أغفل تحقيق هذا الدفاع الجوهري مع أن من شأنه - إن صح - أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى يكون مشوباً بالقصور مما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.