أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 32 - صـ 2012

جلسة 11 من نوفمبر سنة 1981

برئاسة السيد المستشار/ محمود عثمان درويش - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد صبري أسعد، محمد إبراهيم خليل، عبد المنصف هاشم وأحمد شلبي.

(365)
الطعن رقم 608 لسنة 48 القضائية

1 - وصية "قرينة المادة 917 مدني". إثبات "القرائن القانونية".
قرنية م 917. مناطها. احتفاظ المتصرف بحيازة العين التي تصرف فيها وبحق الانتفاع بها مدى حياته. خلو العقد من النص عليها لا يمنع محكمة الموضوع من التحقق من توافرهما.
2 - محكمة الموضوع "تفسير العقود". نقض.
تفسير الاتفاقات والمحررات من سلطة محكمة الموضوع. عدم خضوعها في ذلك لرقابة محكمة النقض ما دامت لم تخرج عما تحتمله عباراتها.
3 - محكمة الموضوع. حكم "تسبيب الحكم".
عدم التزام محكمة الموضوع بتتبع حجج الخصوم والرد عليها استقلالاً. اقتناعها بالحقيقة التي استخلصت قيامها فيه وأوردت دليلها فيه. الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها.
4 - تزوير "الادعاء بالتزوير". محكمة الموضوع "مسائل واقع".
قبول الادعاء بالتزوير. شرطه. أن يكون منتجاً في النزاع. م 52 إثبات. تقدير ذلك. من سلطة محكمة الموضوع.
1 - جرى قضاء هذه المحكمة على أن القرينة المنصوص عليها في المادة 917 من القانون المدني لا تقوم إلا باجتماع شرطين هما احتفاظ المتصرف بحيازة العين التي تصرف فيها واحتفاظه بحقه في الانتفاع بها مدى حياته إلا إن خلو العقد من النص عليها لا يمنع محكمة الموضوع إذا تمسك الورثة الذين أضربهم التصرف بتوافر هذين الشرطين رغم عدم النص عليهما في العقد من التحقق من توافرهما للوقوف على حقيقة العقد المتنازع عليه وقصد المتصرف من تصرفه في ضوء ظروف الدعوى وملابساتها.
2 - محكمة الموضوع لها سلطة تفسير الإقرارات والاتفاقات وسائر المحررات بما تراه أدنى إلى نية أصحاب الشأن فيها ولا رقابة عليها في ذلك طالما لم تخرج عما تحتمله عبارات المحرر وتقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.
3 - محكمة الموضوع غير ملزمة بتتبع كل حجة للخصوم والرد عليها استقلالاً طالما أن في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها.
4 - تشترط المادة 52 من قانون الإثبات لقبول الادعاء بالتزوير أن يكون منتجاً في النزاع، فإن كان غير ذي أثر في موضوع الدعوى تعين على المحكمة أن تقضي بعدم قبوله دون أن تبحث شواهده أو تحققها إذ لا جدوى من تكليف الخصوم بإثبات ما لو ثبت بالفعل ما كان منتجاً في موضوع الدعوى - وإذ كانت محكمة الموضوع قد خلصت في حدود سلطتها في فهم الواقع في الدعوى إلى أن الادعاء بالتزوير الذي كان قوامه تكرار التنازل على عقد الإيجار محل النزاع إنما ادعاء غير منتج ومن ثم يكون هذا النعي في غير محله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 2221 سنة 75 - مدني جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم أولاً: برد بطلان عقد الإيجار المؤرخ 1 - 12 - 1960 فيما تضمنه من محو التنازل المذيل به. ثانياً: بتثبيت ملكيتهم للنصف على المشاع في الشقة الموضحة بصحيفة الدعوى والإقرار المؤرخ 24 - 1 - 1965، وقالوا شرحاً للدعوى أنه بموجب هذا الإقرار تنازل المرحوم........ مورث المطعون عليهم لزوجته مورثة الطاعنين المرحومة....... عن تلك الشقة بما فيها من مفروشات وعن عقد الإيجار المؤرخ 1/ 12/ 1960 الذي كان يستأجرها بموجبه، وقد نزع المطعون عليهم إقرار التنازل عن العقد وجحدوا حقوق الطاعنين فأقام الطاعنون الدعوى بطلباتهم سالفة البيان. وبتاريخ 29 - 1 - 1977 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطاعنون هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1030 سنة 94 ق مدني. وبتاريخ 27 - 2 - 1978 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى الطاعنون بالسببين الأول والثاني والوجه الثالث من السبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقولون أن الحكم مسخ عبارات إقرار التنازل المؤرخ 24 - 1 - 1965 واعتبره وصية رغم أنه غير معلق على شرط وغير مضاف إلى ما بعد الموت ولم يتضمن حق التنازل في الانتفاع بالشفعة آنفة الذكر والاستئثار بريعها مما يجعل القرينة المنصوص عليها في المادة 917 من القانون المدني غير متوافرة، وقضى الحكم ببطلان الإقرار استناداً إلى أنه أبرم بين زوجين لبواعث غير واضحة الدلالة على أنه بعوض وأنه في حقيقته وصية بطلت لوفاة الموصى لها قبل وفاة الموصي في حين أنه وإن وجب أن يكون للالتزام سبب مشروع طبقاً للمادة 136 من القانون المدني إلا أنه ليس بلازم ذكره في العقد، وكل التزام لم يذكر له سبب في العقد يفترض أن سببه مشروع وفقاً لنص المادة 137 من ذات القانون هذا إلى أن المادة 488 من القانون المذكور تجيز حصول الهبة تحت ستار عقد آخر، وكون التنازل بغير عوض لا ينال من صحته، وبفرض أن المتنازل انتفع بالشفة فإن هذا لا يؤدي إلى اعتبار التنازل مضافاً إلى ما بعد الموت لأنه يعتبر نائباً عن زوجته المتنازل إليها، فضلاً عن أنه أصبح مالكاً على الشيوع لنصف الشقة بعد وفاتها وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى اعتبار ذلك التنازل وصية فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وخالف الثابت بالأوراق وشابه الفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المادة 917 من القانون المدني قد جرى نصها بأنه "إذا تصرف شخص لأحد ورثته واحتفظ بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته اعتبر التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت، وتسري عليه أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك، مما مفاده - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن القرينة المنصوص عليها في تلك المادة لا تقوم إلا باجتماع شرطين هما احتفاظ المتصرف بحيازة العين التي تصرف فيها واحتفاظه بحقه في الانتفاع بها مدى حياته، إلا أن خلو العقد من النص عليهما لا يمنع محكمة الموضوع إذا تمسك الورثة الذين أضر بهم التصرف بتوافر هذين الشرطين رغم عدم النص عليهما في العقد من التحقق من توافرهما للوقوف على حقيقة العقد المتنازع عليه وقصد المتصرف من تصرفه في ضوء ظروف الدعوى وملابساتها ولها سلطة تفسير الإقرارات والاتفاقات وسائر المحررات بما تراه أوفى إلى نية أصحاب الشأن فيها ولا رقابة عليها في ذلك طالما لم تخرج عما تحتمله عبارات المحرر وتقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى اعتبار التصرف آنف الذكر مضافاً إلى ما بعد الموت تسري عليه أحكام الوصية، وأقام قضاءه على أن "الثابت من ظروف الدعوى وملابساتها وما قدم فيها من مستندات أن التنازل المؤرخ 24 - 1 - 1965 سند المستأنفين (الطاعنين) في طلباتهم إنما أبرم بين زوجين لبواعث غير واضحة المعالم من حيث دلالتها على كونه بعوض إذ جاء بالصورة المصدق عليها أن ثمة تقابلاً للحقوق المتنازل عنها مقداره مائتا جنيه بينما حررت الصورة الأخرى دون إشارة لهذا المقابل، بل إن المقابل المثبت بالصورة الأولى وقدره مائتا جنيه لا يتناسب وثمن نصف مفروشات الشقة محل التنازل الذي قدره المستأنفون بصحيفة الدعوى المستأنف حكمها بمبلغ خمسمائة جنبه. كما أن صورتي التنازل جاءتا غفلاً من تعداد المنقولات التي بالشقة، وتستبين المحكمة من كافة القرائن أن التصرف المؤرخ 24 - 1 - 1965 كان تبرعاً، ومن ناحية أخرى فإنه مما لا ريب فيه أن مورث المستأنف عليهم (المطعون عليهم) ظل يدير الشقة محل التداعي بما فيها من منقولات حتى توفى إذ ظل يسدد أجرتها وثمن الكهرباء المستهلكة فيها ومقابل