أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 32 - صـ 2087

جلسة 24 من نوفمبر سنة 1981

برئاسة السيد المستشار/ محمد محمود الباجوري - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: جلال الدين رافع. محمود رمضان، جلال الدين أنسي، وواصل علاء الدين.

(379)
الطعن رقم 65 لسنة 49 القضائية "أحوال شخصية"

1 - وقف "غرض الواقف". محكمة الموضوع.
استظهار غرض الواقف. لقاضي الموضوع حرية فهم عباراته بما لا يخالف المعنى الظاهر لها.
2 - وقف "وقف غير المسلم" "شرط الواقف".
شرط الواقفة المسيحية صرف ريع وقفها على المتعلمين والمعلمين والقائمين بالخدمة بمدارس الجمعية التوفيقية القبطية دون تخصيص. ثبوت الاستحقاق لعموم هؤلاء سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو غيرهم.
3 - وقف "وقف غير المسلم" "النظارة على الوقف".
الوقف الخيري لغير المسلم. النظر عليه: لوزارة الأوقاف إذا كان مصرف الوقف جهة بر عامة. ولمن تعينه المحكمة إذا كان المصرف لغير جهة إسلامية.
1 - المادة العاشرة من القانون رقم 48 لسنة 1946 أحكام الوقف وإن لم ترسم طريقة خاصة لاستظهار المعنى الذي أراده الواقف من كلامه وأطلقت للقاضي فهم غرض الواقف من عباراته، إلا أن هذا الحق وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مقيد بعدم الخروج في هذا الفهم لشرط الواقف عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يخالف.
2 - إذ كان البين من مدونات إشهاد الوقف أن الواقفة وهي قبطية أرثوذكسية أنشأت وقفها ابتدأ على مدارس الجمعية التوفيقية الخيرية القبطية الأرثوذكسية بمصر القاهرة ليصرف ريعه "في مأكل ومشرب المعلمين والأطفال المتعلمين بها والقائمين بالخدمة بالمدارس المذكورة..." وكان ظاهر الإنشاء يدل على أن الواقفة - على ما هو مفهوم من دلالة إطلاقها صرف ريع الوقف على المتعلمين والمعلمين والقائمين بالخدمة في هذه المدارس بدون وصف لدياناتهم أرادت أن يكون مصرف الوقف لعموم هؤلاء سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين من طائفتها الدينية أو من طوائف أخرى إذ لا تخصيص بغير مخصص ولو كانت تريد تخصيص هذا المصرف بأهل طائفتها لنصت على ذلك صراحة.
3 - إذ كان مراد الواقفة ومقصدها الذي يفهم من سياق إنشائها في كتاب الوقف ومما هو ثابت من أن المدارس الموقوف عليها لا يقتصر الالتحاق بها على الطلبة المسيحيين من طائفة الأقباط الأرثوذكس، وإنما تضم طلبة من كافة الأديان مسلمين وغير مسلمين، فإن مصرف الوقف يكون جهة بر عامة ولا تكون ولاية النظر عليه لمن تعينه المحكمة طبقاً للاستثناء المقرر بالمادة الثالثة من القانون رقم 247 لسنة 1953 بشأن النظر على الأوقاف الخيرية وتعديل مصارفها على جهات البر المعدل بالقانون رقم 547 لسنة 1953 وهو حالة وقف غير المسلم على مصرف لغير جهة إسلامية، وإنما يكون النظر عليه لوزارة الأوقاف بحكم القانون طبقاً للأصل المقرر بالمادة الثانية من القانون سالف الذكر.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون ضده بصفته رئيساً لجمعية التوفيق القبطية الخيرية أقام الدعوى رقم 15 لسنة 1972 تصرفات أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية ضد وزارة الأوقاف (الطاعنة) طالباً الحكم بإقامته ناظراً على وقف المرحومة........، وقال بياناً لدعواه إنه بموجب إشهار صادر من محكمة مصر الشرعية بتاريخ 23 - 1 - سنة 1899 وقفت المذكورة كامل أرض وبناء المنزلين المبينين بكتاب الوقف وأنشأته وقفاً خيرياً منجزاً على مدارس جمعية التوفيق الخيرية القبطية الأرثوذكسية بمصر يصرف ريعه عليها بحسب ما يراه رئيس الجمعية ويؤدي إليه اجتهاده فإن تعذر الصرف على ذلك صرف الريع لفقراء النصارى الأقباط الأرثوذكس وشرطت الواقفة أن يكون النظر على الوقف من تاريخ إنشائه لكل من يكون رئيساً لمدارس الجمعية المذكورة. وإذ عين رئيساً للجمعية وبالتالي يؤول إليه النظر على الوقف طبقاً لشروط الواقفة، فقد أقام الدعوى. وبتاريخ 11 - 2 - 1973 حكمت المحكمة بإقامة المطعون ضده ناظراً على الوقف موضوع الدعوى استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 6 لسنة 90 ق أحوال شخصية القاهرة