أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 42 - صـ 756

جلسة 14 من مارس سنة 1991

برئاسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة عبد المنصف أحمد هاشم وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حافظ، د. رفعت عبد المجيد، محمد خيري الجندي، نواب رئيس المحكمة ومحمد شهاوي.

(120)
الطعن رقم 494 لسنة 55 القضائية

(1 - 2) إيجار "إيجار الأراضي الزراعية. إصلاح زراعي. بطلان. نظام عام، المسائل المتعلقة بالنظام العام: القواعد الآمرة. قانون. ملكية. نطاق حق الملكية.
(1) القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام. ماهيتها.
(2) حق الملكية. نطاقه. المادتين 802، 806 مدني. مؤداه. للمالك أن يؤجر ملكه وله اختيار مستأجره وطلب إخلائه منه متى انتهت المدة المتفق عليها. الاستثناء. تقيد هذا الحق وامتداد عقود إيجار الأراضي الزراعية. المرسوم بقانون 178 لسنة 1952 وتعديلاته. انتفاء هذه القيود إذا تخلى المستأجر عن الأرض المؤجرة له. لازمه. عدم جواز تقاضي المستأجر أي مقابل نقدي أو عيني. مخالفة ذلك. أثره. البطلان.
1 - القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام هي قواعد يقصد بها تحقيق مصلحة عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصلحة الأفراد، فيجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها، ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم حتى لو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية، باعتبار أن المصلحة الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة وسواء ورد في القانون نص يجرمها أو لم يرد.
2 - الأصل أن لمالك الشيء وحده في حدود القانون استعمال حقه واستغلاله والتصرف فيه مراعياً في ذلك ما تقضي به القوانين واللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة أو بالمصلحة الخاصة عملاً بالمادتين 802، 806 من القانون المدني مما مؤداه أن يكون للمالك أن يؤجر الشيء الذي يملكه، وأن يختار مستأجره، وأن يطلب إخلاء المستأجر منه متى انتهت المدة المتفق عليها، وأن يستعمله في أي وجه مشروع يراه، غير أن الشارع رأى بمناسبة إصدار المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 الخاص بالإصلاح الزراعي وما لحقه من تعديلات، الخروج على هذا الأصل فقضى بامتداد عقود إيجار الأراضي الزراعية وتقييد حق المالك في طلب إنهائها وإخلاء المستأجر منها وذلك بالنسبة للحالات التي وردت في القانون آنف الذكر تحقيقاً للمصلحة العامة الاجتماعية والاقتصادية لمستأجري هذه الأراضي، مما لازمه أنه متى رغب المستأجرون في ترك الأرض المؤجرة إليهم انتفت القيود التي وضعها الشارع في هذا القانون استثناءاً من الأصل المقرر لحقوق ملاك الأراضي، وتحقق بالتالي الوجه المقابل المتمثل في المصلحة العامة الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء الملاك في استرداد أراضيهم من مستأجريها دون مقابل حماية لحقوقهم المتفرعة عن حقهم في الملكية، ومن ثم لا يجوز للمستأجر الذي يتخلى عن الأرض الزراعية المؤجرة له أن يسلب مالكها حق ملكيته جزء منها لقاء هذا التخلي أو يقاسمه في ذلك الحق أو أن يتقاضى بأية صورة مقابلاً لتخليه عن الأرض سواء كان المقابل نقداً أم عيناً، وكل اتفاق يخالف ذلك يعتبر باطلاً بطلاناً يقوم على اعتبارات متصلة بالنظام العام.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 4443 لسنة 1978 مدني الزقازيق الابتدائية بطلب إبطال عقد البيع المؤرخ 12 من ديسمبر سنة 1977 والتسليم. وقال بياناً لذلك أن مورث المطعون ضدهم كان يستأجر منه أرضاً زراعية مساحتها 4 ط و1ف، ولما أراد بيعها اشترط عليه أن يتنازل له عن ملكية جزء منها مقابل تسليمه المساحة الباقية، وتحت ظروف حاجته الملحة حرر له عقداً تضمن بيعه له مساحة 6 ط منها دون أن يدفع فيه ثمناً، وإذ كان هذا العقد باطلاً يتعلق بالنظام العام لعدم مشروعية سببه، فقد أقام الدعوى بطلبيه سالفي البيان، أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي عدم