أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 32 - صـ 1916

جلسة 23 من يونيه سنة 1981

برئاسة السيد المستشار/ محمود عثمان درويش - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عبد الحميد المنفلوطي، محمد إبراهيم خليل، علي السعدني وأحمد شلبي.

(346)
الطعن رقم 141 لسنة 48 القضائية

(1) حكم "الطعن في الأحكام. القبول المانع من الطعن". نقض.
القبول المانع من الطعن. شرطه. تنفيذ المحكوم عليه الحكم الانتهائي اختياراً. لا يدل على ترك الحق في الطعن فيه. علة ذلك.
(2) نقل "نقل جوي". مسئولية. معاهدات.
مسئولية الناقل الجوي عن الضرر الذي يقع في حالة وفاة أو إصابة راكب. م 17، 20، 22 اتفاقية فارسوفيا. مناطها. وقوع الحادث على متن الطائرة أو أثناء عمليات الصعود أو الهبوط. أساسها خطأ مفترض في جانب الناقل ولا يرفع عنه إلا إذا أثبت أنه وتابعيه اتخذوا كلى التدابير اللازمة لتفادي الضرر أو كان من المستحيل عليهم اتخاذها.
(3) محكمة الموضوع "مسائل الواقع". مسئولية "عناصر المسئولية". نقض "السبب الموضوعي".
استخلاص الخطأ الجسيم والسببية بينه والضرر. واقع تقدره محكمة الموضوع. النعي في ذلك. جدل موضوعي لا يجوز أمام محكمة النقض.
1 - يشترط في القبول المانع من الطعن في الحكم - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه بالحكم وتركه الحق في الطعن فيه، فتنفيذ المحكوم عليه الحكم الانتهائي اختياراً لا يدل على ترك الحق في الطعن لأن الأحكام الانتهائية واجبة التنفيذ بحكم القانون فإن لم تنفذ اختياراً نفذت جبراً. لما كان ذلك فإن قيام الطاعنة، قبل رفع الطعن بالنقض - بتنفيذ الحكم المطعون فيه - وهو واجب التنفيذ قانوناً - لا يدل على تركها الحق في الطعن فيه، ويكون الدفع المبدى من المطعون عليه الأول بقبولها ذلك الحكم لقيامها بالوفاء بمبلغ التعويض المحكوم به في غير محله.
2 - المستفاد من نصوص المواد 17، 20، 22 من اتفاقية فارسوفيا الدولية للطيران المدني المعدلة ببروتوكول لاهاي الذي وافقت عليه مصر بالقانون رقم 644 لسنة 55 - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الناقل الجوي يكون مسئولاً عن الضرر الذي يقع في حالة وفاة أو إصابة أي راكب إذا كانت الحادثة التي تولد عنها الضرر قد وقعت على متن الطائرة أو أثناء عمليات الصعود أو الهبوط، وهذه المسئولة مبنية على خطأ مفترض في جانب الناقل ولا ترتفع عنه إلا إذا أثبت أنه هو وتابعيه قد اتخذوا كل التدابير اللازمة لتفادي وقوع الضرر أو كان من المستحيل عليهم اتخاذها.