وفي 2 - 6 - 1979 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الطاعنة بهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم أقام قضاءه على سند من أن الواقفة وهي قبطية أرثوذكسية أنشأت وقفها ابتداء على مدارس جمعية التوفيق القبطية الأرثوذكسية وهي جهة بر خاصة بطائفة الأقباط الأرثوذكسية وليست جهة إسلامية واستدل على انصراف مقصود الواقعة إلى هذا بما اشترطته من أن يكون مصرف الوقف إذا تعذر الصرف على هذه الجهة لجهة أخرى غير إسلامية هي فقراء النصارى الأقباط الأرثوذكس ورتب على ذلك أن النظر على الوقف يكون لمن تعينه المحكمة، في حين أن التعليم في مدارس الجمعية ليس وفقاً على الطلاب الأقباط الأرثوذكس وإنما يشمل طبقاً للثابت من الشهادة المقدمة في الدعوى والصادرة من وزارة التربية والتعليم الطلاب المسلمين مما يدل على أن مقصود الواقفة تخصيص ريع الوقف لنشر التعليم بين الطلاب كافة على اختلاف دياناتهم وهو مسلك من مسالك القربة إلى الله سبحانه وتعالى وبر في الإسلام كما هو في غيره من الشرائع السماوية مما من شأنه أن يكون المصرف جهة بر عامة فيكون النظر على الوقف لوزارة الأوقاف طبقاً لنص المادة الثانية من القانون رقم 347 لسنة 1953 المعدل بالقانون رقم 547 لسنة 1953 وإذ خالف الحكم هذا النظر وفسر شرط الواقفة بما خرج به عن مقصودها دون أن يلتفت إلى مدلول الشهادة المقدمة، فإنه يكون قد أخطأ في القانون وشابه القصور.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أن المادة العاشرة من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف وإن لم ترسم طريقة خاصة لاستظهار المعنى الذي أراده الواقف من كلامه وأطلقت للقاضي فهم غرض الواقف من عباراته، إلا أن هذا الحق - وعلى ما جرى به قضاء المحكمة - مقيد بعدم الخروج في هذا الفهم لشرط الواقف عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يخالفه وإذ يبين من مدونات إشهاد الوقف أن الواقفة وهي قبطية أرثوذكسية أنشأت وقفها ابتداء على مدارس الجمعية التوفيقية الخيرية القبطية الأرثوذكسية بمصر "القاهرة" ليصرف ريعه في مأكل ومشرب المعلمين والأطفال المتعلمين بها والقائمين بالخدمة بالمدارس المذكورة وكسوة الأطفال في كل سنة وما يلزم للمدارس المذكورة من أدوات الكتابة والتعليم وذلك على الدوام والاستمرار بحسب ما يراه رئيس الجمعية المذكورة ويؤدي إليه اجتهاده، فإن تعذر الصرف لذلك صرف ريع ذلك لفقراء النصارى الأقباط الأرثوذكس أينما كانوا وحيثما وجدوا...،،، وكان ظاهر هذا الإنشاء يدل على أن الواقفة - على ما هو مفهوم من دلالة إطلاقها صرف ريع الوقف على المعلمين والمتعلمين والقائمين بالخدمة في هذه المدارس بدون وصف لدياناتهم أرادت أن يكون مصرف الوقف لعموم هؤلاء سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين من طائفتها الدينية أو من طوائف أخرى إذ لا تخصيص بغير مخصص ولو كانت تريد تخصيص هذا الصرف بأهل طائفتها لنصت على ذلك صراحة مثلما فعلت بالنسبة لجهة البر التالية والتي حددتها بفقراء النصارى الأقباط الأرثوذكس بالذات. وإذ كان ذلك هو مراد الواقفة ومقصدها الذي يفهم من سياق إنشائها في كتاب الوقف ومما هو ثابت من أن المدارس الموقوف عليها لا يقتصر الالتحاق بها على الطلبة المسيحيين من طائفة الأقباط الأرثوذكس وإنما تضم طلبه من كافة الأديان مسلمين وغير مسلمين، فإن مصرف الوقف يكون جهة بر عامة ولا تكون ولاية النظر عليه لمن تعينه المحكمة طبقاً للاستثناء المقرر بالمادة الثالثة من القانون رقم 247 لسنة 1953 بشأن النظر على الأوقاف الخيرية وتعديل مصارفها على جهات البر المعدل بالقانون رقم 547 لسنة 1953 وهو حالة وقف غير المسلم على مصرف لغير جهة إسلامية، وإنما يكون النظر عليه لوزارة الأوقاف بحكم القانون طبقاً للأصل المقرر بالمادة الثانية من القانون سالف الذكر، وإذ أيد الحكم المطعون فيه رغم ذلك الحكم الابتدائي فيما قضى به من إقامة المطعون ضده ناظراً على الوقف، فإنه يكون قد أخطأ في القانون مما يوجب نقضه. ولما كان الموضوع صالحاً للفصل فيه ولما تقدم فإنه يتعين القضاء في موضوع الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف.