أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 32 - صـ 2101

جلسة 25 من نوفمبر سنة 1981

برئاسة السيد المستشار/ محمد كمال عباس - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد علي هاشم، فهمي عوض مسعد، وجهدان حسين عبد الله ومحمود شوقي أحمد.

(382)
الطعن رقم 964 لسنة 46 القضائية

1 - عقد "عيوب الرضا". بطلان "بطلان التصرفات".
(1) الإكراه المبطل للرضا. تحققه بتهديد المتعاقد بخطر جسيم يحدق بالنفس أو المال أو باستعمال وسائل لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها ويؤدي إلى قبول المتعاقد ما لا يقبله اختياراً. مثال.
2 - محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الإكراه". عقد "عيوب الرضا".
(2) تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها على نفس المتعاقد. أمور موضوعية يستقل بها قاضي الموضوع.
1 - الإكراه المبطل للرضا بتحقق - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض بتهديد المتعاقد المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو باستعماله وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها، ويكون من نتيجة ذلك حصول هبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً. وإذ كان الطاعن لم يخصص اختياراً عين النزاع لاستعمال هيئة الكهرباء دون مقابل وإنما جاء بوليد ضغطها عليه بأنها لن توصل تيار الكهرباء لعقاره إلا بعد تنازله لها بغير مقابل عن الانتفاع بحجرة فيه تضع فيها الكابلات والمحولات المخصصة لاستعمالها، وكانت هيئة الكهرباء هي التي تقوم وحدها دون غيرها بتوصيل تيار الكهرباء إلى عقاره واعتقاداً منه أن خطراً جسيماً وشيك الحلول به ويتهدده من هذا الحرمان، هو عجزه عن الانتفاع بعقاره الانتفاع المعتاد لمثل هذا العقار بغير إنارة بالكهرباء مما أجبره على قبول طلب الهيئة التي استغلت هذه الوسيلة للوصول إلى غرض غير مشروع هو الانتفاع بالحجرة التي تضع فيها الكابلات والمحولات بغير مقابل. إذ كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون خالف الثابت بالأوراق وأسس قضاءه بنفي حصول الإكراه على الطاعن من استدلال غير سائغ.
2 - تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها على نفس المتعاقد هو من الأمور الموضوعية التي تستقل بالفصل فيها محكمة الموضوع، متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 2913 لسنة 1974 شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإلزام المطعون ضدها بأن تدفع له مبلغ 293 جنيهاً و502 مليماً، وقال شرحاً لدعواه أن المطعون ضدها - هيئة كهرباء مصر - شغلت الدكان رقم 9 بالعقار المملوك له بوضع كابلات الكهرباء فيه، وقدرت لجنة الإيجارات أجرته بمبلغ 4 جنيهات يضاف إليها 447 مليماً ضرائب واستحق له مبلغ 293.502 جنيه مقابل الانتفاع عن المدة من 1 - 5 - 1968 حتى 30 - 11 - 1973 وإذ لم تقم بسداده رغم إنذارها فقد أقام الدعوى بتاريخ 26 - 5 - 1975 حكمت المحكمة بإلزام المطعون ضدها بأن تؤدي مبلغ 259.502 جنيه. استأنفت المطعون ضدها هذا الحكم بالاستئناف رقم 2928 لسنة 92 قضائية القاهرة، بتاريخ 30 - 6 - 1976 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها. وحضر وكيل الطاعن وقرر بوفاته وحضوره عن ورثته.