أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 42 - صـ 601

جلسة 27 من فبراير سنة 1991

برئاسة السيد المستشار: حسين علي حسين نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: ريمون فهيم نائب رئيس المحكمة، عبد الناصر السباعي، إبراهيم شعبان ومحمد إسماعيل غزالي.

(96)
الطعن رقم 1539 لسنة 60 القضائية

(1) نقض "أثر نقض الحكم". إيجار "إيجار الأماكن" "حظر احتجاز أكثر من مسكن".
نقض الحكم والإحالة. أثره. التزام محكمة الإحالة بالمسألة القانونية التي فصل فيها الحكم الناقض باكتساب تلك المسألة حجية الشيء المحكوم فيه. مؤدى ذلك. تفسير الحكم الناقض. مدلول البلد الواحد وانتهائه إلى اعتبار كل من القاهرة والجيزة بلداً واحداً. اعتباره فصلاً في مسألة قانونية حازت الحجية. يمتنع على محكمة الإحالة إعادة بحثها من جديد لا يمنع من ذلك صدور حكم الهيئة العامة لمحكمة النقض القاضي باعتبار كل من القاهرة والجيزة بلداً مستقلاً وإدراكه للدعوى أمام محكمة الاستئناف.
(2) دعوى. محكمة الموضوع.
سبب الدعوى. ماهيته. التزام محكمة الموضوع بالسبب الذي أقيمت إليه الدعوى وعدم الخروج عليه.
(3) محكمة الموضوع. إيجار "إيجار الأماكن".
فهم الواقع في الدعوى واستخلاص مقتضى الاحتجاز من الأدلة والمستندات المقدمة فيها والموازنة بينها. من سلطة محكمة الموضوع. عدم التزامها بتتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم والرد عليها استقلالاً.
1 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه إذا نقض الحكم وأحيلت القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه لتحكم فيه من جديد بناء على طلب الخصوم فإنه يتحتم على تلك المحكمة أن تتبع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها هذه المحكمة وأن المقصود بالمسألة القانونية في هذا المجال هو الواقعة التي تكون قد طرحت على محكمة النقض وأدلت برأيها فيها عن قصد وبصيرة، ويحوز حكمها في هذا الخصوص حجية الشيء المحكوم فيه في حدود ما تكون قد بتت فيه بحيث يمتنع على محكمة الإحالة عند إعادة نظر الدعوى المساس بهذه الحجية ويتعين عليها أن تقصر نظرها على موضوع الدعوى في نطاق ما أشار إليه الحكم الناقض. لما كان ذلك وكان الحكم الناقض المشار إليه قد تناول في مدوناته بحث تفسير مدلول البلد الواحد وانتهى إلى اعتبار كل من القاهرة والجيزة بلداً واحداً فإن ما خلص إليه في هذا الشأن وفصل فيه يعد من المسائل القانونية التي تحوز حجية الشيء المحكوم فيه ويمتنع على محكمة الإحالة إعادة بحث هذه المسألة من جديد بعد أن حسمها الحكم الناقض، هذا ولا يعد بحثه لهذه المسألة تزيداً لا يحوز الحجية وبالتالي لا يلتزم به الحكم المطعون فيه، ذلك أن ما كان للحكم الناقض أن يعرض لبحث سبب النعي الخاص بأعمال المادة 39 من القانون رقم 49 لسنة 1977 بشأن الرخصة المخولة للمالك في تأجيره وحدة مفروشة في العقار الذي يملكه وأخرى بشروط، باعتبار أن ذلك يعد مقتضى للاحتجاز إلا إذا خلص إلى توافر الاحتجاز وفقاً لحكم المادة الثامنة من القانون المذكور، ومن ثم كان فصله في اعتبار مدينتي القاهرة والجيزة بلداً واحداً ضرورياً ولازماً لفصله في النعي الخاص بتوافر مقتضى الاحتجاز، وإلا كان هذا النعي الأخير غير منتج وبالتالي غير مقبول خلافاً لما ذهب إليه الحكم الناقض في هذا الشأن من نقض الحكم لهذا السبب، الأمر الذي يعتبر فصل الحكم الناقض في هذه المسألة القانونية لازماً يتعين على المحكمة المحال إليها أن تتبعه وليس تزيداً من الحكم، ولا يغير من ذلك صدور حكم الهيئة العامة الذي أدرك الدعوى أمام محكمة الاستئناف قبل صدور الحكم المطعون فيه باعتبار كل من القاهرة والجيزة بلداً واحداً في حكم المادة الثامنة، وهو نص متعلق بالنظام العام ذلك أن التزام الحكم المطعون فيه بالحكم الناقض إنما هو إعمال لنص المادة 269 من قانون المرافعات وأساسه حجية الحكم الناقض في المسألة القانونية التي فصل فيها، والحجية تعلو وتسمو على قواعد النظام العام.