3 - لمحكمة الموضوع تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقضي بما يطمئن إليه وجدانها وحسبها أن تقيم قضاءها على ما يكفي لحمله وإذ كانت قد خلصت في حدود سلطتها التقديرية إلى وقوع خطأ جسيم من قائد الطائرة الطاعنة أدى إلى وقوع الحادث وتوافر مسئولية الطاعنة عنه وأقامت قضاءها في هذا الشأن على ما يكفي لحمله، ومن ثم فإن النعي - خلط الحكم بين قيام رابطة السببية بين الخطأ والضرر وبين مجرد وجود علاقة بين الوقائع والضرر إذا اعتبر رابطة السببية قائمة لمجرد وجود العلاقة بين الوفاة وبين وقائع ملكية الطائرة للطاعنة (مؤسسة الخطوط الجوية الليبية) وقيام عقد النقل وخروج قائد الطائرة عن الخط الملاحي إلى أجواء أخرى منشور عنها دولياً أنها مناطق حربية، وفي حين أن هذا الخطأ من قبل الطائرة البالغ أقصى درجات الجسامة يعتبر المخطئ فيه غير بالنسبة للطاعنة الناقلة في عقد النقل المحدد مداه وأغراضه - لا يعدو أن يكون في حقيقته جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة وهو ما لا يجوز أمام محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليهما أقاما الدعوى رقم 734 سنة 1976 مدني جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإلزام الطاعنة بأن تدفع لهما مبلغ 50000 جنيه، وقالا شرحاً للدعوى أن المرحومة...... مورثتهما ومورثة القصر المسئولين بولاية المطعون عليه الأول، كانت ضمن ركاب الطائرة التابعة للطاعنة التي سقطت بتاريخ 21 - 2 - 1973 بصحراء سيناء واحترقت بمن فيها نتيجة خطأ قائدها التابع للطاعنة خطأ جسيماً أدى إلى وفاة المورثة المذكورة ولما كانت الطاعنة مسئولة عن خطأ تابعها، فضلاً عن مسئوليتها باعتبارها طرفاً في عقد النقل الذي يلتزم الناقل بموجبه، بتوصيل المسافر سليماً إلى جهة الوصول فقد أقاما الدعوى بطلباتهما سالفة البيان. وبتاريخ 3 - 4 - 1976 ندبت المحكمة مدير الهيئة المصرية العامة للطيران المدني ومدير كلية الدفاع الجوي ليقوم كل منهم بنفسه أو يندب أحد الخبراء المختصين التابعين له لبيان أسباب الحادث وبعد أن قدم الخبراء تقريرهم، طلب المطعون عليهما الحكم بإلزام الطاعنة بأن تدفع مبلغ 260000 فرنك فرنسي، وبتاريخ 29 - 1 - 1977 حكمت المحكمة بإلزام الطاعنة بأن تدفع لهما ما يعادل 260000 فرنك فرنسي بالجنيه المصري محسوباً على أساس الصرف في 21 - 2 - 1973. استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1159 سنة 94 ق مدني القاهرة. وبتاريخ 30 - 11 - 1977 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، ودفع المطعون عليه الأول بعدم قبول الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفع ورفض الطعن. وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة، فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من المطعون عليه الأول، أن الطاعنة قبلت الحكم المطعون فيه لقيامها بالوفاء بالمبلغ المحكوم به في 2 - 1 - 1978 قبل رفع الطعن فيكون الطعن غير مقبول.
وحيث إن هذا الدفع غير سديد، ذلك أنه يشترط في القبول المانع من الطعن في الحكم - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه بالحكم وتركه الحق في الطعن فيه، فتنفيذ المحكوم عليه الحكم الانتهائي اختياراً، لا يدل على ترك الحق في الطعن فيه لأن الأحكام الانتهائية واجبة التنفيذ بحكم القانون فإن لم تنفذ اختياراً نفذت جبراً، لما كان ذلك، فإن قيام الطاعنة - قبل رفع الطعن بالنقض - بتنفيذ الحكم المطعون فيه - وهو واجب التنفيذ قانوناً - لا يدل على تركها الحق في الطعن فيه، ومن ثم يكون هذا الدفع في غير محله.