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه خلص إلى انصراف إرادة الطاعن والمطعون ضدها إلى تخصيص عين النزاع لوضع الكابلات الكهربائية دون اشتراط أجر لها واستدل على ذلك بما ورد بخطاب الطاعن بتاريخ 9 - 4 - 1968 من تعهده بتسليم الدكان ودفع قيمة المقايسة المطلوبة وأطرح المستندات المقدمة من طرفي الخصومة والتي تضمنت إصرار الهيئة المطعون ضدها على عدم توصيل التيار الكهربائي لعقار الطاعن إلا بعد تخصيص عين النزاع لوضع الكابلات والمحولات دون مقابل، كما لم يعرض لاستجواب محكمة أول درجة للحاضر عن الهيئة الذي أكد تعليق توصيل الكهرباء للعقار على تسليم الدكان بلا مقابل وإذ خلص الحكم رغم ذلك إلى نفي وقوع إكراه فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وخالف الثابت بالأوراق بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أن الإكراه المبطل للرضا إنما يتحقق - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بتهديد المتعاقد المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها، ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبه تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً، وأن تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها على نفس المتعاقد هو من الأمور الموضوعية التي تستقل بالفصل فيها محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة. ولما كان الحكم المطعون فيه نفى وقوع إكراه على الطاعن بقوله "أن إرادة المتعاقدين قد انعقدت على أن يقوم المستأنف عليه - الطاعن - بتخصيص حجرة في العمارة ملكه بدون مقابل للمستأنفة - المطعون ضدها - على أن تتعهد الأخيرة بخصم قيمة المساهمة في الشبكة الأرضية وعلى أن تخصم مبلغ مائة جنيه من التكاليف المطلوبة من المستأنف عليه - الطاعن - عن القوة المحركة بالعمارة والدليل على ذلك مستمد من: أ - تقرير المستأنف عليه - الطاعن - المؤرخ 9 - 4 - 1968 بتسليم الحجرة دون أن يشترط أجراً لها. ب - سداد قيمة المقايسة بتاريخ 20 - 4 - 1968 بعد خصم قيمة المساهمة في الشبكة لجميع التوصيلات "وكان هذا الذي أورده الحكم غير صحيح ذلك أن البين من مدونات الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه أن المطعون ضدها وجهت خطاباً إلى الطاعن مؤرخاً 13 - 2 - 1968 رداً على طلبه توصيل الكهرباء اشترطت فيه لتوصيل الكهرباء لعقاره أن يضع تحت تصرفها مكاناً يخصص لوضع الكابلات والمحولات، ورد الطاعن بخطاب مؤرخ 3 - 4 - 1968 يفيد استعداده لتسليم الدكان بإيجار شهري قدره ستة جنيهات يخضع لتقدير اللجنة، وتضمنت صورة فاتورة السداد المقدمة من الهيئة المؤرخة 20 - 4 - 1968 إصرار الهيئة على عدم توصيل الكهرباء لعقار الطاعن إلا بعد الانتهاء من بناء الكشك وتشغيله، كما قرر الحاضر عن الهيئة عند استجواب محكمة أول درجة له أن الهيئة اشترطت تسليمها الدكان دون مقابل لقاء توصيل الكهرباء لعقار الطاعن، وكان مفاد ذلك أن الطاعن لم يخصص اختياراً عين النزاع - لاستعمال الهيئة دون مقابل وإنما جاء وليد ضغطها عليه بأنها لن توصل تيار الكهرباء لعقاره إلا أن يتنازل لها بغير مقابل عن الانتفاع بحجرة فيه تضع فيها الكابلات والمحولات المخصصة لاستعمالها وإذ كانت هيئة الكهرباء هي التي تقوم وحدها دون غيرها بتوصيل تيار الكهرباء للعقارات ومنها عقار الطاعن فإنه تحت ضغط تهديده بحرمانه من توصيل تيار الكهرباء إلى عقاره واعتقاداً منه أن خطراً جسيماً وشيك الحلول به ويتهدده من هذا الحرمان، هو عجزه عن الانتفاع بعقاره الانتفاع المعتاد لمثل هذا العقار بغير إنارة بالكهرباء مما أجبره على قبول طلب الهيئة التي استغلت هذه الوسيلة للوصول إلى غرض غير مشروع هو الانتفاع بالحجرة التي تضع فيها الكابلات والمحولات بغير مقابل. إذا كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون خالف الثابت بالأوراق وأسس قضاءه بنفي حصول الإكراه على الطاعن من استدلال غير سائغ بما يتعين معه نقض الحكم دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه ولما تقدم تعين القضاء بتأييد الحكم المستأنف.