(2) المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن سبب الدعوى هو الواقعة التي يستمد منها المدعي الحق في طلبه، وهو لا يتغير بتغيير الأدلة الواقعية والحجج القانونية التي يستند إليها الخصوم في دفاعهم، ولا تملك محكمة الموضوع تغيير السبب الذي أقيمت عليه الدعوى من تلقاء نفسها ويجب عليها الالتزام به وعدم الخروج عليه.
(3) المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى واستخلاص مقتضى الاحتجاز من الأدلة والمستندات المقدمة لها والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه منها وإطراح ما عداه وصولاً للحقيقة متى كان استخلاصها سائغاً، ولا عليها بعد ذلك أن تتعقب الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم والرد استقلالاً على كل قول أو حجة أو طلب أثاروه ما دام قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لما عداه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الطاعن الدعوى رقم 267 لسنة 1983 أمام محكمة الجيزة الابتدائية طالباً الحكم بانفساخ عقد الإيجار المؤرخ 1/ 8/ 1962 وإخلاء شقة النزاع وتسليمها إليه، وقال شرحاً لدعواه إنه بموجب العقد المذكور استأجر الطاعن منه هذه الشقة الكائنة بمدينة الجيزة، وإذ قام ببناء منزلاً مكوناً من ثلاث أدوار بمدينة القاهرة وأقام به محتجزاً بذلك أكثر من مسكن في البلد الواحد بدون مقتضى بالمخالفة لأحكام المادة الثامنة من القانون رقم 49 لسنة 1977 فقد أقام الدعوى. وبتاريخ 20/ 12/ 1984 قضت المحكمة برفض الدعوى. استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 891، 1376 لسنة 103 ق القاهرة، وبعد ضم الاستئنافين حكمت المحكمة بتاريخ 13/ 11/ 1985 بإلغاء الحكم المستأنف وبانفساخ عقد الإيجار المؤرخ 1/ 8/ 1962 وإخلاء شقة النزاع وتسليمها للمطعون ضده. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 2508 لسنة 55 ق، وبتاريخ 14/ 1/ 1987 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة وبعد تعجيل السير في الاستئناف ندبت المحكمة خبيراً في الدعوى وبعد أن أودع تقريره - حكمت المحكمة بتاريخ 7/ 3/ 1990 بإلغاء الحكم المستأنف وبانفساخ عقد الإيجار المؤرخ 1/ 8/ 1962 وإخلاء الطاعن من عين النزاع وتسليمها للمطعون ضده. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن الماثل، وإذ أمرت المحكمة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه مؤقتاً فقد حددت جلسة لنظره، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالسببين الأول والثاني والسبب الرابع منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم تتبع قضاء النقض السابق صدوره بتاريخ 14/ 1/ 1987 بشأن اعتباره مدينتي القاهرة والجيزة بلداً واحداً وأعمل نص المادة الثامنة من القانون رقم 49 لسنة 1977 كسند في إخلائه من عين النزاع، ولما كان حكم الهيئة العامة لمحكمة النقض انتهى إلى اعتبار كل من القاهرة والجيزة مدينة مستقلة في حكم المادة سالفة الذكر، وكان الحكم الناقض قد أقام قضاءه بنقض الحكم للخطأ في تطبيق المادة 39 من القانون المذكور، وهو ما يلتزم به الحكم المطعون فيه فقط، ولا يحول ذلك دون إعمال حكم الهيئة المشار إليه لإدراكه الدعوى أثناء نظر الاستئناف، وأن ما ورد بمدوناته بخصوص اعتبار القاهرة والجيزة بلداً واحداً لا يعدو أن يكون تزيداً منه يستقيم الحكم بدونه، وإذ اعتبر الحكم المطعون فيه ذلك التزيد فصلاً في مسألة قانونية واجبة الإتباع ودون مراعاة لما نصت عليه المادة 21 من القانون رقم 136 لسنة 1981 التي رخصت للمستأجر أن يؤجر مفروشاً في غير المدينة التي يستأجر فيها ودون أن يضمن مدوناته رداً على ما سبق وأن تمسك به من وجوب تطبيق ما نصت عليه المادة 22/ 1 من القانون السالف من جواز احتفاظه بعين النزاع إن وفر لمالكها أو أحد أقاربه حتى الدرجة الثانية مسكناً بالمبنى الذي أقامه، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في شقه الأول مردود، بأنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا نقض الحكم وأحيلت القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه لتحكم فيه من جديد بناء على طلب الخصوم فإنه يتحتم على تلك المحكمة أن تتبع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها هذه المحكمة، وأن المقصود بالمسألة القانونية في هذا المجال هو الواقعة التي تكون قد طرحت على محكمة النقض وأدلت برأيها عن قصد وبصيرة، ويحوز حكمها في هذا الخصوص حجية الشيء المحكوم فيه في حدود ما تكون قد بتت فيه بحيث يمتنع على المحكمة الإحالة عند إعادة نظر الدعوى المساس بهذه الحجية ويتعين عليها أن تقصر نظرها على موضوع الدعوى في نطاق ما أشار إليه الحكم الناقض. لما كان ذلك وكان الحكم الناقض المشار إليه قد تناول في مدوناته بحث تفسير مدلول البلد الواحد وانتهى إلى اعتبار كل من القاهرة والجيزة بلداً واحداً فإن ما خلص إليه في هذا الشأن وفصل فيه يعد من المسائل القانونية التي تحوز حجية الشيء المحكوم فيه ويمتنع على محكمة الإحالة بحث هذه المسألة من جديد بعد أن حسمها الحكم الناقض، هذا ولا يعد بحثه لهذه المسألة تزيداً لا يحوز الحجية وبالتالي لا يلتزم به الحكم المطعون فيه، ذلك أنه ما كان للحكم الناقض أن يعرض لبحث سبب النعي الخاص بإعمال المادة 39 من القانون رقم 49 لسنة 1977 بشأن الرخصة المخولة للمالك في تأجيره وحدة مفروشة في العقار الذي يملكه وأخرى بشروط، باعتبار أن ذلك يعد مقتضى للاحتجاز إلا إذا خلص إلى توافر الاحتجاز وفقاً لحكم المادة الثامنة من القانون المذكور، ومن ثم كان فصله في اعتبار مدينتي القاهرة والجيزة بلداً واحداً ضرورياً ولازماً لفصله في النعي الخاص بتوافر مقتضى الاحتجاز وإلا كان هذا النعي الأخير غير منتج وبالتالي غير مقبول خلافاً لما ذهب إليه الحكم الناقض في هذا الشأن من نقض الحكم لهذا السبب، الأمر الذي يعتبر فصل الحكم الناقض في هذه المسألة القانونية فصلاً لازماً يتعين على المحكمة المحال إليها أن تتبعه وليس تزيداً من الحكم، ولا يغير من ذلك صدور حكم الهيئة العامة الذي أدرك الدعوى أمام محكمة الاستئناف قبل صدور الحكم المطعون فيه باعتبار كل من القاهرة والجيزة بلداً واحداً في حكم المادة الثامنة، وهو نص متعلق بالنظام العام، ذلك أن التزام الحكم المطعون فيه بالحكم الناقض إنما هو إعمال لنص المادة 269 من قانون المرافعات وأساس حجية الحكم الناقض في المسألة القانونية التي فصل فيها، والحجية تعلو وتسمو على قواعد النظام