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد، تنعى به الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب من ثلاثة وجوه أولها أن الحكم لم يرتب الأثر القانوني للسبب الأجنبي الواقع من شخص متعمد، إذ يستوي في إعفاء الناقل من المسئولية أن يكون السبب الأجنبي مباغتاً للناقل بغير خطأ منه أو أن يكون مباغتاً له مع قيام خطأ منه، طالما أن خطأ الناقل ليس هو الذي أحدث الضرر، والوجه الثاني أن الحكم خلط بين قيام رابطة السببية بين الخطأ والضرر وبين مجرد علاقة بين الوقائع والضرر، فاعتبر رابطة السببية قائمة لمجرد وجود العلاقة بين الوفاة التي أحدثت الضرر وبين وقائع ملكية الطائرة للطاعنة وقيام عقد النقل وخروج قائد الطائرة عن الخط الملاحي إلى أجواء أخرى منشور عنها دولياً أنها مناطق حربية، في حين أن رابطة السببية الواجب قيامها بين الخطأ والضرر واردة بمدونات الحكم بين الضرر ومناورة قائد الطائرة ومخالفة إشارات الطائرات الإسرائيلية مما ترتب عليه إسقاط الطائرة بقذائف المدافع وإحراقها، والوجه الثالث أن الحكم حمل الطاعن المسئولية عن قيام قائد الطائرة بمخالفات لأوامر حربية خارج الخط الملاحي المتفق عليه وداخل منطقة جوية محظور فيها الطيران منشور عنها دولياً، في حين أن هذا الخطأ البالغ أقصى درجات الجسامة يعتبر المخطئ فيه غيراً بالنسبة للطاعنة الناقلة في عقد النقل المحدد مداه وأغراضه، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي في جملته مردود، ذلك أن المستفاد من نصوص المواد 17 - 20 - 22 من اتفاقية فارسوفيا الدولية للطيران المدني المعدلة ببرتوكول لاهاي الذي وافقت عليه مصر بالقانون رقم 644 لسنة 1955 - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الناقل الجوي يكون مسئولاً عن الضرر الذي يقع في حالة وفاة أو إصابة أي راكب إذا كانت الحادثة التي تولد عنها الضرر قد وقعت على متن الطائرة أو أثناء عمليات الصعود أو الهبوط وهذه المسئولية مبنية على خطأ مفترض في جانب الناقل ولا ترتفع عنه إلا إذ أثبت هو أنه وتابعيه قد اتخذوا كل التدابير اللازمة لتفادي وقوع الضرر أو كان من المستحيل عليهم اتخاذها، لما كان ذلك وكان لمحكمة الموضوع تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير قيمة عمل الخبير وتقضي بما يطمئن إليه وجدانها وحسبها أن تقيم قضاءها على ما يكفي لحمله، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن سرد وقائع الدعوى عرض لدفاع الخصوم ورد على دفاع الطاعنة في هذا الخصوص بأنه متى كان الثابت فيما تسلم به المستأنفة - الطاعنة - ذاتها أن ثمة خطأ بلغ أقصى درجات الجسامة قد وقع من قائد الطائرة محل الحادث مما يتفق وما انتهت إليه تقارير الخبراء في هذا الشأن مما تأخذ به المستأنفة - الطاعنة - نفسها في دفاعها، وكان هذا الخطأ قد بلغ مداه فيما ثبت من إقلاعه خلسة بالطائرة بعد هبوطها مما حدا بالطائرة الحربية الإسرائيلية إلى إطلاق النيران وإسقاط الطائرة محل الحادث متى كان ذلك وكانت مسئولية المستأنفة هي مسئولية الناقل في عقد النقل ومن مقتضى هذه المسئولية أن يسأل الناقل عن أخطاء من يستعين بهم في تنفيذ عقد النقل لأن تنفيذ النقل عملية يتولاها الناقل سواء بنفسه أو بواسطة آخرين يستعين بهم، وهو - أي الناقل - مسئول في النهاية عن التزام بغاية هو سلامة الراكب وأمتعته، ومن ثم فهو مسئول عن هذه النتيجة... من أجل ذلك يكون جدل المستأنفة حول مسئوليتها عن الحادث في غير محله وإنما هي مسئولة عنه... ويكفي قواماً لمسئوليتها توافر خطأ قائد الطائرة الذي استعانت به في تنفيذ النقل ولا يجدي أيضاً الجدل بانتفاء رابطة السببية بين خطأ قائد الطائرة وسقوط الطائرة محل الحادث... ذلك أن قائد الطائرة قد وضعها بخطئه الجسيم في مواطن الخطر الدائم عندما أقلع بها خلسة هرباً من الطائرة الحربية الإسرائيلية لأنه بفعله هذا خالف عن عمد ودراية تامة أمراً حربياً صدر إليه في منطقة حربية من الطائرة الإسرائيلية وبذلك يكون خطؤه هو السبب المباشر لإطلاق النيران وإسقاط الطائرة ولا وجه بالتالي للقول بانتفاء رابطة السببية أو الادعاء بقيام سبب أجنبي... لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد التزم صحيح القانون وقد خلصت محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية إلى وقوع خطأ جسيم من قائد الطائرة الطاعنة أدى إلى وقوع الحادث وتوافر مسئولية الطاعنة عنه، وأقامت قضاءها في هذا الشأن على ما يكفي لحمله، ومن ثم فإن هذا النعي لا يعدو أن يكون في حقيقته جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة وهو ما لا يجوز أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.