مشروعية سبب العقد وأنه لم يدفع فيه ثمن وبعد أن استمعت إلى أقوال شهود الطرفين قضت بتاريخ 8 من يونيو سنة 1981 برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة مأمورية الزقازيق بالاستئناف رقم 516 لسنة 24 قضائية. وبتاريخ 27 من ديسمبر سنة 1984 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه. وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة رأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه. وفي بيان ذلك يقول إنه أقام دعواه بطلب بطلان عقد البيع مثار النزاع لتخلف ركن الثمن، ورغم انتهاء الحكم المطعون فيه إلى أن الثمن لم يدفع إلا أنه لم يقف عند هذا الحد إذ عاد وقرر أنه عقد غير مسمى تضمن تنازل الطاعن عن ستة قراريط لمورث المطعون ضدهم مقابل تنازل الأخير عن حقه القانوني في الاستمرار في زراعة الأطيان البالغ مساحتها 4 ط و1 ف وقيمة الميزة المتنازل عنها مبلغ 1200 جنيه وهو اتفاق جائز قانوناً ينأى عن نطاق عدم المشروعية المدعى بها، في حين أن ذلك العقد إن تم على هذه الصورة يكون سببه غير مشروع بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك بأن القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام هي قواعد يقصد بها تحقيق مصلحة - عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصلحة الأفراد فيجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها، ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم حتى لو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية، باعتبار أن المصلحة الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة، وسواء ورد في القانون نص يحرمها أو لم يرد، وإذ كان الأصل أن لمالك الشيء وحده في حدود القانون استعمال حقه واستغلاله والتصرف فيه مراعياً في ذلك ما تقضي به القوانين واللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة وبالمصلحة الخاصة عملاً بالمادتين 802، 806 من القانون المدني، مما مؤداه أن يكون للمالك أن يؤجر الشيء الذي يملكه، وأن يختار مستأجره وأن يطلب إخلاء المستأجر منه متى انتهت المدة المتفق عليها وأن يستعمله، في أي وجه مشروع يراه، غير أن الشارع رأى بمناسبة إصدار المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 الخاص بالإصلاح الزراعي وما لحقه من تعديلات، الخروج على هذا الأصل فقضى بامتداد عقود إيجار الأراضي الزراعية وتقييد حق المالك في طلب إنهائها وإخلاء المستأجر منها وذلك بالنسبة للحالات التي وردت في القانون آنف الذكر تحقيقاً للمصلحة العامة الاجتماعية والاقتصادية لمستأجري هذه الأراضي، مما لازمه أنه متى رغب المستأجرون في ترك الأرض المؤجرة إليهم انتفت القيود التي وضعها الشارع في هذا القانون استثناءاً من الأصل المقرر لحقوق ملاك الأراضي، وتحقق بالتالي الوجه المقابل المتمثل في المصلحة العامة الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء الملاك في استرداد أراضيهم من مستأجريها دون مقابل حماية لحقوقهم المتفرعة عن حقهم في الملكية، ومن ثم لا يجوز للمستأجر الذي يتخلى عن الأرض الزراعية المؤجرة له أن يسلب مالكها حق ملكيته جزء منها لقاء هذا التخلي أو يقاسمه في ذلك الحق أو أن يتقاضى بأية صورة مقابلاً لتخليه عن الأرض سواء كان المقابل نقداً أم عيناً، وكل اتفاق يخالف ذلك يعتبر باطلاً بطلاناً يقوم على اعتبارات متصلة بالنظام العام. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر، وأقام قضاءه على أن التصرف محل النزاع إذ تضمن تنازل الطاعن إلى مورث المطعون ضدهم عن ملكية ستة قراريط مقابل تنازل الأخير عن الاستمرار في زراعة باقي الأطيان المؤجرة إليه، وأن قيمة هذه الميزة مبلغ 1200 جنيه، فهو تصرف صحيح وجائز قانوناً لمشروعية سببه، وانتهى - تأسيساً على ذلك - إلى تأييد قضاء الحكم المستأنف برفض الدعوى. فإنه يكون معيباً مما يوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم يتعين القضاء بإلغاء الحكم المستأنف وببطلان التصرف محل التداعي وتسليم الطاعن المساحة محل هذا التصرف.