اشتراك التليفون المركب بها كما استمر يحصل أجرتها دون أن يرد بالأوراق ما يفيد من قريب أو بعيد تسليم المستأنفين أو مورثهم من قبلهم شيئاً من هذه الأجرة. الأمر الذي يؤكد أنه إنما كان يركن في هذه الإدارة والانتفاع إلى حق خالص له حتى توفى مما يستفاد منه اتجاه إرادته إلى إضافة التنازل إلى ما بعد وفاته، وإذ كان هذا التنازل قد جمع على هذا النحو بين عنصري التبرع والإضافة إلى ما بعد الموت بما تيقن على كونه وصية في حقيقته الأولى وكان هذا الذي خلص إليه الحكم لا خروج فيه عما تحتمله عبارات المحرر المؤرخ 14 - 1 - 1965 سالف الذكر وقد أقام الحكم المطعون فيه قضاءه على أسباب تكفي لحمله، فلا على محكمة الموضوع في هذه الحالة إن لم تتبع كل حجة للخصوم وترد عليها استقلالاً طالما أن في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها، ومن ثم فإن هذا النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثالث الإخلال بحق الدفاع، ذلك أن الحكم المطعون فيه قضى بعدم قبول الادعاء بتزوير عقد الإيجار الذي كان مثبتاً به تنازل مورث المطعون عليهم عن الشقة محل النزاع بدعوى عدم جدوى هذا الادعاء واستند الحكم إلى هذا العقد فيما انتهى إليه من أن المورث المذكور كان مستأجراً لتلك الشقة ويقوم بدفع أجرتها مما يعتبر إخلالاً بدفاع الطاعنين المستمد من الادعاء بتزوير العقد المذكور.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه يشترط وعلى ما تقرره المادة 52 من قانون الإثبات لقبول الادعاء بالتزوير أن يكون منتجاً في النزاع، فإن كان غير ذي أثر في موضوع الدعوى تعين على المحكمة أن تقضي بعدم قبوله دون أن تبحث شواهده أو تحققها إذ لا جدوى من تكليف الخصوم بإثبات ما لو ثبت بالفعل ما كان منتجاً في موضوع الدعوى، لما كان ذلك وكانت محكمة الموضوع قد خلصت في حدود سلطتها في فهم الواقع في الدعوى حسبما سلف البيان في الرد على الأسباب السابقة إلى أن التنازل آنف الذكر في حقيقته وصية وأقامت قضاءها على ما يكفي لحمله ومن ثم فلا تثريب عليها إذ خلصت إلى أن الادعاء بالتزوير الذي كان قوامه تكرار مثل هذا التنازل على عقد الإيجار سالف الذكر إنما هو ادعاء غير منتج ويكون هذا النعي في غير محله.
وحيث إن حاصل النعي بالوجهين الأول والثاني من السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب، ذلك أنه لم يوضح المصدر الذي استقى منه أن مورث المطعون عليهم كان يدير الشقة محل النزاع حتى وفاته يقوم بسداد أجرتها وقيمة استهلاك الكهرباء واشتراك التليفون وهو ما استدل منه على أن التصرف كان مضافاً إلى ما بعد الموت، وألقى على عاتق الطاعنين عبء إثبات عدم تقاضي حقوقهم وحقوق مورثتهم من إيراد الشقة المذكورة من مورث المطعون عليهم فيكون الحكم قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب.
وحيث إن النعي في الوجه الأول من هذا السبب غير صحيح، ذلك أن البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أحال في أسبابه إلى أسباب حكم محكمة أول درجة التي عرضت لدفاع الخصوم ومستنداتهم ومن بينها صورة الحكم الصادر في الدعوى رقم 718 سنة 1975 مستعجل القاهرة التي رفعت من الطاعنين ضد المطعون عليهم بطلب فرض الحراسة على الشقة موضوع النزاع وما تضمنه من أن المطعون عليهم قدموا حافظة مستندات طويت على عقد الإيجار آنف الذكر وإيصالات سداد الأجرة وفاتورتي اشتراك تليفون باسم مورثهم، هذا إلى أن النعي في وجهه الثاني مردود، ذلك أن ما أورده الحكم المطعون فيه من خلو الأوراق مما يفيد تسلم الطاعنين أو مورثتهم من قبلهم شيئاً من أجرة الشقة موضوع النزاع إنما كان في مقام تحصيل محكمة الموضوع للواقع في الدعوى بما لا مخالفة فيه لما هو ثابت بأوراقها ومن ثم يكون هذا النعي في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.