العام، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه. والنعي في شقه الثاني مردود بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة أن سبب الدعوى هو الواقعة التي يستمد فيها المدعي الحق في طلبه، وهو لا يتغير بتغير الأدلة الواقعية والحجج القانونية التي يستند إليها الخصوم في دفاعهم، ولا تملك محكمة الموضوع تغيير السبب الذي أقيمت عليه الدعوى من تلقاء نفسها ويجب عليها الالتزام به وعدم الخروج عليه. لما كان ذلك وكان البين من الأوراق أن المطعون ضده قد أقام دعواه بطلب الإخلاء على سند من احتجاز الطاعن أكثر من مسكن في البلد الواحد دون مقتض بالمخالفة لحكم المادة الثامنة من القانون رقم 49 لسنة 1977، وإذ التزم الحكم المطعون فيه بهذا السبب الذي أقيمت عليه الدعوى وما يتفرع عنه من بحث مقتضى هذا الاحتجاز فلا يعيبه التفاته عن الرد على ما تمسك به الطاعن من تطبيق لنص المادة 22/ 1 من القانون رقم 36 لسنة 1981 خارج نطاق السبب الذي أقيمت عليه الدعوى، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أخطأ فهم وتحصيل دلالة الطلب المقدم منه للجمعية التي خصصت له الأرض التي أقيم عليها البناء لتسجيله باسمه واسم أولاده، وبموافقتها عليه أصبح يحق لهم - كشركاء وخاصة ابنته... التي بلغت سن الرشد قبل إقامة الدعوى والتي يحق لها احتجاز شقتين مفروشتين بما يتوافر معه مقتضى الاحتجاز بمقولة أن تكليف العقار ما زال باسمه، في حين أن التكليف في حد ذاته ليس دليلاً على الملكية كما أغفل الحكم الرد على الخطاب الصادر له ولأولاده من مكتب العلاقات الليبي بإخلاء الفيلا التي كانت مؤجرة لهم، الأمر الذي يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى واستخلاص مقتضى الاحتجاز من الأدلة والمُستندات المقدمة لها والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه منها وإطراح ما عداه وصولاً للحقيقة متى كان استخلاصها سائغاً، ولا عليها بعد ذلك أن تتعقب الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم والرد استقلالاً على كل قول أو حجة أو طلب أثاروه ما دام قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لما عداه. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإخلاء شقة النزاع لاحتجاز الطاعن أكثر من مسكن في البلد الواحد على ما ثبت له من تقرير الخبير المنتدب في الدعوى - والذي اطمئن إليه - من أن العقار الذي أقامه الطاعن مملوك له في حيازته ويتكون من ثلاث وحدات ويقوم بتأجيره هذه الوحدات جميعها مفروشة وهو دليل يكفي وحده لحمل قضائه في هذا الشأن وأن موافقة مجلس إدارة الجمعية في 6/ 12/ 1987 - بعد رفع الدعوى - على الطلب المقدم من الطاعن لتسجيل العقار باسمه وأولاده لا تنهض دليلاً تطمئن إليه على أن أولاده شركاء له في العقار الذي ما زال مكلفاً باسمه، وهو استخلاص سائغ له أصل ثابت بالأوراق ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها بشأن مخالفة الطاعن حظر الاحتجاز دون مقتض فيه الرد المسقط لما عداه من دفاع، فإن النعي في حقيقته لا يعدو أن يكون جدلاً فيما لمحكمة الموضوع من سلطة تقدير الأدلة مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، ويكون النعي على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.